Fareed Zaffour
15 أبريل 2022 م
التاريخ
13 أبريل 2022 ·
تاريخ العصر المملوكي .. (6)
#جواهر_Mamluk_Dynasties
-------------------------------------------------------
توقفنا في الفقرة السابقة عندما فرض المماليك بقيادة شجرة الدر شروطهم على الصليبيين مقابل إطلاق سراح لويس و أقربائه الأسرى ؛ وهي شروط اتسمت بالقسوة البالغة لكن الصليبيين لم يكونوا في وضع يسمح لهم بالمناورة في المفاوضات مما اضطرهم لقبولها وهي :
1▪︎ يعيد الملك الفرنسي لويس التاسع مدينة دمياط إلى المصريين .
2▪︎ يطلق سراح الأسرى المسلمين لديه.
3▪︎لا يهاجم السواحل الإسلامية مرة أخرى .
4▪︎ يدفع مبلغ خمسمائة ألف دينار مقابل إخلاء سبيله وسبيل الأسرى المسيحيين منذ عهد الملك العادل الأيوبي من جهة، وتعويضة عما أحدثه الصليبيون في دمياط من النهب خلال إقامتهم بها من جهة أخرى.
5▪︎ يدفع الملك الفرنسي نصف المبلغ المتفق عليه فورا وقبل إطلاق.سراحه، ويدفع النصف الآخر بعد مغادرته مصر ووصوله إلى عكا.
6▪︎ يتعهد المسلمون، من جانبهم، برعاية مرضى الصليبيين في دمياط، والمحافظة على معدات الصليبيين إلى أن تحين الفرصة لأخذها .
7▪︎ تحدد مدة المعاهدة بعشر سنوات .
وقد حدثت خلافات داخلية بين المماليك بشأن الإفراج عن الملك الفرنسي أو الاحتفاظ به ؛ إذ بعد أن وضع المسلمون يدهم على دمياط، أخذوا يتداولون في مسألة الإبقاء عليه وعلى الأسرى الصليبيين .. لكن بالنهاية اتفقوا على اطلاقهم .
وبذلك نجحت شجرة الدر في رد ذلك الخطر الذي تعرضت له مصر، وأقيمت الأفراح في مصر، وفي كل إقليم إسلامي، احتفالا بهذا النصر وعادت العساكر المملوكية إلى القاهرة يوم (9 صفر عام 648 ه / 13 أيار عام 1250 م) .
--------------‐-----------------------------------------------------
بعد أن نجحت شجرة الدر في تصفية الحملة الصليبية السابعة، واستعادت دمياط عملت على تدعيم مركزها الداخلي ، فأخذت تتقرب من الخاصة والعامة، وتعمل على إرضائهم بشتى الوسائل، فخلعت على الأمراء والعساکر وأرباب الدولة، وأنفقت عليهم الهبات والأموال، وأنعمت عليهم بالرتب والمناصب العالية ومنحتهم الإقطاعات الواسعة، تقديرا لما أبدوه من ضروب الشجاعة في طرد الصليبيين، كما خففت الضرائب عن الرعية لتستميل قلوبهم .(*1)
فهل أدت هذه الأعمال إلى تدعيم مركزها الداخلي؟ أسارع إلى الإجابة.بالنفي، ذلك أن المصريين عموما لم يتقبلوا وجود امرأة في السلطة، والمسلمون لم يعتادوا في تاريخهم أن يسلموا زمام أمورهم لامرأة .
ويبدو أن السلطانة شعرت بهذا الحرج، فحرصت على ألا تبرز إسمها مكشوفا في المناشير . فكانت توقع بأسماء وتعابير تمت لها بالصلة، مثل "والدة خليل" .
وجعلت صيغة الدعاء على المنابر "احفظ اللهم الجهة الصالحية ملكة المسلمين، عصمة الدنيا والدين، أم خليل، المستعصمية* صاحبة الملك الصالح "
*{ يروي لين بول في كتابه " تاريخ مصر في العصور الوسطى" ، أن كلمة المستعصمية تدل على أن شجرة الدر بدأت حياتها كجارية للخليفة العباسي المستعصم قبل أن يشتريها الصالح أيوب . غير أن صمت المصادر العربية عن هذه المسألة يحمل على الاعتقاد أن شجرة الدر ربما اقزت هذه التسمية في خطبتها وسكنها ترضية للخليفة العباسي كي يعترف بشرعية حكمها. } (*2)
ونقشت إسمها على السكة(العملة) في صيغة :
"المستعصمية الصالحية ملكة المسلمين والدة خليل أمير المؤمنین " .
اما الخطباء، فكانوا يدعون لها، في دعاء يوم الجمعة على المنابر بصيغة : "اللهم احفظ وأدم سلطان الست الرفيع، والحجاب المنيع، ملكة المسلمين والدة الملك خليل "
أو وبعبارة احفظ اللهم الجهة الصالحية ملكة المسلمين عصمة الدنيا والدين أم خليل المستعصمية صاحبة الملك الصالح (*3).
وقد هدفت أن تضفي الصفة الشرعية على حكمها، لذلك كانت تتقرب من الخلافة العباسية حينا وتتمسك بلقب المستعصمية إشارة إلى صلتها بالخليفة العباسي المستعصم ، وأحيانا تتمسك بلقب "أم خلیل صاحبة الملك الصالح" في إشارة إلى صلتها بالبيت الأيوبي والملك الصالح نجم الدين أيوب بوجه خاص .(*4)
وقامت المظاهرات في القاهرة، وحدثت اضطرابات عديدة مناهضة لحكمها، بعد أن اتهمها المعارضون بالتساهل مع الصليبيين، وحملوها مسؤولية إطلاق سراح الملك الفرنسي لويس التاسع الذي ما أن أطلق سراحه حتى ذهب إلى
عكا ليواصل نشاطه الصليبي في بلاد الشام.
وعمد القيمون على الدولة إلى غلق أبواب مدينة القاهرة للحؤول دون تسرب أنباء الاضطرابات إلى الخارج.
ويبدو أن رجال الدين كانوا وراء هذه الحركة المعارضة، بدليل أن الشيخ عزالدين بن عبد السلام، وهو أكبر زعيم ديني، في ذلك الوقت، كتب كتابة حول ما قد يصيب المسلمين نتيجة توليتهم إمرأة . (*5)
وكان من الطبيعي أن يقف الملوك والأمراء الأيوبيون في بلاد الشام، موقف العداء لهذا لنظام الجديد . إذ أن ما حدث في مصر من ثورة المماليك لم تلق القبول في بلاد الشام.
وقد جرت العادة منذ أيام صلاح الدين أن يكون سلطان مصر
مسيطرا على بقية الأمراء الأيوبيين في هذه البلاد، لذلك أرسلت شجرة الدر ، عقب مبايعتها بالحكم ، أرسلت الخطيب أصيل الدین محمد لأخذ البيعة لها من أمراء الشام.
والواقع أن الأمراء الأيوبيين الذين ظلوا يعتقدون أنهم أصحاب الحق الشرعي في حكم مصر وبلاد الشام باعتبارهم من سلالة صلاح الدين، وأن ما جرى يعتبر خروجا للسلطنة في مصر على البيت الأيوبي، رفضوا حلف اليمين للسلطانة
الجديدة .(*6)
وشاركهم بعض الأمراء المماليك في بلاد الشام . فقد رفض الممالك القيمرية"(*7) في دمشق أن يحلفوا يمين الولاء والطاعة للسلطانة الجديدة، ولم يعترفوا بما جرى في مصر من تغيير في نظام الحكم.
فكتبوا إلى الملك الناصر يوسف الأيوبي صاحب حلب يعلمونه بموقفهم الرافض الحكم شجرة الدر، ويستدعونه للقدوم إليهم ليسلموا له دمشق . (*8)
ويبدو أن الأمير جمال الدين بن يغمور، نائب السلطنة في دمشق الذي كان المعظم تورانشاه قد عينه نائبا للسلطنة وهو في طريقه من حصن کیفا إلى مصر. (*9) وقف على الحياد بانتظار جلاء الموقف، وسانده المماليك الصالحية النجمية، لكن ساءه إقدام المماليك القيمرية على استدعاء الناصر يوسف، وحصل جفاء بين الطرفين . ... (*10)
وخرج الملك السعيد حسن بن العزيز عثمان الأيوبي، صاحب قلعة الصبية ، من الديار المصرية احتجاجا، فهاجم غزة وأخذها واستقر في القلعة المذكورة .(*11)
وثار الطواشي بدر الدين الصوابي الصالحي، نائب الملك الصالح بالكرك والشوبك، وسلم الحصنين إلى الملك المغيث عمر الأيوبي، بعد الأيوبي، بعد أن أخرجه من السجن. (*12)
و خضعت باقي مدن بلاد الشام لملوك من البيت الأيوبي .(*13)
وهكذا تضعضعت الأوضاع في بلاد الشام، ولم يلبث أن التهب الموقف، وبدا واضحا أن الملوك الأيوبيين سيتخذون موقفا متصلبا من هذه التطورات الجديدة في مصر .
وانتهز الملك الناصر يوسف هذه الفرصة واستجاب لدعوة المماليك القيمرية ، فزحف بجيوشه نحو دمشق ودخلها دون قتال، في يوم السبت في الثامن من شهر ربيع الآخر عام 648 ه/ العاشر من شهر تموز عام 1250م) . (*14)
وخلع على الأمير جمال الدين بن يغمور بعد أن عفا عنه، وعلى الأمراء القيمرية، وعلى جماعة من الأمراء المصريين من مماليك الصالح أيوب .(*15)
وبذلك خرجت بلاد الشام من قبضة شجرة الدر ، وانقسمت الجبهة الإسلامية، التي وځدها كل من صلاح الدين ثم أخيه العادل مرة أخرى، فأضحت مصر في يد المماليك وبلاد الشام تحت سيطرة الأيوبيين، وتجددت المنافسة المريرة بين القاهرة ودمشق.
وخشي المماليك على نظامهم الجديد من منافسة الأيوبيين، واضطربت أوضاعهم، فتنادوا إلى اجتماع يعقد في قلعة الجبل، حيث جدد الأمراء والأجناد الولاء والطاعة للسلطانة شجرة الدر وللأمير عزالدين أيبك أتابكا وقائدا للجيش،
وقرروا الخروج من القاهرة للتصدي للأيوبيين وإبعاد الملك الناصر عن دمشق إلا أنهم أحجموا عن ذلك عندما بلغهم انضمام كافة أمراء نيابات الشام إلى الصف الأيوبي واستعداد الملك الناصر يوسف للزحف نحو مصر (*16)
وفي المقابل شهدت القاهرة إجراءات قمعية بحق الموالين للأيوبيين، حيث قبض على كل شخص عرف بموالاته لهم.
واتجه المماليك نحو بغداد لإنقاذ حكمهم المهدد، وإضفاء الضفة الشرعية على النظام الجديد. فكتبوا إلى الخليفة العباسي المستعصم يطلبون منه تأیید سلطنة شجرة الدر، لكن خاب أملهم عندما عاب عليهم الخليفة تنصيب امرأة في الحكم، وقال قولته المشهورة : إن كان الرجال قد عدمت عندكم فأخبرونا حتى نسير إليكم رجلا (*17)
ولما وصل جواب الخليفة إلى القاهرة، وجدت شجرة الدر نفسها في موقف حرج، بعد أن أحاطت بها مظاهر العداء في الداخل والخارج.
وأدرك المماليك، من جهتهم أيضا ، مدى ما وقعوا فيه من خطأ عندما ولوا عليهم أمرأة ، واقتنعوا بضرورة تغيير رأس السلطة ؛ ورأوا للخروج من هذا المأزق أن تتزوج شجرة الدر من الأمير عز الدين أيبك وتتنازل له عن العرش .
استجابت السلطانة لمطلب الأمراء، فخلعت نفسها من السلطنة في (شهر ربيع الآخر 648 ه / شهر تموز عام 1250م)، وتزوجت الأمير عزالدين أيبك ، وكان قد دام حكمها ثلاثة أشهر .(*18)
والواقع أن سلطنة شجرة الدر، وهي المرأة التي برهنت خلال فترة حكمها عن مهارة نادرة، وكفاءة عالية من حسن السيرة والتدبير، وغزارة العقل ؛ كانت وليدة ظروف خاصة أحاطت بمصر في ذلك الوقت ، ونتيجة لموافقة المماليك البحرية ، وقد زالت الظروف الآن وأضحى وجود رجل على رأس السلطة أمرا اقتضته الظروف المستجدة ؛ وبذلك انتهى عهد السلطانة شجرة الدر .
وباعتلاء عزالدين أيبك عرش السلطنة قامت دولة المماليك البحرية . ☆1
--------------------------------------------------------------‐-----
️فئات الجيش المملوكي ووصفه
تألف الجيش المملوکی بمصر من أربع فئات هي :
1▪︎ المماليك السلطانية (الجلبان والسيفية)
ويشملون مماليك السلاطين المتقدمين وهم القرانية ،
ومماليك السلاطين الذين في دست الحكم ، وهم المشتروات ويطلق عليهم في كثير من الأحيان الجلبان أو الأجلاب (*19)
ويضاف الى هؤلاء جماعات المماليك الذين ينتقلون الى خدمة السلطان بسبب وفاة سادتهم من الأمراء ، او لسبب عزل بعض الأمراء او مصادرة (ممتلكاتهم) ويطلق على هذه
الجماعات الاميرية اسم السيفية .
2▪︎المماليك الأميرية
اما الفئة الثانية فتشمل مماليك الأمراء أصحاب الاقطاعات و أرباب الدولة والوظائف ، ويعرفون باسم أجناد الأمراء .
3▪︎ مماليك الحلفة و المتعممين
ويطلق على الفئة الثالثة اجناد الحلفة وهم الذين يجنون من عناصر مختلفة من أصناف المماليك الذين تقدمت الاشارة اليهم فضلا عن بعض المتعممين .(*20)
4▪︎أولاد الناس
وثمة فئة أخرى تضم مماليك ابناء الامراء ، واشتهر اولئك الابناء باسم اولاد الناس ، كما اشتهر مماليكهم باسم مماليك اولاد الناس . (*21)
وجاءت عناصر الجيش المملوكی من أجناس مختلفة وأولها جنس الترك ، على أن لفظ الترك يشمل معان كثيرة ، فهو تسمية خاطئة لدولة المماليك الأولى في مصر ، وهو اسم جنس للماليك الذين جاءوا من بلاد قبجاق، وهم أصحاب السيادة في العصر المملوكي الأول ، وموطنهم منذ أوائل العصور الوسطى حوض نهر أرتش .
ثم اتجهت فئة منهم جنوبا نحو حوض نهر سرداریا سیحون في القرن الثاني عشر الميلادي (القرن السادس الهجري) ، بينما اتجهت فئة أخري إلي شرق أوربا حوالي ذلك الزمن (*22)
و دخل هؤلاء وأولئك جميعا في حوزة التتار وجنكيز خان، ولاسيما بعد أن توجه باطو خان بن دوش بن جنكيز خان نحو البلاد الشمالية ، وأخضع لسلطانه سكانها من القبجاق والعلاق واللان والأدلاق والجركس فضلا عن الروس .
وغدت مملكة باطوخان، ومقرها صراي على نهر الفولجا تمتد من خوارزم إلى أطراف القسطنطينية ، ومن بلاد الروس إلى القوقاز ، وبذلك امتزج التتار والمغول بالترك في هذه البلاد (*23)
و نشطت حركة جلب الرقيق من العناصر التي خضعت للتتار على يد تجار مختلفين ، وأقبل أبناء الملوك من الأيوبيين على اقتناء اعداد كثيرة من ذلك الرقيق لإنشاء الجيوش الكافية لحروبهم الداخلية ولاسيما الصالح أیوب بن السلطان الكامل الذي اكثر في شراء المماليك بعد أن تبين له فساد الخوارزمية واقتنع بعدم الاعتماد عليهم ، تمکینا لنفسه في ولاية العهد وجعلهم بطانته والمحيطين بدهلیزه وسماهم البحرية (*24)
وهي تسمية سابقة على عصره (*) .
ولذا فان معظم سلاطين المماليك في العصر المملوكي الأول هم من بلاد القبجاق .
فالسلطان ايبك تركي الأصل والجنس فعرف بين البحرية بالتركماني (*)
وقطز من المغول برغم دعواه بأنه ابن اخت خوارزم شاه (*) اما بیبرس فمولده بارض القبجاق وجاء الى القاهرة من سوق الرقيق بسيواس (*)، وقلاوون من جنس القبجاق كذلك (*) .
ومن الطبيعي أن يعتمد كل سلاطين المماليك على مثل
ما نشأوا فيه من جيوش مملوكية معظمها من جنسهم . فلم يكتف السلطان الظاهر بيبرس بما كان يجلب إليه من المماليك من بلاد القبجاق وما يقع (في الرق)اثناء الحروب مع التتار والسلاجقة الروم (*) ، بل بعث التجار ليشتروا له المماليك من من بلاد التتار (*)
وسار قلاون على نهجه في استجلاب المماليك من الترك والتتار (*)، ومعظمهم من الآص والجركس الذين جعلهم في أبراج القلعة ، وسماهم البرجية (*) .
وكان لاستمرار الحرب بين ملوك التتار في الشرق اثر كبير في كثرة السبي من النساء والصبيان الذين جيء بهم إلى مختلف الأسواق في مصر والشام (*) ، ولا سيما زمن السلطان الناصر محمد بن قلاون (*) .
ووجد الجنوية(من جنوة ايطاليا) وغيرهم من التجار في السلطان مغنما ، فأمعنوا في الاستيلاء على أولاد التتار وجلبهم الى ثغر کفا بالقرم ، وضاق طقطا خان ملك القبجاق بهذه التجارة فارسل جیشا الى مدينة كفا وضرب أوکار تجار الرقيق بها ، غير أن ذلك لم يمنع تجارة الرقيق أو يقلل من نشاطها (*) .
على أن الحروب الناشبة بين ملوك التتار لم ينجم عنها ازدیاد
تجارة الرقيق فحسب ، بل ترتب عليها كذلك هجرة طوائف وأقوام من الأجناس التي غدت خاضعة للتتار ، ومنها طوائف تترية ؛ وهؤلاء التحقوا كذلك بالجيش المملوكي في مراتب أعلى مما كان فيه طوائف العرب والكرد والتركمان ، وإنما تقل عن مكانة المماليك السلطانية الذين اشتروا بالمال وقضوا مدة الرق في التعليم الحربي والديني ثم عتقوا واصبحوا جنودا مؤهلين (*)
ويطلق على من قدم من هذه الطوائف التترية إلى مصر في خلال العصر المملوكي الأول اسم الوافدية والمستأمنين أو المستأمنة (*).
ودخل هؤلاء الوافدية دولة المماليك وهم أحرار وظلوا كذلك ، وارتبط كثير منهم بالمماليك بالمصاهرة (*)
ولحق عدد قليل منهم بفرق المماليك السلطانية والخاصكية (*) ،ودخل عدد كبير منهم في خدمة الأمراء المماليك (*) ،
غير أن الترقية في سلك الجيش خضعت لقيود شديدة ،
فلم يصل زعیم من زعماء اولئك الأحرار إلى ما وصل اليه نظائرهم من المماليك السلطانية (*) •
ويرجع السبب في بطء ترقية الوافدية في سلك الجيش المملوكي التركي إلى تعصب المماليك السلطانية ضد جميع العناصر الدخيلة على تربيتهم و نظام تنشئتهم ، لأن المماليك السلطانية في نظرهم وفي نظر المعاصرين كذلك ، هم أرباب الفروسية المملوكية دون غيرهم من فئات الجيش المملوکی ، وهم كذلك أشد ما يكونون حرصا على أن يجيء السلطان من
صفوفهم .
ومن الأدلة على امتياز المماليك السلطانية على غيرهم من
الطوائف العسكرية ، أنهم استطاعوا منذ أواخر ايام السلطان الصالح أیوب أن يبعدوا الخوارزمية من الجيش النظامي في القاهرة ، فصاروا مكلفين بحماية الأعمال الساحلية بالشام ، وهي أقل مرتبة مما تقوم به فئات المماليك السلطانية (*)
ثم إن كثرة أعداد الوافدية الى مصر وخشية هذه الكثرة على العصبية المملوكية السلطانية جعلت من السياسة ألا يصل الوافدي الى وظيفة كبيرة إلا قليلا .
ومن الأدلة على ذلك أيضا أن عددا كبيرا من الخاملين من المماليك السلطانية إرتقوا الى المناصب العالية على حين لم ينجح في الوصول الى هذه المناصب او شبهها الا أفراد قلائل من الوافدية أمثال السلطان كتبغا وسلار (*)،
ولعل أوضح الأدلة على ذلك كله قول أمیر مملوكي للأمير سلار من باب التعزير والاحتقار (أنت واحد منفي وافدي ، وليس باستطاعتك أن تجعل نفسك مثل مماليك السلطان) (*) ، فضلا عن محاباة السلطان كتبغا لهم ومحاولته مساواتهم بهم مما أثار حنق المماليك السلطانية (*) .☆2
--------------‐-----------------------------------------------------
الهامش لم يستكمل بعد و تصحيح أخطاء النسخ و الأرقام فنرجو من الناسخين عدم النسخ و تعريض صفحاتهم للسخرية أو البلاغات من طرفنا #جواهر_الأدب_والتاريخ
--------------‐-----------------------------------------------------
(☆1) انظر د. محمد سهيل طقوش : تاريخ المماليك في مصر
وبلاد الشام ط 1 دار النفائس 1997م ص 39 -
--------------
(☆2) المماليك د.السيد الباز العريني ص٥٤ - ٥٩
---------
(*1) ابن إياس : ج ١، قسم ۱، ص۲۸٦ .
(*2) راجع : تاريخ مصر في العصور الوسطى. لان بول
Lane-Poole: Egypt in middle ages P255
العبادي : قيام دولة المماليك الأولى، ص۱۱۹.
(*3) النويري: ج۲۹، ص۷٦٣ . العيني : ج ١ ص ۲۷، ابن إياس : ج١ قسم ۱، ص۲۸٦
(*4) عاشور، سعيد عبد الفتاح : مصر والشام في عصر الأيوبيين والمماليك، ص۱۷۲.
(*5) السيوطي . حسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة ص٣٤
(*6) المنصوري : ص۲۷. العيني: ج۱، ص۰۳۱
(*7) القيمرية : نسبة إلى قيمر، وهي قلعة بين الموصل وخلاط، وكان سكانها زمن ياقوت الحموي من الأكراد. یاقوت الحموي: معجم البلدان، ج٤، ص٤٢٤ .
(*8) النويري: ج ۲، ص۳۹۷.
(*9) المصدر نفسه، ص۳٥٣.
(*10) المصدر نفسه، ص۳۹۷.
(*11) العيني: ج۱، ص۳۲. قلعة الصبية هي قلعة بانياس من أرض دمشق .
(*12) المصدر نفسه .
(*13) راجع حول هذا الموضوع : النويري: ج۲۹، ص٣٦٨
(*14) العيني: ج۱، ص۳٣.
(*15) النويري: ج۲۹، ص۳٦٧.
(*16) العيني: ج۱، ص۳۳.
(*17) المقريزي: ج۱، ص۳۹۸-۳۹۹
(*18) النويري: ج ۲٩، ص ۳٦٣ - ٣٦٤
---------
(*19)الظاهري : زبدة كشف الممالك ص ۱۱۹
(*20)الظاهري : زبدة کشف الممالك ص ۱۱۹
ابن تغری بردی : النجوم الزاهرة ج۱ ص ۲۸٦ - ٢٨٧
(*21) إبن تغري بردي : المنهل الصافي ج ۲ ص ۱٣٥
النجوم الزاهرة ج ٥ ص ۱٥٣ ، ۱٥٦ ؛ ١٦٠
منتخبات من حوادث الدهور ص ۱۷٤ ؛ ١٧٥
ابن إياس : بدائع الزهور ج۲ ص٩٣ ؛ ص ١٠١--١٠٤ ؛ ص١٢٧
(*22) انظر En Ist Turks C 6
(*23) القلقشندي صبح الأعشى ج٤ ص ٤٧٤؛ ج٦ ص ٤٥٨
والمقريزي : الخطط (بولاق) ج۱ ص ۹۰ ؛ وانظر العيني : عقد الجمان مجلد ٥ ص ٤٢٢
(*24) ابن تغری بردی : النجوم الزاهرة (ق) ج ٦ ص۳۳۰-٣٣١
. والمقريزي : السلوك لمعرفة دول الملوك ج۱ ص ۳۳۹.
15 أبريل 2022 م
التاريخ
13 أبريل 2022 ·
تاريخ العصر المملوكي .. (6)
#جواهر_Mamluk_Dynasties
-------------------------------------------------------
توقفنا في الفقرة السابقة عندما فرض المماليك بقيادة شجرة الدر شروطهم على الصليبيين مقابل إطلاق سراح لويس و أقربائه الأسرى ؛ وهي شروط اتسمت بالقسوة البالغة لكن الصليبيين لم يكونوا في وضع يسمح لهم بالمناورة في المفاوضات مما اضطرهم لقبولها وهي :
1▪︎ يعيد الملك الفرنسي لويس التاسع مدينة دمياط إلى المصريين .
2▪︎ يطلق سراح الأسرى المسلمين لديه.
3▪︎لا يهاجم السواحل الإسلامية مرة أخرى .
4▪︎ يدفع مبلغ خمسمائة ألف دينار مقابل إخلاء سبيله وسبيل الأسرى المسيحيين منذ عهد الملك العادل الأيوبي من جهة، وتعويضة عما أحدثه الصليبيون في دمياط من النهب خلال إقامتهم بها من جهة أخرى.
5▪︎ يدفع الملك الفرنسي نصف المبلغ المتفق عليه فورا وقبل إطلاق.سراحه، ويدفع النصف الآخر بعد مغادرته مصر ووصوله إلى عكا.
6▪︎ يتعهد المسلمون، من جانبهم، برعاية مرضى الصليبيين في دمياط، والمحافظة على معدات الصليبيين إلى أن تحين الفرصة لأخذها .
7▪︎ تحدد مدة المعاهدة بعشر سنوات .
وقد حدثت خلافات داخلية بين المماليك بشأن الإفراج عن الملك الفرنسي أو الاحتفاظ به ؛ إذ بعد أن وضع المسلمون يدهم على دمياط، أخذوا يتداولون في مسألة الإبقاء عليه وعلى الأسرى الصليبيين .. لكن بالنهاية اتفقوا على اطلاقهم .
وبذلك نجحت شجرة الدر في رد ذلك الخطر الذي تعرضت له مصر، وأقيمت الأفراح في مصر، وفي كل إقليم إسلامي، احتفالا بهذا النصر وعادت العساكر المملوكية إلى القاهرة يوم (9 صفر عام 648 ه / 13 أيار عام 1250 م) .
--------------‐-----------------------------------------------------
بعد أن نجحت شجرة الدر في تصفية الحملة الصليبية السابعة، واستعادت دمياط عملت على تدعيم مركزها الداخلي ، فأخذت تتقرب من الخاصة والعامة، وتعمل على إرضائهم بشتى الوسائل، فخلعت على الأمراء والعساکر وأرباب الدولة، وأنفقت عليهم الهبات والأموال، وأنعمت عليهم بالرتب والمناصب العالية ومنحتهم الإقطاعات الواسعة، تقديرا لما أبدوه من ضروب الشجاعة في طرد الصليبيين، كما خففت الضرائب عن الرعية لتستميل قلوبهم .(*1)
فهل أدت هذه الأعمال إلى تدعيم مركزها الداخلي؟ أسارع إلى الإجابة.بالنفي، ذلك أن المصريين عموما لم يتقبلوا وجود امرأة في السلطة، والمسلمون لم يعتادوا في تاريخهم أن يسلموا زمام أمورهم لامرأة .
ويبدو أن السلطانة شعرت بهذا الحرج، فحرصت على ألا تبرز إسمها مكشوفا في المناشير . فكانت توقع بأسماء وتعابير تمت لها بالصلة، مثل "والدة خليل" .
وجعلت صيغة الدعاء على المنابر "احفظ اللهم الجهة الصالحية ملكة المسلمين، عصمة الدنيا والدين، أم خليل، المستعصمية* صاحبة الملك الصالح "
*{ يروي لين بول في كتابه " تاريخ مصر في العصور الوسطى" ، أن كلمة المستعصمية تدل على أن شجرة الدر بدأت حياتها كجارية للخليفة العباسي المستعصم قبل أن يشتريها الصالح أيوب . غير أن صمت المصادر العربية عن هذه المسألة يحمل على الاعتقاد أن شجرة الدر ربما اقزت هذه التسمية في خطبتها وسكنها ترضية للخليفة العباسي كي يعترف بشرعية حكمها. } (*2)
ونقشت إسمها على السكة(العملة) في صيغة :
"المستعصمية الصالحية ملكة المسلمين والدة خليل أمير المؤمنین " .
اما الخطباء، فكانوا يدعون لها، في دعاء يوم الجمعة على المنابر بصيغة : "اللهم احفظ وأدم سلطان الست الرفيع، والحجاب المنيع، ملكة المسلمين والدة الملك خليل "
أو وبعبارة احفظ اللهم الجهة الصالحية ملكة المسلمين عصمة الدنيا والدين أم خليل المستعصمية صاحبة الملك الصالح (*3).
وقد هدفت أن تضفي الصفة الشرعية على حكمها، لذلك كانت تتقرب من الخلافة العباسية حينا وتتمسك بلقب المستعصمية إشارة إلى صلتها بالخليفة العباسي المستعصم ، وأحيانا تتمسك بلقب "أم خلیل صاحبة الملك الصالح" في إشارة إلى صلتها بالبيت الأيوبي والملك الصالح نجم الدين أيوب بوجه خاص .(*4)
وقامت المظاهرات في القاهرة، وحدثت اضطرابات عديدة مناهضة لحكمها، بعد أن اتهمها المعارضون بالتساهل مع الصليبيين، وحملوها مسؤولية إطلاق سراح الملك الفرنسي لويس التاسع الذي ما أن أطلق سراحه حتى ذهب إلى
عكا ليواصل نشاطه الصليبي في بلاد الشام.
وعمد القيمون على الدولة إلى غلق أبواب مدينة القاهرة للحؤول دون تسرب أنباء الاضطرابات إلى الخارج.
ويبدو أن رجال الدين كانوا وراء هذه الحركة المعارضة، بدليل أن الشيخ عزالدين بن عبد السلام، وهو أكبر زعيم ديني، في ذلك الوقت، كتب كتابة حول ما قد يصيب المسلمين نتيجة توليتهم إمرأة . (*5)
وكان من الطبيعي أن يقف الملوك والأمراء الأيوبيون في بلاد الشام، موقف العداء لهذا لنظام الجديد . إذ أن ما حدث في مصر من ثورة المماليك لم تلق القبول في بلاد الشام.
وقد جرت العادة منذ أيام صلاح الدين أن يكون سلطان مصر
مسيطرا على بقية الأمراء الأيوبيين في هذه البلاد، لذلك أرسلت شجرة الدر ، عقب مبايعتها بالحكم ، أرسلت الخطيب أصيل الدین محمد لأخذ البيعة لها من أمراء الشام.
والواقع أن الأمراء الأيوبيين الذين ظلوا يعتقدون أنهم أصحاب الحق الشرعي في حكم مصر وبلاد الشام باعتبارهم من سلالة صلاح الدين، وأن ما جرى يعتبر خروجا للسلطنة في مصر على البيت الأيوبي، رفضوا حلف اليمين للسلطانة
الجديدة .(*6)
وشاركهم بعض الأمراء المماليك في بلاد الشام . فقد رفض الممالك القيمرية"(*7) في دمشق أن يحلفوا يمين الولاء والطاعة للسلطانة الجديدة، ولم يعترفوا بما جرى في مصر من تغيير في نظام الحكم.
فكتبوا إلى الملك الناصر يوسف الأيوبي صاحب حلب يعلمونه بموقفهم الرافض الحكم شجرة الدر، ويستدعونه للقدوم إليهم ليسلموا له دمشق . (*8)
ويبدو أن الأمير جمال الدين بن يغمور، نائب السلطنة في دمشق الذي كان المعظم تورانشاه قد عينه نائبا للسلطنة وهو في طريقه من حصن کیفا إلى مصر. (*9) وقف على الحياد بانتظار جلاء الموقف، وسانده المماليك الصالحية النجمية، لكن ساءه إقدام المماليك القيمرية على استدعاء الناصر يوسف، وحصل جفاء بين الطرفين . ... (*10)
وخرج الملك السعيد حسن بن العزيز عثمان الأيوبي، صاحب قلعة الصبية ، من الديار المصرية احتجاجا، فهاجم غزة وأخذها واستقر في القلعة المذكورة .(*11)
وثار الطواشي بدر الدين الصوابي الصالحي، نائب الملك الصالح بالكرك والشوبك، وسلم الحصنين إلى الملك المغيث عمر الأيوبي، بعد الأيوبي، بعد أن أخرجه من السجن. (*12)
و خضعت باقي مدن بلاد الشام لملوك من البيت الأيوبي .(*13)
وهكذا تضعضعت الأوضاع في بلاد الشام، ولم يلبث أن التهب الموقف، وبدا واضحا أن الملوك الأيوبيين سيتخذون موقفا متصلبا من هذه التطورات الجديدة في مصر .
وانتهز الملك الناصر يوسف هذه الفرصة واستجاب لدعوة المماليك القيمرية ، فزحف بجيوشه نحو دمشق ودخلها دون قتال، في يوم السبت في الثامن من شهر ربيع الآخر عام 648 ه/ العاشر من شهر تموز عام 1250م) . (*14)
وخلع على الأمير جمال الدين بن يغمور بعد أن عفا عنه، وعلى الأمراء القيمرية، وعلى جماعة من الأمراء المصريين من مماليك الصالح أيوب .(*15)
وبذلك خرجت بلاد الشام من قبضة شجرة الدر ، وانقسمت الجبهة الإسلامية، التي وځدها كل من صلاح الدين ثم أخيه العادل مرة أخرى، فأضحت مصر في يد المماليك وبلاد الشام تحت سيطرة الأيوبيين، وتجددت المنافسة المريرة بين القاهرة ودمشق.
وخشي المماليك على نظامهم الجديد من منافسة الأيوبيين، واضطربت أوضاعهم، فتنادوا إلى اجتماع يعقد في قلعة الجبل، حيث جدد الأمراء والأجناد الولاء والطاعة للسلطانة شجرة الدر وللأمير عزالدين أيبك أتابكا وقائدا للجيش،
وقرروا الخروج من القاهرة للتصدي للأيوبيين وإبعاد الملك الناصر عن دمشق إلا أنهم أحجموا عن ذلك عندما بلغهم انضمام كافة أمراء نيابات الشام إلى الصف الأيوبي واستعداد الملك الناصر يوسف للزحف نحو مصر (*16)
وفي المقابل شهدت القاهرة إجراءات قمعية بحق الموالين للأيوبيين، حيث قبض على كل شخص عرف بموالاته لهم.
واتجه المماليك نحو بغداد لإنقاذ حكمهم المهدد، وإضفاء الضفة الشرعية على النظام الجديد. فكتبوا إلى الخليفة العباسي المستعصم يطلبون منه تأیید سلطنة شجرة الدر، لكن خاب أملهم عندما عاب عليهم الخليفة تنصيب امرأة في الحكم، وقال قولته المشهورة : إن كان الرجال قد عدمت عندكم فأخبرونا حتى نسير إليكم رجلا (*17)
ولما وصل جواب الخليفة إلى القاهرة، وجدت شجرة الدر نفسها في موقف حرج، بعد أن أحاطت بها مظاهر العداء في الداخل والخارج.
وأدرك المماليك، من جهتهم أيضا ، مدى ما وقعوا فيه من خطأ عندما ولوا عليهم أمرأة ، واقتنعوا بضرورة تغيير رأس السلطة ؛ ورأوا للخروج من هذا المأزق أن تتزوج شجرة الدر من الأمير عز الدين أيبك وتتنازل له عن العرش .
استجابت السلطانة لمطلب الأمراء، فخلعت نفسها من السلطنة في (شهر ربيع الآخر 648 ه / شهر تموز عام 1250م)، وتزوجت الأمير عزالدين أيبك ، وكان قد دام حكمها ثلاثة أشهر .(*18)
والواقع أن سلطنة شجرة الدر، وهي المرأة التي برهنت خلال فترة حكمها عن مهارة نادرة، وكفاءة عالية من حسن السيرة والتدبير، وغزارة العقل ؛ كانت وليدة ظروف خاصة أحاطت بمصر في ذلك الوقت ، ونتيجة لموافقة المماليك البحرية ، وقد زالت الظروف الآن وأضحى وجود رجل على رأس السلطة أمرا اقتضته الظروف المستجدة ؛ وبذلك انتهى عهد السلطانة شجرة الدر .
وباعتلاء عزالدين أيبك عرش السلطنة قامت دولة المماليك البحرية . ☆1
--------------------------------------------------------------‐-----
️فئات الجيش المملوكي ووصفه
تألف الجيش المملوکی بمصر من أربع فئات هي :
1▪︎ المماليك السلطانية (الجلبان والسيفية)
ويشملون مماليك السلاطين المتقدمين وهم القرانية ،
ومماليك السلاطين الذين في دست الحكم ، وهم المشتروات ويطلق عليهم في كثير من الأحيان الجلبان أو الأجلاب (*19)
ويضاف الى هؤلاء جماعات المماليك الذين ينتقلون الى خدمة السلطان بسبب وفاة سادتهم من الأمراء ، او لسبب عزل بعض الأمراء او مصادرة (ممتلكاتهم) ويطلق على هذه
الجماعات الاميرية اسم السيفية .
2▪︎المماليك الأميرية
اما الفئة الثانية فتشمل مماليك الأمراء أصحاب الاقطاعات و أرباب الدولة والوظائف ، ويعرفون باسم أجناد الأمراء .
3▪︎ مماليك الحلفة و المتعممين
ويطلق على الفئة الثالثة اجناد الحلفة وهم الذين يجنون من عناصر مختلفة من أصناف المماليك الذين تقدمت الاشارة اليهم فضلا عن بعض المتعممين .(*20)
4▪︎أولاد الناس
وثمة فئة أخرى تضم مماليك ابناء الامراء ، واشتهر اولئك الابناء باسم اولاد الناس ، كما اشتهر مماليكهم باسم مماليك اولاد الناس . (*21)
وجاءت عناصر الجيش المملوكی من أجناس مختلفة وأولها جنس الترك ، على أن لفظ الترك يشمل معان كثيرة ، فهو تسمية خاطئة لدولة المماليك الأولى في مصر ، وهو اسم جنس للماليك الذين جاءوا من بلاد قبجاق، وهم أصحاب السيادة في العصر المملوكي الأول ، وموطنهم منذ أوائل العصور الوسطى حوض نهر أرتش .
ثم اتجهت فئة منهم جنوبا نحو حوض نهر سرداریا سیحون في القرن الثاني عشر الميلادي (القرن السادس الهجري) ، بينما اتجهت فئة أخري إلي شرق أوربا حوالي ذلك الزمن (*22)
و دخل هؤلاء وأولئك جميعا في حوزة التتار وجنكيز خان، ولاسيما بعد أن توجه باطو خان بن دوش بن جنكيز خان نحو البلاد الشمالية ، وأخضع لسلطانه سكانها من القبجاق والعلاق واللان والأدلاق والجركس فضلا عن الروس .
وغدت مملكة باطوخان، ومقرها صراي على نهر الفولجا تمتد من خوارزم إلى أطراف القسطنطينية ، ومن بلاد الروس إلى القوقاز ، وبذلك امتزج التتار والمغول بالترك في هذه البلاد (*23)
و نشطت حركة جلب الرقيق من العناصر التي خضعت للتتار على يد تجار مختلفين ، وأقبل أبناء الملوك من الأيوبيين على اقتناء اعداد كثيرة من ذلك الرقيق لإنشاء الجيوش الكافية لحروبهم الداخلية ولاسيما الصالح أیوب بن السلطان الكامل الذي اكثر في شراء المماليك بعد أن تبين له فساد الخوارزمية واقتنع بعدم الاعتماد عليهم ، تمکینا لنفسه في ولاية العهد وجعلهم بطانته والمحيطين بدهلیزه وسماهم البحرية (*24)
وهي تسمية سابقة على عصره (*) .
ولذا فان معظم سلاطين المماليك في العصر المملوكي الأول هم من بلاد القبجاق .
فالسلطان ايبك تركي الأصل والجنس فعرف بين البحرية بالتركماني (*)
وقطز من المغول برغم دعواه بأنه ابن اخت خوارزم شاه (*) اما بیبرس فمولده بارض القبجاق وجاء الى القاهرة من سوق الرقيق بسيواس (*)، وقلاوون من جنس القبجاق كذلك (*) .
ومن الطبيعي أن يعتمد كل سلاطين المماليك على مثل
ما نشأوا فيه من جيوش مملوكية معظمها من جنسهم . فلم يكتف السلطان الظاهر بيبرس بما كان يجلب إليه من المماليك من بلاد القبجاق وما يقع (في الرق)اثناء الحروب مع التتار والسلاجقة الروم (*) ، بل بعث التجار ليشتروا له المماليك من من بلاد التتار (*)
وسار قلاون على نهجه في استجلاب المماليك من الترك والتتار (*)، ومعظمهم من الآص والجركس الذين جعلهم في أبراج القلعة ، وسماهم البرجية (*) .
وكان لاستمرار الحرب بين ملوك التتار في الشرق اثر كبير في كثرة السبي من النساء والصبيان الذين جيء بهم إلى مختلف الأسواق في مصر والشام (*) ، ولا سيما زمن السلطان الناصر محمد بن قلاون (*) .
ووجد الجنوية(من جنوة ايطاليا) وغيرهم من التجار في السلطان مغنما ، فأمعنوا في الاستيلاء على أولاد التتار وجلبهم الى ثغر کفا بالقرم ، وضاق طقطا خان ملك القبجاق بهذه التجارة فارسل جیشا الى مدينة كفا وضرب أوکار تجار الرقيق بها ، غير أن ذلك لم يمنع تجارة الرقيق أو يقلل من نشاطها (*) .
على أن الحروب الناشبة بين ملوك التتار لم ينجم عنها ازدیاد
تجارة الرقيق فحسب ، بل ترتب عليها كذلك هجرة طوائف وأقوام من الأجناس التي غدت خاضعة للتتار ، ومنها طوائف تترية ؛ وهؤلاء التحقوا كذلك بالجيش المملوكي في مراتب أعلى مما كان فيه طوائف العرب والكرد والتركمان ، وإنما تقل عن مكانة المماليك السلطانية الذين اشتروا بالمال وقضوا مدة الرق في التعليم الحربي والديني ثم عتقوا واصبحوا جنودا مؤهلين (*)
ويطلق على من قدم من هذه الطوائف التترية إلى مصر في خلال العصر المملوكي الأول اسم الوافدية والمستأمنين أو المستأمنة (*).
ودخل هؤلاء الوافدية دولة المماليك وهم أحرار وظلوا كذلك ، وارتبط كثير منهم بالمماليك بالمصاهرة (*)
ولحق عدد قليل منهم بفرق المماليك السلطانية والخاصكية (*) ،ودخل عدد كبير منهم في خدمة الأمراء المماليك (*) ،
غير أن الترقية في سلك الجيش خضعت لقيود شديدة ،
فلم يصل زعیم من زعماء اولئك الأحرار إلى ما وصل اليه نظائرهم من المماليك السلطانية (*) •
ويرجع السبب في بطء ترقية الوافدية في سلك الجيش المملوكي التركي إلى تعصب المماليك السلطانية ضد جميع العناصر الدخيلة على تربيتهم و نظام تنشئتهم ، لأن المماليك السلطانية في نظرهم وفي نظر المعاصرين كذلك ، هم أرباب الفروسية المملوكية دون غيرهم من فئات الجيش المملوکی ، وهم كذلك أشد ما يكونون حرصا على أن يجيء السلطان من
صفوفهم .
ومن الأدلة على امتياز المماليك السلطانية على غيرهم من
الطوائف العسكرية ، أنهم استطاعوا منذ أواخر ايام السلطان الصالح أیوب أن يبعدوا الخوارزمية من الجيش النظامي في القاهرة ، فصاروا مكلفين بحماية الأعمال الساحلية بالشام ، وهي أقل مرتبة مما تقوم به فئات المماليك السلطانية (*)
ثم إن كثرة أعداد الوافدية الى مصر وخشية هذه الكثرة على العصبية المملوكية السلطانية جعلت من السياسة ألا يصل الوافدي الى وظيفة كبيرة إلا قليلا .
ومن الأدلة على ذلك أيضا أن عددا كبيرا من الخاملين من المماليك السلطانية إرتقوا الى المناصب العالية على حين لم ينجح في الوصول الى هذه المناصب او شبهها الا أفراد قلائل من الوافدية أمثال السلطان كتبغا وسلار (*)،
ولعل أوضح الأدلة على ذلك كله قول أمیر مملوكي للأمير سلار من باب التعزير والاحتقار (أنت واحد منفي وافدي ، وليس باستطاعتك أن تجعل نفسك مثل مماليك السلطان) (*) ، فضلا عن محاباة السلطان كتبغا لهم ومحاولته مساواتهم بهم مما أثار حنق المماليك السلطانية (*) .☆2
--------------‐-----------------------------------------------------
الهامش لم يستكمل بعد و تصحيح أخطاء النسخ و الأرقام فنرجو من الناسخين عدم النسخ و تعريض صفحاتهم للسخرية أو البلاغات من طرفنا #جواهر_الأدب_والتاريخ
--------------‐-----------------------------------------------------
(☆1) انظر د. محمد سهيل طقوش : تاريخ المماليك في مصر
وبلاد الشام ط 1 دار النفائس 1997م ص 39 -
--------------
(☆2) المماليك د.السيد الباز العريني ص٥٤ - ٥٩
---------
(*1) ابن إياس : ج ١، قسم ۱، ص۲۸٦ .
(*2) راجع : تاريخ مصر في العصور الوسطى. لان بول
Lane-Poole: Egypt in middle ages P255
العبادي : قيام دولة المماليك الأولى، ص۱۱۹.
(*3) النويري: ج۲۹، ص۷٦٣ . العيني : ج ١ ص ۲۷، ابن إياس : ج١ قسم ۱، ص۲۸٦
(*4) عاشور، سعيد عبد الفتاح : مصر والشام في عصر الأيوبيين والمماليك، ص۱۷۲.
(*5) السيوطي . حسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة ص٣٤
(*6) المنصوري : ص۲۷. العيني: ج۱، ص۰۳۱
(*7) القيمرية : نسبة إلى قيمر، وهي قلعة بين الموصل وخلاط، وكان سكانها زمن ياقوت الحموي من الأكراد. یاقوت الحموي: معجم البلدان، ج٤، ص٤٢٤ .
(*8) النويري: ج ۲، ص۳۹۷.
(*9) المصدر نفسه، ص۳٥٣.
(*10) المصدر نفسه، ص۳۹۷.
(*11) العيني: ج۱، ص۳۲. قلعة الصبية هي قلعة بانياس من أرض دمشق .
(*12) المصدر نفسه .
(*13) راجع حول هذا الموضوع : النويري: ج۲۹، ص٣٦٨
(*14) العيني: ج۱، ص۳٣.
(*15) النويري: ج۲۹، ص۳٦٧.
(*16) العيني: ج۱، ص۳۳.
(*17) المقريزي: ج۱، ص۳۹۸-۳۹۹
(*18) النويري: ج ۲٩، ص ۳٦٣ - ٣٦٤
---------
(*19)الظاهري : زبدة كشف الممالك ص ۱۱۹
(*20)الظاهري : زبدة کشف الممالك ص ۱۱۹
ابن تغری بردی : النجوم الزاهرة ج۱ ص ۲۸٦ - ٢٨٧
(*21) إبن تغري بردي : المنهل الصافي ج ۲ ص ۱٣٥
النجوم الزاهرة ج ٥ ص ۱٥٣ ، ۱٥٦ ؛ ١٦٠
منتخبات من حوادث الدهور ص ۱۷٤ ؛ ١٧٥
ابن إياس : بدائع الزهور ج۲ ص٩٣ ؛ ص ١٠١--١٠٤ ؛ ص١٢٧
(*22) انظر En Ist Turks C 6
(*23) القلقشندي صبح الأعشى ج٤ ص ٤٧٤؛ ج٦ ص ٤٥٨
والمقريزي : الخطط (بولاق) ج۱ ص ۹۰ ؛ وانظر العيني : عقد الجمان مجلد ٥ ص ٤٢٢
(*24) ابن تغری بردی : النجوم الزاهرة (ق) ج ٦ ص۳۳۰-٣٣١
. والمقريزي : السلوك لمعرفة دول الملوك ج۱ ص ۳۳۹.