رشد (سن)
Age of discretion - Age de raison
الرشد (سن -)
تعريف الشخص الراشد ومعايير الرشد
الرشد فكرة تشير إلى معان متقاربة وتقاس بمعايير مختلفة تبعاً للمجال الذي تعمل فيه. فالرشد - في معناه العام - يعني القدرة على اتخاذ التصرف الصحيح في الموقف المعين، بعد تدبر معطياته وعواقبه. وهو يعني في لغة المال: الصلاح في حفظ المال وحسن التصرف فيه (المادة 947 من مجلة الأحكام العدلية)، وفي المصطلح القانوني تختلط فكرة الرشد بمعياره وهو بلوغ الشخص سناً معينة (ثمانية عشر عاماً في القانون السوري) وفيها يفترض القانون - كما هي العادة - اكتمال التمييز.
وفي العلوم التي تقيم أحكامها على أساس الاستدلالات العقلية، يعني الرشد النضوج العقلي، وهو القدرة على استخراج النتائج استدلالاً من أصل أو مبدأ صحيح. ذلك أن ما يميز النمط العقلي في الإدراك هو أنه حركة انتقالية بين طرفين يتم بها استدلال نتيجة من مقدماتها أو شواهدها. وقيام العقل بوظيفته الاستدلالية يقتضي، فضلاً عن صحة المقدمات أو الشواهد التي انطلقت منها حركة بلوغه، درجة من النضج - تسمى الرشد - وهي تتوافر عادة إذا اجتمعت للشخص عدة صفات نذكر فيما يأتي أهمها:
1- القدرة على إدراك الواقع واستيعابه على حقيقته - دون وهم - على نحو يمكنه من إقامة أحكامه على أساسه.
2- القدرة على استخلاص المجردات كالأفكار والمبادئ والقوانين من الواقع المعروف.
3- وثالث الصفات التي يتميز بها الإنسان الناضج عقلاً - أي الراشد - هي تقدير النسب الصحيحة بين الأشياء من حيث كمياتها وقيمتها بالقياس إلى غيرها، بحيث يوضع الشيء في موضعه الصحيح الذي يتفق مع حقيقته.
4- القدرة على تحليل المواقف والأفكار في جزئياتها المكونة وظروفها المحيطة، وضبط الحكم في ضوء ظروف كل حالة على حدة. ومثل هذه الصفات لا تتوافر لعامة الناس
ولكنها تجتمع لمن بلغ سن «النضج العقلي» أي الرشد الذي يستطيع صاحبه أن يقوم بعملية الاستدلال العقلي.
وتستخدم فكرة الرشد - في مجال عمل القانون وهو تنظيم العلاقات بين الناس - كضابط من ضوابط صحة التصرفات القانونية - كالبيع والإيجار - وهذا هو الأساس في هذا المقام. وللتوصل إلى معرفة كيفية استخدام القانون، لفكرة الرشد ووصف شخص دون آخر بكونه راشداً يتعين عرض عدة أفكار مترابطة: هي أهلية الأداء ومناطها والعوامل المؤثرة فيها للانتهاء إلى تقسيم الأشخاص من حيث أهلية الأداء.
التمييز مناط أهلية الأداء الناقصة
تثبت الشخصية القانونية لكل إنسان منذ ولادته حياً، فيكون صالحاً لإسناد الحقوق له وثبوت الالتزامات عليه. على أن مباشرة الشخص لبعض السلطات التي تخولها له حقوقه؛ أو قيامه بالواجبات التي تفرضها عليه التزاماته يقتضيان توافر قدر من التمييز والإدراك لديه ليكون له إرادة يعتد بها القانون. وبعبارة أخرى إن الحقوق والالتزامات تقتضي، سواء في نشأتها أو مباشرتها عن طريق التصرفات القانونية، توافر قدر من التمييز والإدراك لدى من يقوم بها يجعل له إرادة يعتد بها القانون في ترتيب أثر هذه التصرفات. فإذا توافرت هذه الإرادة لدى الشخص قيل إنه متمتع بأهلية الأداء الناقصة، فأهلية الأداء هي إذن، صلاحية الشخص للقيام بالتصرفات القانونية فيما يخصه من أموال ولحسابه الشخصي.
وتوافر أهلية الأداء لدى الشخص شرط لقيامه بالتصرفات القانونية التي تخصه، وبصفة خاصة تلك التي تقع على أمواله، وصحتها.
ويقتضي تعريف الشخص الراشد التعرض للعوامل المؤثرة في أهلية الأداء وتدرجها بحسب السن.
العوامل المؤثرة في أهلية الأداء ومباشرتها
من الطبيعي أن يتأثر تمييز الشخص بسنه فتمييزه يتدرج بتدرج سنه، كما أنه يتأثر بحالته العقلية أو الصحية، فقد يبلغ الشخص سن الرشد الذي يتوفر عنده كمال التمييز عادة، أو هكذا افترض القانون، ولكن يلحقه عارض عقلي أو صحي يؤثر في تمييزه، وهذه هي عوارض الأهلية. وقد يكتمل تمييز الشخص، ولكن يلحقه مانع يمنعه من القيام بنفسه بالتصرفات القانونية وهذه موانع الأهلية (ومثالها الغيبوبة والعجز الجسماني).
وهكذا يفهم نص القانون الذي يقضي بأن كل شخص بلغ سن الرشد متمتعاً بقواه العقلية ولم يحجر عليه، يكون كامل الأهلية لمباشرة حقوقه المدنية عن طريق التصرفات القانونية (المادة/ 46-1 من القانون المدني السوري، المادة 44-1 من القانون المدني المصري).
وهكذا أيضاً فإن أسباب انعدام أهلية الأداء أو نقصها ترجع إلى عامل السن وإلى عوارض الأهلية وهي: الجنون والعته والسفه والغفلة.
فإذا لم تكتمل أهلية الأداء لدى الشخص لأي سبب، فإنه لا يكون قادراً في الأصل على القيام بالتصرفات القانونية، ولذلك يقيم له القانون نائباً له ولاية أو سلطة القيام بهذه التصرفات لحساب الخاضع للولاية، الذي ينصرف إليه أثر هذه التصرفات. ويلاحظ أن الولاية، وهي سلطة، تثبت لشخص على نفس أو مال شخص آخر، فإذا وقعت على المال سميت الولاية على المال، وإذا تعلقت بالنفس (كزواج المولى عليه) سميت الولاية على النفس.
تدرج الأهلية بحسب السن
سبق القول إن أهلية الأداء الناقصة ترتبط بالتمييز، ولما كانت القدرة على التمييز تتدرج عند الإنسان تبعاً لسنه، فإن أهلية الأداء تتدرج هي الأخرى من الانعدام إلى النقصان إلى الكمال. وضبطاً لحالة الشخص من حيث الأهلية يلجأ المشرع إلى وضع قاعدة عامة بصيغة جامدة تتحدد بها درجة التمييز لدى الشخص عن طريق تقسيم أدوار الحياة إلى ثلاثة
يقابلها ثلاث مراحل لأهلية الأداء:
1- (المرحلة الأولى) انعدام الأهلية: وهي تبدأ من ولادة الإنسان إلى بلوغه سن السابعة، وفيها يعتبر الشخص عديم التمييز وبالتالي عديم الأهلية، ويطلق على الشخص في هذه المرحلة الصبي غير المميز. وقد ألحق القانون بصغير السن، الذي لم يبلغ السابعة، المجنون والمعتوه من حيث انعدام الأهلية (المادة 47 ـ 1 من القانون المدني السوري، المادة 45 ـ 1 من القانون المدني المصري). وبذلك فإنه إذا باشر الصغير غير المميز أي تصرف قانوني، فإنه يقع باطلاً ولو كان نافعاً له نفعاً محضاً كالهبة له، ومن هنا جاء نظام الولاية (أو الوصاية) لينوب بمقتضاه الولي أو الوصي عن عديم الأهلية في إبرام التصرفات القانونية لحسابه. أما بالنسبة لتصرفات المجنون والمعتوه فقد وضع القانون لها نظاماً خاصاً.
2- (المرحلة الثانية) نقص الأهلية: وهي تبدأ من سن السابعة وتنتهي ببلوغ سن الرشد، وفيها يكون الشخص مميزاً وإن لم يكتمل تمييزه وبذلك يكون ناقص الأهلية. ويطلق على الشخص في هذه المرحلة الصبي المميز أو القاصر. ويعتبر الشخص أيضاً ناقص الأهلية، ولو بلغ سن الرشد، إذا كان قد بلغها سفيهاً أو ذا غفلة (المادة 48 من القانون المدني السوري، المادة 46 مدني مصري). ويختلف النظام الذي تخضع له تصرفات ناقص الأهلية تبعاً لطبيعة العامل الذي يؤدي إلى نقص الأهلية؛ فإذا تعلَّق العامل المؤثر في أهلية الأداء بتدبيره، في الحالات التي حددها القانون (السفه والغفلة) فإن تصرفاته تخضع لنظام خاص. أما إذا كان نقص الأهلية يرجع إلى عامل السن، فإن تصرفات الشخص تخضع لقاعدة عامة يمكن أن يرد عليها بعض الاستثناءات.
والقاعدة التي تحكم تصرفات الصبي المميز هي أنها تكون صحيحة إذا كانت نافعة له نفعاً محضاً (كالهبة له)، بينما تقع تصرفاته الضارة به ضرراً محضاً (كالوصية الصادرة منه لغيره) باطلة بطلاناً مطلقاً. أما التصرفات الدائرة بين النفع والضرر (كالبيع والشراء). فالأصل فيها أنه ليس للصبي المميز مباشرتها بنفسه، وإنما يباشرها نيابة عنه وليه أو وصيه؛ فإن باشرها الصبي المميز بنفسه كانت في القانون قابلة للإبطال لمصلحته (المادة 112 مدني سوري والمادة 111 مدني مصري)؛ أي يكون له بعد بلوغه سن الرشد وأيضاً لوليه أو وصيه أن يطلب الحكم بإبطال التصرف. وقد أجاز القانون (بصفة خاصة قانون الولاية على المال) للصبي المميز مباشرة تصرفات معينة على سبيل الاستثناء، ويتدرج القانون في منح هذه الاستثناءات كلما تقدم الصبي المميز في سنه، وتتعلق هذه التصرفات بالمال المخصص لنفقة الصبي المميز وكسب عمله والمهر والنفقة، وبمباشرة عقد العمل والتجارة وإدارة أمواله.
3- (المرحلة الثالثة) اكتمال الأهلية: وهي تبدأ من سن الرشد وتنتهي بالوفاة، وفيها يكون الشخص من وجهة نظر القانون كامل التمييز وبالتالي كامل الأهلية، ويطلق على الشخص في هذه المرحلة اصطلاح الرشيد أو الراشد. وهكذا ربط القانون بين توافر صفة الرشد في الشخص وبين بلوغه سناً معينة هي إحدى وعشرون سنة ميلادية كاملة في القانون المصري وثماني عشر سنة كاملة في القانون السوري. ولكن بلوغ هذا السن لا يكفي وحده لاكتمال الأهلية بل يجب فضلاً عن ذلك أن يكون الشخص متمتعاً بقواه العقلية ولم يحجر عليه لعارض من عوارض الأهلية (وهي الجنون والعته والسفه والغفلة)، فإذا بلغ الشخص سن الرشد متمتعاً بقواه العقلية ولم يحجر عليه صار كامل الأهلية، فيستطيع أن يباشر كل أنواع التصرفات القانونية. وإذا اكتملت أهلية الشخص انتهت الولاية أو الوصاية على أمواله.
أحمد شرف الدين
Age of discretion - Age de raison
الرشد (سن -)
تعريف الشخص الراشد ومعايير الرشد
الرشد فكرة تشير إلى معان متقاربة وتقاس بمعايير مختلفة تبعاً للمجال الذي تعمل فيه. فالرشد - في معناه العام - يعني القدرة على اتخاذ التصرف الصحيح في الموقف المعين، بعد تدبر معطياته وعواقبه. وهو يعني في لغة المال: الصلاح في حفظ المال وحسن التصرف فيه (المادة 947 من مجلة الأحكام العدلية)، وفي المصطلح القانوني تختلط فكرة الرشد بمعياره وهو بلوغ الشخص سناً معينة (ثمانية عشر عاماً في القانون السوري) وفيها يفترض القانون - كما هي العادة - اكتمال التمييز.
وفي العلوم التي تقيم أحكامها على أساس الاستدلالات العقلية، يعني الرشد النضوج العقلي، وهو القدرة على استخراج النتائج استدلالاً من أصل أو مبدأ صحيح. ذلك أن ما يميز النمط العقلي في الإدراك هو أنه حركة انتقالية بين طرفين يتم بها استدلال نتيجة من مقدماتها أو شواهدها. وقيام العقل بوظيفته الاستدلالية يقتضي، فضلاً عن صحة المقدمات أو الشواهد التي انطلقت منها حركة بلوغه، درجة من النضج - تسمى الرشد - وهي تتوافر عادة إذا اجتمعت للشخص عدة صفات نذكر فيما يأتي أهمها:
1- القدرة على إدراك الواقع واستيعابه على حقيقته - دون وهم - على نحو يمكنه من إقامة أحكامه على أساسه.
2- القدرة على استخلاص المجردات كالأفكار والمبادئ والقوانين من الواقع المعروف.
3- وثالث الصفات التي يتميز بها الإنسان الناضج عقلاً - أي الراشد - هي تقدير النسب الصحيحة بين الأشياء من حيث كمياتها وقيمتها بالقياس إلى غيرها، بحيث يوضع الشيء في موضعه الصحيح الذي يتفق مع حقيقته.
4- القدرة على تحليل المواقف والأفكار في جزئياتها المكونة وظروفها المحيطة، وضبط الحكم في ضوء ظروف كل حالة على حدة. ومثل هذه الصفات لا تتوافر لعامة الناس
ولكنها تجتمع لمن بلغ سن «النضج العقلي» أي الرشد الذي يستطيع صاحبه أن يقوم بعملية الاستدلال العقلي.
وتستخدم فكرة الرشد - في مجال عمل القانون وهو تنظيم العلاقات بين الناس - كضابط من ضوابط صحة التصرفات القانونية - كالبيع والإيجار - وهذا هو الأساس في هذا المقام. وللتوصل إلى معرفة كيفية استخدام القانون، لفكرة الرشد ووصف شخص دون آخر بكونه راشداً يتعين عرض عدة أفكار مترابطة: هي أهلية الأداء ومناطها والعوامل المؤثرة فيها للانتهاء إلى تقسيم الأشخاص من حيث أهلية الأداء.
التمييز مناط أهلية الأداء الناقصة
تثبت الشخصية القانونية لكل إنسان منذ ولادته حياً، فيكون صالحاً لإسناد الحقوق له وثبوت الالتزامات عليه. على أن مباشرة الشخص لبعض السلطات التي تخولها له حقوقه؛ أو قيامه بالواجبات التي تفرضها عليه التزاماته يقتضيان توافر قدر من التمييز والإدراك لديه ليكون له إرادة يعتد بها القانون. وبعبارة أخرى إن الحقوق والالتزامات تقتضي، سواء في نشأتها أو مباشرتها عن طريق التصرفات القانونية، توافر قدر من التمييز والإدراك لدى من يقوم بها يجعل له إرادة يعتد بها القانون في ترتيب أثر هذه التصرفات. فإذا توافرت هذه الإرادة لدى الشخص قيل إنه متمتع بأهلية الأداء الناقصة، فأهلية الأداء هي إذن، صلاحية الشخص للقيام بالتصرفات القانونية فيما يخصه من أموال ولحسابه الشخصي.
وتوافر أهلية الأداء لدى الشخص شرط لقيامه بالتصرفات القانونية التي تخصه، وبصفة خاصة تلك التي تقع على أمواله، وصحتها.
ويقتضي تعريف الشخص الراشد التعرض للعوامل المؤثرة في أهلية الأداء وتدرجها بحسب السن.
العوامل المؤثرة في أهلية الأداء ومباشرتها
من الطبيعي أن يتأثر تمييز الشخص بسنه فتمييزه يتدرج بتدرج سنه، كما أنه يتأثر بحالته العقلية أو الصحية، فقد يبلغ الشخص سن الرشد الذي يتوفر عنده كمال التمييز عادة، أو هكذا افترض القانون، ولكن يلحقه عارض عقلي أو صحي يؤثر في تمييزه، وهذه هي عوارض الأهلية. وقد يكتمل تمييز الشخص، ولكن يلحقه مانع يمنعه من القيام بنفسه بالتصرفات القانونية وهذه موانع الأهلية (ومثالها الغيبوبة والعجز الجسماني).
وهكذا يفهم نص القانون الذي يقضي بأن كل شخص بلغ سن الرشد متمتعاً بقواه العقلية ولم يحجر عليه، يكون كامل الأهلية لمباشرة حقوقه المدنية عن طريق التصرفات القانونية (المادة/ 46-1 من القانون المدني السوري، المادة 44-1 من القانون المدني المصري).
وهكذا أيضاً فإن أسباب انعدام أهلية الأداء أو نقصها ترجع إلى عامل السن وإلى عوارض الأهلية وهي: الجنون والعته والسفه والغفلة.
فإذا لم تكتمل أهلية الأداء لدى الشخص لأي سبب، فإنه لا يكون قادراً في الأصل على القيام بالتصرفات القانونية، ولذلك يقيم له القانون نائباً له ولاية أو سلطة القيام بهذه التصرفات لحساب الخاضع للولاية، الذي ينصرف إليه أثر هذه التصرفات. ويلاحظ أن الولاية، وهي سلطة، تثبت لشخص على نفس أو مال شخص آخر، فإذا وقعت على المال سميت الولاية على المال، وإذا تعلقت بالنفس (كزواج المولى عليه) سميت الولاية على النفس.
تدرج الأهلية بحسب السن
سبق القول إن أهلية الأداء الناقصة ترتبط بالتمييز، ولما كانت القدرة على التمييز تتدرج عند الإنسان تبعاً لسنه، فإن أهلية الأداء تتدرج هي الأخرى من الانعدام إلى النقصان إلى الكمال. وضبطاً لحالة الشخص من حيث الأهلية يلجأ المشرع إلى وضع قاعدة عامة بصيغة جامدة تتحدد بها درجة التمييز لدى الشخص عن طريق تقسيم أدوار الحياة إلى ثلاثة
يقابلها ثلاث مراحل لأهلية الأداء:
1- (المرحلة الأولى) انعدام الأهلية: وهي تبدأ من ولادة الإنسان إلى بلوغه سن السابعة، وفيها يعتبر الشخص عديم التمييز وبالتالي عديم الأهلية، ويطلق على الشخص في هذه المرحلة الصبي غير المميز. وقد ألحق القانون بصغير السن، الذي لم يبلغ السابعة، المجنون والمعتوه من حيث انعدام الأهلية (المادة 47 ـ 1 من القانون المدني السوري، المادة 45 ـ 1 من القانون المدني المصري). وبذلك فإنه إذا باشر الصغير غير المميز أي تصرف قانوني، فإنه يقع باطلاً ولو كان نافعاً له نفعاً محضاً كالهبة له، ومن هنا جاء نظام الولاية (أو الوصاية) لينوب بمقتضاه الولي أو الوصي عن عديم الأهلية في إبرام التصرفات القانونية لحسابه. أما بالنسبة لتصرفات المجنون والمعتوه فقد وضع القانون لها نظاماً خاصاً.
2- (المرحلة الثانية) نقص الأهلية: وهي تبدأ من سن السابعة وتنتهي ببلوغ سن الرشد، وفيها يكون الشخص مميزاً وإن لم يكتمل تمييزه وبذلك يكون ناقص الأهلية. ويطلق على الشخص في هذه المرحلة الصبي المميز أو القاصر. ويعتبر الشخص أيضاً ناقص الأهلية، ولو بلغ سن الرشد، إذا كان قد بلغها سفيهاً أو ذا غفلة (المادة 48 من القانون المدني السوري، المادة 46 مدني مصري). ويختلف النظام الذي تخضع له تصرفات ناقص الأهلية تبعاً لطبيعة العامل الذي يؤدي إلى نقص الأهلية؛ فإذا تعلَّق العامل المؤثر في أهلية الأداء بتدبيره، في الحالات التي حددها القانون (السفه والغفلة) فإن تصرفاته تخضع لنظام خاص. أما إذا كان نقص الأهلية يرجع إلى عامل السن، فإن تصرفات الشخص تخضع لقاعدة عامة يمكن أن يرد عليها بعض الاستثناءات.
والقاعدة التي تحكم تصرفات الصبي المميز هي أنها تكون صحيحة إذا كانت نافعة له نفعاً محضاً (كالهبة له)، بينما تقع تصرفاته الضارة به ضرراً محضاً (كالوصية الصادرة منه لغيره) باطلة بطلاناً مطلقاً. أما التصرفات الدائرة بين النفع والضرر (كالبيع والشراء). فالأصل فيها أنه ليس للصبي المميز مباشرتها بنفسه، وإنما يباشرها نيابة عنه وليه أو وصيه؛ فإن باشرها الصبي المميز بنفسه كانت في القانون قابلة للإبطال لمصلحته (المادة 112 مدني سوري والمادة 111 مدني مصري)؛ أي يكون له بعد بلوغه سن الرشد وأيضاً لوليه أو وصيه أن يطلب الحكم بإبطال التصرف. وقد أجاز القانون (بصفة خاصة قانون الولاية على المال) للصبي المميز مباشرة تصرفات معينة على سبيل الاستثناء، ويتدرج القانون في منح هذه الاستثناءات كلما تقدم الصبي المميز في سنه، وتتعلق هذه التصرفات بالمال المخصص لنفقة الصبي المميز وكسب عمله والمهر والنفقة، وبمباشرة عقد العمل والتجارة وإدارة أمواله.
3- (المرحلة الثالثة) اكتمال الأهلية: وهي تبدأ من سن الرشد وتنتهي بالوفاة، وفيها يكون الشخص من وجهة نظر القانون كامل التمييز وبالتالي كامل الأهلية، ويطلق على الشخص في هذه المرحلة اصطلاح الرشيد أو الراشد. وهكذا ربط القانون بين توافر صفة الرشد في الشخص وبين بلوغه سناً معينة هي إحدى وعشرون سنة ميلادية كاملة في القانون المصري وثماني عشر سنة كاملة في القانون السوري. ولكن بلوغ هذا السن لا يكفي وحده لاكتمال الأهلية بل يجب فضلاً عن ذلك أن يكون الشخص متمتعاً بقواه العقلية ولم يحجر عليه لعارض من عوارض الأهلية (وهي الجنون والعته والسفه والغفلة)، فإذا بلغ الشخص سن الرشد متمتعاً بقواه العقلية ولم يحجر عليه صار كامل الأهلية، فيستطيع أن يباشر كل أنواع التصرفات القانونية. وإذا اكتملت أهلية الشخص انتهت الولاية أو الوصاية على أمواله.
أحمد شرف الدين