القاسم بن علي الحريري .أخذ علوم اللغة والأدب والفقه من علماء البصرة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • القاسم بن علي الحريري .أخذ علوم اللغة والأدب والفقه من علماء البصرة

    حريري (قاسم علي)

    Al-Hariri (al-Qasim ibn Ali-) - Al-Hariri (al-Qassem ibn Ali-)

    الحريري (القاسم بن علي-)
    (446-516هـ/1054-1122م)

    أبو محمد القاسم بن علي بن محمد بن عثمان الحريري البصري الحرامي. فالحريري نسبة إلى الحرير وعمله أو بيعه، والحرامي نسبة إلى سكة بني حرام، وهم قبيلة من العرب سكنوا هذه السكة بالبصرة فنسب إليهم، وكان يزعم أنه من ربيعة الفرس.
    ولد الحريري ونشأ في المشان أو (مشان البصرة) وهي بليدة فوق البصرة كثيرة النخل، وموصوفة بشدة الوخم، كان له فيها ثمانية عشر ألف نخلة، ولعله بملكيتها عُدَّ من ذوي اليسار.
    أخذ الحريري علوم اللغة والأدب والفقه من علماء البصرة، وتذكر مصادر ترجمته أنه قرأ العربية على أبي الحسن بن فضال المجاشعي شيخ إمام الحرمين، وروى الحديث عن أبي تمام محمد بن الحسين، كما تذكر المصادر التي ترجمت للحريري أنه غاية في الذكاء والفطنة والفصاحة، وأنه «نحوي، وكاتب رشيق، كان أحد أئمة عصره، ورزق السعادة والحظوة التامة في عمل المقامات المشهورة التي اقترنت باسمه.
    ولي الحريري منصب «صاحب الخبر» في ديوان الخلافة بالبصرة، وظل في هذا المنصب حتى مات، فتوارثه عنه ولده: عبد الله (نجم الملك) الذي به كُني أبا عبد الله (إلى جانبه كنيته أبي محمد)، وعبيد الله (ضياء الإسلام) قاضي قضاة البصرة.
    وترتبط شهرة الحريري بالمقامات التي وصفها غير مصدر ترجم له بأنها «اشتملت على شيء كثير من كلام العرب: من لغاتها وأمثالها ورموز أسرار كلامها، ومن عرفها حق معرفتها استدل بها على فضل صاحبها وكثرة إطلاعه وغزارة مادته». وهي مجموعة من خمسين مقامة احتذى فيها مقامات بديع الزمان الهمذاني (ت 398هـ)، و«أبر بها على الأوائل وأعجز الأواخر» كما قال ياقوت الحموي والسيوطي.
    وقد وجدت نسخ كثيرة من المقامات بخط مصنفها، وفيها بخطه أنه صنفها للوزير جلال الدين عميد الدولة ابن صدقة، وزير المسترشد. ورجح ابن خلكان (ت681هـ) هذا الخبر في وفيات الأعيان». وذكر القفطي (ت 646هـ) في «إنباه الرواة» أن أبا زيد السروجي «بطل المقامات» اسمه المطهر بن سلار (ت 540هـ)، وكان بصْرياً نحوياً لغوياً، صحب الحريري واشتغل عليه بالبصرة وتخرج به، وأهدى إليه الحريري أشعاره، وذكر بعض من ترجم له أن أبا زيد السروجي شخصية من نسج الخيال. وأما تسمية راوي المقامات بالحارث بن همام فإنما عنى به الحريري نفسه وهو من قوله[: «كلكم حارث وكلكم همّام»، فالحارث: الكاسب، والهمام: الكثير الاهتمام.
    قال ابن خلكان: «وقد اعتنى بشرح المقامات خلق كثير: فمنهم من طول، ومنهم من اختصر». وقال البغدادي[ر] في «خزانة الأدب»: «وقد اعتنى بشرح المقامات أفاضل العلماء شروحاً متنوعة تفوق الحصر والعد».
    وروي أن الزمخشري[ر] لما وقَفَ عليها استحسنها وكتب على ظهر نسخة منها:
    أقسم بالله وآياته
    ومَشْعَر الحج وميقاته
    أن الحريري حري بأن
    نكتب بالتبر مقاماته
    ويذكر هبة الله بن سعيد بن التلميذ، صديق الحريري وأحد الذين كاتبوه أن الحريري بدأ مقاماته عام 495هـ/1101م، وانتهى منها عام 504هـ/1110م، وأنه أجاز منها سبعمئة نسخة. واحتفظت المقامات بشهرتها على الرغم من تجريح شانئيها أمثال ضياء الدين بن الأثير[ر]،ومحمد بن علي بن طباطبا المعروف بابن الطقطقي (ت 709هـ).
    ومقامات الحريري دون مقامات بديع الزمان الهمذاني ابتكاراً في اختراع الأحداث وطرافة الأخبار، وحلاوة النادرة، وخفة الروح، إلا أنها تفوقها بالسهولة وامتلاك ناصية اللغة العربية والمقدرة الشعرية، ومعرفة الغريب والنادر وأسرار البيان والاشتقاق والإيقاع السجعي. وقيّض للمقامات من الشهرة والذيوع ماأوصلها إلى المسيحيين واليهود الذين ترجموها أو حاكوها باللغتين العبرية والسريانية، وعني بشرحها العلماء والمستشرقون عناية كبرى، فترجمت إلى اللغات الحية. الفرنسية والإنكليزية، والألمانية والفارسية. وممن شرحها من علماء العربية: المطرِّزي (ت590هـ)، وشميم الحلي (ت601هـ)، وأبو البقاء العُكْبَري (ت616هـ)، والشريشي (ت619هـ).
    وللحريري مصنفات أخرى غير المقامات أشهرها كتاب «دُرَّة الغوّاص في أوهام الخَوَاص». وفيها ينهج الحريري منهج أصحاب كتب «لحن العامة» فيتتبع التعابير والأساليب التي تخرج على المعيارية اللغوية عند الكتاب والشعراء وعِلية المتأدبين والمنشئين، وينتقدها مصححاً مافيها من إخلال بقواعد اللغة العربية منبهاً على أخطائهم وتصويباتها. ومعظم نقداته تقوم على التفريق بين ما يٌخطِّئه ويرده من الأساليب وبين الأصل الفصيح منها، وكأنه يقتفي بذلك أثر بعض السلف فيما وضعوه من كتب «الفروق» كالذي صنعه الأصمعي (ت216هـ) باسم «الفَرْق» وأبو هلال العسكري (ت 395هـ) باسم «الفروق اللغوية». وبلغ مجموع المواد التي عالجها في هذا الكتاب مئة واثنين وعشرين مادة كما جاء في التحقيق الذي صنعه محمد أبو الفضل إبراهيم (مصر 1975م).
    وقد وضع ابن بري[ر] حواشي مفيدة على «دُرّة الغواص»، كما وضع أبو منصور الجواليقي[ر] كتاباً أسماه «تكملة إصلاح ما تغلط فيه العامة». قال ياقوت الحموي: «أكمل به درة الغواص للحريري». وقال ابن خلكان في ذكر مؤلفات الجواليقي: «وتتمة درة الغواص تأليف الحريري صاحب المقامات، سماه «التكملة فيما يلحن فيه العامة»، وقد طبع هذا الكتاب في دمشق سنة 1355هـ بعناية المجمع العلمي العربي، وتحقيق عز الدين التنوخي، وهذب كتاب الدرّة ابن منظور (ت711هـ) ورتبه على حروف المعجم. وشرحه شهاب الدين الخفاجي (ت1069هـ)، وطبع هذا الشرح مع المتن في القسطنطينية عام 1299هـ، وفيه ناقش الخفاجي كثيراً من أقوال المؤلف وردها. كما قال محمد الحسيني الشهير بألوس زادة بترتيب ألفاظه لغوياً، وطبع هذا المعجم في دمشق سنة 1301هـ.
    ومن مصنفات الحريري «مُلْحة الأعراب في صناعة الإعراب» وهي منظومة في النحو. وكتاب شرح «ملحة الأعراب» المسمى «تُحْفَة الأحباب وطرفة الأصحاب»، وقد طبع مراراً في باريس ومصر. وله كتاب رسائله المدونة التي ضمن عماد الدين الأصفهاني كتابه «خريدة القصر» طائفة منها. وكتاب شعره، وهو غير شعره الذي توزعته المقامات.
    وللحريري أشعار تبدو مظهراً للبراعة اللغوية أكثر من بدوِّها نماذج للإبداع الأدبي، منها قصائد استعمل فيها الألغاز والتجنيس من مثل قوله:
    لا تَغترِرْ ببني الزمان ولا تقُلْ
    عند الشدائد لي أخ ونديمُ
    جرَّبتُهم فإذا المُعاقِرُ عاقرٌ
    والآلُ آلٌ والحميم حميمُ
    أراد بالمعاقر: المنادم الذي يتعاقر معه الخمر. وبكلمة عاقر: الجارح، من عقر الذبيحة.
    والآل الأولى: الأهل، وآل الثانية: السراب. والحميم حميم: أي الصديق الحميم كالماء الحار المحرق. وغير خفي أن في هذا النظم أيضاً ضرباً من استعمال ما أطلق عليه اللغويون «المشترك اللفظي» الذي يحمل فيه المنشئ اللفظ أكثر من معنى. وقريب من هذا قوله:
    أَخمِدْ بِحِلْمِكَ ما يُذْكيه ذو سَفَهٍ
    من نار غيظك واصفَحْ إن جَنَى جاني
    فالحِلْم أفضل ما ازدانَ اللبيبُ به
    والأخذُ بالعفوِ أحلى ما جنى جاني
    الذي جمع فيه بين التطور الدلالي للكلمات وبين الجناس التام في قوله: «جنى جاني». فالتعبير الأول من الجناية بمعنى الجريمة أو الذنب، والثاني بمعنى الجنى والجني، أي التناول كجني الثمار، والأصل اللغوي لهما واحد كان قديماً يدل على الجني، ثم تطورت دلالته حين عد من جنى من غير ملكه مرتكباً مخالفة، أو جانياً جناية.
    ولم يتخل الحريري عن هذا اللون من الزخرف اللفظي في رسائله التي منها «الرسالة السينية» وهي رسالة التزم في كل كلمة منها السين نظماً ونثراً، كتبها على لسان بعض أصدقائه يعاتب صديقاً لــه أخَلَّ به في دعوة دعا غيره إليها. كما كتب إلى آخر «الرسالة الشينية» وهي رسالة مشابهة التزم في كل كلمة منها الشين نثراً وشعراً منها قوله:
    وشاقَ الشبابَ الشُّمَّ والشيبَ وشيُه
    فمنشوره بشرى المَشّوْق وناشره
    شقاشقهُ مَخْشيَّةٌ وشَبَاتُه
    شبا مشرفيّ جاشَ للشرّ شاهره
    سأنشده شعراً تُشرق شمسُه
    وأشكره شكراً تَشيعُ بشائره
    والمتأمل في مصنفات الحريري بما حملت من عنوانات، وفي أسلوبه فيها وجرأته على اللغة، يستخلص أن المخزون اللغوي لديه كان غزيراً متنوعاً، وأن جل اهتمامه كان منصرفاً إلى ميدان الدلالات اللغوية semantics أكثر من انصرافه إلى ميدان أو فرع من ميادين العربية وفروعها.
    مسعود بوب
يعمل...
X