السجن
السجن prison هو المكان الذي تحتجز فيه حرية الأشخاص الذين يمارسون أفعالاً تلحق الضرر بالآخرين، أو من المتوقع إقدامهم على مثل هذه الممارسات، على أن يكون الضرر الناتج أو المتوقع نتيجة فعل قصدي، أو أن يكون الحجز شكلاً من أشكال العقاب المفروض على الفاعلين، أو أن يتحقق من خلال عملية الحجز درء المخاطر.
ومع تطور القوانين والنظم الضابطة لإدارة السجون، أخذت تظهر وظيفة إعادة تأهيل الموقوفين والسجناء، بالشكل الذي يجعلهم قادرين على التفاعل مع البيئات الاجتماعية التي اندفعوا من خلالها إلى ممارسة الأفعال التي ألحقت الضرر بغيرهم، فتصبح السجون وفق هذا التصور مؤسسات إصلاحية تهدف إلى إعادة تكوين الأفراد وتأهيلهم اجتماعياً وثقافياً وحضارياً، بما في ذلك إعادة تكوينهم الديني والأخلاقي والإنساني.
تصنف السجون، أو الأماكن التي تحجز فيها حريات الأفراد وفق معايير عدة، منها ما هو بحسب غايات التوقيف أو الحجز، ومنها ما هو بحسب خصائص الأفعال الجرمية، ومنها ما هو بحسب خصائص مرتكبي الأفعال الجرمية.
فمن جهة أولى، تصنف السجون بحسب غاياتها إلى سجون التوقيف، والسجن الاحتياطي، والسجن العقابي، والسجن الإصلاحي، ولكل منها وظيفته التي تتداخل مع الوظائف الأخرى، غير أنها مختلفة تماماً، وتختلف تبعاً لذلك الشروط الصحية والنفسية والاجتماعية فيها، فسجون التوقيف محكومة بنظم لا يمكن تجاوزها، من حيث توقيتها وتجهيزاتها وإمكاناتها ومواردها، ولا يجوز توقيف الأشخاص فيها إلا لفترات زمنية محدودة، كما أن طاقتها الاستيعابية ضعيفة جداً، أما سجون التوقيف الاحتياطي، والسجون العقابية فهي أكبر حجماً، وأعلى كفاءة، ويمكن أن يتم التوقيف فيها لفترات أطول، ويتم حجز حريات أعداد أكبر، وتختلف البرامج اليومية للموقوفين في السجون العقابية كثيراً عن برامج الموقوفين في سجون التوقيف، كما أن السجون الإصلاحية تختلف عن النوعين السابقين في التجهيزات والبرامج والنظم، ويأتي هذا الاختلاف من الأهداف التي تتطلع إليها هذه السجون.
وتصنف السجون أيضاً بحسب طبيعة الأفعال الجرمية، فهناك السجون السياسية، التي تخص الأفراد الخارجين عن سلطة الدولة، ويطمحون إلى تغيير بعض أنظمتها، والسجون الجنائية التي تخص الأفراد الذي أقدموا على ممارسة أفعال تمس الأمن الاجتماعي، وسجون الأمن الأخلاقي التي تضم الأشخاص الذي تورطوا في ممارسات لا أخلاقية، وقد تندمج هذه السجون مع بعضها بعضاً في سجن واحد كلي، غير أنها تتميز عن بعضها بعضاً في الداخل على شكل أقسام أو أبنية أو مهاجع.
وفي سياق الصراعات الدولية والحروب بين الدول، تطور مفهوم السجن لتظهر معسكرات الاعتقال التي تضم مجموعات كبيرة من العسكريين من مواطني الدول الأخرى الذين يتم أسرهم في أثناء الحروب، وبالنظر إلى أن أساليب التعامل مع هؤلاء تختلف بين الدول باختلاف ثقافاتها وحضارتها، فقد ظهرت اتفاقات دولية تبين أصول معاملة السجناء العسكريين من الدول الأخرى، ومن ذلك اتفاقية لاهاي، (اتفاقية سجناء الحرب عام 1929، واتفاقية جنيف الثالثة لعام 1949)، وغيرها من الاتفاقيات التي تهدف إلى حماية السجناء العسكريين من الدول الأخرى.
غير أن معسكرات الاعتقال أصبحت تستخدم، في بعض الدول، لإيداع معارضيها السياسيين، وخاصة المتمردين والخارجين عن سلطتها في معسكرات خاصة، حتى لو كانوا مواطنيها، وتميز بينهم وبين سجنائها الآخرين.
كما تصنف السجون بحسب مرتكبي الأفعال الجرمية، فهناك السجون الخاصة بالذكور البالغين، وسجون النساء، وسجون الأحداث، ولكل منها خصائصها ونظمها التي تختلف عن بعضها بعضاً تبعاً للنظم الاجتماعية والقيم والمعتقدات السائدة في المجتمعات المختلفة.
وتعد السجون العقابية من أكثر السجون انتشاراً في الفترات الزمنية السابقة، ومع أن السجون الإصلاحية أخذت تنتشر في معظم دول العالم، إلا أنها مازالت أقل انتشاراً، وخاصة في دول العالم الثالث، وقد ارتبطت ببعض السجون العقابية مشكلات العقاب الجسدي، وأشكال التعذيب، ذلك أن الفكرة التي بنيت عليها هذه السجون تنظر إلى الموقوفين على أنهم أشخاص أقدموا على ممارسة أفعال ألحقت الضرر بغيرهم، وهم بملء حريتهم، سعياً نحو تحقيق مصالح آنية وضيقة، وتشكل هذه الفلسفة مسوِّغاً لأن تمارس بحق هؤلاء أنواعاً مختلفة من العقاب والتعذيب، و إلا فإن العقوبة تفقد مضمونها، ويفقد السجن وظيفته التي أسس عليها، وغالباً ما كان يشكل ذلك مسوِّغاً لانتقاء موظفي السجون المناسبين لوظيفتها، حيث يتم تدريبهم على فنون التعذيب التي تحقق قدراً كبيراً من الألم دون أن تترك آثاراً عضوية واضحة بالضرورة بعد ذلك، وقد يسخر المعنيون بسجون التعذيب بكل القيم الإنسانية، ويصبح التعذيب بالنسبة عندهم مصدر متعة وليس مجرد عقاب.
غير أن تردي الأوضاع الصحية والاجتماعية للموقوفين في بعض السجون العقابية جعل منها قضية إنسانية وأخلاقية، ومع انتشار مبدأ السجن الإصلاحي، بدأ الاهتمام بالأوضاع الصحية والنفسية والاجتماعية للسجناء بدرجة أكبر، وتغيرت النظرة إليهم، وبات المعنيون بالسجن يستعينون بالخبراء المختصين في العلوم النفسية والاجتماعية بغية تطوير نظم تأهيل الموقوفين، وتزويدهم بالمهارات والكفاءات التي تضمن لهم إمكانية الاندماج في الحياة الاجتماعية بعد خروجهم من السجن.
تنطبع الحياة الاجتماعية داخل السجون بنظام خاص، يختلف بحسب الأوضاع المحيطة به، فينقسم النزلاء إلى فئات وشرائح يسود بينها الصراع أحياناً والوئام أحياناً أخرى، وتأتي أوجه الصراع والتناقض نتيجة أسباب عدة، منها تنوع أصولهم الاجتماعية والثقافية والعقائدية، وتنوع الأفعال الجرمية التي أقدموا عليها، واختلاف مستويات تعليمهم وثقافتهم، وتباين مستويات معيشتهم خارج السجن، مما ينعكس على أوضاعهم داخله، إضافة إلى تباين درجات النفوذ التي يتمتعون بها في صلاتهم مع بعض رجال الضابطة المعنية بإدارة بعض السجون. كل ذلك يجعل السجناء يتجمعون في كتل وجماعات تتفاوت في إمكانياتها وقوتها، ودرجة نفوذها داخل السجن، مما يجعل لبعضهم سلطة ونفوذاً يمارس به أنماطاً مختلفة من السلطة.
كما تنشط في معظم دول العالم جمعيات ومنظمات هدفها رعاية المساجين داخل السجون، ورعاية أسر المساجين خارج السجون، فأرباب الأسر الذين أودعوا في السجون لأسباب مختلفة قد يعاني ذووهم خارج السجن مشكلات اجتماعية ومعيشية كبيرة، ولهذا تهتم جمعيات رعاية السجناء وذويهم بأسر السجناء، وتعمل على توفير الأوضاع المعيشية الأفضل بطرق مختلفة، وقد تكون وسيطاً في عملية التواصل بين السجين وذويه.
وقد باتت أمور الخدمة الاجتماعية ضمن السجون والمؤسسات الإصلاحية تستحوذ اهتمامات الباحثين، واهتمام المعنيين باتخاذ القرار، كما أن انتشار فكرة «السجون الإصلاحية» أصبحت تعزز دور الأبحاث ذات الطابع الاجتماعي العلمي في السجون، بالشكل الذي يضمن لها كفاءة أفضل.
أحمد الأصفر
السجن prison هو المكان الذي تحتجز فيه حرية الأشخاص الذين يمارسون أفعالاً تلحق الضرر بالآخرين، أو من المتوقع إقدامهم على مثل هذه الممارسات، على أن يكون الضرر الناتج أو المتوقع نتيجة فعل قصدي، أو أن يكون الحجز شكلاً من أشكال العقاب المفروض على الفاعلين، أو أن يتحقق من خلال عملية الحجز درء المخاطر.
ومع تطور القوانين والنظم الضابطة لإدارة السجون، أخذت تظهر وظيفة إعادة تأهيل الموقوفين والسجناء، بالشكل الذي يجعلهم قادرين على التفاعل مع البيئات الاجتماعية التي اندفعوا من خلالها إلى ممارسة الأفعال التي ألحقت الضرر بغيرهم، فتصبح السجون وفق هذا التصور مؤسسات إصلاحية تهدف إلى إعادة تكوين الأفراد وتأهيلهم اجتماعياً وثقافياً وحضارياً، بما في ذلك إعادة تكوينهم الديني والأخلاقي والإنساني.
تصنف السجون، أو الأماكن التي تحجز فيها حريات الأفراد وفق معايير عدة، منها ما هو بحسب غايات التوقيف أو الحجز، ومنها ما هو بحسب خصائص الأفعال الجرمية، ومنها ما هو بحسب خصائص مرتكبي الأفعال الجرمية.
فمن جهة أولى، تصنف السجون بحسب غاياتها إلى سجون التوقيف، والسجن الاحتياطي، والسجن العقابي، والسجن الإصلاحي، ولكل منها وظيفته التي تتداخل مع الوظائف الأخرى، غير أنها مختلفة تماماً، وتختلف تبعاً لذلك الشروط الصحية والنفسية والاجتماعية فيها، فسجون التوقيف محكومة بنظم لا يمكن تجاوزها، من حيث توقيتها وتجهيزاتها وإمكاناتها ومواردها، ولا يجوز توقيف الأشخاص فيها إلا لفترات زمنية محدودة، كما أن طاقتها الاستيعابية ضعيفة جداً، أما سجون التوقيف الاحتياطي، والسجون العقابية فهي أكبر حجماً، وأعلى كفاءة، ويمكن أن يتم التوقيف فيها لفترات أطول، ويتم حجز حريات أعداد أكبر، وتختلف البرامج اليومية للموقوفين في السجون العقابية كثيراً عن برامج الموقوفين في سجون التوقيف، كما أن السجون الإصلاحية تختلف عن النوعين السابقين في التجهيزات والبرامج والنظم، ويأتي هذا الاختلاف من الأهداف التي تتطلع إليها هذه السجون.
وتصنف السجون أيضاً بحسب طبيعة الأفعال الجرمية، فهناك السجون السياسية، التي تخص الأفراد الخارجين عن سلطة الدولة، ويطمحون إلى تغيير بعض أنظمتها، والسجون الجنائية التي تخص الأفراد الذي أقدموا على ممارسة أفعال تمس الأمن الاجتماعي، وسجون الأمن الأخلاقي التي تضم الأشخاص الذي تورطوا في ممارسات لا أخلاقية، وقد تندمج هذه السجون مع بعضها بعضاً في سجن واحد كلي، غير أنها تتميز عن بعضها بعضاً في الداخل على شكل أقسام أو أبنية أو مهاجع.
وفي سياق الصراعات الدولية والحروب بين الدول، تطور مفهوم السجن لتظهر معسكرات الاعتقال التي تضم مجموعات كبيرة من العسكريين من مواطني الدول الأخرى الذين يتم أسرهم في أثناء الحروب، وبالنظر إلى أن أساليب التعامل مع هؤلاء تختلف بين الدول باختلاف ثقافاتها وحضارتها، فقد ظهرت اتفاقات دولية تبين أصول معاملة السجناء العسكريين من الدول الأخرى، ومن ذلك اتفاقية لاهاي، (اتفاقية سجناء الحرب عام 1929، واتفاقية جنيف الثالثة لعام 1949)، وغيرها من الاتفاقيات التي تهدف إلى حماية السجناء العسكريين من الدول الأخرى.
غير أن معسكرات الاعتقال أصبحت تستخدم، في بعض الدول، لإيداع معارضيها السياسيين، وخاصة المتمردين والخارجين عن سلطتها في معسكرات خاصة، حتى لو كانوا مواطنيها، وتميز بينهم وبين سجنائها الآخرين.
كما تصنف السجون بحسب مرتكبي الأفعال الجرمية، فهناك السجون الخاصة بالذكور البالغين، وسجون النساء، وسجون الأحداث، ولكل منها خصائصها ونظمها التي تختلف عن بعضها بعضاً تبعاً للنظم الاجتماعية والقيم والمعتقدات السائدة في المجتمعات المختلفة.
وتعد السجون العقابية من أكثر السجون انتشاراً في الفترات الزمنية السابقة، ومع أن السجون الإصلاحية أخذت تنتشر في معظم دول العالم، إلا أنها مازالت أقل انتشاراً، وخاصة في دول العالم الثالث، وقد ارتبطت ببعض السجون العقابية مشكلات العقاب الجسدي، وأشكال التعذيب، ذلك أن الفكرة التي بنيت عليها هذه السجون تنظر إلى الموقوفين على أنهم أشخاص أقدموا على ممارسة أفعال ألحقت الضرر بغيرهم، وهم بملء حريتهم، سعياً نحو تحقيق مصالح آنية وضيقة، وتشكل هذه الفلسفة مسوِّغاً لأن تمارس بحق هؤلاء أنواعاً مختلفة من العقاب والتعذيب، و إلا فإن العقوبة تفقد مضمونها، ويفقد السجن وظيفته التي أسس عليها، وغالباً ما كان يشكل ذلك مسوِّغاً لانتقاء موظفي السجون المناسبين لوظيفتها، حيث يتم تدريبهم على فنون التعذيب التي تحقق قدراً كبيراً من الألم دون أن تترك آثاراً عضوية واضحة بالضرورة بعد ذلك، وقد يسخر المعنيون بسجون التعذيب بكل القيم الإنسانية، ويصبح التعذيب بالنسبة عندهم مصدر متعة وليس مجرد عقاب.
غير أن تردي الأوضاع الصحية والاجتماعية للموقوفين في بعض السجون العقابية جعل منها قضية إنسانية وأخلاقية، ومع انتشار مبدأ السجن الإصلاحي، بدأ الاهتمام بالأوضاع الصحية والنفسية والاجتماعية للسجناء بدرجة أكبر، وتغيرت النظرة إليهم، وبات المعنيون بالسجن يستعينون بالخبراء المختصين في العلوم النفسية والاجتماعية بغية تطوير نظم تأهيل الموقوفين، وتزويدهم بالمهارات والكفاءات التي تضمن لهم إمكانية الاندماج في الحياة الاجتماعية بعد خروجهم من السجن.
تنطبع الحياة الاجتماعية داخل السجون بنظام خاص، يختلف بحسب الأوضاع المحيطة به، فينقسم النزلاء إلى فئات وشرائح يسود بينها الصراع أحياناً والوئام أحياناً أخرى، وتأتي أوجه الصراع والتناقض نتيجة أسباب عدة، منها تنوع أصولهم الاجتماعية والثقافية والعقائدية، وتنوع الأفعال الجرمية التي أقدموا عليها، واختلاف مستويات تعليمهم وثقافتهم، وتباين مستويات معيشتهم خارج السجن، مما ينعكس على أوضاعهم داخله، إضافة إلى تباين درجات النفوذ التي يتمتعون بها في صلاتهم مع بعض رجال الضابطة المعنية بإدارة بعض السجون. كل ذلك يجعل السجناء يتجمعون في كتل وجماعات تتفاوت في إمكانياتها وقوتها، ودرجة نفوذها داخل السجن، مما يجعل لبعضهم سلطة ونفوذاً يمارس به أنماطاً مختلفة من السلطة.
كما تنشط في معظم دول العالم جمعيات ومنظمات هدفها رعاية المساجين داخل السجون، ورعاية أسر المساجين خارج السجون، فأرباب الأسر الذين أودعوا في السجون لأسباب مختلفة قد يعاني ذووهم خارج السجن مشكلات اجتماعية ومعيشية كبيرة، ولهذا تهتم جمعيات رعاية السجناء وذويهم بأسر السجناء، وتعمل على توفير الأوضاع المعيشية الأفضل بطرق مختلفة، وقد تكون وسيطاً في عملية التواصل بين السجين وذويه.
وقد باتت أمور الخدمة الاجتماعية ضمن السجون والمؤسسات الإصلاحية تستحوذ اهتمامات الباحثين، واهتمام المعنيين باتخاذ القرار، كما أن انتشار فكرة «السجون الإصلاحية» أصبحت تعزز دور الأبحاث ذات الطابع الاجتماعي العلمي في السجون، بالشكل الذي يضمن لها كفاءة أفضل.
أحمد الأصفر