لافونتين (جان دي)
La Fontaine (Jean de-) - La Fontaine (Jean de-)
لافونتين (جان دي ـ)
(1621ـ 1695)
يُعدّ جان دي لافونتين Jean de La Fontaine من أبرز الشعراء الفرنسيين في القرن السابع عشر. وُلد في شاتو- تييري Château - Thierry بمقاطعة شمبانيا Champagne، وتوفي في باريس. كان والده المدير المحلي للمياه والغابات فنشأ في أحضان الطبيعة وتغنى باكراً بجمالها، كما تآلف مع الحيوانات وتعاطف مع آلامها. وكانت طبيعته تنزع إلى العزلة والتأمل بعيداً عن ضوضاء المدينة. لم تستجب ميوله واستعداده للدراسات الدينية، فعدل عنها وتوجه إلى دراسة الحقوق وأصبح محامياً في البرلمان، ولكن جاذبية الشعر كانت تشدّه، فقد تتلمذ على يد هوراسيوس[ر] وفرجيليوس[ر] وعدد من شعراء الرعويات، وتعلّم اللاتينية وقليلاً من اليونانية. وفي عام 1647 أراد والده أن يكفل له حياة مستقرة؛ فنزل له عن وظيفته وزوّجه من فتاة ثرية عمرها أربع عشرة سنة تربطها قرابة بعيدة بالشاعر راسين[ر]، وأنجب منها ولداً، إلا أن زواجهما لـم يدم طويلاً بسبب التفاوت الفكري بينهما، ولـم يجد فيهـا -كما يقول- ما يبتغيه في فتاة أحلامه. وفي عام 1657 صحبه قريبه المستشار جانار Jannart إلى باريس وقدّمه إلى مراقب عام المالية فوكيه Fouquet، أبرز شخصيات الدولة بعد الملك آنذاك، فأعجب به ومنحه إعانة دائمة شريطة أن يتحفه بأشعاره. وهام لافونتين بباريس وألهب جو القصر قريحته، إلا أن نبوغه لم يظهر إلا في سن الأربعين عندما غضب الملك لويس الرابع عشر على فوكيه وأمر بسجنه، فأطلق الألم لسان الشاعر، حافظ الجميل، بأول قصيدة رثاء «مرثاة شعرية إلى حوريات ڤو» L’Élégie aux Nymphes de Vaux (1661)، تبعتها «أود أو قصيدة غنائية إلى الملك من أجل السيد فوكيه» L’Ode au Roi pour M. Fouquet (1663) يلتمس فيهما العفو عن صديقه. وأخّر غضب الملك دخول لافونتين الأكاديمية الفرنسية حتى عام 1685. وبعد تخلي الملك عنه حظي الشاعر برعاية الأديبتين مدام دي سيڤينييه[ر] ومدام دي لافاييت[ر] وكانت السيدة لاسابليير La Sablière أكثرهن تقرباً منه. وبدأ يكتسب شهرة في منتدياتهن ونشر شعراً «أقاصيص وحكايات» Contes et Nouvelles (1664- 1666) مستوحاة من الأديبين الإيطاليين بوكاتشو[ر] وأريوستو[ر]. إلا أن الذي خلدّ اسمه هي دواوينه التي ضمت «حكايات خرافية» Les Fables ووضعته في مصاف راسين وموليير[ر] وهو في عامه السابع والأربعين بفضل الوزن المصقول، والأمانة في وصف الطبيعة البشرية والبراعة في السرد. وتأتي حكاياته في اثني عشر كتاباً نشرها في ثلاثة دواوين يقول في مقدمتها: «يجب أن تعلّم هذه الحكايات الناس شيئاً عن طريق مغزاها كما ينبغي أن تولّد المتعة في النفوس ليكون هذا المغزى فعالاً قادراً على الإقناع». والطابع المبتكر فيها هو أن الشاعر جعل في كل منها دراما مصغّرة واتخذ من الطبيعة خلفية مشهدية لها (هنا حديقة وهناك جدول…)، وشخصياتها هي الحيوانات التي أحبها. ويصور لافونتين بدقة أشكالها وتصرفاتها ويحلّل خصائصها، ويبرزها في صور شخصيات بشرية بطبائعها وعيوبها الأبدية من مداهنة وعنف ورياء ودهاء وتهور وطيش وطمع وعطش للسلطة. وعالم لافونتين متحرك، فكل حكاية تحتوي على عرض وعقدة وحلّ. وقد تكون الحكاية بمنزلة ملهاة عندما يلجأ إلى السخرية، ففي حكايته «الطحان وابنه والحمار» Le meunier, son fils et l’ âne أراد أن يقول: إن كان الإصرار رذيلة الحمقى، فإن التردد يشين السلوك ويقضي على فاعلية الجهود. أما إذا أراد من حكايته حكمة فيلجأ إلى الموعظة كما في «شجرة البلوط وعود البوص (القصب)» Le Chêne et le Roseau ليقول إن «المرونة أجدى من التصلب». ومن أهم موضوعاته «الحيوانات ضحية الوباء» و«الفأر الذي اعتزل المجتمع» و«ظلم وجحود البشر أمام الثروات».
كانت الحكايات الهندية والإغريقية المصدر الأساسي لحكايات لافونتين، إذ وُجدت أصولها في روايات سنسكريتية متعددة تعود إلى القرن العاشر قبل الميلاد، وتُرجمت إلى اللغة الفارسية في القرن السادس قبل الميلاد بعنوان «كليلة ودمنة». نقلها ابن المقفع [ر] بعد ذلك من الفارسية إلى العربية، ثم تُرجمت في القرن الثالث عشر من العربية إلى اللاتينية، وبعدها بثلاثة قرون تُرجمت إلى لغات أوربية متعددة منها الفرنسية التي قرأها لافونتين. وليست اليونان أقل غنى من الهند فقد استوحى لافونتين أيضاً من حكايات إيسوب Ésope. ولم يبلغ التقليد درجة العبودية فقد كان يُغْني نموذجه واقتباساته بثقافته الخاصة وعبقريته الأدبية ولا يكمن إبداعه في المادة المقتبسة بل في طريقة عرضها.
بعد عامه الستين بدأ لافونتين يغير طريقة حياته ويتجه نحو الاعتدال، فقد أخضع نفسه لتقشف شديد، وكان يؤمن بوجود إله منظِّم للكون هو مصدر الصواب. وقبل وفاته بشهرين كتب إلى صديقه القديم فرانسوا موكروا F.Maucroix يقول: «إن الموت ليس أمراً ذا بال، ولكن هل تفكر في أنني سأمثل أمام الله؟ وأنت تعرف أي حياة عشتها!».
أما حكمته الأخيرة فيقولها في حديثه عن الموت: «الحكيم هو الذي يكون على استعداد دائم للرحيل والخروج من الحياة وكأنما يخرج من مأدبة».
عالج لافونتين موضوعات عبّرت عن روح العصر، وحملت أهدافاً نبيلة في رفع الحيف عن المظلومين وغرس القيم والأخلاق النبيلة والتربية الاجتماعية. كما لاقت حكاياته اهتماماً في سائر الثقافات وتُرجمت إلى مختلف اللغات ومنها العربية ودُرّست لطلاب المدارس. كما اجتذبت الشعراء ومنهم الشاعر الكبير أحمد شوقي الذي اعترف بأنه حاكى لافونتين في نظمه الخرافة.
حنان المالكي
La Fontaine (Jean de-) - La Fontaine (Jean de-)
لافونتين (جان دي ـ)
(1621ـ 1695)
كانت الحكايات الهندية والإغريقية المصدر الأساسي لحكايات لافونتين، إذ وُجدت أصولها في روايات سنسكريتية متعددة تعود إلى القرن العاشر قبل الميلاد، وتُرجمت إلى اللغة الفارسية في القرن السادس قبل الميلاد بعنوان «كليلة ودمنة». نقلها ابن المقفع [ر] بعد ذلك من الفارسية إلى العربية، ثم تُرجمت في القرن الثالث عشر من العربية إلى اللاتينية، وبعدها بثلاثة قرون تُرجمت إلى لغات أوربية متعددة منها الفرنسية التي قرأها لافونتين. وليست اليونان أقل غنى من الهند فقد استوحى لافونتين أيضاً من حكايات إيسوب Ésope. ولم يبلغ التقليد درجة العبودية فقد كان يُغْني نموذجه واقتباساته بثقافته الخاصة وعبقريته الأدبية ولا يكمن إبداعه في المادة المقتبسة بل في طريقة عرضها.
بعد عامه الستين بدأ لافونتين يغير طريقة حياته ويتجه نحو الاعتدال، فقد أخضع نفسه لتقشف شديد، وكان يؤمن بوجود إله منظِّم للكون هو مصدر الصواب. وقبل وفاته بشهرين كتب إلى صديقه القديم فرانسوا موكروا F.Maucroix يقول: «إن الموت ليس أمراً ذا بال، ولكن هل تفكر في أنني سأمثل أمام الله؟ وأنت تعرف أي حياة عشتها!».
أما حكمته الأخيرة فيقولها في حديثه عن الموت: «الحكيم هو الذي يكون على استعداد دائم للرحيل والخروج من الحياة وكأنما يخرج من مأدبة».
عالج لافونتين موضوعات عبّرت عن روح العصر، وحملت أهدافاً نبيلة في رفع الحيف عن المظلومين وغرس القيم والأخلاق النبيلة والتربية الاجتماعية. كما لاقت حكاياته اهتماماً في سائر الثقافات وتُرجمت إلى مختلف اللغات ومنها العربية ودُرّست لطلاب المدارس. كما اجتذبت الشعراء ومنهم الشاعر الكبير أحمد شوقي الذي اعترف بأنه حاكى لافونتين في نظمه الخرافة.
حنان المالكي