تويت
الزّخرفة العربيّة.. "شفرة" رموز تبحث عن حلول
السويداء
كثر هم الذين درسوا الزخرف بألوانه وأشكاله في عالم الفن التشكيلي، ولكن قلة من بحث في فك وحل دلالات ورموز الزخارف وربطها بالثقافات والأفكار التاريخية القديمة المعاصرة، وذلك بهدف التوصل إلى نتائج موثقة يمكن اعتمادها مستقبلاً.
الموروث الزّخرفيّ
الأستاذ الدكتور "غسان أبو طرابه" عميد كلية الفنون الجميلة الأسبق في "السويداء" يبين في حديثه لموقع "مدونة وطن eSyria"، أن الدخول إلى عالم الزخرف العربي عبر التصميم الغرافيكي المعاصر، وإيجاد حل لإشكالية بعض الرموز والدلالات القائمة عليه، يتطلب الخوض في ماهية علوم متنوعة لكشف تلك الزخارف وخاصة العربية منها، بحيث يتم توظيف مفهوم الموروث العربي للوحدة الزخرفية في التصميم الغرافيكي المعاصر، بغية حل مشكلة بحثية بالإجابة على كيف وأين ومتى؟.
وينوه الدكتور "أبو طرابه" إلى أن هذا الموروث يتمثل بالهوية البصرية في الزخرفة العربية كآلية تفكير، حيث كان العنوان الرمزي للحضارة العربية، وتم وضع أهداف لإغناء التصميم المعاصر من خلال الزخرفة مقارنة بالزخرفة الفارسية والزخرفة العثمانية، وتأكيد على أهمية التكنولوجيا ودورها في توظيف هذه الزخرفة بالتصميم الغرافيكي المعاصر، لكن كل ذلك اعتبر دراسة للمفهوم الشكلي للزخرفة العربية، من خلال "التكرار والتماثل والتوازن والوحدة"، ودراسة أشكال الخط العربي بلونه وأبعاده في الزخرفة.
المراسل والاستاذ الدكتور غسان ابو طرابهالبعد الرابع
الفنانة رهام ابو الفضل
ويتابع بالقول: «لعل أصول الزخارف ومدى تطورها واستخدامها عبر العصور في الحضارات التي تعاقبت على المنطقة العربية، بدءاً من حضارة بلاد الرافدين كـ"السومريين والأشوريين والفينيقيين إلى حضارة وادي النيل عند الفراعنة، وصولاً إلى الحضارة الإسلامية بكل أطوارها ومراحلها"، وهذا يتطلب معرفة خصائص الزخرفة العربية ومميزاتها بروائز عناصر التكوين وعلاقاته، والدخول إلى ميزات الخط العربي في الزخرفة الحروفية وأشكال الزخارف الحيوانية والزخارف النباتية والزخارف الهندسية، ودراسة أبعاد هذه الزخرفة وخاصة البعد الرابع، وهو الزمن من خلال عناصر المكان، من دون أن نغفل عن أين ومتى تم استخدامها لفك وحل رموز هذه الزخارف وعصور تكونها لتكون عنوان التفكير الرمزي لكل عصر، وفق أدوات هذه الزخرفة بدءاً من الأيقونة والمقرنصات والشكمجية والحفر على المعادن والحفر على الخشب والزجاج والمنسوجات، وانتهاء بالزخارف الفسيفسائية وزخرفة الجوامع والكنائس والقصور».
إشكالية الرمز
وحول إشكالية حل الرموز والدلالات الزخرفة العربية في التصميم الغرافيكي المعاصر، تشير الباحثة والفنانة التشكيلية "رهام عدنان أبو الفضل" إلى أن حل دلالات الموروث الفني العربي "الزخرفة العربية"، يتطلب الأخذ بالاعتبار خصوصية المجتمع المستهدف وصياغتها بما يتلاءم مع الأسس الحديثة للتصميم الذي يعطي مجالاً واسعاً وغنياً بالاحتمالات والحلول لابتكار تصاميم غرافيكية جديدة ذات طابع عربي بقالب حديث.
من لوحات الزخارف
وتضيف: «من الملاحظ أن كل العلوم بنيت على ما سبقها أي أن التراكم الكمي للمعلومات أنتج قفزة نوعية، وهذا ينطبق على الفنون أيضاً، وكيفية تطورها وما رأيناه في الفن الإسلامي تأثر بما سبقه من فنون إلى أن شكل هويته الخاصة به، لذلك بُني موروثنا الفنـي على ذلك ويمكن الاستفادة منـه وأخـذه مـن الفنـون الحديثة المعاصرة، لننتج هويـة خاصـة».
وتتابع "أبو الفضل" بالقول: «إن معرفة معاني الأشكال والرموز المستخدمة في الزخارف العربية "نبات حيوان أشكال هندسية خط عربي"، ومعرفة دلالتها في الحضارات التي سبقت الاسلام، يفتح لنا آفاقاً كبيرة لاستخدامها في أفكار التصميم الغرافيكي، ودراسة تكوين وتشكيل الحرف العربي ومسيرة تطوره والمعاني الذي يحملها في طياته، وهو ما يعطي مجالاً واسعاً للاستفادة من شكله في التصاميم الغرافيكية بعيداً عن تشكيله، ضم كلمة او جملة مفهومة، وللون دلالة هامة في الزخارف الإسلامية إذ أتاح تباينه إضفاء نوع من الحركة والإيقاع على الأعمال في تحقيق الشد الفضائي والجانب البصري، إضافة للمجموعات اللونية المتنوعة المنتمية لكل عصر إسلامي، التي تمكنا من الاستفادة منها في التصاميم الغرافيكية الحديثة».
الاستقطاب البصري
وتوضح الفنانة أن معرفة ودراسة الشبكات التي تقوم عليها الزخارف الإسلامية يساعد بشكل كبير في التصاميم التي تقوم على التكرار والتناظر في عناصرها مثل تصميم ورق جدران، وإمكانية الاستفادة من العناصر والرموز المستخدمة ضمن الزخارف كصيغ مفردة بصرية، وطرق تبسيطها وتجريدها في تصميم رموز وإشارات غرافيكية حديثة، كما أن الاطلاع على النماذج الحديثة للملصق التركي والإيراني، سهل من معرفة كيفية الاستفادة من الموروث الفني واستخدامه ضمن شبكات التصميم الحديث، وذلك للأهمية الكبيرة بربط الشكل بالمعنى القائم الذي تقوم عليها الزخارف الإسلامية، إضافة إلى تنظيم التصميم في نمط قابل للإدراك لإظهار مدى انسجام الأجزاء مع الكل كنمط واحد.
وتخضع الزخارف الإسلامية لقيم تصميمية وقوانين إنشائية وتركيبية تحدد لها نمط ارتباط خاص فيما بينها، من خلال علاقات تشكيلة "تكرر تراكب التماس تماثل" فلا اللون في ذاته أو الشكل في ذاته يمكن أن ينتج عمـلاً بصرياً في انفصالهما عن بعضها، لكن العلاقة فيما بينها هي مصدر القوة والدلالة، فضلاً عن أن فرض هيمنة لإحدى الوحدات التصميمية وإعطائها دور السيادة في التصميم الغرافيكي، إضافة إلى مبدأ البساطة، يساعد ذلك بالاستفادة من الزخرفة وتطبيقها في قالب حديث بعيداً عن النسخ للزخارف الإسلامية بشكل حرفي، وذلك يساعد في إعطاء العمل البصري الحركة الموجودة في الزخارف مع القراءة الواضحة للعمل من دون تشويش، إلى جانب أهمية التخلص من التراكبات الفضائية غير الفاعلة وإبقاء العناصر الفاعلة منها، بمـا يؤدي إلى تنوع العلاقات الشكلية واللونية لتحقيق هذا الاستقطاب البصري.
- معين حمد العماطوري
- 12 نيسان 2023
السويداء
كثر هم الذين درسوا الزخرف بألوانه وأشكاله في عالم الفن التشكيلي، ولكن قلة من بحث في فك وحل دلالات ورموز الزخارف وربطها بالثقافات والأفكار التاريخية القديمة المعاصرة، وذلك بهدف التوصل إلى نتائج موثقة يمكن اعتمادها مستقبلاً.
الموروث الزّخرفيّ
الأستاذ الدكتور "غسان أبو طرابه" عميد كلية الفنون الجميلة الأسبق في "السويداء" يبين في حديثه لموقع "مدونة وطن eSyria"، أن الدخول إلى عالم الزخرف العربي عبر التصميم الغرافيكي المعاصر، وإيجاد حل لإشكالية بعض الرموز والدلالات القائمة عليه، يتطلب الخوض في ماهية علوم متنوعة لكشف تلك الزخارف وخاصة العربية منها، بحيث يتم توظيف مفهوم الموروث العربي للوحدة الزخرفية في التصميم الغرافيكي المعاصر، بغية حل مشكلة بحثية بالإجابة على كيف وأين ومتى؟.
من الملاحظ أن كل العلوم بنيت على ما سبقها أي أن التراكم الكمي للمعلومات أنتج قفزة نوعية، وهذا ينطبق على الفنون أيضاً، وكيفية تطورها وما رأيناه في الفن الإسلامي تأثر بما سبقه من فنون إلى أن شكل هويته الخاصة به، لذلك بُني موروثنا الفنـي على ذلك ويمكن الاستفادة منـه وأخـذه مـن الفنـون الحديثة المعاصرة، لننتج هويـة خاصـة
وينوه الدكتور "أبو طرابه" إلى أن هذا الموروث يتمثل بالهوية البصرية في الزخرفة العربية كآلية تفكير، حيث كان العنوان الرمزي للحضارة العربية، وتم وضع أهداف لإغناء التصميم المعاصر من خلال الزخرفة مقارنة بالزخرفة الفارسية والزخرفة العثمانية، وتأكيد على أهمية التكنولوجيا ودورها في توظيف هذه الزخرفة بالتصميم الغرافيكي المعاصر، لكن كل ذلك اعتبر دراسة للمفهوم الشكلي للزخرفة العربية، من خلال "التكرار والتماثل والتوازن والوحدة"، ودراسة أشكال الخط العربي بلونه وأبعاده في الزخرفة.
المراسل والاستاذ الدكتور غسان ابو طرابهالبعد الرابع
الفنانة رهام ابو الفضل
ويتابع بالقول: «لعل أصول الزخارف ومدى تطورها واستخدامها عبر العصور في الحضارات التي تعاقبت على المنطقة العربية، بدءاً من حضارة بلاد الرافدين كـ"السومريين والأشوريين والفينيقيين إلى حضارة وادي النيل عند الفراعنة، وصولاً إلى الحضارة الإسلامية بكل أطوارها ومراحلها"، وهذا يتطلب معرفة خصائص الزخرفة العربية ومميزاتها بروائز عناصر التكوين وعلاقاته، والدخول إلى ميزات الخط العربي في الزخرفة الحروفية وأشكال الزخارف الحيوانية والزخارف النباتية والزخارف الهندسية، ودراسة أبعاد هذه الزخرفة وخاصة البعد الرابع، وهو الزمن من خلال عناصر المكان، من دون أن نغفل عن أين ومتى تم استخدامها لفك وحل رموز هذه الزخارف وعصور تكونها لتكون عنوان التفكير الرمزي لكل عصر، وفق أدوات هذه الزخرفة بدءاً من الأيقونة والمقرنصات والشكمجية والحفر على المعادن والحفر على الخشب والزجاج والمنسوجات، وانتهاء بالزخارف الفسيفسائية وزخرفة الجوامع والكنائس والقصور».
إشكالية الرمز
وحول إشكالية حل الرموز والدلالات الزخرفة العربية في التصميم الغرافيكي المعاصر، تشير الباحثة والفنانة التشكيلية "رهام عدنان أبو الفضل" إلى أن حل دلالات الموروث الفني العربي "الزخرفة العربية"، يتطلب الأخذ بالاعتبار خصوصية المجتمع المستهدف وصياغتها بما يتلاءم مع الأسس الحديثة للتصميم الذي يعطي مجالاً واسعاً وغنياً بالاحتمالات والحلول لابتكار تصاميم غرافيكية جديدة ذات طابع عربي بقالب حديث.
من لوحات الزخارف
وتضيف: «من الملاحظ أن كل العلوم بنيت على ما سبقها أي أن التراكم الكمي للمعلومات أنتج قفزة نوعية، وهذا ينطبق على الفنون أيضاً، وكيفية تطورها وما رأيناه في الفن الإسلامي تأثر بما سبقه من فنون إلى أن شكل هويته الخاصة به، لذلك بُني موروثنا الفنـي على ذلك ويمكن الاستفادة منـه وأخـذه مـن الفنـون الحديثة المعاصرة، لننتج هويـة خاصـة».
وتتابع "أبو الفضل" بالقول: «إن معرفة معاني الأشكال والرموز المستخدمة في الزخارف العربية "نبات حيوان أشكال هندسية خط عربي"، ومعرفة دلالتها في الحضارات التي سبقت الاسلام، يفتح لنا آفاقاً كبيرة لاستخدامها في أفكار التصميم الغرافيكي، ودراسة تكوين وتشكيل الحرف العربي ومسيرة تطوره والمعاني الذي يحملها في طياته، وهو ما يعطي مجالاً واسعاً للاستفادة من شكله في التصاميم الغرافيكية بعيداً عن تشكيله، ضم كلمة او جملة مفهومة، وللون دلالة هامة في الزخارف الإسلامية إذ أتاح تباينه إضفاء نوع من الحركة والإيقاع على الأعمال في تحقيق الشد الفضائي والجانب البصري، إضافة للمجموعات اللونية المتنوعة المنتمية لكل عصر إسلامي، التي تمكنا من الاستفادة منها في التصاميم الغرافيكية الحديثة».
الاستقطاب البصري
وتوضح الفنانة أن معرفة ودراسة الشبكات التي تقوم عليها الزخارف الإسلامية يساعد بشكل كبير في التصاميم التي تقوم على التكرار والتناظر في عناصرها مثل تصميم ورق جدران، وإمكانية الاستفادة من العناصر والرموز المستخدمة ضمن الزخارف كصيغ مفردة بصرية، وطرق تبسيطها وتجريدها في تصميم رموز وإشارات غرافيكية حديثة، كما أن الاطلاع على النماذج الحديثة للملصق التركي والإيراني، سهل من معرفة كيفية الاستفادة من الموروث الفني واستخدامه ضمن شبكات التصميم الحديث، وذلك للأهمية الكبيرة بربط الشكل بالمعنى القائم الذي تقوم عليها الزخارف الإسلامية، إضافة إلى تنظيم التصميم في نمط قابل للإدراك لإظهار مدى انسجام الأجزاء مع الكل كنمط واحد.
وتخضع الزخارف الإسلامية لقيم تصميمية وقوانين إنشائية وتركيبية تحدد لها نمط ارتباط خاص فيما بينها، من خلال علاقات تشكيلة "تكرر تراكب التماس تماثل" فلا اللون في ذاته أو الشكل في ذاته يمكن أن ينتج عمـلاً بصرياً في انفصالهما عن بعضها، لكن العلاقة فيما بينها هي مصدر القوة والدلالة، فضلاً عن أن فرض هيمنة لإحدى الوحدات التصميمية وإعطائها دور السيادة في التصميم الغرافيكي، إضافة إلى مبدأ البساطة، يساعد ذلك بالاستفادة من الزخرفة وتطبيقها في قالب حديث بعيداً عن النسخ للزخارف الإسلامية بشكل حرفي، وذلك يساعد في إعطاء العمل البصري الحركة الموجودة في الزخارف مع القراءة الواضحة للعمل من دون تشويش، إلى جانب أهمية التخلص من التراكبات الفضائية غير الفاعلة وإبقاء العناصر الفاعلة منها، بمـا يؤدي إلى تنوع العلاقات الشكلية واللونية لتحقيق هذا الاستقطاب البصري.