تصور رواية "بوسو ويلز" (Poso Wells) للكاتبة غابرييلا أليمان مرشحًا رئاسيًا غوغائيًا، ونساءً يختفين من مناطق عشوائية، وشركات تعدين دولية، والصحافة والشعر ومراقبي طيور، وبراكين ثائرة، وأفعى سامة أليفة، ومنظمين لقواعد شعبية محلية، وقادة سياسيين، وقتلة مأجورين. اكتشفت هذا العمل المبهر في معرض هافانا الدولي للكتاب عام 2014. عايدة بحر، الكاتبة والمحررة الكوبية التي قمت بترجمة أعمالها، كانت تقدم طبعة كوبية جديدة من رواية غابرييلا أليمان، كانت قد نُشرت سابقًا في الإكوادور وإسبانيا. وقالت إن الفصل الأول كان نموذجًا مثاليًا للأدب البوليسي/ السوداوي (قالت بالإسبانية "نوفيلا نيغرا"). أما عن بقية الكتاب، فلم تكن متأكدة من تصنيفه، لكنه كان جيدًا. طلبت مني أن آتي إلى العرض التقديمي وألتقي بالمؤلف. قرأت الكتاب بأكمله في طائرة العودة، وأحببته - الصفات المشوقة، والبوصلة الأخلاقية، واللعب بالكلمات، والمزيج من الواقعية والماورائيات، ومن الفكاهة والتفاؤل مع اليأس. ولكنه، كما قلت لنفسي، كتاب جنوني بحق، لدرجة أنه مهما كانت رغبتي في ترجمته، فمن ذا الذي سينشره في الولايات المتحدة؟
لذا تركت الفكرة لسنة، وبعد ذلك، عن طريق صدفة أخرى، أجريت محادثة مع إحدى المحررات، ووصفت لي الذوق العام لشركتها ذلك الشهر، وفكرت، حسنًا، من يدري؟ لذا قمت بترجمة عينة وروّجتها على أنها "قصة تشويقية نسوية بيئية مع لمسات ماورائية ونهاية سعيدة". أمضت هذه المحررة عامًا في محاولة إقناع رؤسائها بنشر تلك الرواية، ثم أخبرتني أخيرًا أنه من غير الممكن نشره. ولكن بما أن العينة المترجمة لازالت معي، فقد بدأت بتقديمها إلى أماكن أخرى، معظمها دور نشر أدبية، وأضفت لها "ولمسات من التعالق النصي" . كانت إلين كاتزنبرغر من دار نشر سيتي لايتس على استعداد للمخاطرة، وتم نشر الكتاب. وقد اختيرت الرواية بالفعل من قبل رابطة بائعي الكتب الأمريكيين كواحدة من أفضل 10 كتب للبالغين في موسم الصيف/ الخريف. وكان هذا أول ظهور لها باللغة الإنجليزية بالطبع. نشرت غابرييلا أليمان ثلاث روايات والعديد من الكتب القصصية باللغة الإسبانية، أصدرتها دور نشر مختلفة في أمريكا اللاتينية وإسبانيا.
لم أتقابل مع غابرييلا أليمان شخصيًا منذ أن كنت في هافانا - سنظهر معًا في الخريف من أجل بعض القراءات لبوسو ويلز - لكننا تبادلنا الحوار كثيرًا عبر البريد الإلكتروني، كما يفعل المؤلفون والمترجمون. فيما يلي جزء من تلك المحادثة على LARB.
غابرييلا أليمان: عندما كنت في الرابعة عشرة، قرأت رواية ويلز القصيرة "بلد العميان" (The Country of The "Blind). لم أصدق أن أحد المؤلفين الإنجليز المفضلين لدي كان قد اختار الإكوادور لتدور فيها أحداث روايته. لم يأت ويلز قط إلى هنا، لكنه وضع أحداث القصة في وادٍ أسفل كوتوباكسي، وهو بركان نشط في الجزء الشمالي من البلاد، يسكنه عرق خرافي وكلهم من المكفوفين. بعد سنوات، في حوالي عام 2004، كنت أستعد للانتقال، ووجدت الكتاب وأعدت قراءته، ثم قلت لنفسي علي أن أفعل شيئًا به. في الإكوادور، كنا نقترب من انتخابات رئاسية وصفها البعض بأنها اختيار "بين السرطان والإيدز". وفي الوقت نفسه، كانت هناك تقارير متكررة حول نساء "يختفين". في ذلك المناخ السياسي، كان تصوير الإكوادور كدولة للعميان بمثابة نبوءة فريدة. قمت باختراع حي فقير يدعى بوسو ويلز. "Poso" تعني "الرواسب"، وهي ليست مثل "pozo" بمعنى "بئر"، ولكنهما يبدوان معًا كترجمة لاسم الكاتب الذي كانت تلاحقني قصته طوال حياتي. أراد رجال ويلز العميان فقء أعين متسلق الجبال الذي سقط في الوادي، لأنه كان مختلفًا عنهم. ما كانوا ليقبلوه إلا إذا كان مثلهم. وهذا يقول الكثير عن المكان الذي نحن فيه الآن، عن العميان الذين يتحالفون مع السلطة لتخليد أنفسهم. أحضرت رواية الرجال العميان من جبال الأنديز إلى المدينة الساحلية الأكبر في الكثافة السكانية غواياكيل. لطالما كانت غواياكيل مدينة تملؤها التناقضات، حيث تتواجد الثروة المالية بين أفقر الأحياء في البلاد. بدأت بالكتابة، ثم فجأة جرت المياه في مجاريها وانتظمت الأحداث. ومع تطور القصة، يتحالف أولئك الرجال مع سياسي فاسد، ولدينا منهم الكثير في الإكوادور (ربما يمكنني القول في كل مكان في العالم).
بوسو بها عدد من المستويات، أحدها هو قربها من الخيال البوليسي. شخص ما - في كتابي، وهو صحفي - يبحث عن الحقيقة. إنني أميل إلى الاعتقاد بأن الصحفيين في أمريكا اللاتينية هم أبطال خارقون ومحققون مجتمعون في شخص واحد. الخيال البوليسي ليس من تقاليدنا الأدبية في أمريكا اللاتينية، ربما لأن شخصية المحقق الخاص لا توجد كمهنة في الحياة الحقيقية. أقرب ما لدينا للشخصيات التي تبحث عن الحقيقة بعناد هم الصحفيون. عادةً ما يعملون بدون تمويل لإجراء تحقيقاتهم، وعادةً ما تكون المؤسسة ضدهم، وعادةً ما يكون ذلك بدون مساندة أو وفرة من الوقت إلى جانبهم.
في مرحلة ما من الكتابة، كنت أقرأ الكثير من أعمال ديكنز ولاحظت نهايات قصصه المشوقة التي كان يكتبها للمجلات الدورية. الإكوادور ليست بلدًا يعتز بعادة القراءة، كنت أبحث عن طريقة مختلفة لجعل الناس يقرأون الأدب حتى وإن كانوا عادةً لا يشترون الكتب. كتبت الفصول الخمسة الأولى، وقبل انتخابات عام 2006 بثلاثة أشهر فقط، ذهبت إلى صحف مختلفة، أملََا في جذب اهتمامهم نشر أجزاء أسبوعية. ولأنني كنت أعتقد أن الصحف ستكون مهتمة، فقد ضمّنت الكثير من الأخبار "الحقيقية" في الرواية، ليس فقط حول الانتخابات، بل حقيقة أن الكثير من المنازل كانت تنهار في ضواحي غواياكيل، ويرجع ذلك في الغالب إلى الميناء الجديد وحمولة القوارب المارة. إلا أن تفسيري للأمر كان يدور حول أنفاق تحت المدينة، حيث يحتجز الرجال العميان النساء المختفيات. لم تنجح فكرة الجريدة، ولكنها ساعدت في تشكيل الكتاب.