ادب اسباني امريكي
Latin American literature - Littérature hispano-américaine
الأدب الإِسباني الأمريكي
تطلق تسمية الأدب الإِسباني - الأمريكي Literatura Hispanoamericana على الكتابات الأدبية النثرية والشعرية المكتوبة باللغة الإِسبانية في بلدان العالم الجديد التي خضعت للفتح الإِسباني بعد اكتشاف القارة الأمريكية عام 1492, وقد استقرت هذه البلدان اليوم في تسع عشرة دولة مستقلة ناطقة بالإِسبانية هي: أورغواي, بارغواي, الأرجنتين, تشيلي, بوليفية, البيرو, الإكوادور, كولومبية, فنزويلة, بنمة, كوستاريكة, نيكاراغوة, هندوراس, السلفادور,غواتيمالة, المكسيك, كوبة, سانتو دومنغو (جمهورية الدومينيكان), تضاف إِليها جزيرة بورتوريكوالتي مازالت تستخدم اللغة الإِسبانية مع أنها تدار من جانب الولايات المتحدة الأمريكية. وهو ما ينطبق كذلك على الأجزاء الجنوبية من الولايات المتحدة, وخاصةً ولاية نيومكسيكو وأجزاء كبيرة من ولايات كولورادو وأريزونة وأوكلاهومة, حيث ما زالت الإِسبانية شائعة جنباً إِلى جنب مع الإِنكليزية. ويمكن تقسيم الأدب الإِسباني - الأمريكي إِلى ثلاث مراحل رئيسة, تمتد الأولى منذ وصول الإِسبان في أواخر القرن الخامس عشر حتى القرن التاسع عشر. في حين تمتد المرحلة الثانية من استقلال بلدان القارة عن السيطرة الاستعمارية الإِسبانية حتى أوائل القرن العشرين. أما المرحلة الثالثة فتتناول ازدهار آداب أمريكة الإِسبانية وتبلور شخصيتها, وانتشارها عالمياً في العصر الحديث.
الأدب في المرحلة الاستعمارية:
لعل أول ما يلفت النظر لدى رصد تطور الكتابة النثرية في العالم الجديد إِبان القرون الأولى للغزو الإِسباني هو الغياب الشامل تقريباً للإِنتاج الروائي. وهناك تفسيرات كثيرة لهذا الغياب, أبرزها التشريعات التي سنها الملك كارلوس الخامس منذ عام 1532 بحظر نسخ أعمال الأدب المتخيل ونشرها وتوزيعها وتداولها وخاصةً روايات الفروسية, خوفاً من أن يعتقد السكان الأصليون ( الهنود) بصحة تلك التخيلات الروائية التي قد تصرفهم عن الإِيمان, لأن إِيمانهم كان حديث العهد بالمسيحية وما يزال ضعيفاً.
أما أول الكتابات النثرية التي ظهرت حول أمريكة الإِسبانية فهي يوميات كريستوف كولومبس عن رحلته الأولى, وكذلك رسائل فاتح المكسيك هيرنان كورتيس إِلى الملك كارلوس الخامس يخبره فيها بفتح مملكة إِسبانية الجديدة (المكسيك) ويطلعه على أحوال تلك البلاد.
وبعدها تأتي كتابات المؤرخين الذين رافقوا الإِسبان أو كانوا جنوداً في الحملات مثلما هو حال بيرنال دياث دل كاستييو Bernal Díaz del Castillo صاحب كتاب «القصة الحقيقية لفتح إِسبانية الجديدة» Verdadera historia de la conquista la Nueva Espaňa , وفيرنانديث دي أوبييدو Fernandez de Oviedo في كتابه «التاريخ العام والطبيعي لبلاد الهند» (وبلاد الهند أو las Indias هي التسمية التي شاعت للقارة الأمريكية نتيجة الخطأ التاريخي الذي وقع فيه كولومبس منذ البداية باعتقاده أنه قد وصل إِلى شواطىء الهند).
ولابد من ذكر الراهب بارتولومي دي لاس كاساس Fray Bartolomé de las Casas الذي دافع بحرارة عن سكان القارة الأصليين وأدان بشدة وحشية الإِسبان وقسوتهم في استعباد أهل البلاد الهنود في كتابه الشهير «القصة الموجزة لتدمير بلاد الهند» حتى استحق لقب رسول بلاد الهند.
وقد انتشرت هذه الكتابات على نطاق واسع في إِسبانية وأوربة في القرن السادس عشر, وكانت مصدر إِلهام في ظهور أساطير جديدة, مثل أسطورة مملكة الذهب أو إِلدورادو, ومملكة الأمازونيات, وأسطورة البلاد الرائعة التي يقطنها متوحشون طيبون, كما كان لها أثر كبير من دون ريب في ولادة الأفكار اليوتوبية Utopian المثالية, التي دعا إِليها توماس مور[ر] وبيكون وغيرهما.
والملاحظ أن جميع هؤلاء الكتاب هم من الإِسبان الذين استقروا في العالم الجديد. أما أول كاتب كبير من أصل أمريكي كتب بالإِسبانية فهو الإِنكا غارثيلاسو دي لا بيغا [ر] lnca Garcilaso de la Vega (1539 -1616) الذي ولد في البيرو لأب إِسباني هو القائد سيباستيان دي لابيغا وأم هندية هي الأميرة ايسابيل تشيمبو أوكلو ابنة عم امبراطور الإِنكا الأخير آتاهوالبا. وقد أدهشت كتاباته الناس في أوربة وأثار استغرابهم حديثه عن وجود حضارة متطورة في البيرو قبل الغزو الإِسباني, ووصفه لمعاناة أبناء شعبه على يد الإِسبان في كتابه «الشروحات الملكية للإِنكا» و «التاريخ العام للبيرو» حتى عدّه بعضهم أبا التاريخ الأمريكي اللاتيني. ورأى فيه الكاتب الغواتيمالي ميغيل أنخل استورياس [ر] Migel Ángel Asturias (1899ـ1974) السابقة الأولى لأدب الاحتجاج والمعارضة, وذهب الروائي البيروي المعاصر ماريو بارغاس يوسا إِلى أبعد من ذلك عندما رأى أن أصول الواقعية تعود إِلى كتابات الإِنكا غارثيلاسو, وخصوصاً عرضه لمأساة شعب الإِنكا في أيامه الأخيرة, مع مجيء الإِسبان.
أما الأشعار التي توالى ظهورها منذ وصول المستوطنين الإِسبان إِلى القارة الأمريكية حتى القرن التاسع عشر فقد ازدهرت في مركزين ثقافيين أساسيين في العالم الجديد: المكسيك والبيرو.
ولكنها لم تكن إِلا تكراراً للأساليب والأنماط الشعرية السائدة في الوطن الأم على الجانب الآخر من المحيط. والمثال البارز على ذلك الشاعرة المكسيكية الراهبة خوانا إِنيس دي لاكروث Sor Juana Inés de la Cruz (1651-1692) التي أبدعت في محاكاة أساليب الشعراء الإِسبان, وخاصةً كيفيدو [ر] Quevedo وغونغورا [ر] Góngora.
ويرى مؤرخو الأدب أن نقطة انطلاق الشعر الإِسباني - الأمريكي تبدأ سنة 1604 بديوان أشعار «العظمة المكسيكية» La grandeza mexicana التي نظمها الراهب بيرناردو دي بالبوينا Bernardo de Balbuena (1568-1627) ويتغنى فيها بجمال مدينة مكسيكو وبعاداتها ونمط حياتها الاجتماعي.
ولم يقتصر الشعر في تلك المرحلة على القصائد الغنائية, وإِنما تعداها إِلى الشعر الملحمي, وهو ما يُلمس في القرن السادس عشر لدى الشاعر التشيلي ألونسو دي إِرثيا أي ثونييغا Alonso de Ercilla Zuniga (1533-1594) مؤلف ملحمة «الأراوكانية» Ia Araucana ومع أن الشاعر إِسباني المولد, فإِن ملحمته جزء لا يتجزأ من الأدب الإِسباني - الأمريكي, لأنها تنبع من الواقع الأمركي وتنصبغ بصبغته في تغنيها ببطولات شعب أراوكو (في تشيلي اليوم) ونضالهم بقيادة لاوتارو ضد الغزو الإِسباني.
وقد نشطت كذلك في المرحلة الأولى التي تلت الغزو الإِسباني أشكال بدائية من المسرح, ولكنه كان مسرحاً تبشيرياً وتعليمياً نظمه رجال الدين والبعثات التبشيرية لتلقين السكان الهنود مبادئ الديانة الكاثوليكية, وغالباً ما كانت العروض المسرحية تقام في الكنائس والأديرة وتنتهي بتعميد الهنود الحاضرين. أما المسرح بمعناه الفني والجمالي والاجتماعي, فلم يزدهر في أمريكة الإِسبانية إِلا في وقت متأخر.
مرحلة الاستقلال:
واجه الأدب الأمريكي اللاتيني في القرن التاسع عشر, وعلى أثر حركة الاستقلال التي شملت القارة بأسرها, مسألة جديدة شديدة الخصوصية, ألا وهي تعلم ممارسة الحرية التي تم الحصول عليها, وتحديد الهوية الثقافية الذاتية المستقلة.
وهكذا بدأ سعي بلدان القارة التي استقلت حديثاً لتحقيق الانعتاق الفكري والاستقلال الروحي في محاولة إِيجاد ثقافة وطنية أصيلة. ولهذا يلاحظ أن آداب القارة في الثلث الأول من القرن التاسع عشر مشحونة بزخم أيديولوجي مبثوث في المقالات الصحفية والرواية والشعر على السواء, للإِسهام في تكوين شخصية ثقافية متميزة. ولكن هذه المساعي لم تقلل من شأن التبعية الثقافية, بل اقتصر الأمر على استبدال المنابع التي تنهل منها. فالنخبة المحلية التي أسهمت كثيراً في الثورة على الهيمنة الإِسبانية, بدأت ترسل أبناءها للدراسة في إِنكلترة وفرنسة آخذة بالحسبان الأهمية المتزايدة للولايات المتحدة بعد استقلالها عام 1776, إِذ كانت المرآة التي ترى فيها الأمم الأمريكية الجنوبية نفسها. وهكذا أصبح الأدب الإِنكليزي والفرنسي, جنباً إِلى جنب مع الأدب الإِسباني, الدليل والمثال الذي يقتدي به الكتاب في أمريكة الناطقة بالإِسبانية.