الادخار في الفكر العربي
لا يجد الباحث في المصادر المتوافرة عن الحضارة العربية الإِسلامية مدارس اقتصادية بالمعنى الحديث للكلمة, ولكنه يجد الكثير من الأفكار والقواعد الاقتصادية التي تستمد من القرآن الكريم أو السنة الشريفة أو فقه الصحابة والفقهاء المسلمين الذين جاؤوا بعدهم, كما يجد الكثير من الشروح في كتابات العلماء والفلاسفة العرب. ففي مجال الادخار يقر الإِسلام الوظيفة الاجتماعية المهمة للمال المدخر ويبدو ذلك في تحديده للالتزامات الواقعة على مالك المال في استثمار ماله فيما يفيد والتزام الزكاة والإِنفاق في سبيل الله, وعدم استعمال المال على نحو يلحق الضرر أو الأذى بالآخرين أو بمصلحة الجماعة, وعدم الإِبقاء على المال عاطلاً وعدم جواز اكتنازه وعدم الإِسراف في إِنفاقه.
وكان لابن خلدون أهمية كبيرة في الفكر الاقتصادي, ويذكر في دراساته أن العمل يوجد القيمة, ويبين أهمية تقسيم العمل في زيادة إِنتاجية العامل وفي زيادة الدخل, وقد أشار إِلى دور المعادن النفيسة في الجهاز الاقتصادي من حيث إِمكان استخدام الذهب والفضة نقوداً ووسيطاً في المبادلات, وبيّن كيف تؤدي زيادة الطلب على السلع إِلى ارتفاع أسعارها, وأشار إِلى سوء توزيع أعباء الضرائب وأوصى بالتخفيف من الضرائب لآثارها الاقتصادية. ففي واقع الأمر اهتم ابن خلدون بالظواهر الاقتصادية الجزئية, كما اهتم بالاقتصاديات الكلية, فهو يقرر مثلاً أن الطلب يزيد بزيادة الدخل, ويقرر أن الدخل يتوقف على الإِنتاج وأن إِنفاق شخص أو قطاع, هو دخل لشخص آخر, أو قطاع آخر. وزيادة الطلب, عند ابن خلدون, تزيد الإِنتاج من الصناعات القائمة, كما تولد صناعات جديدة.
ولقد أبرز ابن خلدون أهمية الادخار في التنمية إِذ يقول: «ومتى زاد العمران زادت الأعمال ثانية, ثم زاد الترف تابعاً للكسب وزادت عوائده وحاجاته, واستنبطت الصنائع لتحصيلها, فزادت قيمها وتضاعف الكسب في المدينة لذلك ثانية, ونفقت سوق الأعمال بها أكثر من الأول.
وكذا في الزيادة الثانية والثالثة, لأن الأعمال الزائدة تختص بالترف والغنى بخلاف الأعمال الأصلية التي تختص بالمعاش. فما كان عمرانه من الأمصار أكثر وأوفر كان حال أهله في الترف أبلغ من حال المصر الذي دونه.. حتى تنتهي إِلى الأمصار التي لا توفي أعمالها بضروراتها, ولا تعد من الأمصار, إِذ هي من قبيل القرى والدساكر, فلذلك تجد أهل هذه الأمصار الصغيرة ضعفاء الأحوال متقاربين في الفقر والخصاصة, كما أن أعمالهم لا تفي بضروراتهم, ولا يفضل ما يتأثلونه كسباً, ولا تنمو مكاسبهم, وهم لذلك مساكين محاويج إِلا الأقل النادر».
الادخار الاختياري والادخار الإِجباري
يمكن تقسيم الادخار في الاقتصاد الحديث إِلى قسمين: الادخار الاختياري والادخار الإِجباري.
الادخار الاختياري:
وهو الادخار الحر الذي يقوم به الفرد طوعاً واستجابة لإِرادته ورغبته نتيجة لموازنته بين وضعين: وضع إِقدامه على إِنفاق دخله ووضع إِمساكه عن هذا الإِنفاق. وتسهم جملة من الإِجراءات والسياسات في زيادة حجم الادخار الحر عن طريق إِيجاد الوعي الادخاري لدى المواطنين وتنميته, ودعم الضمانة والثقة بالادخار, وتطوير المؤسسات الادخارية وتوسيعها وتحسين خدماتها.
ولا تزال المؤسسات الادخارية في البلدان النامية محدودة العدد وقاصرة على تقديم الخدمات الضرورية للمدخر نتيجة لأسباب إِدارية وفنية, إِضافة إِلى أن الادخارات الفردية مقصورة في الغالب على المدخرين في المدن, ويكاد الادخار أن يكون معدوماً في المناطق الريفية لعدم وجود فروع للمؤسسات الادخارية كالمصارف وصناديق توفير البريد.
الادخار الإِجباري:
وهو ادخار يجبر عليه الأفراد نتيجة لمقتضيات قانونية أو لقرارات حكومية أو قرارات الشركات. وقد انتشر الادخار الإِجباري في الاقتصاد الحديث وفي مقدمة مجالاته المجالات الخمسة التالية:
ـ نطاق الادخار التقاعدي لدى صناديق المعاشات والتأمينات الاجتماعية:
وهذا النوع من المدخرات له أهمية خاصة لاتساع مجاله ولتمتعه بصفة الاستمرار والثبوت.
ـ نطاق ادخار الشركات:
وهذا النوع من المدخرات يتكون عندما تقرر الهيئة العامة لإِحدى الشركات دعم احتياطياتها أو عدم توزيع قسط من أرباحها قصد القيام بتمويل ذاتي, فيترتب على ذلك تناقص في الأرباح الموزعة على المساهمين.
ـ نطاق الادخارات عن طريق الضرائب:
إِذ تُحصّل الدولة الكثير من الأموال مما يوفر لها إِمكانات أكبر للاستثمار في المشروعات الإِنمائية من جهة, وتقليص الاستهلاك من جهة أخرى, ولاسيما الاستهلاك الخاص المرتبط بالتبذير والإِنفاقات غير المسوَّغة.
وللضرائب في الاقتصاديات الرأسمالية المتقدمة أثر مهم في معالجة المشاكل الناجمة عن الدورة الاقتصادية وإِفرازاتها وإِعادة توزيع الدخل الوطني وتغذية خزانة الدولة, ولاسيما في المراحل التي تزيد فيها النفقات زيادة كبيرة إِثر الاندفاع نحو التسلح.
أما في الدول النامية, فإِن للضرائب أثراً كبيراً في خدمة تمويل التنمية, وهي تسوَّغ بالدرجة الأولى بضعف إِمكانات الادخار الحر وضرورة تحقيق الأهداف التالية: ضغط الاستهلاك وكبح جماحه وتحويل الموارد منه إِلى الاستثمار, وتحويل موارد مبعثرة من أيدي الأفراد إِلى يد الدولة لتمويل الاستثمار العام, وتوفير الحوافز لزيادة الاستثمار وتوجيهه, وتقليل الفوارق الاقتصادية.
ـ القروض:
ويمكن تقسيمها إِلى قسمين: القروض الداخلية والقروض الخارجية.
إِن القروض العامة الداخلية هي الأداة التي يُلجأ إِليها بسبب شح الادخار الحر وقصور الادخار الإِجباري ممثلاً في الضرائب. ويسوَّغ الاقتراض الداخلي في الدول النامية غالباً بتفشي ظاهرة الاكتناز وانتشار ظاهرة الإِنفاق الكمالي والمظهري والتفاخري وتدفق الاستثمارات إِلى الميادين غير المنتجة, إِذ يساعد الحصول على القروض وتوجيهها وفقاً لأهداف الخطة العامة للدولة وعلى أساس معايير الاستثمار مساعدة كبيرة في دعم جهود التنمية الاقتصادية.
وتعترض سبيل الاقتراض الداخلي في الدول النامية مصاعب منها عدم توافر سوق نقدية منتظمة لتداول القروض القصيرة الأجل, وعدم نضج سوق رأس المال للتعامل في السندات الحكومية وسندات الشركات التجارية والصناعية, وعدم نماء العادة الادخارية المصرفية وضعف كفاية أجهزة تعبئة المدخرات وصغر حجم القطاع الصناعي.
أما القروض الخارجية فهي الأداة التي تلجأ إِليها الدولة بسبب قصور التمويل المحلي ورغبتها في تجنب بعض المخاطر الاقتصادية الداخلية كالتدهور النقدي أو عدم الرغبة في تحمل ضرائب أعلى.
وتساعد القروض الخارجية, إِذا أحسن استخدامها, على زيادة الناتج وتنمية الصادرات وبدائل المستوردات, مما يسهم في زيادة الدخل الوطني والمدخرات الوطنية وتحسين الميزان التجاري, كما تعاون على منع التضخم وتجنب تدهور العملة الوطنية.
لا يجد الباحث في المصادر المتوافرة عن الحضارة العربية الإِسلامية مدارس اقتصادية بالمعنى الحديث للكلمة, ولكنه يجد الكثير من الأفكار والقواعد الاقتصادية التي تستمد من القرآن الكريم أو السنة الشريفة أو فقه الصحابة والفقهاء المسلمين الذين جاؤوا بعدهم, كما يجد الكثير من الشروح في كتابات العلماء والفلاسفة العرب. ففي مجال الادخار يقر الإِسلام الوظيفة الاجتماعية المهمة للمال المدخر ويبدو ذلك في تحديده للالتزامات الواقعة على مالك المال في استثمار ماله فيما يفيد والتزام الزكاة والإِنفاق في سبيل الله, وعدم استعمال المال على نحو يلحق الضرر أو الأذى بالآخرين أو بمصلحة الجماعة, وعدم الإِبقاء على المال عاطلاً وعدم جواز اكتنازه وعدم الإِسراف في إِنفاقه.
وكان لابن خلدون أهمية كبيرة في الفكر الاقتصادي, ويذكر في دراساته أن العمل يوجد القيمة, ويبين أهمية تقسيم العمل في زيادة إِنتاجية العامل وفي زيادة الدخل, وقد أشار إِلى دور المعادن النفيسة في الجهاز الاقتصادي من حيث إِمكان استخدام الذهب والفضة نقوداً ووسيطاً في المبادلات, وبيّن كيف تؤدي زيادة الطلب على السلع إِلى ارتفاع أسعارها, وأشار إِلى سوء توزيع أعباء الضرائب وأوصى بالتخفيف من الضرائب لآثارها الاقتصادية. ففي واقع الأمر اهتم ابن خلدون بالظواهر الاقتصادية الجزئية, كما اهتم بالاقتصاديات الكلية, فهو يقرر مثلاً أن الطلب يزيد بزيادة الدخل, ويقرر أن الدخل يتوقف على الإِنتاج وأن إِنفاق شخص أو قطاع, هو دخل لشخص آخر, أو قطاع آخر. وزيادة الطلب, عند ابن خلدون, تزيد الإِنتاج من الصناعات القائمة, كما تولد صناعات جديدة.
ولقد أبرز ابن خلدون أهمية الادخار في التنمية إِذ يقول: «ومتى زاد العمران زادت الأعمال ثانية, ثم زاد الترف تابعاً للكسب وزادت عوائده وحاجاته, واستنبطت الصنائع لتحصيلها, فزادت قيمها وتضاعف الكسب في المدينة لذلك ثانية, ونفقت سوق الأعمال بها أكثر من الأول.
وكذا في الزيادة الثانية والثالثة, لأن الأعمال الزائدة تختص بالترف والغنى بخلاف الأعمال الأصلية التي تختص بالمعاش. فما كان عمرانه من الأمصار أكثر وأوفر كان حال أهله في الترف أبلغ من حال المصر الذي دونه.. حتى تنتهي إِلى الأمصار التي لا توفي أعمالها بضروراتها, ولا تعد من الأمصار, إِذ هي من قبيل القرى والدساكر, فلذلك تجد أهل هذه الأمصار الصغيرة ضعفاء الأحوال متقاربين في الفقر والخصاصة, كما أن أعمالهم لا تفي بضروراتهم, ولا يفضل ما يتأثلونه كسباً, ولا تنمو مكاسبهم, وهم لذلك مساكين محاويج إِلا الأقل النادر».
الادخار الاختياري والادخار الإِجباري
يمكن تقسيم الادخار في الاقتصاد الحديث إِلى قسمين: الادخار الاختياري والادخار الإِجباري.
الادخار الاختياري:
وهو الادخار الحر الذي يقوم به الفرد طوعاً واستجابة لإِرادته ورغبته نتيجة لموازنته بين وضعين: وضع إِقدامه على إِنفاق دخله ووضع إِمساكه عن هذا الإِنفاق. وتسهم جملة من الإِجراءات والسياسات في زيادة حجم الادخار الحر عن طريق إِيجاد الوعي الادخاري لدى المواطنين وتنميته, ودعم الضمانة والثقة بالادخار, وتطوير المؤسسات الادخارية وتوسيعها وتحسين خدماتها.
ولا تزال المؤسسات الادخارية في البلدان النامية محدودة العدد وقاصرة على تقديم الخدمات الضرورية للمدخر نتيجة لأسباب إِدارية وفنية, إِضافة إِلى أن الادخارات الفردية مقصورة في الغالب على المدخرين في المدن, ويكاد الادخار أن يكون معدوماً في المناطق الريفية لعدم وجود فروع للمؤسسات الادخارية كالمصارف وصناديق توفير البريد.
الادخار الإِجباري:
وهو ادخار يجبر عليه الأفراد نتيجة لمقتضيات قانونية أو لقرارات حكومية أو قرارات الشركات. وقد انتشر الادخار الإِجباري في الاقتصاد الحديث وفي مقدمة مجالاته المجالات الخمسة التالية:
ـ نطاق الادخار التقاعدي لدى صناديق المعاشات والتأمينات الاجتماعية:
وهذا النوع من المدخرات له أهمية خاصة لاتساع مجاله ولتمتعه بصفة الاستمرار والثبوت.
ـ نطاق ادخار الشركات:
وهذا النوع من المدخرات يتكون عندما تقرر الهيئة العامة لإِحدى الشركات دعم احتياطياتها أو عدم توزيع قسط من أرباحها قصد القيام بتمويل ذاتي, فيترتب على ذلك تناقص في الأرباح الموزعة على المساهمين.
ـ نطاق الادخارات عن طريق الضرائب:
إِذ تُحصّل الدولة الكثير من الأموال مما يوفر لها إِمكانات أكبر للاستثمار في المشروعات الإِنمائية من جهة, وتقليص الاستهلاك من جهة أخرى, ولاسيما الاستهلاك الخاص المرتبط بالتبذير والإِنفاقات غير المسوَّغة.
وللضرائب في الاقتصاديات الرأسمالية المتقدمة أثر مهم في معالجة المشاكل الناجمة عن الدورة الاقتصادية وإِفرازاتها وإِعادة توزيع الدخل الوطني وتغذية خزانة الدولة, ولاسيما في المراحل التي تزيد فيها النفقات زيادة كبيرة إِثر الاندفاع نحو التسلح.
أما في الدول النامية, فإِن للضرائب أثراً كبيراً في خدمة تمويل التنمية, وهي تسوَّغ بالدرجة الأولى بضعف إِمكانات الادخار الحر وضرورة تحقيق الأهداف التالية: ضغط الاستهلاك وكبح جماحه وتحويل الموارد منه إِلى الاستثمار, وتحويل موارد مبعثرة من أيدي الأفراد إِلى يد الدولة لتمويل الاستثمار العام, وتوفير الحوافز لزيادة الاستثمار وتوجيهه, وتقليل الفوارق الاقتصادية.
ـ القروض:
ويمكن تقسيمها إِلى قسمين: القروض الداخلية والقروض الخارجية.
إِن القروض العامة الداخلية هي الأداة التي يُلجأ إِليها بسبب شح الادخار الحر وقصور الادخار الإِجباري ممثلاً في الضرائب. ويسوَّغ الاقتراض الداخلي في الدول النامية غالباً بتفشي ظاهرة الاكتناز وانتشار ظاهرة الإِنفاق الكمالي والمظهري والتفاخري وتدفق الاستثمارات إِلى الميادين غير المنتجة, إِذ يساعد الحصول على القروض وتوجيهها وفقاً لأهداف الخطة العامة للدولة وعلى أساس معايير الاستثمار مساعدة كبيرة في دعم جهود التنمية الاقتصادية.
وتعترض سبيل الاقتراض الداخلي في الدول النامية مصاعب منها عدم توافر سوق نقدية منتظمة لتداول القروض القصيرة الأجل, وعدم نضج سوق رأس المال للتعامل في السندات الحكومية وسندات الشركات التجارية والصناعية, وعدم نماء العادة الادخارية المصرفية وضعف كفاية أجهزة تعبئة المدخرات وصغر حجم القطاع الصناعي.
أما القروض الخارجية فهي الأداة التي تلجأ إِليها الدولة بسبب قصور التمويل المحلي ورغبتها في تجنب بعض المخاطر الاقتصادية الداخلية كالتدهور النقدي أو عدم الرغبة في تحمل ضرائب أعلى.
وتساعد القروض الخارجية, إِذا أحسن استخدامها, على زيادة الناتج وتنمية الصادرات وبدائل المستوردات, مما يسهم في زيادة الدخل الوطني والمدخرات الوطنية وتحسين الميزان التجاري, كما تعاون على منع التضخم وتجنب تدهور العملة الوطنية.