حرب عالميه اولي
World War I - Première Guerre mondiale
الحرب العالمية الأولى
(1332-1337هـ/1914-1918م)
الأوضاع الدولية قبيل الحرب
(1905-1913م)
كان القرن التاسع عشر مليئاً بالصراعات بين الدول الأوربية القديمة والدول الجديدة التي نشأت فيما سمي عصر القوميات. إذ ظهرت الوحدة الإيطالية والألمانية، وقامت حروب في النصف الثاني من ذلك القرن. وقامت سلسلة من الأحلاف العسكرية والاتفاقات السياسية بين مختلف القوى الأوربية بهدف اقتسام النفوذ والسيطرة في العالم، وخاصة البلاد العربية والإسلامية التي تتولى المقاومة فيها السلطنة العثمانية.
وفي السنوات العشر الأولى من القرن العشرين، كادت الحرب أن تنفجر بين الدول الأوربية بسبب الشك وفقدان الثقة والأمن بينها وتنافسها على المصالح والأسواق والمواد الأولية والمستعمرات، فانقسمت الدول إلى مجموعتين متنافستين: تضم الأولى ألمانيا وإيطاليا والنمسا ـ هنغاريا. وتضم الثانية بريطانيا وفرنسا وروسيا. وكان الصراع بين روسيا والنمسا حول السيطرة على البلقان، وهناك الصراع على الألزاس واللورين، وتنافس إنكلترا وألمانيا تجارياً وبحرياً، وخلاف النمسا والصرب وبلغاريا على البوسنة والهرسك ومقدونيا،والنزاع الألماني الفرنسي على تحديد مناطق النفوذ في شمالي إفريقيا الإسلامي.
وكانت أهم قضايا الخلاف أزمة مراكش (أزمة طنجة1905، ومؤتمر الجزيرة في إسبانيا وأزمة أغادير1911) التي انتهت بسيطرة فرنسا وإسبانيا على مراكش بعد مقايضات مع ألمانيا، وحصول إيطاليا على طرابلس الغرب.
ودارت الأزمة الثانية حول شبه جزيرة البلقان التي تصارعت الدول الأوربية للسيطرة عليها وسلخها عن السلطنة العثمانية. فسيطرت النمسا على البوسنة والهرسك1908، وشجعت ملك بلغارية للتمرد على العثمانيين والانفصال، وشجع الروس الصرب على الثورة، واشتعلت حرب البلقان[ر] الأولى والثانية.
ونتيجة لهاتين الأزمتين توترت العلاقات الدولية عام1913، وقامت التحالفات، وبدأ سباق التسلح وصراع المصالح الاقتصادية، وتأجج المشاعر القومية.
الأسباب المباشرة للحرب
كانت الأطماع والأحقاد واضحة في علاقات الدول الأوربية وغيرها. وفي محاولة من النمسا لتأكيد قوتها ونفوذها أمام الصرب، قام ولي عهدها الأرشيدوق فرانتز فرديناند وزوجته في 28 حزيران1914 بجولة تفتيشية في إقليم البوسنة، فقام طالبان صربيان باغتياله وزوجته في عاصمتها سراييفو. وكانت الحادثة فرصة ملائمة للنمسا وألمانيا لكي تتخذاها ذريعة لإعلان الحرب.
فوجهت النمسا إنذاراً إلى صربيا في 23 تموز، تطلب فيه الموافقة في 48 ساعة على عشرة مطالب وأهمها:
1- حل الجمعيات الوطنية المتطرفة وإغلاق الصحف.
2- منع الدعايات المعادية للنمسا.
3- إبعاد القواد والموظفين الذين أعلنوا كراهيتهم للنمسا.
4- مراقبة المدارس ومصادرة الكتب المدرسية والمطبوعات التي تبث الدعاية ضد النمسا.
5- السماح للنمسا بالاشتراك في التحقيق بمقتل ولي العهد وزوجته.
ومع أن صربيا قبلت معظم المطالب النمساوية التي تكاد تنتزع منها استقلالها، إلا أن النمسا عدّت ردها رفضاً للإنذار. وبذلت مساعي دولية لحل الخلاف لكنها أخفقت، وأعلنت النمسا الحرب على صربيا في 28 تموز 1914.
إعلان الحرب والقوى المشاركة فيها ودوافعها
كانت العلاقة بين النمسا وصربيا تسير من سيئ إلى أسوأ، وأعلنت روسيا الحرب تضامناً مع الصرب لأنها كانت تريد السيطرة على المضائق ومستاءة لأن أميراً ألمانياً يتربع على عرش ألبانيا، وبسبب التعاون العسكري الألماني - العثماني.
وما لبثت ألمانيا أن أعلنت الحرب على روسيا في 1 آب، ثم على فرنسا في 3 آب. وكانت ألمانيا تهدف إلى تحقيق مكاسب سياسية واقتصادية ورد التوازن الدولي إلى ما كان عليه. أما إنكلترا فأرادت القضاء على الخطر البحري الألماني والعسكرية البروسية، وعدّت أن خرق حياد بلجيكا مبرر لإعلان الحرب على ألمانيا، فأرسلت إنذاراً إليها في 4 آب، ثم أعلنت الحرب عليها.
وفي 6 آب أعلنت النمسا - هنغاريا الحرب على روسيا. وفي 10 و 11 آب أعلنت فرنسا وإنكلترا الحرب على النمسا.
وهكذا أصبحت الحرب عالمية بانضمام معظم دول أوربا إليها، وتشكلت جبهة دول الوسط (النمسا وهنغاريا وألمانيا) وجبهة دول الوفاق (الحلفاء) فرنسا وروسيا وبريطانيا وصربيا والجبل الأسود وبلجيكا.
ودخلت اليابان الحرب في صف دول الوفاق، لأنها كانت تسعى إلى بسط نفوذها على الصين. وانتهزت الفرصة لاحتلال المنطقة التي كانت تحتلها ألمانيا في شبه جزيرة شانتونغ الصينية، ثم انضمت الصين نفسها إلى دول الوفاق.
اضطرت الدولة العثمانية، التي يحكمها الاتحاديون والتي وقفت أولاً على الحياد، إلى الدخول في الحرب إلى جانب ألمانيا والنمسا في 3 تشرين الثاني 1914، دفاعاً عن كيانها المهدد من قبل دول الوفاق ولاسيما روسيا. وانحازت بلغاريا في تشرين الأول 1915م إلى دول الوسط لتحرير بلادها من نفوذ روسيا، وجمع البلغار في البلقان تحت رايتها بعد أن أخفقت في حرب البلقان. والبرتغال وقفت مــع بريطانيا، وأعلنت إيطاليا الحرب على النمسا متأخرة في 23/5/1915م، وعلى ألمانيا 5/9/1915 نتيجة الوعود التي قدمتها لها دول الوفاق لاسترجاع الأراضي المأهولة بالإيطاليين. وأعلنت اليونان، ذات الأطماع الواسعة في الأراضي العثمانية، الحرب مع دول الوفاق في حزيران 1917. وكذلك رومانيا التي كانت تحلم بمد نفوذها على ترانسلفانيا وتحريرها من النمسا، فدخلت الحرب في 27/8/1916. ولزمت الولايات المتحدة الأمريكية الحياد حتى دخلتها في 6/4/ 1917. وكان لدخولها أثر كبير في تغيير موازين القوى لصالح الحلفاء، الذين دخل الحرب إلى جانبهم دول أخرى كالبرازيل.
الحرب على الجبهتين الغربية والشرقية
أصبحت الحرب بين طرفين (دول الوسط نحو 120 مليوناً) ألمانيا والنمسا ـ هنغاريا ومعهم السلطنة العثمانية، التي خلق لها الحلفاء مشكلات كثيرة، فوقفوا بمفردهم يواجهون قوى الحلفاء الهائلة مجتمعة. وكانت الامبراطورية النمسوية - الهنغارية باختلاف قومياتها وتباين نزعاتها تشكل عبئاً على كواهل الألمان، كما كانت قوة الحلفاء العسكرية والاقتصادية أكبر بمرات من قوى الوسط. فكان ميزان القوى لصالحهم.
الحملة الأولى في الجبهة الغربية (آب - تشرين الثاني 1914)
اندفعت الجيوش الألمانية باتجاه بلجيكا، فاحتلت عاصمتها بروكسل في 20/8/1914 للوصول إلى فرنسا حيث احتلت شمالي فرنسا الغني بالفحم، واقتربت من باريس. و لكن استطاعت المقاومة الفرنسية الشديدة وقف تقدم الألمان ودحرهم في معركة المارن في 6 أيلول 1914 وإنقاذ باريس. كما صمدت القوات الإنكليزية والبلجيكية، وتحول الألمان إلى الدفاع في حرب الخنادق من البحر إلى الحدود السويسرية.
الجبهة الشرقية
قام الألمان بمقاومة الغزو الروسي ودحره من بروسيا الشرقية في موقعة تاننبرغ (16-31/آب/1914) التي كانت ضربة قاصمة لآمال الحلفاء بالضغط الروسي، ولكن الروس هزموا النمسويين في غاليسيا. وأخفق النمسويون في هجومهم على صربيا بعد أن احتلوا بلغراد (2/12/1914م) فاضطروا إلى الجلاء عنها، كما انسحب الروس من وارسو وخسروا بولندا وقسماً من لتوانيا. وتحولت الحرب الشرقية إلى حرب خنادق.
وفي 7/10/1915 هاجمت القوات النمسوية والألمانية مع البلغارية صربيا واحتلت بلغراد وغيرها. وفي شباط 1916 هاجم النمسويون والبلغار شمالي ألبانيا واستولوا على عاصمتها تيرانا وغيرها. وتميز عام 1915 بانتصارات متتالية لدول الوسط في البر والبحر، وكانت الغواصات أحد أهم أسباب انتصاراتهم. وفي عام 1916 حدثت موقعتان لم يكن لهما نتائج حاسمة، هما (فردان21/2) التي قاوم فيها الفرنسيون الألمان، وموقعة السوم في 24حزيران التي قاومت فيها إنكلترا الألمان. وظهرت الدبابة لدى الإنكليز، وتبارى الطرفان في تطوير الأسلحة من الطائرات والمدافع والمناطيد.
واحتل الألمان بوخارست عاصمة رومانيا. وكانت سنة 1917 مفعمة بالكوارث بالنسبة للحلفاء. كما استطاع النمسويون أن يوقعوا بالإيطاليين هزيمة ساحقة في منطقة البندقية في تشرين الأول 1917.
دخول الولايات المتحدة الأمريكية الحرب وانسحاب روسيا منها
تخلت الولايات المتحدة الأمريكية عن موقفها الحيادي لعدة أسباب، أهمها الضغوط الصهيونية بعد الحصول على وعد بلفور من بريطانيا، وتضرر المصالح الأمريكية بحرب الغواصات الألمانية، والخوف من تحالف المكسيك مع ألمانيا، لاسترجاع أراضيها من الولايات المتحدة، فوافق الكونغرس على دخول الحرب إلى جانب الحلفاء. وأعلنت الحرب في 6نيسان1917بحجة إنقاذ العالم والدفاع عن الديمقراطية، فارتفعت الروح المعنوية للحلفاء واستفادوا من الدعم وأحكموا الحصار على ألمانيا، فقدمت الولايات المتحدة ملايين الرجال والأسلحة والذخائر والأموال لفرنسا وبريطانيا.
وقام في روسيا انقلاب آذار1917. ثم قامت الثورة الشيوعية في7/11/1917، وأعلن الشيوعيون الانسحاب من الحرب ووقعوا الهدنة مع ألمانيا، ثــم صلح برست لينتوفسك في آذار1918. وانسحبت روسيا من بولندا ومناطق البلطيق واعترفت باستقلال أوكرانيا.
وكان للروس الفضل في كشف اتفاقية سايكس - بيكو التي تقضي باقتسام أراضي الدولة العثمانية ومنها البلاد العربية، ومع ذلك استمر التعاون مع الحلفاء حتى تم الاحتلال الأجنبي الاستعماري للبلاد العربية.
الحرب مع الدولة العثمانية في الشرق
كان دخول السلطنة العثمانية في الحرب مهماً لدول الوسط، لتحكّمها في مضيقي الدردنيل والبوسفور، مما أدى إلى إغلاقهما ومنع فرنسا وإنكلترا من إمداد روسيا بعتاد الحرب، كما أنه أدى إلى تهديد قناة السويس التي يسيطر عليها الإنكليز، مما أجبر إنكلترا على تجميد عدد كبير من قواتها في الشرق الأوسط، وانتقمت بريطانيا بأن أعلنت الحماية على قبرص ومصر.
ولذلك قام الحلفاء في18/3/1915 بحملة الدردنيل للسيطرة على المضائق لإنقاذ روسيا من عزلتها ولتطويق ألمانيا وعزل السلطنة العثمانية، واحتلال اصطنبول. ولكن الحملة لم تفلح وهزم الأسطول الفرنسي - الإنكليزي. وأخفقت الحملة البرية في الاستيلاء على شبه جزيرة غاليبولي، واضطرت إلى الانسحاب في أواخر1915. وكان الحلفاء قد فرضوا حصاراً بحرياً على شواطئ الشام، مما تسبب في سوء الوضع الاقتصادي.
وقام جمال باشا حاكم ولايات الشام، بمهاجمة قناة السويس للمرة الأولى عام 1915 بهدف عبورها وطرد الإنكليز من مصر، ولكن الحملة فشلت بسبب صعوبة المواصلات وقلة الإمدادات، وتمكن الإنكليز من إيقافها وأحبطوا محاولات الثورة في مصر وليبيا واليمن وانسحب من بقي من القوات التي اجتازت القناة.
واستطاع العثمانيون محاصرة البريطانيين الذين نزلوا في جنوبي العراق وإجبارهم على الاستسلام. ولكن الإمدادات وصلت إلى البريطانيين وتمكنوا بعد عشرة شهور من معاودة التقدم حتى احتلوا بغداد في10/3/1917.
وفي الوقت نفسه استطاع الإنكليز تحريض الشريف حسين في الحجاز لإعلان الثورة على حكومة الاتحاديين في 10 حزيران 1916[ر. الثورة العربية الكبرى]، وإعلان نفسه ملكاً على العرب. وقدمت ثورته بمساعدة الإنكليزي لورنس خدمات كبيرة لحملة الحلفاء من مصر على الشام، وكذلك حرضوا حكام نجد والخليج العربي واستغلوهم لإشغال القوات العثمانية.
وبعد أن أخفق الإنكليز في الهجوم على غزة في نيسان وأيار1916، فإنهم نجحوا في تشرين الثاني في احتلال القدس في11/12/1916. ثم تقدموا نحو الشمال حتى استطاعوا احتلال دمشق وحمص وحماة وحلب، ووقعت الهدنة في 1/10/1918.
نهاية الحرب
كان عام 1918هو العام الأخير من الحرب، تغيرت فيه موازين القوى إلى جانب الحلفاء.
وقد حاولت ألمانيا حسم الموقف في الجبهة الغربية قبل أن تدخل الولايات المتحدة الحرب، لكن لم تستطع ذلك لأن شركاءها لم يساعدوها كما يجب، إذ كان العثمانيون يواجهون الإنكليز المتقدمين من مصر، تساعدهم قوات الشريف حسين بقيادة لورنس،التي أشغلت القوات العثمانية في الحجاز والأردن حتى احتلت دمشق ومدن الشام الأخرى. وكانت بلغاريا تقاوم إنزال الحلفاء في سالونيك.أما النمسا فلم ترسل سوى المدفعية فقط. ولم تستطع ألمانيا نفسها نقل قواتها من الجبهة مع روسيا، خوفاً من نقضها الهدنة. ولذلك قامت ألمانيا بعدة هجمات في الجبهة الغربية، استنفدت طاقة الجيوش الألمانية، في حين تصاعدت قدرات الحلفاء العسكرية بدخول الولايات المتحدة الحرب وتدفق جيوشها على الجبهة، وقيام الحلفاء بهجوم في10آب1918، ثم تلاه هجوم فرنسي أمريكي في15 أيلول.
وعلى إثر هذا الهجوم الكبير للحلفاء في الغرب والبلقان وفلسطين، طلبت بلغاريا الهدنة ووقعتها في 29 أيلول وانسحبت من الحرب، ووقعت السلطنة العثمانية الهدنة في 31تشرين الأول مع البريطانيين، والنمسا في 3تشرين الثاني وانهارت إمبراطوريتها. وفي 11/11/1918، وقعت ألمانيا الهدنة بعد قيام ثورة فيها وتنازل الإمبراطور وأعلنت الجمهورية، وكانت شروطها قاسية على الألمان، فقد نصت على إخلاء ألمانيا لكثير من المناطق وتسليم العتاد الحربي والأسطول، ودخول قوات الحلفاء إلى مناطق في ألمانيا وإطلاق أسرى الحلفاء وبقاء الأسرى الألمان.وبإعلان استسلام ألمانيا انتهت الحرب العالمية الأولى رسمياً.
نتائج الحرب ومعاهدات فرساي
اجتمع مؤتمر الصلح في فرساي قرب باريس في مطلع عام 1919م بحضور مندوبي(32) دولة. ولم يحضر مندوبو الدول المهزومة إلا للاستماع للشروط التي فرضت عليهم والتوقيع عليها في معاهدات الصلح التي وقعتها بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة فقط.
وحاول الرئيس الأمريكي ولسُن Th.Wilson تنفيذ مبادئه الأربعة عشر التي أعلنها في 8/1/1918 أساساً لسلام عادل، ولكنه لم يفلح تماماً.
وقعت ألمانيا معاهدة الصلح بفرساي في 28حزيران1919، فاقتطعت أجزاء كبيرة منها ووزعت على الدول المجاورة، وتم تقليص الجيش الألماني وتحميل ألمانيا مسؤولية أضرار الحرب ومحاكمة مجرمي الحرب.
ووُقعت مع النمسا معاهدة «سانت جرمان» في 10/9/1919، وفصلت عنها هنغاريا (المجر) التي وقعت معها معاهدة «تريانون» في 4/6/1920. ومع بلغاريا في «نوييي» في 27/11/1919.
ووقعت مع السلطنة العثمانية معاهدة «سيفر» في 10/8/1920 التي انتفض العثمانيون عليها حتى استبدل بها معاهدة «لوزان» في 1923.
وبموجب هذه المعاهدات مزقت الإمبراطوريات القديمة وأنشئت دول جديدة، ولم يبق للأتراك سوى اصطنبول والقسم الأعظم من الأناضول. وسلمت بقية المناطق لإقامة دول للأقليات مثل أرمينيا، ووضعت أزمير تحت الاحتلال اليوناني، وأعطيت إيطاليا منطقة نفوذ. وسلخت عنها جميع الولايات العربية، وجزئت لتصبح إما تحت الاحتلال السابق للحرب، أو تحت الاحتلال أثناء الحرب الذي سمي «الانتداب» الذي اعتمد في ميثاق عصبة الأمم[ر].
النتائج السياسية والاقتصادية للحرب
انتهت الحرب العالمية الأولى التي استمرت مايزيد على أربع سنوات، واشتركت فيها ثلاثون دولة جندت نحو خمسة وستين مليون مقاتل، لقي مصرعه منهم ثمانية ونصف المليون، وجرح أو أسر تسعة وعشرون مليوناً، إضافة إلى الخسائر المادية الباهظة.
وكان من نتائجها أن المنتصرين في الحرب قرروا إعادة بناء العالم المحطم وإقامة السلام على هواهم، مما أدى إلى اندلاع الحرب العالمية الثانية بعد عشرين عاماً فقط، بسبب شروط الانتقام في معاهدات الصلح وبسبب التنظيمات والدول القومية الجديدة التي أنشؤوها.
ومن نتائج الحرب إنشاء عصبة الأمم ومقرها جنيف في سويسرا، ولم يسمح للدول المهزومة في البدء بالانضمام إليها. وقد أخفقت وزالت مع بدء الحرب العالمية الثانية.
كما نجم عنها تغيرات كبيرة في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية داخل الدول المهزومة، ونمو الحركات المتطرفة وظهور الديكتاتوريات كالبلشفية والفاشية والنازية ونعرات التعصب القومي وإنشاء مجموعة من الدول القومية (فنلندا وبولندا ويوغوسلافيا ورومانيا وتشيكوسلوفاكيا وتركيا والدول العربية).
وتعرضت أوربا لأزمات اقتصادية ومالية ضخمة، إذ أصبحت مدينة لغيرها. وبينما كانت تضم أقل من عشر دول وكان التنقل فيها من دون جواز سفر، أصبحت مقسمة إلى عشرين دولة متمسكة بحدودها وقلقة على أمنها ومقفلة أبوابها. ومن أهم نتائج الحرب بروز الولايات المتحدة الأمريكية دولةً قوية عظمى إلى جانب الدول الأوربية الكبرى.
عبد الرحمن البيطار
World War I - Première Guerre mondiale
الحرب العالمية الأولى
(1332-1337هـ/1914-1918م)
الأوضاع الدولية قبيل الحرب
(1905-1913م)
كان القرن التاسع عشر مليئاً بالصراعات بين الدول الأوربية القديمة والدول الجديدة التي نشأت فيما سمي عصر القوميات. إذ ظهرت الوحدة الإيطالية والألمانية، وقامت حروب في النصف الثاني من ذلك القرن. وقامت سلسلة من الأحلاف العسكرية والاتفاقات السياسية بين مختلف القوى الأوربية بهدف اقتسام النفوذ والسيطرة في العالم، وخاصة البلاد العربية والإسلامية التي تتولى المقاومة فيها السلطنة العثمانية.
وفي السنوات العشر الأولى من القرن العشرين، كادت الحرب أن تنفجر بين الدول الأوربية بسبب الشك وفقدان الثقة والأمن بينها وتنافسها على المصالح والأسواق والمواد الأولية والمستعمرات، فانقسمت الدول إلى مجموعتين متنافستين: تضم الأولى ألمانيا وإيطاليا والنمسا ـ هنغاريا. وتضم الثانية بريطانيا وفرنسا وروسيا. وكان الصراع بين روسيا والنمسا حول السيطرة على البلقان، وهناك الصراع على الألزاس واللورين، وتنافس إنكلترا وألمانيا تجارياً وبحرياً، وخلاف النمسا والصرب وبلغاريا على البوسنة والهرسك ومقدونيا،والنزاع الألماني الفرنسي على تحديد مناطق النفوذ في شمالي إفريقيا الإسلامي.
وكانت أهم قضايا الخلاف أزمة مراكش (أزمة طنجة1905، ومؤتمر الجزيرة في إسبانيا وأزمة أغادير1911) التي انتهت بسيطرة فرنسا وإسبانيا على مراكش بعد مقايضات مع ألمانيا، وحصول إيطاليا على طرابلس الغرب.
ودارت الأزمة الثانية حول شبه جزيرة البلقان التي تصارعت الدول الأوربية للسيطرة عليها وسلخها عن السلطنة العثمانية. فسيطرت النمسا على البوسنة والهرسك1908، وشجعت ملك بلغارية للتمرد على العثمانيين والانفصال، وشجع الروس الصرب على الثورة، واشتعلت حرب البلقان[ر] الأولى والثانية.
ونتيجة لهاتين الأزمتين توترت العلاقات الدولية عام1913، وقامت التحالفات، وبدأ سباق التسلح وصراع المصالح الاقتصادية، وتأجج المشاعر القومية.
الأسباب المباشرة للحرب
كانت الأطماع والأحقاد واضحة في علاقات الدول الأوربية وغيرها. وفي محاولة من النمسا لتأكيد قوتها ونفوذها أمام الصرب، قام ولي عهدها الأرشيدوق فرانتز فرديناند وزوجته في 28 حزيران1914 بجولة تفتيشية في إقليم البوسنة، فقام طالبان صربيان باغتياله وزوجته في عاصمتها سراييفو. وكانت الحادثة فرصة ملائمة للنمسا وألمانيا لكي تتخذاها ذريعة لإعلان الحرب.
فوجهت النمسا إنذاراً إلى صربيا في 23 تموز، تطلب فيه الموافقة في 48 ساعة على عشرة مطالب وأهمها:
1- حل الجمعيات الوطنية المتطرفة وإغلاق الصحف.
2- منع الدعايات المعادية للنمسا.
3- إبعاد القواد والموظفين الذين أعلنوا كراهيتهم للنمسا.
4- مراقبة المدارس ومصادرة الكتب المدرسية والمطبوعات التي تبث الدعاية ضد النمسا.
5- السماح للنمسا بالاشتراك في التحقيق بمقتل ولي العهد وزوجته.
ومع أن صربيا قبلت معظم المطالب النمساوية التي تكاد تنتزع منها استقلالها، إلا أن النمسا عدّت ردها رفضاً للإنذار. وبذلت مساعي دولية لحل الخلاف لكنها أخفقت، وأعلنت النمسا الحرب على صربيا في 28 تموز 1914.
إعلان الحرب والقوى المشاركة فيها ودوافعها
كانت العلاقة بين النمسا وصربيا تسير من سيئ إلى أسوأ، وأعلنت روسيا الحرب تضامناً مع الصرب لأنها كانت تريد السيطرة على المضائق ومستاءة لأن أميراً ألمانياً يتربع على عرش ألبانيا، وبسبب التعاون العسكري الألماني - العثماني.
وما لبثت ألمانيا أن أعلنت الحرب على روسيا في 1 آب، ثم على فرنسا في 3 آب. وكانت ألمانيا تهدف إلى تحقيق مكاسب سياسية واقتصادية ورد التوازن الدولي إلى ما كان عليه. أما إنكلترا فأرادت القضاء على الخطر البحري الألماني والعسكرية البروسية، وعدّت أن خرق حياد بلجيكا مبرر لإعلان الحرب على ألمانيا، فأرسلت إنذاراً إليها في 4 آب، ثم أعلنت الحرب عليها.
وفي 6 آب أعلنت النمسا - هنغاريا الحرب على روسيا. وفي 10 و 11 آب أعلنت فرنسا وإنكلترا الحرب على النمسا.
وهكذا أصبحت الحرب عالمية بانضمام معظم دول أوربا إليها، وتشكلت جبهة دول الوسط (النمسا وهنغاريا وألمانيا) وجبهة دول الوفاق (الحلفاء) فرنسا وروسيا وبريطانيا وصربيا والجبل الأسود وبلجيكا.
ودخلت اليابان الحرب في صف دول الوفاق، لأنها كانت تسعى إلى بسط نفوذها على الصين. وانتهزت الفرصة لاحتلال المنطقة التي كانت تحتلها ألمانيا في شبه جزيرة شانتونغ الصينية، ثم انضمت الصين نفسها إلى دول الوفاق.
اضطرت الدولة العثمانية، التي يحكمها الاتحاديون والتي وقفت أولاً على الحياد، إلى الدخول في الحرب إلى جانب ألمانيا والنمسا في 3 تشرين الثاني 1914، دفاعاً عن كيانها المهدد من قبل دول الوفاق ولاسيما روسيا. وانحازت بلغاريا في تشرين الأول 1915م إلى دول الوسط لتحرير بلادها من نفوذ روسيا، وجمع البلغار في البلقان تحت رايتها بعد أن أخفقت في حرب البلقان. والبرتغال وقفت مــع بريطانيا، وأعلنت إيطاليا الحرب على النمسا متأخرة في 23/5/1915م، وعلى ألمانيا 5/9/1915 نتيجة الوعود التي قدمتها لها دول الوفاق لاسترجاع الأراضي المأهولة بالإيطاليين. وأعلنت اليونان، ذات الأطماع الواسعة في الأراضي العثمانية، الحرب مع دول الوفاق في حزيران 1917. وكذلك رومانيا التي كانت تحلم بمد نفوذها على ترانسلفانيا وتحريرها من النمسا، فدخلت الحرب في 27/8/1916. ولزمت الولايات المتحدة الأمريكية الحياد حتى دخلتها في 6/4/ 1917. وكان لدخولها أثر كبير في تغيير موازين القوى لصالح الحلفاء، الذين دخل الحرب إلى جانبهم دول أخرى كالبرازيل.
شهدت الحرب العالمية الأولى استخدام أول نموذج للدبابات في العالم | غلبت على الحرب العالمية الأولى صفة «حرب الخنادق» | |
وفي الصورة جنود فرنسيون يتمركزون في خنادقهم على خطوط المواجهة الألمانية |
أصبحت الحرب بين طرفين (دول الوسط نحو 120 مليوناً) ألمانيا والنمسا ـ هنغاريا ومعهم السلطنة العثمانية، التي خلق لها الحلفاء مشكلات كثيرة، فوقفوا بمفردهم يواجهون قوى الحلفاء الهائلة مجتمعة. وكانت الامبراطورية النمسوية - الهنغارية باختلاف قومياتها وتباين نزعاتها تشكل عبئاً على كواهل الألمان، كما كانت قوة الحلفاء العسكرية والاقتصادية أكبر بمرات من قوى الوسط. فكان ميزان القوى لصالحهم.
الحملة الأولى في الجبهة الغربية (آب - تشرين الثاني 1914)
اندفعت الجيوش الألمانية باتجاه بلجيكا، فاحتلت عاصمتها بروكسل في 20/8/1914 للوصول إلى فرنسا حيث احتلت شمالي فرنسا الغني بالفحم، واقتربت من باريس. و لكن استطاعت المقاومة الفرنسية الشديدة وقف تقدم الألمان ودحرهم في معركة المارن في 6 أيلول 1914 وإنقاذ باريس. كما صمدت القوات الإنكليزية والبلجيكية، وتحول الألمان إلى الدفاع في حرب الخنادق من البحر إلى الحدود السويسرية.
الجبهة الشرقية
قام الألمان بمقاومة الغزو الروسي ودحره من بروسيا الشرقية في موقعة تاننبرغ (16-31/آب/1914) التي كانت ضربة قاصمة لآمال الحلفاء بالضغط الروسي، ولكن الروس هزموا النمسويين في غاليسيا. وأخفق النمسويون في هجومهم على صربيا بعد أن احتلوا بلغراد (2/12/1914م) فاضطروا إلى الجلاء عنها، كما انسحب الروس من وارسو وخسروا بولندا وقسماً من لتوانيا. وتحولت الحرب الشرقية إلى حرب خنادق.
وفي 7/10/1915 هاجمت القوات النمسوية والألمانية مع البلغارية صربيا واحتلت بلغراد وغيرها. وفي شباط 1916 هاجم النمسويون والبلغار شمالي ألبانيا واستولوا على عاصمتها تيرانا وغيرها. وتميز عام 1915 بانتصارات متتالية لدول الوسط في البر والبحر، وكانت الغواصات أحد أهم أسباب انتصاراتهم. وفي عام 1916 حدثت موقعتان لم يكن لهما نتائج حاسمة، هما (فردان21/2) التي قاوم فيها الفرنسيون الألمان، وموقعة السوم في 24حزيران التي قاومت فيها إنكلترا الألمان. وظهرت الدبابة لدى الإنكليز، وتبارى الطرفان في تطوير الأسلحة من الطائرات والمدافع والمناطيد.
واحتل الألمان بوخارست عاصمة رومانيا. وكانت سنة 1917 مفعمة بالكوارث بالنسبة للحلفاء. كما استطاع النمسويون أن يوقعوا بالإيطاليين هزيمة ساحقة في منطقة البندقية في تشرين الأول 1917.
دخول الولايات المتحدة الأمريكية الحرب وانسحاب روسيا منها
تخلت الولايات المتحدة الأمريكية عن موقفها الحيادي لعدة أسباب، أهمها الضغوط الصهيونية بعد الحصول على وعد بلفور من بريطانيا، وتضرر المصالح الأمريكية بحرب الغواصات الألمانية، والخوف من تحالف المكسيك مع ألمانيا، لاسترجاع أراضيها من الولايات المتحدة، فوافق الكونغرس على دخول الحرب إلى جانب الحلفاء. وأعلنت الحرب في 6نيسان1917بحجة إنقاذ العالم والدفاع عن الديمقراطية، فارتفعت الروح المعنوية للحلفاء واستفادوا من الدعم وأحكموا الحصار على ألمانيا، فقدمت الولايات المتحدة ملايين الرجال والأسلحة والذخائر والأموال لفرنسا وبريطانيا.
وقام في روسيا انقلاب آذار1917. ثم قامت الثورة الشيوعية في7/11/1917، وأعلن الشيوعيون الانسحاب من الحرب ووقعوا الهدنة مع ألمانيا، ثــم صلح برست لينتوفسك في آذار1918. وانسحبت روسيا من بولندا ومناطق البلطيق واعترفت باستقلال أوكرانيا.
وكان للروس الفضل في كشف اتفاقية سايكس - بيكو التي تقضي باقتسام أراضي الدولة العثمانية ومنها البلاد العربية، ومع ذلك استمر التعاون مع الحلفاء حتى تم الاحتلال الأجنبي الاستعماري للبلاد العربية.
الحرب مع الدولة العثمانية في الشرق
كان دخول السلطنة العثمانية في الحرب مهماً لدول الوسط، لتحكّمها في مضيقي الدردنيل والبوسفور، مما أدى إلى إغلاقهما ومنع فرنسا وإنكلترا من إمداد روسيا بعتاد الحرب، كما أنه أدى إلى تهديد قناة السويس التي يسيطر عليها الإنكليز، مما أجبر إنكلترا على تجميد عدد كبير من قواتها في الشرق الأوسط، وانتقمت بريطانيا بأن أعلنت الحماية على قبرص ومصر.
ولذلك قام الحلفاء في18/3/1915 بحملة الدردنيل للسيطرة على المضائق لإنقاذ روسيا من عزلتها ولتطويق ألمانيا وعزل السلطنة العثمانية، واحتلال اصطنبول. ولكن الحملة لم تفلح وهزم الأسطول الفرنسي - الإنكليزي. وأخفقت الحملة البرية في الاستيلاء على شبه جزيرة غاليبولي، واضطرت إلى الانسحاب في أواخر1915. وكان الحلفاء قد فرضوا حصاراً بحرياً على شواطئ الشام، مما تسبب في سوء الوضع الاقتصادي.
وقام جمال باشا حاكم ولايات الشام، بمهاجمة قناة السويس للمرة الأولى عام 1915 بهدف عبورها وطرد الإنكليز من مصر، ولكن الحملة فشلت بسبب صعوبة المواصلات وقلة الإمدادات، وتمكن الإنكليز من إيقافها وأحبطوا محاولات الثورة في مصر وليبيا واليمن وانسحب من بقي من القوات التي اجتازت القناة.
واستطاع العثمانيون محاصرة البريطانيين الذين نزلوا في جنوبي العراق وإجبارهم على الاستسلام. ولكن الإمدادات وصلت إلى البريطانيين وتمكنوا بعد عشرة شهور من معاودة التقدم حتى احتلوا بغداد في10/3/1917.
وفي الوقت نفسه استطاع الإنكليز تحريض الشريف حسين في الحجاز لإعلان الثورة على حكومة الاتحاديين في 10 حزيران 1916[ر. الثورة العربية الكبرى]، وإعلان نفسه ملكاً على العرب. وقدمت ثورته بمساعدة الإنكليزي لورنس خدمات كبيرة لحملة الحلفاء من مصر على الشام، وكذلك حرضوا حكام نجد والخليج العربي واستغلوهم لإشغال القوات العثمانية.
وبعد أن أخفق الإنكليز في الهجوم على غزة في نيسان وأيار1916، فإنهم نجحوا في تشرين الثاني في احتلال القدس في11/12/1916. ثم تقدموا نحو الشمال حتى استطاعوا احتلال دمشق وحمص وحماة وحلب، ووقعت الهدنة في 1/10/1918.
نهاية الحرب
كان عام 1918هو العام الأخير من الحرب، تغيرت فيه موازين القوى إلى جانب الحلفاء.
وقد حاولت ألمانيا حسم الموقف في الجبهة الغربية قبل أن تدخل الولايات المتحدة الحرب، لكن لم تستطع ذلك لأن شركاءها لم يساعدوها كما يجب، إذ كان العثمانيون يواجهون الإنكليز المتقدمين من مصر، تساعدهم قوات الشريف حسين بقيادة لورنس،التي أشغلت القوات العثمانية في الحجاز والأردن حتى احتلت دمشق ومدن الشام الأخرى. وكانت بلغاريا تقاوم إنزال الحلفاء في سالونيك.أما النمسا فلم ترسل سوى المدفعية فقط. ولم تستطع ألمانيا نفسها نقل قواتها من الجبهة مع روسيا، خوفاً من نقضها الهدنة. ولذلك قامت ألمانيا بعدة هجمات في الجبهة الغربية، استنفدت طاقة الجيوش الألمانية، في حين تصاعدت قدرات الحلفاء العسكرية بدخول الولايات المتحدة الحرب وتدفق جيوشها على الجبهة، وقيام الحلفاء بهجوم في10آب1918، ثم تلاه هجوم فرنسي أمريكي في15 أيلول.
وعلى إثر هذا الهجوم الكبير للحلفاء في الغرب والبلقان وفلسطين، طلبت بلغاريا الهدنة ووقعتها في 29 أيلول وانسحبت من الحرب، ووقعت السلطنة العثمانية الهدنة في 31تشرين الأول مع البريطانيين، والنمسا في 3تشرين الثاني وانهارت إمبراطوريتها. وفي 11/11/1918، وقعت ألمانيا الهدنة بعد قيام ثورة فيها وتنازل الإمبراطور وأعلنت الجمهورية، وكانت شروطها قاسية على الألمان، فقد نصت على إخلاء ألمانيا لكثير من المناطق وتسليم العتاد الحربي والأسطول، ودخول قوات الحلفاء إلى مناطق في ألمانيا وإطلاق أسرى الحلفاء وبقاء الأسرى الألمان.وبإعلان استسلام ألمانيا انتهت الحرب العالمية الأولى رسمياً.
نتائج الحرب ومعاهدات فرساي
اجتمع مؤتمر الصلح في فرساي قرب باريس في مطلع عام 1919م بحضور مندوبي(32) دولة. ولم يحضر مندوبو الدول المهزومة إلا للاستماع للشروط التي فرضت عليهم والتوقيع عليها في معاهدات الصلح التي وقعتها بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة فقط.
وحاول الرئيس الأمريكي ولسُن Th.Wilson تنفيذ مبادئه الأربعة عشر التي أعلنها في 8/1/1918 أساساً لسلام عادل، ولكنه لم يفلح تماماً.
وقعت ألمانيا معاهدة الصلح بفرساي في 28حزيران1919، فاقتطعت أجزاء كبيرة منها ووزعت على الدول المجاورة، وتم تقليص الجيش الألماني وتحميل ألمانيا مسؤولية أضرار الحرب ومحاكمة مجرمي الحرب.
ووُقعت مع النمسا معاهدة «سانت جرمان» في 10/9/1919، وفصلت عنها هنغاريا (المجر) التي وقعت معها معاهدة «تريانون» في 4/6/1920. ومع بلغاريا في «نوييي» في 27/11/1919.
ووقعت مع السلطنة العثمانية معاهدة «سيفر» في 10/8/1920 التي انتفض العثمانيون عليها حتى استبدل بها معاهدة «لوزان» في 1923.
وبموجب هذه المعاهدات مزقت الإمبراطوريات القديمة وأنشئت دول جديدة، ولم يبق للأتراك سوى اصطنبول والقسم الأعظم من الأناضول. وسلمت بقية المناطق لإقامة دول للأقليات مثل أرمينيا، ووضعت أزمير تحت الاحتلال اليوناني، وأعطيت إيطاليا منطقة نفوذ. وسلخت عنها جميع الولايات العربية، وجزئت لتصبح إما تحت الاحتلال السابق للحرب، أو تحت الاحتلال أثناء الحرب الذي سمي «الانتداب» الذي اعتمد في ميثاق عصبة الأمم[ر].
صارت معاناة الحرب العالمية الأولى مادة غنية للأدب والفن: |
لوحة تمثل مدى شيوع الإصابات بالعمى بين الجنود |
نتيجة استخدام الأسلحة الغازية والكيماوية |
انتهت الحرب العالمية الأولى التي استمرت مايزيد على أربع سنوات، واشتركت فيها ثلاثون دولة جندت نحو خمسة وستين مليون مقاتل، لقي مصرعه منهم ثمانية ونصف المليون، وجرح أو أسر تسعة وعشرون مليوناً، إضافة إلى الخسائر المادية الباهظة.
وكان من نتائجها أن المنتصرين في الحرب قرروا إعادة بناء العالم المحطم وإقامة السلام على هواهم، مما أدى إلى اندلاع الحرب العالمية الثانية بعد عشرين عاماً فقط، بسبب شروط الانتقام في معاهدات الصلح وبسبب التنظيمات والدول القومية الجديدة التي أنشؤوها.
ومن نتائج الحرب إنشاء عصبة الأمم ومقرها جنيف في سويسرا، ولم يسمح للدول المهزومة في البدء بالانضمام إليها. وقد أخفقت وزالت مع بدء الحرب العالمية الثانية.
كما نجم عنها تغيرات كبيرة في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية داخل الدول المهزومة، ونمو الحركات المتطرفة وظهور الديكتاتوريات كالبلشفية والفاشية والنازية ونعرات التعصب القومي وإنشاء مجموعة من الدول القومية (فنلندا وبولندا ويوغوسلافيا ورومانيا وتشيكوسلوفاكيا وتركيا والدول العربية).
وتعرضت أوربا لأزمات اقتصادية ومالية ضخمة، إذ أصبحت مدينة لغيرها. وبينما كانت تضم أقل من عشر دول وكان التنقل فيها من دون جواز سفر، أصبحت مقسمة إلى عشرين دولة متمسكة بحدودها وقلقة على أمنها ومقفلة أبوابها. ومن أهم نتائج الحرب بروز الولايات المتحدة الأمريكية دولةً قوية عظمى إلى جانب الدول الأوربية الكبرى.
عبد الرحمن البيطار