سالم الترابين
الكلمة المفتاحيّة الّتي يمكن للباحثين استنطاقها في قراءة الفرنسي جورج بتاي (1897 - 1962) هي "الشرّ"، مع العلم أنّ الكاتب الفرنسيّ الناشئ نشأة سريالية مع جيل رائد السرياليّة، ومنظرها الأوّل أندريه بريتون (1896-1966) ركّز في أبحاثه وفي علاقته الجدليّة مع بريتون في عشرينيّات القرن الماضي حول المثاليّة، والجماليّة، والسموّ في الأخلاق والأدب، وكانت هذه المبادئ لا تروق للسريالي المتعنّت في سريالته بريتون.
من خلال هذه النّزاعات أنشأ بتاي لنفسه عالمًا خاصًّا يبحث فيه عن الرّقيّ المعرفيّ بعد أن نعته بريتون بـ"أديب الغائط" فكتب مقالة رائعة تكتمل فيها الحكمة والأمل عنوانها: "أنا الشّمس" يلخّص فيها دوافع التمرّد على السرياليّة، إذ يقول: "ندرك جميعًا أنّ الحياة محاكاةٌ ساخرةٌ ينقصها التّأويل. فالرّصاص محاكاة للذهب، والهواء محاكاةٌ للماء، لكن هل المرء في حاجةٍ إلى أن يختلف عن الآخرين حيث يحتاج أحدنا للتعمير والإشباع، بينما يحتاج الآخر للتدمير والخسران؟ إنّ الإنسان المفكّر يهرب من رأسه، بينما الإنسان ملسوع الضّمير يهرب من سجنه، ولا يكون الخلاص إلّا بطريقين: الثورة، أو الموت".
ينطلق بتاي في دراسته لبودلير من مقولته المشهورة: لا يمكن للإنسان أن يحبّ نفسه حتّى النّهاية إن لم يكن قد أدانها
كي تعيش في الخير يجب أن تبحث عن الشرّ فهو المفتاح الّذي يطلعك على أسرار الخير والحياة السعيدة.
تمثّل المقولة السّابقة خلاصة دراسة بتاي للأدب، وربط الأعمال الأدبيّة بالشرّ لذلك نجد في دراسات بتاي النقديّة البحث عن سيكولوجيا الأديب من خلال النصّ الأدبيّ، وبيان أوجه الشّر فيه من خلال العلاقة بينّ النصّ وصاحبه، ومن الأدباء الّذين وجد بتاي فيهم ظاهرة الشرّ بوصفها مرجعًا بحثيًّا: إيميلي برونتي، بودلير، ميشيله، وليام بليك، ساد، بروست، كافكا، جان جينيه.
في دراسته لرواية "مرتفعات ويذرنغ"، ربط بتاي بين الشخصيّة الروائيّة وكاتبة النصّ إيميلي برونتي (1818 - 1848)، فشخصيّة كاترين إيرنشو شخصيّة روائيّة أخلاقيّة بالمطلق إلى حد موتها بسبب عدم تمكّنها من فك علاقاتها بذلك الماضي أي الحبّ في زمن الطفولة، وبالرغم من معرفتها بأنّ الشرّ مترسّخ في عشيقها بطريقة صميمة، تحب هيتشكليف بحيث تقول عنه العبارة الآتية: "أنا هيتشكليف"، بمعنى أنّ موضوع الرّواية يشكّل انتهاكًا مأساويًّا للقانون، إنّ الشخصيّة والكاتبة لا تنتميان إلى الأخلاق ولكن إلى فوق الأخلاق بحدّ تعبير بتاي، إنّ ذلك التوافق الصميم ما بين القانون الأخلاقي وما فوق الأخلاق هو المعنى النهائي لمرتفعات ويذيرينج، أي الشرّ الذي يصنع الأخلاق.
ينطلق بتاي في دراسته لبودلير (1821 - 1867) من مقولته المشهورة: لا يمكن للإنسان أن يحبّ نفسه حتّى النّهاية إن لم يكن قد أدانها، لعلّ عمل بودلير الشّعريّ الشّهير "أزهار الشرّ" يلخّص وفق النظرية الآتية: ينطوي كلّ إنسانٍ في كلّ ساعة على فرضيّتين متزامنتين، تذهب واحدة منهما نحو الله، والثّانية نحو الشّيطان. وفي هذا يكون الخير بما فيه ذكر، وروحانية وصعود للدرجات، والشرّ بعلاقة شيطانيّة، وكلامهما منطويان نحو الذّات. أما بتاي فقد خلص إلى أنّ بودلير يقصد القول الآتي: في كل ساعة فرضيّتان متزامنتان: الأولى تذهب نحو العمل (إثراء مصادرنا) فيما تذهب الأخرى نحو اللّذة (إنفاق المصادر)، لتتفتح أزهار الشرّ حاملة الشرّ كلّه.
أمّا جون ميشيليه (1798 - 1874) المؤرّخ الفيلسوف، فقد استخرج العالم الثقيل بمعناه الإنساني مما هو مخزٍ، كتابه "السّاحرة" الّذي يحكي السّيرة الانفعالية لأربع ساحرات في مواجهة ما يسمّى انحراف الخير، ليكون الشرّ عنوان البقاء: تسعى الإنسانيّة نحو مقصدين، سلبيّ، يكمن في المحافظة على الحياة بغية تفادي الموت، والآخر إيجابي، يتعلّق بزيادة قوتها.
وليام بليك (1757 - 1827) أقام إقامة دائمة في حضن الشرّ حاول البعض تأويل سيكولوجيا بليك عبر مقولة الانطواء الذّاتي، كان يبحث عن مدارك للحياة في غير الحواسّ الّتي تفرض على الإنسان حيث يقول: لا تحدّد الحواسّ الإدراكيّة مدارك الإنسان بإمكانه أن يدرك أكثر ممّا توفّره الحواس له. اختار بتاي عمل وليام بليك "زواج الجنّة والجحيم" لإظهار أيقونة الشرّ عند بليك؛ فالشّاعر الإنجليزي يقترح على الإنسان ألّا يتخلّص من ربّ الشرّ، ولكن إبدال النظرة المتردّدة بالنّظرة الجليلة، مؤّكدا أنّ التناقضات هي الّتي تقود إلى الأخلاق، مع ذلك فإنّ بتاي دافع عن بليك أمام علماء النّفس، خصوصًا في فكرة الانطوائية والشرّ المفرد مع التعليل بأنّ بليك لم يؤثّر في شرّه، بل أبدل تلك اليقظة بنومٍ عميق.
ماركيز دي ساد (1740 - 1814)، لم يكن لدى ساد طيلة عمره المديد سوى انشغال واحد هو الانشغال بحساب إمكانيّات تحطيم الكائنات الإنسانيّة، وتدميرها والتّمتّع بفكرة موتها وعذابها، أيقن أنّ الشرّ في صراعٍ مع التكوين الإنسانيّ ليكون عمله المشهور "أيّام سدوم المائة والعشرون" واجهة الشرّ الكبيرة إذ إنّ الشرّ يبدأ من أبطال الرّواية الأربعة الّذين يعذّبون اثنين وأربعين سجينًا تعذيبًا أشدّها التعذيب الجنسي، إنّ ساد يعلن عن اكتمال الوعي لكنه لم يصل إلى امتلاء الوعي، ولكن الامتلاء كان وفق نظرة بتاي في أيّام سدوم، هي أيّام وحياة ساد الحقيقيّة، وما كان للسّاديّة الّتي تمثل تيار الشرّ الاستمرار دون معالم متعة الشرّ.
مارسيل بروست (1871 - 1922)، يدفع الحماس للحقيقة والعدالة أولئك الذين يعيشونها نحو القفز من أماكنهم، لعل قضية دريفوس الشهيرة في فرنسا، والّتي طوّرت الصّراعات الاجتماعيّة في تكوينها السياسيّ أهمّ ملهمٍ لبناء الخير والشرّ في أعمال بروست، يبدو أنّ بالإمكان القبض على الشرّ لكن بالقدر الذي يكون فيه الخير مفتاحه، وهنا مهّد بتاي في أنّ الزمن لا يصنع إلا شرًّا والعودة للماضي نكوس في حضرة الشرّ.
يلخّص بتاي قراءته لعمل بروست "البحث عن الزمن المفقود" من خلال البناء الدراميّ للشرّ، يقول بتاي: "السّعادة وحدها غير مرغوبة بحدّ ذاتها، لأنها ستؤدّي إلى الملل، وبذلك يكون الشرّ من أجل الوصول إلى لهفة السّعادة"، لكن بروست عمل العكس، اللّهفة للشرّ هي الّتي قادت للشّعور بالسّعادة، ليحمل بروست وفق بتاي لقب فنّان الشرّ السعيد.
فرانز كافكا (1883 - 1924) حقّق الرّغبة الحداثيّة في الكتابة، أيقن أنّ الأدب هو ما يرغب به الكاتب، لا ما يرغب به القارئ، السّبب العميق لخيبته يكمن في عدم تمتّعه بشيء آخر غير الحياة البشريّة، فأدب كافكا بمجمله يعبّر عن أدب طفولي، وفق جورج بتاي فإنّ العمل الأدبيّ الّذي يمثل شخصيّة كافكا هو قصّة قصيرة بعنوان "الحكم"؛ وهي قصّة كتبت في ثماني ساعات، وهذه السّاعات كانت كافية لولادة الأدب الكافكيّ إذ تمثّل القصّة الشرّ الأبويّ. لعلّ مشكلة كافكا هي الصّراع مع القيم الزمانيّة، فكافكا لا يريد أن يكون طفلًا، لذلك تظهر عقدة قتل الأب كعقدة في شخصيّة كافاكا الشرّيرة، البحث عن التعاسة كي يشعر بالقناعة.
يمثّل جان جينيه (1910-1986) الطّواعية نحو الشرّ، وكأنّ تاريخ الشرّ وخلاصته في عمل جينيه "يوميّات لصّ"، ترك بتاي النصّ ليبيّن شرّ جينيه من رؤية سارتر في عمله النقديّ "القديس جينيه الكوميدي والشهيد"؛ إذ يعرض سارتر حقائق الشرّ، خصوصًا الشرّ الأخلاقيّ في حياة جينيه، وفق مبدأ الالتزام.
الكلمة المفتاحيّة الّتي يمكن للباحثين استنطاقها في قراءة الفرنسي جورج بتاي (1897 - 1962) هي "الشرّ"، مع العلم أنّ الكاتب الفرنسيّ الناشئ نشأة سريالية مع جيل رائد السرياليّة، ومنظرها الأوّل أندريه بريتون (1896-1966) ركّز في أبحاثه وفي علاقته الجدليّة مع بريتون في عشرينيّات القرن الماضي حول المثاليّة، والجماليّة، والسموّ في الأخلاق والأدب، وكانت هذه المبادئ لا تروق للسريالي المتعنّت في سريالته بريتون.
من خلال هذه النّزاعات أنشأ بتاي لنفسه عالمًا خاصًّا يبحث فيه عن الرّقيّ المعرفيّ بعد أن نعته بريتون بـ"أديب الغائط" فكتب مقالة رائعة تكتمل فيها الحكمة والأمل عنوانها: "أنا الشّمس" يلخّص فيها دوافع التمرّد على السرياليّة، إذ يقول: "ندرك جميعًا أنّ الحياة محاكاةٌ ساخرةٌ ينقصها التّأويل. فالرّصاص محاكاة للذهب، والهواء محاكاةٌ للماء، لكن هل المرء في حاجةٍ إلى أن يختلف عن الآخرين حيث يحتاج أحدنا للتعمير والإشباع، بينما يحتاج الآخر للتدمير والخسران؟ إنّ الإنسان المفكّر يهرب من رأسه، بينما الإنسان ملسوع الضّمير يهرب من سجنه، ولا يكون الخلاص إلّا بطريقين: الثورة، أو الموت".
ينطلق بتاي في دراسته لبودلير من مقولته المشهورة: لا يمكن للإنسان أن يحبّ نفسه حتّى النّهاية إن لم يكن قد أدانها
كي تعيش في الخير يجب أن تبحث عن الشرّ فهو المفتاح الّذي يطلعك على أسرار الخير والحياة السعيدة.
تمثّل المقولة السّابقة خلاصة دراسة بتاي للأدب، وربط الأعمال الأدبيّة بالشرّ لذلك نجد في دراسات بتاي النقديّة البحث عن سيكولوجيا الأديب من خلال النصّ الأدبيّ، وبيان أوجه الشّر فيه من خلال العلاقة بينّ النصّ وصاحبه، ومن الأدباء الّذين وجد بتاي فيهم ظاهرة الشرّ بوصفها مرجعًا بحثيًّا: إيميلي برونتي، بودلير، ميشيله، وليام بليك، ساد، بروست، كافكا، جان جينيه.
في دراسته لرواية "مرتفعات ويذرنغ"، ربط بتاي بين الشخصيّة الروائيّة وكاتبة النصّ إيميلي برونتي (1818 - 1848)، فشخصيّة كاترين إيرنشو شخصيّة روائيّة أخلاقيّة بالمطلق إلى حد موتها بسبب عدم تمكّنها من فك علاقاتها بذلك الماضي أي الحبّ في زمن الطفولة، وبالرغم من معرفتها بأنّ الشرّ مترسّخ في عشيقها بطريقة صميمة، تحب هيتشكليف بحيث تقول عنه العبارة الآتية: "أنا هيتشكليف"، بمعنى أنّ موضوع الرّواية يشكّل انتهاكًا مأساويًّا للقانون، إنّ الشخصيّة والكاتبة لا تنتميان إلى الأخلاق ولكن إلى فوق الأخلاق بحدّ تعبير بتاي، إنّ ذلك التوافق الصميم ما بين القانون الأخلاقي وما فوق الأخلاق هو المعنى النهائي لمرتفعات ويذيرينج، أي الشرّ الذي يصنع الأخلاق.
ينطلق بتاي في دراسته لبودلير (1821 - 1867) من مقولته المشهورة: لا يمكن للإنسان أن يحبّ نفسه حتّى النّهاية إن لم يكن قد أدانها، لعلّ عمل بودلير الشّعريّ الشّهير "أزهار الشرّ" يلخّص وفق النظرية الآتية: ينطوي كلّ إنسانٍ في كلّ ساعة على فرضيّتين متزامنتين، تذهب واحدة منهما نحو الله، والثّانية نحو الشّيطان. وفي هذا يكون الخير بما فيه ذكر، وروحانية وصعود للدرجات، والشرّ بعلاقة شيطانيّة، وكلامهما منطويان نحو الذّات. أما بتاي فقد خلص إلى أنّ بودلير يقصد القول الآتي: في كل ساعة فرضيّتان متزامنتان: الأولى تذهب نحو العمل (إثراء مصادرنا) فيما تذهب الأخرى نحو اللّذة (إنفاق المصادر)، لتتفتح أزهار الشرّ حاملة الشرّ كلّه.
أمّا جون ميشيليه (1798 - 1874) المؤرّخ الفيلسوف، فقد استخرج العالم الثقيل بمعناه الإنساني مما هو مخزٍ، كتابه "السّاحرة" الّذي يحكي السّيرة الانفعالية لأربع ساحرات في مواجهة ما يسمّى انحراف الخير، ليكون الشرّ عنوان البقاء: تسعى الإنسانيّة نحو مقصدين، سلبيّ، يكمن في المحافظة على الحياة بغية تفادي الموت، والآخر إيجابي، يتعلّق بزيادة قوتها.
وليام بليك (1757 - 1827) أقام إقامة دائمة في حضن الشرّ حاول البعض تأويل سيكولوجيا بليك عبر مقولة الانطواء الذّاتي، كان يبحث عن مدارك للحياة في غير الحواسّ الّتي تفرض على الإنسان حيث يقول: لا تحدّد الحواسّ الإدراكيّة مدارك الإنسان بإمكانه أن يدرك أكثر ممّا توفّره الحواس له. اختار بتاي عمل وليام بليك "زواج الجنّة والجحيم" لإظهار أيقونة الشرّ عند بليك؛ فالشّاعر الإنجليزي يقترح على الإنسان ألّا يتخلّص من ربّ الشرّ، ولكن إبدال النظرة المتردّدة بالنّظرة الجليلة، مؤّكدا أنّ التناقضات هي الّتي تقود إلى الأخلاق، مع ذلك فإنّ بتاي دافع عن بليك أمام علماء النّفس، خصوصًا في فكرة الانطوائية والشرّ المفرد مع التعليل بأنّ بليك لم يؤثّر في شرّه، بل أبدل تلك اليقظة بنومٍ عميق.
ماركيز دي ساد (1740 - 1814)، لم يكن لدى ساد طيلة عمره المديد سوى انشغال واحد هو الانشغال بحساب إمكانيّات تحطيم الكائنات الإنسانيّة، وتدميرها والتّمتّع بفكرة موتها وعذابها، أيقن أنّ الشرّ في صراعٍ مع التكوين الإنسانيّ ليكون عمله المشهور "أيّام سدوم المائة والعشرون" واجهة الشرّ الكبيرة إذ إنّ الشرّ يبدأ من أبطال الرّواية الأربعة الّذين يعذّبون اثنين وأربعين سجينًا تعذيبًا أشدّها التعذيب الجنسي، إنّ ساد يعلن عن اكتمال الوعي لكنه لم يصل إلى امتلاء الوعي، ولكن الامتلاء كان وفق نظرة بتاي في أيّام سدوم، هي أيّام وحياة ساد الحقيقيّة، وما كان للسّاديّة الّتي تمثل تيار الشرّ الاستمرار دون معالم متعة الشرّ.
مارسيل بروست (1871 - 1922)، يدفع الحماس للحقيقة والعدالة أولئك الذين يعيشونها نحو القفز من أماكنهم، لعل قضية دريفوس الشهيرة في فرنسا، والّتي طوّرت الصّراعات الاجتماعيّة في تكوينها السياسيّ أهمّ ملهمٍ لبناء الخير والشرّ في أعمال بروست، يبدو أنّ بالإمكان القبض على الشرّ لكن بالقدر الذي يكون فيه الخير مفتاحه، وهنا مهّد بتاي في أنّ الزمن لا يصنع إلا شرًّا والعودة للماضي نكوس في حضرة الشرّ.
يلخّص بتاي قراءته لعمل بروست "البحث عن الزمن المفقود" من خلال البناء الدراميّ للشرّ، يقول بتاي: "السّعادة وحدها غير مرغوبة بحدّ ذاتها، لأنها ستؤدّي إلى الملل، وبذلك يكون الشرّ من أجل الوصول إلى لهفة السّعادة"، لكن بروست عمل العكس، اللّهفة للشرّ هي الّتي قادت للشّعور بالسّعادة، ليحمل بروست وفق بتاي لقب فنّان الشرّ السعيد.
فرانز كافكا (1883 - 1924) حقّق الرّغبة الحداثيّة في الكتابة، أيقن أنّ الأدب هو ما يرغب به الكاتب، لا ما يرغب به القارئ، السّبب العميق لخيبته يكمن في عدم تمتّعه بشيء آخر غير الحياة البشريّة، فأدب كافكا بمجمله يعبّر عن أدب طفولي، وفق جورج بتاي فإنّ العمل الأدبيّ الّذي يمثل شخصيّة كافكا هو قصّة قصيرة بعنوان "الحكم"؛ وهي قصّة كتبت في ثماني ساعات، وهذه السّاعات كانت كافية لولادة الأدب الكافكيّ إذ تمثّل القصّة الشرّ الأبويّ. لعلّ مشكلة كافكا هي الصّراع مع القيم الزمانيّة، فكافكا لا يريد أن يكون طفلًا، لذلك تظهر عقدة قتل الأب كعقدة في شخصيّة كافاكا الشرّيرة، البحث عن التعاسة كي يشعر بالقناعة.
يمثّل جان جينيه (1910-1986) الطّواعية نحو الشرّ، وكأنّ تاريخ الشرّ وخلاصته في عمل جينيه "يوميّات لصّ"، ترك بتاي النصّ ليبيّن شرّ جينيه من رؤية سارتر في عمله النقديّ "القديس جينيه الكوميدي والشهيد"؛ إذ يعرض سارتر حقائق الشرّ، خصوصًا الشرّ الأخلاقيّ في حياة جينيه، وفق مبدأ الالتزام.