الشفعة (حق ـ)
التعريف بحق الشفعة وتحديد طبيعته القانونية:
عرف القانون المدني المصري الشفعةShifa‘a في الحقوق العينية العقارية، بأنها رخصة تجيز في بيع العقار الحلول محل المشتري في الأحوال، وبالشروط المنصوص عليها في المواد من 935ـ 939 منه. والحقيقة أن تكييف الشفعة على أنها رخصة مُنتَقد، من حيث إن الرخص تتصف بالعموم بين كل أفراد المجتمع، وهي ما تسمى بالرخص العامة مثل حق التقاضي والعمل والتملك ... إلخ التي يؤكدها الدساتير في مختلف دول العالم. ويعبر الفقه الإسلامي عن رخصة التملك بالقول «من ملك أن يملِّك». في حين أن حق الشفعة لا يثبت لكل الناس إنما للجار أو الشريك، فهو ليس رخصة عامة، كما أنه، من جهة أخرى، لا يمكن أن يعد الجار أو الشريك مالكاً للمال المشفوع به، ولذا فحق الشفعة في منزلة وسطى بين الرخصة والحق، وهو ما يقال له في الفقه الإسلامي بأنه من جرى له سبب يقتضي المطالبة بالتمليك، كالشريك في الشفعة إذا باع شريكه، تحقق له سبب يقتضي المطالبة بأن يتملك الشِّقْص (النصيب) المبيع بالشفعة. ويمكن أن نعد حق الشفعة حقاً شبه عيني مادام الفقهاء قد أقروا لصاحبه أن يطالب بالشيء المشفوع به عيناً ولو لم يعد مالكاً له بعد، وله أن يتتبعه في الأيدي التي ينتقل إليها. وهو لا يعد حقاً عينياً لأن فيه شيئاً من العينية، دون أن يكون معنى الحقوق العينية متحققاً فيه بصورة كاملة.
لذا نفضل تعريف الشفعة في الفقه الإسلامي بأنها حق تملك قهري، وهي لا تثبت عند جمهور الفقهاء إلا في بيع العقار، فهي حق تملك العقار المبيع جبراً عن المشتري بما قام عليه من الثمن والتكاليف. أما المنقولات إذا بيعت استقلالاً فلا شفعة فيها إنما تثبت في المنقولات المشتركة للشريك المخالط خلطة الشيوع دون الشريك الجار، لقوله عليه الصلاة والسلام فيما رواه البخاري من أنه «قضى رسولr بالشفعة في كل ما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة».
كما يتقيد ثبوتها فيما ينقسم من المنقولات دون ما لا ينقسم منها، وتثبت الشفعة أيضاً في كل ما لا ينقل كالأرض والربوع، لقولهr فيما رواه مسلم من أنه: «قضى رسول اللهr بالشفعة في أرض أو ربع أو حائط» وإذا ثبتت في الأرض تبعت الأشجار والأبنية فيها، لأن في الحديث لفظ الربع وهو يتناول الأبنية ولفظ الحائط يتناول الأشجار.
معناها التطبيقي
صاحب حق الشفعة هو من جرى له سبب يقتضي المطالبة بالتمليك، وهذا السبب هو بيع الشِّقْص (النصيب) في المنقول المشترك، أو هو بيع العقار المجاور، فالشفعة هي حالة من الحالات التي أجاز فيها الشرع نزع الملكية الخاصة من صاحبها لمصلحة فردية أولى بالاعتبار. فشرعيتها إذن على خلاف الأصل، لأن الأصل في الشرع ألا ينتزع من شخص ملكه إلا برضاه، فلا ينتزع جبراً إلا بمسوغ شرعي.
لقد شرعها الإسلام نعمة للإنسان لأن فيها حماية له من الأضرار المتوقعة بسبب سوء الجوار، ورحمة له من التعامل مع من ينافره في الطباع والأخلاق، ولا ضرر على المالك، الذي يقصد البيع، من الشفعة لأنه سيصل إلى غرضه من ثمن المبيع عن طريق شريكه أو جاره، أما البيع لأجنبي فهو ظلم وإضرار بشريكه أو جاره، وهذا لا يجوز، فلا ضَرَرَ ولا ضِرَار.
كما لا ضرر على المشتري الذي ينتزع منه الملك جبراً بحق الشفعة لأنه سيسترد ما دفعه وأنفقه من ثمن وتكاليف، وعلى فرض التسليم بأن هناك ضرراً أصابه في الأخذ منه، فإن ضرر الشريك أو الجار أشد وأعظم. فكان أولى بالحماية والرعاية، فالضرر الأشد يزال بالضرر الأخف.
على أن من الفقهاء من يرى أن علة ثبوت الشفعة للشريك في المنقول المشترك هو تفادي ضرر مؤنة القسمة، أي نفقاتها، ولهذا أثبتوها فيما يقبل القسمة، وهو ما يجبر الشريك فيه على القسمة ـ وهو مشروط بأن ينتفع بالمقسوم على الوجه الذي كان ينتفع به قبل القسمة ـ فلا تثبت الشفعة في الشيء الذي لو قسم لبطلت منفعته المقصودة منه قبل القسمة، كالطريق الضيق.
وبالنظر لعلة ثبوت حق الشفعة المذكورة، وهي دفع سوء الجوار أو الشريك، لم يكن حق الشفعة من الأموال التي يجوز أخذ العوض والثمن مقابل التنازل عنها، فلو صالح الجار أو الشريك عن حقه، في الأخذ بالشفعة لسقط حقه في الشفعة، ولما استحق البدل، لأن العلة منها لا تتحقق عمليّاً إلا بممارسة الحق ذاته فهي لم تشرع للاسترباح، ومصالحة صاحب حق الشفعة عن حقه هذا فيه دلالة على عدم تضرره، فيسقط حقه فيها ولا يستحق البدل.
القوانين العربية التي أخذت بها
نص التقنين المدني المصري (833 م) والجزائري (721) على أنه للشريك في المنقول الشائع أو في المجموع من المال، أن يسترد قبل القسمة، الحصة الشائعة التي باعها شريك غيره لأجنبي بطريق الممارسة، وذلك خلال ثلاثين يوماً من تاريخ علمه بالبيع، أو من تاريخ إعلانه به، ويتم الاسترداد بإعلان يوجه إلى كل من البائع والمشتري، ويحل المسترد محل المشتري في جميع حقوقه والتزاماته، إذا هو عوضه عن كل ما أنفقه، وإذا تعدد المستردون فلكل منهم أن يسترد بنسبة حصته. كما نص هذان التقنينان في المواد (935ـ 939 مصري) (794ـ807 جزائري) على أن لمالك رقبة العقار ولمالك حق الانتفاع في العقار، وللشريك الشائع في ملكية العقار الشائع، وللجار المالك، رخصة تجيز لهم في بيع العقار الحلول محل المشتري بالشروط المنصوص عليها فيهما.
القوانين العربية التي لا تأخذ بحق الشفعة
عمد واضع القانون المدني السوري النافذ إلى إلغاء ما كان قد تبقى في قانون الملكية العقارية السابق من الأحكام المتعلقة بالشفعة في الملكية العقارية، كما ألغى حق الشفعة في المنقول المشترك، والذي يسمى بحق الاسترداد. إنما احتفظ بحق الاسترداد في بيع الحقوق المتنازع فيها فقط، وقد عللت المذكرة الإيضاحية للتقنين المدني السوري هذا الإلغاء بأن الشفعة من الحقوق الضعيفة، وأن الحياة الاقتصادية والاجتماعية في سورية لم تعد توجب الاستمرار في العمل بالشفعة. وقد كان هذا الإلغاء محل نقد بعض رجال القانون لما فيه من محاذير، لاسيما إلغاء شفعة الملك الذي كان من شأنه الإسهام في تجميع الحصص الشائعة المبعثرة بحيث كانت تنتقل وتجتمع في يد واحدة تستقل بممارسة سلطانها عليها من خلال ممارسة الشفعة في الملك، ومن ثمَّ تحاشي ما تنطوي عليه إدارة المال الشائع واستغلاله والتصرف فيه من محاذير. والحقيقة أن هذا المحذور يمكن تلافيه مع إلغاء حق الشفعة من خلال ما قرره التقنين المدني السوري من الحق في إزالة الشيوع في الملك عن طريق القضاء.
أيمن أبو العيال
التعريف بحق الشفعة وتحديد طبيعته القانونية:
عرف القانون المدني المصري الشفعةShifa‘a في الحقوق العينية العقارية، بأنها رخصة تجيز في بيع العقار الحلول محل المشتري في الأحوال، وبالشروط المنصوص عليها في المواد من 935ـ 939 منه. والحقيقة أن تكييف الشفعة على أنها رخصة مُنتَقد، من حيث إن الرخص تتصف بالعموم بين كل أفراد المجتمع، وهي ما تسمى بالرخص العامة مثل حق التقاضي والعمل والتملك ... إلخ التي يؤكدها الدساتير في مختلف دول العالم. ويعبر الفقه الإسلامي عن رخصة التملك بالقول «من ملك أن يملِّك». في حين أن حق الشفعة لا يثبت لكل الناس إنما للجار أو الشريك، فهو ليس رخصة عامة، كما أنه، من جهة أخرى، لا يمكن أن يعد الجار أو الشريك مالكاً للمال المشفوع به، ولذا فحق الشفعة في منزلة وسطى بين الرخصة والحق، وهو ما يقال له في الفقه الإسلامي بأنه من جرى له سبب يقتضي المطالبة بالتمليك، كالشريك في الشفعة إذا باع شريكه، تحقق له سبب يقتضي المطالبة بأن يتملك الشِّقْص (النصيب) المبيع بالشفعة. ويمكن أن نعد حق الشفعة حقاً شبه عيني مادام الفقهاء قد أقروا لصاحبه أن يطالب بالشيء المشفوع به عيناً ولو لم يعد مالكاً له بعد، وله أن يتتبعه في الأيدي التي ينتقل إليها. وهو لا يعد حقاً عينياً لأن فيه شيئاً من العينية، دون أن يكون معنى الحقوق العينية متحققاً فيه بصورة كاملة.
لذا نفضل تعريف الشفعة في الفقه الإسلامي بأنها حق تملك قهري، وهي لا تثبت عند جمهور الفقهاء إلا في بيع العقار، فهي حق تملك العقار المبيع جبراً عن المشتري بما قام عليه من الثمن والتكاليف. أما المنقولات إذا بيعت استقلالاً فلا شفعة فيها إنما تثبت في المنقولات المشتركة للشريك المخالط خلطة الشيوع دون الشريك الجار، لقوله عليه الصلاة والسلام فيما رواه البخاري من أنه «قضى رسولr بالشفعة في كل ما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة».
كما يتقيد ثبوتها فيما ينقسم من المنقولات دون ما لا ينقسم منها، وتثبت الشفعة أيضاً في كل ما لا ينقل كالأرض والربوع، لقولهr فيما رواه مسلم من أنه: «قضى رسول اللهr بالشفعة في أرض أو ربع أو حائط» وإذا ثبتت في الأرض تبعت الأشجار والأبنية فيها، لأن في الحديث لفظ الربع وهو يتناول الأبنية ولفظ الحائط يتناول الأشجار.
معناها التطبيقي
صاحب حق الشفعة هو من جرى له سبب يقتضي المطالبة بالتمليك، وهذا السبب هو بيع الشِّقْص (النصيب) في المنقول المشترك، أو هو بيع العقار المجاور، فالشفعة هي حالة من الحالات التي أجاز فيها الشرع نزع الملكية الخاصة من صاحبها لمصلحة فردية أولى بالاعتبار. فشرعيتها إذن على خلاف الأصل، لأن الأصل في الشرع ألا ينتزع من شخص ملكه إلا برضاه، فلا ينتزع جبراً إلا بمسوغ شرعي.
لقد شرعها الإسلام نعمة للإنسان لأن فيها حماية له من الأضرار المتوقعة بسبب سوء الجوار، ورحمة له من التعامل مع من ينافره في الطباع والأخلاق، ولا ضرر على المالك، الذي يقصد البيع، من الشفعة لأنه سيصل إلى غرضه من ثمن المبيع عن طريق شريكه أو جاره، أما البيع لأجنبي فهو ظلم وإضرار بشريكه أو جاره، وهذا لا يجوز، فلا ضَرَرَ ولا ضِرَار.
كما لا ضرر على المشتري الذي ينتزع منه الملك جبراً بحق الشفعة لأنه سيسترد ما دفعه وأنفقه من ثمن وتكاليف، وعلى فرض التسليم بأن هناك ضرراً أصابه في الأخذ منه، فإن ضرر الشريك أو الجار أشد وأعظم. فكان أولى بالحماية والرعاية، فالضرر الأشد يزال بالضرر الأخف.
على أن من الفقهاء من يرى أن علة ثبوت الشفعة للشريك في المنقول المشترك هو تفادي ضرر مؤنة القسمة، أي نفقاتها، ولهذا أثبتوها فيما يقبل القسمة، وهو ما يجبر الشريك فيه على القسمة ـ وهو مشروط بأن ينتفع بالمقسوم على الوجه الذي كان ينتفع به قبل القسمة ـ فلا تثبت الشفعة في الشيء الذي لو قسم لبطلت منفعته المقصودة منه قبل القسمة، كالطريق الضيق.
وبالنظر لعلة ثبوت حق الشفعة المذكورة، وهي دفع سوء الجوار أو الشريك، لم يكن حق الشفعة من الأموال التي يجوز أخذ العوض والثمن مقابل التنازل عنها، فلو صالح الجار أو الشريك عن حقه، في الأخذ بالشفعة لسقط حقه في الشفعة، ولما استحق البدل، لأن العلة منها لا تتحقق عمليّاً إلا بممارسة الحق ذاته فهي لم تشرع للاسترباح، ومصالحة صاحب حق الشفعة عن حقه هذا فيه دلالة على عدم تضرره، فيسقط حقه فيها ولا يستحق البدل.
القوانين العربية التي أخذت بها
نص التقنين المدني المصري (833 م) والجزائري (721) على أنه للشريك في المنقول الشائع أو في المجموع من المال، أن يسترد قبل القسمة، الحصة الشائعة التي باعها شريك غيره لأجنبي بطريق الممارسة، وذلك خلال ثلاثين يوماً من تاريخ علمه بالبيع، أو من تاريخ إعلانه به، ويتم الاسترداد بإعلان يوجه إلى كل من البائع والمشتري، ويحل المسترد محل المشتري في جميع حقوقه والتزاماته، إذا هو عوضه عن كل ما أنفقه، وإذا تعدد المستردون فلكل منهم أن يسترد بنسبة حصته. كما نص هذان التقنينان في المواد (935ـ 939 مصري) (794ـ807 جزائري) على أن لمالك رقبة العقار ولمالك حق الانتفاع في العقار، وللشريك الشائع في ملكية العقار الشائع، وللجار المالك، رخصة تجيز لهم في بيع العقار الحلول محل المشتري بالشروط المنصوص عليها فيهما.
القوانين العربية التي لا تأخذ بحق الشفعة
عمد واضع القانون المدني السوري النافذ إلى إلغاء ما كان قد تبقى في قانون الملكية العقارية السابق من الأحكام المتعلقة بالشفعة في الملكية العقارية، كما ألغى حق الشفعة في المنقول المشترك، والذي يسمى بحق الاسترداد. إنما احتفظ بحق الاسترداد في بيع الحقوق المتنازع فيها فقط، وقد عللت المذكرة الإيضاحية للتقنين المدني السوري هذا الإلغاء بأن الشفعة من الحقوق الضعيفة، وأن الحياة الاقتصادية والاجتماعية في سورية لم تعد توجب الاستمرار في العمل بالشفعة. وقد كان هذا الإلغاء محل نقد بعض رجال القانون لما فيه من محاذير، لاسيما إلغاء شفعة الملك الذي كان من شأنه الإسهام في تجميع الحصص الشائعة المبعثرة بحيث كانت تنتقل وتجتمع في يد واحدة تستقل بممارسة سلطانها عليها من خلال ممارسة الشفعة في الملك، ومن ثمَّ تحاشي ما تنطوي عليه إدارة المال الشائع واستغلاله والتصرف فيه من محاذير. والحقيقة أن هذا المحذور يمكن تلافيه مع إلغاء حق الشفعة من خلال ما قرره التقنين المدني السوري من الحق في إزالة الشيوع في الملك عن طريق القضاء.
أيمن أبو العيال