الحياد Neutrality التزام تقطعه الدول على نفسها بعدم التدخل في شؤون الأسرة الدولية

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الحياد Neutrality التزام تقطعه الدول على نفسها بعدم التدخل في شؤون الأسرة الدولية

    حياد

    Neutrality - Neutralité

    الحياد

    تعد السيادة ركناً من أركان الدولة ويمثل بسط هذه السيادة أهم مظاهر الاستقلال، إلا أن تطور قواعد القانون الدولي فرض بعض القيود على ممارسة هذه السيادة منها ما هو اختياري إرادي ومنها ما هو غير إرادي. ويعد الحياد ظاهرة من ظواهر تقييد سيادة الدول.
    أولاً: تعريف الحياد
    يعرف الحياد على أنه التزام تقطعه الدول على نفسها بعدم التدخل في شؤون الأسرة الدولية، إذا كان هذا التدخل يفضي أو قد يفضي إلى استخدام القوة المسلحة، ويهدف هذا الحياد إلى الحفاظ على مركز قانوني محدد يفرده القانون الدولي للدول التي تمارس هذا الحق، وبذلك تتمتع هذه الدول بمجموعة من الحقوق ويلقي على عاتقها مجموعة من الواجبات ناشئة عن هذا الالتزام، وينتهي هذا الالتزام بانتهاء حالة الحياد.
    ويأخذ الحياد شكلين فهو إما دائم (تعاقدي بموجب معاهدة دولية) أو مؤقت (تعبير عن إرادة منفردة ومتعلق بنزاع مسلح محدد). ويجب عدم خلط مفهوم الحياد بمفهوم آخر هو مفهوم عدم الانحياز فالأخير مفهوم سياسي تمثله حركة سياسية تضم نيفاً ومئة دولة في مطلع القرن الواحد والعشرين، ولا علاقة له بالحياد القانوني الدائم أو المؤقت.
    ثانياً: التطور التاريخي لمفهوم الحياد
    ظهر مصطلح الحياد أول مرة في القرن الرابع عشر، وكان الفقيه غروشيوس في القرن السادس عشر قد أشار إلى إمكان دولة ما التزام الحياد في حال نزاع مسلح قائم وذلك عند تعرضه لمفهوم وقواعد الحرب العادلة.
    على أن الحياد المؤقت (الحياد المعلن بسبب نزاع محدد والذي ينتهي بانتهائه) كان قد ظهر تاريخياً قبل الحياد الدائم (الحياد المعلن قبل أي نزاع قائم أو سيقوم مستقبلاً)، فكان اتفاق أوترخت Utrecht والموقع في 11/4/1713، بين فرنسا وبريطانيا أول اتفاق يتناول شأن الحياد زمن النزاعات المسلحة البحرية، بينما يُعد تصريح فيينة المؤرخ في 20/3/1815، والذي تبناه مؤتمر فيينة في 9/6/1815 والمتعلق بحياد سويسرا الدائم، والذي أكدت عليه فيما بعد اتفاقية فرساي لعام 1919، أول حالات الحياد الدائم.
    ويعد إعلان باريس حول الحرب البحرية لعام 1856، نقطة انطلاق تقنين مفهوم الحياد، وكان تدعيم التجارة الدولية وحماية تطورها قد حُدِّد باتفاقية فاتيل لعام 1758 إلى التأكيد على الالتزام القانوني الذي يقع على عاتق الدول المتحاربة في احترام حياد الدول التي تعلن عن رغبتها في عدم الدخول في الحرب.
    على أن الحياد لم يبرز كمبدأ قانوني إلا في نهاية القرن التاسع عشر مع اتفاقيات لاهاي لعام 1899 حول قانون الحرب، ومن ثم مع اتفاقيات لاهاي لعام 1907، وخاصة الاتفاقية الثالثة والثالثة عشرة منها واللتان وضعتا قواعد وأسس محددة لمفهوم الحياد. وكان ميثاق بريان - كيلوغ لعام 1918 حول مشروعية الحرب قد أكد مبدأ الحياد كمركز قانوني لابد من المحافظة عليه.
    ولم يغب عن اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949 والمتعلقة بحماية ضحايا النزاعات المسلحة من أشخاص وأعيان والتي تشكل ركيزة القانون الدولي الإنساني، أن تشير إلى مبدأ الحياد سواء في الاتفاقية الثالثة والمتعلقة بحماية أسرى الحرب أو الاتفاقية الرابعة المتعلقة بحماية المدنيين، إذ أفردت للدول المحايدة «قوة حيادية غير محاربة» ولرعاياها معاملة خاصة.
    ثالثاً: أنواع الحياد
    1- الحياد المؤقت: هو تصرف قانوني، يتزامن مع وقوع نزاع مسلح دولياً كان أم داخلياً، تضع فيه دولة ما نفسها خارج إطار هذا النزاع بملء إرادتها، ويحق لها أن تنهي هذا الالتزام وأن تدخل ميدان المعارك عندما تشاء ذلك، وينتهي هذا الحياد عادة مع انتهاء النزاع المسلح، ويترتب على هذا الالتزام بعدم التدخل وعدم الانحياز مجموعة من الحقوق والواجبات تختلف بحسب نوع النزاع المسلح: بري، بحري أم جوي.
    وكانت الولايات المتحدة الأمريكية من الدول التي دخلت الحربين العالميتين الأولى والثانية بعد فترات من الحياد، فدخلت الحرب الأولى بعد حياد دام بين عامي 1914 وعام 1917، ودخلت الحرب الثانية بعد حياد دام بين عامي 1939و1941.
    ومن الدول التي اختارت الحياد المؤقت زمن الحرب العالمية الأولى اليونان، وفي الحرب العالمية الثانية أسبانية وعدد من الدول الاسكندنافية، مع أن هذا الحياد لم يكن محترماً من قبل الدول المتحاربة دوماً.
    2- الحياد الدائم: هو حياد تعاقدي تلتزم به دولة ما تجاه باقي الدول بألا تدخل في أي نزاع مسلح داخلي كان أم دولي حاضراً كان أم مستقبلاً، بحيث تقيد جزءاً من سيادتها في مجال علاقاتها الخارجية، على ألا يمس ذلك حقها في الدفاع المشروع عن النفس، ويعبر هذا النوع من الحياد عن موقف قانوني تود فيه دولة الحياد تعزيز تعايشها السلمي مع الجوار بحيث تمتنع من الدخول في أحلاف عسكرية أو أن تسمح بإقامة قواعد حربية لقوات أجنبية أو استخدام أراضيها لغايات غير سلمية. على أن يترتب مقابل ذلك تعهد من الدول الأخرى بالحفاظ على أمن هذه الدولة وعدم التعرض لها بعمليات عسكرية في حال وقوع نزاع مسلح.
    وتظهر عادة نية الدول في الحياد عن طريق إعلان مسبق يتم تبنيه في معاهدة دولية(حياد سويسرا)، أو أن يعلن هذا الحياد في سياق معاهدة دولية ويقوم دستور دولة الحياد بتضمين نصوصه مبادئ وقواعد هذا الحياد (حياد النمسة كان قد أقُر في معاهدة استقلالها عام 1955، ووقعت عليها كل من الولايات المتحدة الأمريكية، والاتحاد السوڤييتي سابقاً، وفرنسة وبريطانية العظمى إضافة إلى النمسة ثم جاء القانون الدستوري المؤرخ في 26/10/1955، ليضع أسس هذا الحياد).
    ومن الدول ذات الحياد الدائم في الوقت الحاضر: إضافة إلى ما تقدم، الفاتيكان (بموجب معاهدة اللاتران لعام 1929) ولاووس، التي أقر حيادها في إعلان جنيف المؤرخ في 23/7/1962. وكانت مالطا قد أعلنت بتاريخ 15/5/1981، وكذلك كوستاريكا عام 1983 أنها دول ذات حياد دائم، وكان مؤتمر مدريد حول «الأمن والتعاون في أوربة» عام 1983 قد أخذ في الحسبان تصريح مالطا.
    وكانت مالطا قد أشارت في إعلان حيادها أنها تربط هذا الحياد بالتزامها بمجموعة عدم الانحياز من دون أن يثير ذلك عندها أي تعارض بين المفهومين.
    وتختلف دول الحياد الدائم في مضمون ومدى هذا الحياد، مما أدى إلى دفع الفقه الدولي للتمييز بين نوعين من الحياد الدائم:
    أ ـ الحياد الكامل: وهو الحياد التقليدي المعروف تقليدياً بعدم الانحياز لأي طرف من أطراف النزاع أو في الدخول بأي منظمة دولية قد تسعى في تحقيق غاياتها لاستخدام العنف المسلح (كالأحلاف العسكرية)، وكانت سويسرا من أصحاب الحياد الكامل حتى قرر السويسريون باستفتاء شعبي جرى عام 2002 الخروج عنه والانضمام للأمم المتحدة.
    ب ـ الحياد التفاضلي: وهو ما جنحت إليه النمسة من حيث قبولها الدخول في الأمم المتحدة كطرف كامل العضوية، انطلاقاً من قناعتها بأن ماتتخذه الأمم المتحدة بمقتضى الفصل السابع من الميثاق، والداعي لاستخدام القوة المسلحة لا يكون إلا من نظرية الأمن الجماعي أو نظرية الدفاع عن النفس وبالتالي فهي لا تشترك في حروب عدوانية، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، تعتمد النمسة على ما جاء في المادة 48 فقرة أ من ميثاق الأمم المتحدة، القاضي بحق مجلس الأمن في اختيار الدول التي يجب أن تنفذ قراراته ذات الطابع العسكري، مما يدفع للاعتقاد بأن الميثاق قد ميز بين الدول التي تقدم مساعدات مباشرة وبالتالي فهي دولة محاربة، وبين تلك التي تقدم مساعدات عادية وبالتالي فهي دول تتأرجح بين مركزين قانونين: دول محاربة ودول محايدة ويطلق على هذا النوع من الدول مصطلح الدول غير المحاربة. وكانت الاتفاقية الثالثة من اتفاقيات جنيف لعام 1949 المتعلقة بمعاملة أسرى الحرب في مادتها الرابعة قد كرست هذا التمييز بين دول محاربة ودول غير محاربة.
    رابعاً: حقوق وواجبات الدول المحايدة
    تعد حقوق الدول المحايدة بمثابة واجبات واقعة على عاتق الدولة المحاربة وبالعكس تعد واجباتها حقوقاً للأطراف المتنازعة.
    وللدول المحايدة واجبان أساسيان هما: الامتناع عن تقديم المساعدة لأي من أطراف النزاع داخلياً كان أم دولياً، وعدم الانحياز لأي منهما، وتترتب على هذه الواجبات مجموعة من الحقوق التي تتمتع بها دولة الحياد.
    1- حقوق الدول المحايدة زمن النزاعات المسلحة البرية: تتمتع الدول المحايدة بحماية أراضيها التامة من أي اعتداء، أو استخدام لهذه الأراضي لغايات حربية، ومن ناحية أخرى تتمتع هذه الدولة بحق إقامة علاقات تجارية مع الأطراف المتحاربة، وإن كان يحظر على الدولة المحايدة تصدير أو بيع أو إمداد دولة متحاربة بالأسلحة أو بأي مواد حربية أخرى، دون أن تكون ملزمة بمنع هذه الأعمال إن صدرت عن شركات خاصة تمثل جنسيتها.
    على أن الحق الأكثر شرعية للدول المحايدة يكمن في الدفاع المشروع عن النفس، أي خرق حيادها باعتداء إحدى الدول المتحاربة براً أو جواً أو بحراً عليها. وتعد اتفاقية لاهاي الخامسة لعام 1907 أن استخدام القوة لرد العدوان عملاً يخرق حياد هذه الدولة.
    2- واجبات الدول المحايدة زمن النزعات المسلحة البرية: حظرت اتفاقية لاهاي الخامسة لعام 1907 تجنيد المقاتلين لإرسالهم إلى دولة محاربة أو إلى الأطراف المتحاربة، أو فتح مكاتب للتطوع، لكن دولة الحياد لا تعتبر مسؤولة عن أعمال مواطنيها اللذين يختارون طوعاً وبأنفسهم أن ينخرطوا في صفوف جيش دولة محاربة وأن يعملوا في خدمة أحد الأطراف المتنازعة طالما أن ذلك يحدث خارج حدودها.
    كما يحظر على دول الحياد تقديم القروض لدول متحاربة إذا كان الغرض من هذه القروض تمويل أو شراء معدات عسكرية، ولا يسري هذا الحظر على القروض التي تستخدم لأغراض مدنية ولأعمال الإغاثة كبناء مشافي أو مدارس وغير ذلك. على أن حظر تقديم القروض لا يسري على المؤسسات الخاصة إلا إذا رفضت دولة الحياد ذلك.
    3- واجبات الدول المحايدة زمن النزاعات المسلحة البحرية: يقع على عاتق الدول المحايدة حظر تزويد الدول المتحاربة بالسفن البحرية وهذا الحظر يشمل كل أنواع السفن بما في ذلك الغواصات التي يمنع عليها تقديم كل أنواع المساعدات المباشرة(تقديم خدمات فنية لأحد الأطراف المتحاربة) أو مساعدات غير مباشرة(كنقل الجنود مثلاً)، كما يحظر نقل البضائع المهربة، وتؤدي طبيعة السلعة وإمكانية استخدامها من قبل الدولة المتحاربة دوراً في هذا التحريم، ودرجت الدول على وضع لوائح مفصلة بأسماء المواد المحظورة والتي يُعدّ الاتجار بها من أحد المتحاربين بمثابة بضائع مهربة. وكان إعلان باريس حول الحرب البحرية لعام 1858 قد أرسى في هذا المضمار قاعدتين:
    ـ العلم المحايد يغطي بضائع العدو إلا الممنوع منها كالسلع الحربية.
    ـ العلم المعادي لا يؤدي إلى مصادرة بضائع المحايد.
    4- حقوق الدول المحايدة زمن النزاعات المسلحة البحرية: يحظر على الدول المتحاربة القيام بأعمال عدائية في المياه الإقليمية لدولة محايدة ويترك للاتفاقات الجارية تحديد مسافة هذه المنطقة، وفي موانئها، كما يحظر ضبط الغنائم في مياهها الإقليمية، ولا يجوز سوق سفن الغنائم إلى موانئ الدول المحايدة، إلا إذا كانت هذه الأخيرة غير صالحة للعمل، أو كان هناك نقص في الوقود أو أن الأحوال الجوية لا تسمح بالمغادرة.
    على أن الاتفاقية الثالثة عشرة لعام 1907 لم تعتبر مجرد مرور سفينة حربية تابعة لدولة محاربة في المياه الإقليمية لدولة محايدة خرقاً لهذا الحياد، وإن كان يحق لهذه الأخيرة منع مثل هذا المرور.
    وأخيراً يحظر استخدام موانئ الدول المحايدة كملجأ للسفن المحاربة، إلا إذا رغبت بذلك دولة الحياد وسمحت به، على أن الملجأ هنا يصبح حقاً لكل الأطراف المتحاربة على أساس مبدأ المساواة في المعاملة.
    وكانت اتفاقية لاهاي الثالثة عشرة لعام 1807 قد أعطت الحق للدول المحايدة بتزويد السفن المتحاربة بالوقود الذي يكفيها للوصول إلى أقرب ميناء موال لها، على ألا يتجدد هذا التموين إلا بعد انقضاء مدة ثلاثة أشهر على التموين الأول.
    5- واجبات وحقوق الدول المحايدة في الحروب الجوية: لم تتوصل الدول منذ آخر مشروع قدم لتقنين قواعد ناظمة للنزاعات المسلحة الجوية عام 1923 لتبني قانون تعترف به الدول، على أن الكثير من هذه الدول تعد القواعد الواردة في هذا المشروع بمثابة عرف تتعاطاه.
    وكان هذا المشروع قد أشار إلى حقوق الدول المحايدة من حيث حرمة أجوائها وحقها في إجبار الطائرات التي تخرق مجالها الجوي بالهبوط واحتجاز ملاحيها سواء كانت هذه الطائرات مدنية أو عسكرية، وغالباً ما أثبت التعامل الدولي ضرورة احترام هذه القاعدة إذ قامت بعض الدول المتحاربة بدفع تعويضات عن الأضرار التي ألحقها طيرانها عند خرقه المجال الجوي لدولة محايدة. وكان المشروع قد أعطى أيضاً حرية تصدير الطائرات للدول المتحاربة.
    وألقى المشروع المعتمد على العرف الدولي على عاتق دول الحياد منع استخدام أراضيها كقاعدة جوية للقيام بعمليات عدائية أو لنقل تجهيزات أو للإمداد بالوقود وذلك في إطار نزاع مسلح بين دولتين أو أكثر.
    خامساً: انتهاء الحياد
    ينتهي الحياد المؤقت بإعلان الدولة المحايدة رغبتها بالدخول في الحرب، ولا تحتاج هذه الدول إلى موافقة أي من الدول الأخرى محاربة كانت أم لا، تطبيقاً للمبدأ القائل: «أن الحياد المؤقت مصدره إرادة الدول فقط. وقد ينتهي الحياد بانتهاء حالة النزاع القائم».
    ويبدو أن الحياد الدائم قابل أيضاً للانتهاء بإعلان دولة الحياد عن رغبتها بالتخلي عن هذا المركز القانوني، وهذا ما حصل مع بلجيكة التي أعلن حيادها الدائم في معاهدة لندن لعام 1831، ومن ثم خرق الحياد في الحربين العالميتين الأولى والثانية، ولم تعد بلجيكة دولة محايدة بعد أن دخلت عضواً في حلف شـمال الأطلســي[ر] (الناتو).
    ويختلف الأمر إذا كان هناك تحييد أو بالأحرى تجريد من السلاح لمنطقة ما حيث أن التحييد يفرض فرضاً على الإقليم ولا يرفع إلا بموافقة من وضعه من الخارج.
    أمل يازجي
يعمل...
X