ماغوط (محمد)
Al-Maghout (Mohammad-) - Al-Maghout (Mohammad-)
الماغوط (محمد ـ)
(1934ـ 2006م)
أديب سوري مجدد، اشتهر فيما يُسمى بقصيدة النثر، إضافة إلى شهرته في المسرح والصحافة، ولد في السلمية التابعة لمحافظة حماة، وتلقى تعليمه الأساسي فيها، ثم غادرها إلى دمشق سنة 1948 ليدرس الزراعة في مدرسة «خرابو» في الغوطة، لكنه سرعان ما هجر التعليم ليتسكّع في دمشق وبيروت بعد أن سجن مرتين فيما بين عامي 1955 و1961 على خلفية انتمائه إلى الحزب السوري القومي الاجتماعي، واتصل في بيروت بجماعة مجلة «شعر» التي احتضنته واحتضنت أشعاره المتطرّفة ، ثم عاد إلى سورية بعد أن عانى مرارة التسكّع والحزن والحرمان وعاش في دمشق في عزلة شبه تامة، وقيل إنه لم يزر مدينة السلمية بعد عودته من لبنان، مع أنها احتضنته بعد وفاته. وهو ممن لايتقنون لغة سوى العربية، ولاقى في السنوات الأخيرة من حياته تكريماً واحتفاء به في سورية والعالم العربي، نتيجة لإبداعاته المتعددة في غير جنس أدبي، فنال وسام الاستحقاق السوري من الدرجة الممتازة ، وقد منحه إياه الرئيس بشار الأسد في عام 2004 - 2005 م.
ومن أعماله الشعرية «حزن في ضوء القمر»، «غرفة بملايين الجدران»، «الفرح ليس مهنتي»، «سأخون وطني هذيان في الرعب والحرية»، «سياف الزهور»، «شرق عدن غرب الله»، «نصوص شعرية».
وكتب العديد من المسرحيات منها ما صاغه بالفصحى مثل مسرحية «العصفور الأحدب»، «المهرّج»، ومنها ما صاغه بالعامية مثل مسرحية «ضيعة تشرين»، «شقائق النعمان»، «غربة»، «كاسك يا وطن»، «خارج السرب».
وله في مجال التلفاز العديد من المسلسلات مثل «حكايا الليل»، و«وين الغلط»، و«وادي المسك»، كما كانت له تجربة في مجال السينما من خلال فيلمي «الحدود»، و«التقرير».
وله رواية وحيدة هي «الأرجوحة»، ومجموعة حوارات عن حياته وأدبه صدرت في كتاب بعنوان «اغتصاب كان وأخواتها» عن دار البلد بدمشق سنة 2002 حرّرها خليل صويلح.
والماغوط شاعر انقلب على التراث والمألوف، ويوصف بأنه الأب الحقيقي لقصيدة النثر، وهو الشاعر الوحيد الذي يستثنيه خصوم قصيدة النثر من اتهاماتهم، لأصالة تجربته وتفردها في اللغة العربية، ولأسلوبه طزاجة ليست عند سواه من شعراء هذه القصيدة ، وقد اعترف بأصالته وتفرده كبار شعراء العربية، ومنهم نزار قباني وخليل حاوي والسياب والجواهري، وهو شاعر الصورة السريالية المتشظية، وشاعر الأحلام والرؤى والكوابيس، وقد قال: «أنا شاعر صورة، ولست شاعر فكر، لا فكر في شعري، وصورتي الشعرية واضحة، ويمكنك أن تراها»، وهو شاعر الصورة الغرائبية والدهشة والمصادفة والكتابة على غير نموذج أو نمط أو قصد، واقعي إلى حدّ التطرّف والبساطة والتلقائية ، فشعره يسيل ويتدفق من غير رموز أو أساطير، وهو لا يعتمد على تراث محدّد ، ولا يهتمّ بالشكل، وإنما يعتمد على الإحساس الداخلي والصدق، ولم يتغيّر أسلوبه في أعماله المختلفة، فهو شاعر أولاً في مسرحه ومقالاته وروايته، وقد سعى إلى أن يمحو الحدود بين الأجناس الأدبية التي كان يكتبها، والصورة الشعرية الحسية تكاد تكون الوسيلة الوحيدة مع بعض اللمحات من الأصوات الداخلية والإيقاعية، وقد سار بقصيدة النثر نحو فضاءات جديدة بكر لم يسر سواه إليها.
والماغوط شاعر في مسرحياته جميعها، فـ«العصفور الأحدب» كانت قصيدة طويلة حولها إلى مسرحية، فعزّت على التمثيل، وتقوم مسرحياته على المشاهد المتعددة والصدمة وقد صوّرت مسرحياته هموم المواطن العربي ومعاناته اليومية، وتجربته المسرحية متميزة بالفكاهة (الكوميديا) السوداء، وهي سريالية الطابع، لأنها تعيد إنتاج الحياة على الخشبة بسخرية مرّة، وكذا شأن مقالاته الأدبية التي تكاد تكون قصائد غنائية، وليست روايته الوحيدة «الأرجوحة» بعيدة عن ذلك، فهي رواية غنائية، حتى إن بعض النقاد والدارسين قد ذهبوا إلى أنها سيرة ذاتية، فبطلها فهد التنبل هو الماغوط نفسه، وبطلتها غيمة هي زوجه الشاعرة سنية صالح.
الحرية هاجس الماغوط الأول والأخير في معظم ما كتب من شعر ومقالة ومسرحيات ورواية، والحرية مفتاح من أهم مفاتيح أدبه، وباب واسع لولوج حياته وأدبه، وهو أخيراً شاعر المشاكسة والسخرية والرفض والحرية، وهو الشاعر الذي استطاع أن يجعل من النثر شعراً، وإن كان جبران خليل جبران قد مهّد له الطريق إلى ذلك، ولكنَّه هو الذي وصل به إلى حيث أراد، وقد قال في ذلك: «كلّ ما أكتبه شعر حتى لو كان نصاً مسرحياً أو مقالاً أو زاوية صحفية… أرغب في أن ألغي المسافة بين ما هو شعر وما ليس شعراً».
كان الماغوط علامة بارزة في قصيدة النثر، وإن قيل إنه لم يكن يعرف الوزن والقافية ولم يحاول أن يتمرن عليهما، المهم أنه كتب بعفوية وعبّر بصدق، من ذلك قوله في قصيدة «لعق المبرد» من ديوانه «سياف الزهور»:
أسير بسرعة ألف عقدة نفسية في الساعة
في أي اتجاه
ونحو أي هدف
ولذلك فأية زنزانة بعد الآن
سوف تتسع لقيودي وحركة ذراعي
وأي قاض أو حاكم عرفي أو نائب عام
سيتحمل سلاطة لساني
والرذاذ المتطاير من شفتي
وأي حرس أو حراب أو حجارة رجم
ستقف في وجه قصائدي المجنونة
وهي تخرج إلى الناس
عارية الصدر والعمر
منبوشة الحروف والعناوين والفواصل
مثل خولة والخنساء.
خليل الموسى
Al-Maghout (Mohammad-) - Al-Maghout (Mohammad-)
الماغوط (محمد ـ)
(1934ـ 2006م)
أديب سوري مجدد، اشتهر فيما يُسمى بقصيدة النثر، إضافة إلى شهرته في المسرح والصحافة، ولد في السلمية التابعة لمحافظة حماة، وتلقى تعليمه الأساسي فيها، ثم غادرها إلى دمشق سنة 1948 ليدرس الزراعة في مدرسة «خرابو» في الغوطة، لكنه سرعان ما هجر التعليم ليتسكّع في دمشق وبيروت بعد أن سجن مرتين فيما بين عامي 1955 و1961 على خلفية انتمائه إلى الحزب السوري القومي الاجتماعي، واتصل في بيروت بجماعة مجلة «شعر» التي احتضنته واحتضنت أشعاره المتطرّفة ، ثم عاد إلى سورية بعد أن عانى مرارة التسكّع والحزن والحرمان وعاش في دمشق في عزلة شبه تامة، وقيل إنه لم يزر مدينة السلمية بعد عودته من لبنان، مع أنها احتضنته بعد وفاته. وهو ممن لايتقنون لغة سوى العربية، ولاقى في السنوات الأخيرة من حياته تكريماً واحتفاء به في سورية والعالم العربي، نتيجة لإبداعاته المتعددة في غير جنس أدبي، فنال وسام الاستحقاق السوري من الدرجة الممتازة ، وقد منحه إياه الرئيس بشار الأسد في عام 2004 - 2005 م.
وكتب العديد من المسرحيات منها ما صاغه بالفصحى مثل مسرحية «العصفور الأحدب»، «المهرّج»، ومنها ما صاغه بالعامية مثل مسرحية «ضيعة تشرين»، «شقائق النعمان»، «غربة»، «كاسك يا وطن»، «خارج السرب».
وله في مجال التلفاز العديد من المسلسلات مثل «حكايا الليل»، و«وين الغلط»، و«وادي المسك»، كما كانت له تجربة في مجال السينما من خلال فيلمي «الحدود»، و«التقرير».
وله رواية وحيدة هي «الأرجوحة»، ومجموعة حوارات عن حياته وأدبه صدرت في كتاب بعنوان «اغتصاب كان وأخواتها» عن دار البلد بدمشق سنة 2002 حرّرها خليل صويلح.
والماغوط شاعر انقلب على التراث والمألوف، ويوصف بأنه الأب الحقيقي لقصيدة النثر، وهو الشاعر الوحيد الذي يستثنيه خصوم قصيدة النثر من اتهاماتهم، لأصالة تجربته وتفردها في اللغة العربية، ولأسلوبه طزاجة ليست عند سواه من شعراء هذه القصيدة ، وقد اعترف بأصالته وتفرده كبار شعراء العربية، ومنهم نزار قباني وخليل حاوي والسياب والجواهري، وهو شاعر الصورة السريالية المتشظية، وشاعر الأحلام والرؤى والكوابيس، وقد قال: «أنا شاعر صورة، ولست شاعر فكر، لا فكر في شعري، وصورتي الشعرية واضحة، ويمكنك أن تراها»، وهو شاعر الصورة الغرائبية والدهشة والمصادفة والكتابة على غير نموذج أو نمط أو قصد، واقعي إلى حدّ التطرّف والبساطة والتلقائية ، فشعره يسيل ويتدفق من غير رموز أو أساطير، وهو لا يعتمد على تراث محدّد ، ولا يهتمّ بالشكل، وإنما يعتمد على الإحساس الداخلي والصدق، ولم يتغيّر أسلوبه في أعماله المختلفة، فهو شاعر أولاً في مسرحه ومقالاته وروايته، وقد سعى إلى أن يمحو الحدود بين الأجناس الأدبية التي كان يكتبها، والصورة الشعرية الحسية تكاد تكون الوسيلة الوحيدة مع بعض اللمحات من الأصوات الداخلية والإيقاعية، وقد سار بقصيدة النثر نحو فضاءات جديدة بكر لم يسر سواه إليها.
والماغوط شاعر في مسرحياته جميعها، فـ«العصفور الأحدب» كانت قصيدة طويلة حولها إلى مسرحية، فعزّت على التمثيل، وتقوم مسرحياته على المشاهد المتعددة والصدمة وقد صوّرت مسرحياته هموم المواطن العربي ومعاناته اليومية، وتجربته المسرحية متميزة بالفكاهة (الكوميديا) السوداء، وهي سريالية الطابع، لأنها تعيد إنتاج الحياة على الخشبة بسخرية مرّة، وكذا شأن مقالاته الأدبية التي تكاد تكون قصائد غنائية، وليست روايته الوحيدة «الأرجوحة» بعيدة عن ذلك، فهي رواية غنائية، حتى إن بعض النقاد والدارسين قد ذهبوا إلى أنها سيرة ذاتية، فبطلها فهد التنبل هو الماغوط نفسه، وبطلتها غيمة هي زوجه الشاعرة سنية صالح.
الحرية هاجس الماغوط الأول والأخير في معظم ما كتب من شعر ومقالة ومسرحيات ورواية، والحرية مفتاح من أهم مفاتيح أدبه، وباب واسع لولوج حياته وأدبه، وهو أخيراً شاعر المشاكسة والسخرية والرفض والحرية، وهو الشاعر الذي استطاع أن يجعل من النثر شعراً، وإن كان جبران خليل جبران قد مهّد له الطريق إلى ذلك، ولكنَّه هو الذي وصل به إلى حيث أراد، وقد قال في ذلك: «كلّ ما أكتبه شعر حتى لو كان نصاً مسرحياً أو مقالاً أو زاوية صحفية… أرغب في أن ألغي المسافة بين ما هو شعر وما ليس شعراً».
كان الماغوط علامة بارزة في قصيدة النثر، وإن قيل إنه لم يكن يعرف الوزن والقافية ولم يحاول أن يتمرن عليهما، المهم أنه كتب بعفوية وعبّر بصدق، من ذلك قوله في قصيدة «لعق المبرد» من ديوانه «سياف الزهور»:
أسير بسرعة ألف عقدة نفسية في الساعة
في أي اتجاه
ونحو أي هدف
ولذلك فأية زنزانة بعد الآن
سوف تتسع لقيودي وحركة ذراعي
وأي قاض أو حاكم عرفي أو نائب عام
سيتحمل سلاطة لساني
والرذاذ المتطاير من شفتي
وأي حرس أو حراب أو حجارة رجم
ستقف في وجه قصائدي المجنونة
وهي تخرج إلى الناس
عارية الصدر والعمر
منبوشة الحروف والعناوين والفواصل
مثل خولة والخنساء.
خليل الموسى