حسين (عبد عزيز)
Hussein (Abdul Aziz-) - Hussein (Abdul Aziz-)
حسين (عبد العزيز-)
(1338-1418هـ/1920-1997م)
عبد العزيز حسين رجل دولة ومثقف كويتي بارز. اسمه الكامل عبد العزيز ملا حسين عبد الله التركيت، ولد في مدينة الكويت، وتربى في بيت يعبق برائحة الدين والثقافة، وكان لنشأته في هذا البيت أكبر الأثر في حياته كلها. في عام 1939، كان ضمن أول بعثة جامعية كويتية ترسل إلى مصر للدراسة. فحصل على الشهادة العلمية في كلية اللغة العربية في جامعة الأزهر عام 1943، ثم شهادة تخصص في التدريس من كلية اللغة العربية من الجامعة نفسها عام 1945، فضلاً عن دبلوم المعهد العالي للمعلمين التابع لجامعة القاهرة. وعاد بعدها إلى الكويت، حيث عرض عليه تولي مسؤولية الإشراف على الطلبة الكويتيين الدارسين في مصر فعاد إلى القاهرة مجدداً في أواخر 1945 ليصبح مديراً لبيت الكويت هناك. وكانت الحقبة التي قضاها هناك شديدة الثراء والخصوبة بالنسبة له تماماً كما كانت بالنسبة لهذه المدينة العريقة. وهناك بدأ تفتح وعيه الفكري والسياسي على تيارات الفكر المعاصرة. وقد أدرك ببصيرته الثاقبة أن كيان دولة الكويت الوليدة لن يترسخ، وفقاً لقواعد الجغرافية السياسية، إلا اعتماداً على عمقيها الخليجي والعربي. لذا نجده قد ركز كل جهوده في أثناء توليه مسؤوليته مشرفاً على بيت الكويت على تعريف العرب بالكويت. ومن هنا جاء إصداره من القاهرة في عام 1945 لمجلة البعثة، التي كانت ذات توجه قومي تقدمي واضح. والواقع أن مجلة البعثة لم تكن فقط منبراً لتعريف العرب بالكويت وأداة للتواصل بين الطلبة المبعوثين والوطن الأم، لكنها كانت أيضاً مدرسة تخرج فيها الكثير من القادة الذين شغلوا بعد ذلك أهم مواقع المسؤولية في بلدهم.
وفي عام 1950، عاد إلى الكويت ليقع اختيار مجلس المعارف لبعثة جديدة، وكانت وجهته هذه المرة العاصمة البريطانية. وفي عام 1952، طلب مجلس المعارف منه العودة من لندن لكي يتولى منصب مدير المعارف. وقد قدر للرجل أن يغير في عشر سنوات تقريباً (1952-1961) كيان مجتمع بأكمله، فعندما تولى مسؤولية التعليم في الكويت كان همه الأساسي هو تحقيق النهضة الشاملة التي طالما حلم بها انطلاقاً من إيمانه بأن التعليم هو الاستثمار الأبعد مدى والأكثر مردوداً الذي يستهدف خلق أجيال جديدة تستطيع بناء بلدهم وتسهم في نهضة أمتها. واستندت النهضة التعليمية التي تحققت في عهده إلى عدة أعمدة رئيسية أهمها المجانية التامة للتعليم، وتعليم البنات، وإيفاد البعثات إلى الخارج، وتعميم رياض الأطفال، وربط التعليم بالثقافة، والاهتمام بالمدارس والمدرسين. وإجمالاً، يمكن القول إن الرجل اختار الثقافة والتنوير عنواناً لرسالة الكويت السياسية وسط محيطها العربي في سعيه لترسيخ الدور الثقافي المتميز للكويت وتثبيت كيانها بين جاراتها العربيات.
وفي عام 1961، كلف عبد العزيز حسين عرض المسألة الكويتية على مجلس الأمن بعد أن أثار عبد الكريم قاسم مشكلة العلاقة بين العراق والكويت. ثم توجه من نيويورك إلى القاهرة لكي يقدم طلب انضمام الكويت للجامعة العربية. وكانت هذه التحركات هي نقطة انطلاق للكويت المستقلة والمعترف باستقلالها دولياً. وقد نجح في مهمته وقبلت الكويت في الجامعة العربية. وعاد الرجل إلى الكويت ليكلّف القيام بمهمة أول سفير لدولة الكويت لدى الجمهورية العربية المتحدة في عام 1961. واستمر في منصبه هذا حتى عام 1963 عندما تم استدعاؤه إلى الكويت للمشاركة في ثاني وزارة كويتية بعد الاستقلال حيث عُين وزيراً للدولة لشؤون مجلس الوزراء ، وظل يشغل هذا المنصب منذ عام 1963 حتى عام 1965 ، ثم من عام 1971 حتى عام 1985.
وفي عام 1973، قاد تأسيس أول مؤسسة ثقافية في البلاد، وهي المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الذي رأسه حتى عام 1985. وقد وضع في هذا الصرح خلاصة تجربته وآماله وطموحاته. وبما أن الكويت كانت دائماً هي محور توجهاته، فقد أراد هذا المجلس، الذي قدم الكثير من المشروعات العملاقة للثقافتين الكويتية والعربية، منارة متلألئة وعنواناً لها وسط المنطقة العربية. إذ كان يرى في الثقافة أداة رئيسية لترسيخ دور الكويت العربي انطلاقاً من أن الأمن الوطني الكويتي، وسط توازنات القوى الإقليمية، لن يتحقق إلا في قلب عالمها العربي. وإضافة إلى ذلك، كان يؤمن بأن الثقافة هي الركيزة الأولى لأي تعاون عربي مثمر، وبأن المحور الثقافي التنويري،وليس السياسي، هو المحور الأساسي للوصول إلى هذا التعاون والتكامل. واعتقد أنه لا يمكن قراءة إنجازاته الثقافية، وربما إنجازاته كلها، إلا في ضوء هذين التوجهين، أي تحقيق الأمن الوطني الكويتي بربط الكويت بعمقها العربي وتعزيز دور الكويت الثقافي والسياسي وسط العالم العربي، وتحقيق التقارب العربي بنهضة تنويرية وثقافية شاملة تجعل العقول، وليس القلوب، تدرك الضرورات التاريخية لهذا التقارب والتعاون.
واقترن اسم الرجل في هذه الحقبة أيضاً بالكثير من الصروح الثقافية والعلمية، سواء كان ذلك على مستوى الكويت أو على المستويين العربي والدولي.
لقد انتمى عبد العزيز حسين إلى جيل من المفكرين والرواد العرب الذين لم تنحصر أحلامهم وطموحاتهم وإنجازاتهم داخل الحدود الإقليمية الضيقة، بل كانت مشروعاتهم دائماً ذات بعد قومي، وذات أفق رحب يأخذ في الحسبان قضايا وهموم الأمة العربية بأسرها. وهو عبقرية إبداعية حقيقية مع أن بعضهم قد يستغرب تعبير إبداعية هنا لأن إنتاجه المكتوب محدود جداً. والواقع أن هذه العبقرية حققت إبداعها الخاص بطريقة تنطوي على الكثير من إنكار الذات والتضحية، بالمجد الشخصي من أجل أبناء وطنه، وكان هذا من حسن حظ الكويت بالطبع. فالمجتمع الكويتي في ذلك الوقت لم يكن يحتاج إلى ترف الأعمال الفكرية المكتوبة التي تتحدث عن أهمية التعليم وإشاعة التنوير وإطلاق طاقات أبنائه بقدر ما كان يحتاج إلى إنجازات حقيقية على أرض الواقع. فمن السهل على المرء أن يتحدث عن ضرورة تحقيق نهضة تعليمية في البلاد، لكن الصعوبة الحقيقية تكمن في تحقيق هذه النهضة والحفاظ على استمراريتها. وهكذا، ضحى المفكر بمجده الشخصي الذي كان سيحصل عليه لو تفرغ للكتابة أو للعمل الحزبي من أجل مجد وطنه ومن أجل الرسالة التي آمن بها ووقف لها حياته كلها. وربما لن يحتل عبد العزيز حسين المكانة التي تليق به على خارطة الإبداع الثقافي والفكري المكتوب، لكنه يحتل بالتأكيد مكانة شديدة الخصوصية في قلب هذا الشعب وفي قلب أمته بوصفه الرجل الذي حمل مشعل التنوير وتقدم الصفوف ليضيء الدرب في لحظات عز فيها الضياء.
سليمان إبراهيم العسكري
Hussein (Abdul Aziz-) - Hussein (Abdul Aziz-)
حسين (عبد العزيز-)
(1338-1418هـ/1920-1997م)
عبد العزيز حسين رجل دولة ومثقف كويتي بارز. اسمه الكامل عبد العزيز ملا حسين عبد الله التركيت، ولد في مدينة الكويت، وتربى في بيت يعبق برائحة الدين والثقافة، وكان لنشأته في هذا البيت أكبر الأثر في حياته كلها. في عام 1939، كان ضمن أول بعثة جامعية كويتية ترسل إلى مصر للدراسة. فحصل على الشهادة العلمية في كلية اللغة العربية في جامعة الأزهر عام 1943، ثم شهادة تخصص في التدريس من كلية اللغة العربية من الجامعة نفسها عام 1945، فضلاً عن دبلوم المعهد العالي للمعلمين التابع لجامعة القاهرة. وعاد بعدها إلى الكويت، حيث عرض عليه تولي مسؤولية الإشراف على الطلبة الكويتيين الدارسين في مصر فعاد إلى القاهرة مجدداً في أواخر 1945 ليصبح مديراً لبيت الكويت هناك. وكانت الحقبة التي قضاها هناك شديدة الثراء والخصوبة بالنسبة له تماماً كما كانت بالنسبة لهذه المدينة العريقة. وهناك بدأ تفتح وعيه الفكري والسياسي على تيارات الفكر المعاصرة. وقد أدرك ببصيرته الثاقبة أن كيان دولة الكويت الوليدة لن يترسخ، وفقاً لقواعد الجغرافية السياسية، إلا اعتماداً على عمقيها الخليجي والعربي. لذا نجده قد ركز كل جهوده في أثناء توليه مسؤوليته مشرفاً على بيت الكويت على تعريف العرب بالكويت. ومن هنا جاء إصداره من القاهرة في عام 1945 لمجلة البعثة، التي كانت ذات توجه قومي تقدمي واضح. والواقع أن مجلة البعثة لم تكن فقط منبراً لتعريف العرب بالكويت وأداة للتواصل بين الطلبة المبعوثين والوطن الأم، لكنها كانت أيضاً مدرسة تخرج فيها الكثير من القادة الذين شغلوا بعد ذلك أهم مواقع المسؤولية في بلدهم.
وفي عام 1950، عاد إلى الكويت ليقع اختيار مجلس المعارف لبعثة جديدة، وكانت وجهته هذه المرة العاصمة البريطانية. وفي عام 1952، طلب مجلس المعارف منه العودة من لندن لكي يتولى منصب مدير المعارف. وقد قدر للرجل أن يغير في عشر سنوات تقريباً (1952-1961) كيان مجتمع بأكمله، فعندما تولى مسؤولية التعليم في الكويت كان همه الأساسي هو تحقيق النهضة الشاملة التي طالما حلم بها انطلاقاً من إيمانه بأن التعليم هو الاستثمار الأبعد مدى والأكثر مردوداً الذي يستهدف خلق أجيال جديدة تستطيع بناء بلدهم وتسهم في نهضة أمتها. واستندت النهضة التعليمية التي تحققت في عهده إلى عدة أعمدة رئيسية أهمها المجانية التامة للتعليم، وتعليم البنات، وإيفاد البعثات إلى الخارج، وتعميم رياض الأطفال، وربط التعليم بالثقافة، والاهتمام بالمدارس والمدرسين. وإجمالاً، يمكن القول إن الرجل اختار الثقافة والتنوير عنواناً لرسالة الكويت السياسية وسط محيطها العربي في سعيه لترسيخ الدور الثقافي المتميز للكويت وتثبيت كيانها بين جاراتها العربيات.
وفي عام 1961، كلف عبد العزيز حسين عرض المسألة الكويتية على مجلس الأمن بعد أن أثار عبد الكريم قاسم مشكلة العلاقة بين العراق والكويت. ثم توجه من نيويورك إلى القاهرة لكي يقدم طلب انضمام الكويت للجامعة العربية. وكانت هذه التحركات هي نقطة انطلاق للكويت المستقلة والمعترف باستقلالها دولياً. وقد نجح في مهمته وقبلت الكويت في الجامعة العربية. وعاد الرجل إلى الكويت ليكلّف القيام بمهمة أول سفير لدولة الكويت لدى الجمهورية العربية المتحدة في عام 1961. واستمر في منصبه هذا حتى عام 1963 عندما تم استدعاؤه إلى الكويت للمشاركة في ثاني وزارة كويتية بعد الاستقلال حيث عُين وزيراً للدولة لشؤون مجلس الوزراء ، وظل يشغل هذا المنصب منذ عام 1963 حتى عام 1965 ، ثم من عام 1971 حتى عام 1985.
وفي عام 1973، قاد تأسيس أول مؤسسة ثقافية في البلاد، وهي المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الذي رأسه حتى عام 1985. وقد وضع في هذا الصرح خلاصة تجربته وآماله وطموحاته. وبما أن الكويت كانت دائماً هي محور توجهاته، فقد أراد هذا المجلس، الذي قدم الكثير من المشروعات العملاقة للثقافتين الكويتية والعربية، منارة متلألئة وعنواناً لها وسط المنطقة العربية. إذ كان يرى في الثقافة أداة رئيسية لترسيخ دور الكويت العربي انطلاقاً من أن الأمن الوطني الكويتي، وسط توازنات القوى الإقليمية، لن يتحقق إلا في قلب عالمها العربي. وإضافة إلى ذلك، كان يؤمن بأن الثقافة هي الركيزة الأولى لأي تعاون عربي مثمر، وبأن المحور الثقافي التنويري،وليس السياسي، هو المحور الأساسي للوصول إلى هذا التعاون والتكامل. واعتقد أنه لا يمكن قراءة إنجازاته الثقافية، وربما إنجازاته كلها، إلا في ضوء هذين التوجهين، أي تحقيق الأمن الوطني الكويتي بربط الكويت بعمقها العربي وتعزيز دور الكويت الثقافي والسياسي وسط العالم العربي، وتحقيق التقارب العربي بنهضة تنويرية وثقافية شاملة تجعل العقول، وليس القلوب، تدرك الضرورات التاريخية لهذا التقارب والتعاون.
واقترن اسم الرجل في هذه الحقبة أيضاً بالكثير من الصروح الثقافية والعلمية، سواء كان ذلك على مستوى الكويت أو على المستويين العربي والدولي.
لقد انتمى عبد العزيز حسين إلى جيل من المفكرين والرواد العرب الذين لم تنحصر أحلامهم وطموحاتهم وإنجازاتهم داخل الحدود الإقليمية الضيقة، بل كانت مشروعاتهم دائماً ذات بعد قومي، وذات أفق رحب يأخذ في الحسبان قضايا وهموم الأمة العربية بأسرها. وهو عبقرية إبداعية حقيقية مع أن بعضهم قد يستغرب تعبير إبداعية هنا لأن إنتاجه المكتوب محدود جداً. والواقع أن هذه العبقرية حققت إبداعها الخاص بطريقة تنطوي على الكثير من إنكار الذات والتضحية، بالمجد الشخصي من أجل أبناء وطنه، وكان هذا من حسن حظ الكويت بالطبع. فالمجتمع الكويتي في ذلك الوقت لم يكن يحتاج إلى ترف الأعمال الفكرية المكتوبة التي تتحدث عن أهمية التعليم وإشاعة التنوير وإطلاق طاقات أبنائه بقدر ما كان يحتاج إلى إنجازات حقيقية على أرض الواقع. فمن السهل على المرء أن يتحدث عن ضرورة تحقيق نهضة تعليمية في البلاد، لكن الصعوبة الحقيقية تكمن في تحقيق هذه النهضة والحفاظ على استمراريتها. وهكذا، ضحى المفكر بمجده الشخصي الذي كان سيحصل عليه لو تفرغ للكتابة أو للعمل الحزبي من أجل مجد وطنه ومن أجل الرسالة التي آمن بها ووقف لها حياته كلها. وربما لن يحتل عبد العزيز حسين المكانة التي تليق به على خارطة الإبداع الثقافي والفكري المكتوب، لكنه يحتل بالتأكيد مكانة شديدة الخصوصية في قلب هذا الشعب وفي قلب أمته بوصفه الرجل الذي حمل مشعل التنوير وتقدم الصفوف ليضيء الدرب في لحظات عز فيها الضياء.
سليمان إبراهيم العسكري