اختناق
Asphyxia - Asphyxie
الاختناق
الاختناق asphyxia حالة نقص حاد في مدد الأكسجين مترافق بتراكم ثاني أكسيد الكربون.
والاختناق هو الاصطلاح الذي يعرب عن مضمون التسمية الأجنبية «اسفكسيا» التي هي من أصل إغريقي، لا عن معناها اللغوي.
ذلك أنها تتألف من مقطعين «a» وتعني «لا» و «sphuxis» وتعني «النبض» وبذلك يصبح معنى هذا التعبير لغة «حالة اللانبض». وقد يكون السبب في ذلك هو أن هذه التسمية وضعت أصلاً لحالات موت الجنين أو الوليد لانقطاع مدد الأكسجين عنه، واتخذ غياب النبض العلامة المميزة للتشخيص.
ويتميز الاختناق من نقص الأكسجة بأنه يترافق بتراكم ثاني أكسيد الكربون أو، في بعض الأحوال الخاصة، أحد مشتقاته كغاز أول أكسيد الكربون، في حين أن نقص الأكسجة لا يشترط فيه أن يكون مترافقاً بذلك الغاز، كنقص الأكسجة بسبب انخفاض ضغط الأكسجين في أعالي الجبال أو نتيجة انخفاض صارخ في خضاب الدم. أما الغُشي syncope فهو حالة انعدام الصحو لمدة وجيزة. وينجم حصراً عن انخفاض حاد وشامل في حجم الدم المتدفق إلى المخ كاف لحرمان العصبونات المخيةـ الشبكية من راتب الطاقة لديها. ويتميز الاختناق من الغشي في أن فقدان الوعي فيه يتأخر نسبياً، وتسبقه علامات واضحة ومحاولات صارخة وتخبطات يائسة. والإنذار فيه على الغالب سيئ. أما الغشي فغياب الوعي فيه هو العلامة الأولى، وقد تكون العلامات والأعراض التي تسبقه طفيفة تصعب ملاحظتها كالقلق والذعر والشعور بالتعب وتسارع النبض وارتفاع ضغط الدم النسبي أو انخفاضه المفاجئ.
وإنذار الغشي القريب جيد، باستثناء الغشي الناجم عن إصابة قلبية متقدمة، أو الذي يصيب المسنين.
الاختناق اضطراب وظيفي حاد يصيب التنفس والدوران والجملة العصبية، وعلى كل معالجة أن تستهدف هذه الأجهزة الثلاثة في الوقت المناسب ليكتب لها النجاح.
ولكل نوع من الاختناق أعراضه وعلاماته الوصفية إلا أن ثمة أعراضاً وعلامات شاملة يذكر منها: الشعور بالقلق والذعر واقتراب الأجل في البالغين، وتشنجات عضلية وحركات تشنجية عفوية واستحالة في اللون كالزرقة في معظم الحالات (الاختناق الأزرق) أو الابيضاض في بعضها (الاختناق الشحوبي)، وتسارع النبض بادئ الأمر يعقبه تباطؤ واضطراب شديد في مرحلة متأخرة لينتهي برجفان عضلة القلب أو بتوقف الانقباض القلبي asystole، وارتفاع في الضغط الشرياني يعقبه هبوط شديد، ولوثة في الوعي تنتهي بفقده التام وبالسبات.
والإنذار في حالات الاختناق سيئ، وينتهي بالموت على الغالب إذا لم تتخذ تدابير المعالجة والإنعاش في حينها أو إذا استحال تطبيقها.
الحالات التي تسبب الاختناق
يمكن وضع الحالات التي تسبب الاختناق من الناحية الفيزيولوجية - المرضية في ثلاث مجموعات هي التنفس في مكان مغلق، وانسداد طرق الهواء، والقصور التنفسي الحاد.
التنفس في مكان مغلق: هو التنفس في مكان منعزل عن الجو انعزالاً تاماً أو غير تام، حيث التهوية منعدمة أو رديئة. ومن اللازم تجنب مثل هذه الأماكن، أو اختبار مدى صلاح تهويتها أو تزويدها بمصدر إمدادات كافية من الهواء أو الأكسجين قبل ارتيادها، وأيّ إهمال لذلك يؤدي إلى تناقص الأكسجين فيها تناقصاً مطرداً وتزايد كميات ثاني أكسيد الكربون. وسرعان ما يصاب كل من يكون فيها بأعراض الاختناق ففقدان الوعي فالموت.
ويحتمل حدوث ذلك في الأماكن العامة المزدحمة والمغلقة، وفي الآبار العميقة والكهوف القديمة، وفي الأماكن التي تندلع فيها النيران وتحاصرها إذ تأتي النار على معظم الأكسجين المتوافر فيها، وتنطلق منها غازات مشابهة في تأثيرها لثاني أكسيد الكربون يتألف معظمها من أول أكسيد الكربون الذي يعجل باختناق كل من يكون في المكان أو يدخله دونما تدابير حيطة كافية. كما يحتمل حدوث ذلك نتيجة لانطلاق غازات ملوثة للجو في مكان مغلق مثل أول أكسيد الكربون أو غاز البوتان butane، أو لاستعمال غير سليم للأكياس الكتيمة المصنوعة من اللدائن والتي سببت اختناق كثير من الأطفال.
ويحتمل حدوث الاختناق في الطائرات النفاثة وفي مركبات الفضاء وفي مراكب الغوص في الماء، فجميع هذه الوسائل يجب أن تكون مزودة بما يمدها بالهواء بضغط كاف وبنسبة كافية من الأكسجين وبوسائل للتخلص من غاز الكربون وبخار الماء.
فالطائرات النفاثة تحلّق على ارتفاع يصل أحياناً إلى نحو عشرة آلاف متر (وهو ارتفاع تتعذر فيه الحياة مع انخفاض ضغط الأكسجين فيه) ولذلك فهي تزود بضاغط يضمن الحفاظ على الضغط المناسب فيها وعلى التهوية الدائمة للتخلص من غاز الكربون وتكييف حرارة جو الطائرة ورطوبته.
وتزود هذه الطائرات كذلك بخزانات احتياطية من الأكسجين يلجأ إليها عند اضطراب أداء الضواغط، وتتدلى للمسافرين من سقف الطائرة أقنعةٌ يتنفسون منها الأكسجين ريثما يتم إصلاح الخلل.
أما مركبات الفضاء فتُضمن التهوية داخلها إما بتوفير مقادير من الهواء السائل تكفي لضعفي مدة الرحلة المقررة، تحول بضاغط إلى هواء يعادل ضغطه الضغط الجوي العادي وتكون نسبة الأكسجين فيه نحو 21٪، وإما بتوفير مقادير من الهواء السائل الممزوج بالأكسجين بنسبة تراوح بين 40- 60٪، يحوَّل بالضاغط إلى غاز بضغط مناسب. وفي الحالتين كلتيهما لا بد من وجود مادة لامتصاص ثاني أكسيد الكربون، ولا بد من إزالة الفائض من بخار الماء وتكييف حرارة جو المركبة.
أما الغوص في البحار فيتطلب ذخيرة من مزيج من الأكسجين بنسبة 2٪ والهليوم بنسبة 98٪ تقريباً مع مقادير ضئيلة من النتروجين والنيون.
والمشكلة الرئيسة هنا هي احتمال تراكم غاز ثاني أكسيد الكربون في الرئتين والدم والخوف من احتمال حدوث الاختناق. ويجب تجنب ذلك بفرط التهوية التي تضمن زفير غاز الكربون، وبوجود مادة تمتص الفائض منه.
أما العودة إلى سطح البحر فيجب أن تكون بالتدريج للحيلولة دون تشكل فقاقيع من غاز الهليوم في الدم تحدث انسداداً في الأوعية الدموية الصغيرة وقد تسبب الموت أحياناً.