رشيد دين (فضل الله)
Rashid ed Din (Fadel Allah-) - Rashid ed Dine (Fadel Allah-)
رشيد الدين (فضل الله -)
(نحو 645-718هـ/1247-1318م)
فضل الله رشيد الدين أو رشيد الدولة الهمذاني طبيب ومؤرخ ومن ألمع رجال الإدارة في العصر الإيلخاني، أبوه عماد الدولة أبو الخير عالي، ويدعى جده موفق الدولة. ولد في همذان، وإليها كان يحب أن ينتسب. المعلومات عن حياته قليلة قبل أن يشتهر. فقد مارس العطارة، ثم التحق بالبلاط الإيلخاني كطبيب منذ أيام ثاني الحكام الإيلخانيين أباقا بن هولاكو (663-680 هـ/1265-1282م)، وبقي فيه إلى أيـام سابع هؤلاء الحكام غازان (694- 703هـ/1294-1303م)، والخلاف بين الباحثين لا يزال قائما إلى اليوم حول حقيقة معتقده الديني الأصلي. فمنهم من يقول إنه كان يهودياً دان بالإسلام، وهو في الثلاثين من عمره، ومنهم من يؤكد أنه ولد مسلماً من أسرة مسلمة ولكن الجميع متفقون على أنه كان يسير في حياته سيرة المسلم المخلص. وأكسبته ملازمته البلاط الإيلخاني هذه المدة الطويلة خبرة وافرة في أمور السياسة والإدارة.
لمس غازان مزايا رشيد الدين ورجاحة عقله وسعة اطلاعاته، في جلسات المناقشة التي كان يعقدها معه في البلاط حول بعض المسائل الدينية، وتفسير بعض آيات القرآن، منذ أن نبذ غازان البوذية ودان بالإسلام (694هـ/1294م) وانتقاه وزيرا له (697هـ/1297م)، وأشرك معه وزيراً آخر لمعاونته في الحكم، هو سعد الدين محمد الساوجي، وظل الوزيران يعملان متعاونين حتى وفـاة غـازان، واستبقى أولجايتو(خدا بندا) شقيق غـازان وخليفته الوزيرين في منصبيهما حتى عام 705هـ/1305م، عندما بدأت العلاقة تسوء بين الوزيرين لتعرض كليهما من قبل الحاسدين لتهمة التلاعب بأموال الدولة. ولكن التحقيق أثبت براءتهما. فزاد أولجاتيو من قدر رشيد الدين, الذي تعرض ثانية لتهمة جديدة عام 711هـ/1311م من شريكه في الوزارة (الساوجي) بأنه حاول دس السم إلى السلطان، ولكن التحقيق أثبت براءته مرة أخرى، وبدأ الساوجي يفقد مكانته. وقضى بعد ذلك ضحية مغامر جديد طامع بالمنصب هو علي شاه الذي حل بالوزارة كشريك لرشيد الدين. وكما سعى علي شـاه للتخلص من الساوجي، فقد اتبع السياسة نفسها مع رشيـد الديـن الـذي لمس أن السلطان الجديد صغير السن أبا سعيد بـن أولجايتو (716-736هـ/1316-1335م) كان يميل إلى علي شاه، ويسكت عن تجاوزاته حدود سلطته كشريك في الإدارة. لذلك آثر رشيد أن يبتعد عن جو البلاط حيث الدسائس والوشايات. في حين تابع علي شاه تلفيق التهم لرشيد الدين. حتى أصدر السلطان أمره بعزله من منصبه ( 717هـ/1317م)، فترك رشيد الدين العاصمة السلطانية، وعاد للإقامة في تبريز. ولما ساءت أحوال الإدارة في الدولة بسبب غياب رشيد الدين، عمل قائد الجيش - جوبان - لإعادته بعد ممانعة شديدة من رشيد الدين، وليحول علي شاه من دون عودة رشيد الدين. فقد ذكر للسلطان أن رشيد الدين كان قد دس السم لوالده. ولم يجد دفاع رشيد الدين عن نفسه أثناء محاكمته، فصدر الأمر بقتله. وقطعت أوصاله وطيف بها ثم دفنت في أرجاء مختلفة من البلاد. ولم يلبث السلطان أبو سعيد أن ندم على ما فعله برشيد الدين فاستدعى ابنه غياث الدين عام 727هـ/1327م لاستلام الوزارة. وجهد أبناء رشيد الدين في جمع أشلاء والدهم ودفنها في المقبرة التي كان قد أعدها رشيد الدين لنفسه بجوار تبريز.
تمتع رشيد الدين بعقلية جبارة جعلته متعدد نواحي النبوغ، فترك تراثاً متنوعاً في الإدارة والدين والطبيعة وما وراءها والتاريخ، وكان يتقن إلى جانب لغته الفارسية العربية والتركية والمغولية والصينية والعبرية، ويحسن استغلال وقته، ويسعى ليستفيد من أوقات الفراغ. تضمنت رسائله التي بعث بها إلى أولاده وأصدقائه نصائح إدارية في شؤون الحكم والإدارة واستيفاء الضرائب، وتطرق فيها إلى بعض المسائل في الطب والفلسفة والأخلاق. وكان أسلوبه متأنقاً ومرصعاً باقتباسات من القرآن والحديث النبوي الشريف والشعر. أما رسائله في الموضوعات الدينية فجاءت حول أمور عديدة منها أن أميّة الرسول محمد r شيء مقصود من الله تعالى، وبرهان حاسم على صدق رسالته. وكان يلح على إدراك المعنى الصوفي لآيات القرآن، وأحب في كتابه «مفتاح التفاسير» أن يفسر القرآن كله، ولكنه تراجع عن ذلك خوفاً من ألا يوهب من طول العمر ليتم هذا العمل. ولذلك شرح في كتابه «التوضيحات» بعض الآيات، وتحدث في كتاب دعاه «السلطانية» عن بعض المسائل الدينية: كالوحي والإلهام والمعجزة والرسالة الإلهية ومميزات خاتم النبيين. وحاول أن يعطي لهذه المصطلحات تعاريف محددة. ودعا عام 706هـ/1306م عدداً من علماء الدين لدراسة هذه الآراء فاستحسنوها وكان فيهم علماء من بلاد الشام ومصر. ولرشيد الدين مؤلفات علمية ككتاب «الآثار والأحياء» الذي تحدث فيه عن الزراعة والمناخ والتربة ووسائل الري وأنواع الطيور والحيوانات.
وأهم ما ترك رشيد الدين من تصانيف، كتابه في التاريخ «جامع التواريخ» الذي بدأ العمل فيه عام 702هـ/1302م بأمر من غازان. وأتمه في عهد أولجايتو عام 710هـ/1310م، ويقع في أربعة مجلدات. تحدث في المجلد الأول عن تاريخ غازان وعن تاريخ المغول منذ أجداد جنكيز خان, وتاريخ الخلفاء المعاصرين لهم، وتحدث في المجلد الثاني عن تاريخ أولجايتو. وتاريخ الأنبياء وملوك العالم منذ عهد آدم، وضم المجلد الثالث تاريخ الملوك حتى عهد بني العباس وتاريخ القياصرة وملوك الفرنجة، وقصر المجلد الرابع على الموضوعات الجغرافية. واستعان في كتابة هذا التاريخ بعلماء من الصين والهند وبلاد الأويغور والترك والفرنج والعرب. كما أن غازان سمح له بالاطلاع على سجلات الدولة ووثائقها.
برئ أسلوب رشيد الدين من الاهتمام باللفظ دون المعنى كما كان شائعا في عصره، وكان حيادياً قدر المستطاع عند حديثه عن تاريخ المغول، ولكن الكتاب يشكو من ضعف النقد التاريخي، وكان التداخل في تاريخ الأمم التي تحدث عنها قد دفعه إلى التكرار. وأهمية الكتاب تكمن في أن كاتبه قد دوّن أحداثاً شاهدها في حياته، وأسهم في صنع بعضها، وهو وإن لم يأت بجديد عن تاريخ أوربة فقد كانت معرفته بتاريخها أكثر بكثير مما كانت تعرفه أوربة عن الشرق. وقد ضاعت بعض أجزاء الكتاب بسبب النهاية الفاجعة لحياة المؤلف.
وقرر رشيد الدين للمحافظة على تراثه إقامة مركز ثقافي إلى جوار تبريز دعاه «الربع الرشيدي» في وقت يقع بين أواخر القرن السابع ومطلع القرن الثامن الهجريين/ بين القرنين الثالث عشر والرابع عشر الميلاديين، والربع مجمع أبنية يضم المدارس ومكتبة ومسجد ومستشفى وحمامات ومنازل لإقامة المدرسين والطلاب، وأقيم في الربع مصانع للنسيج والورق، وأمكنة لنسخ الكتب وتجليدها وتذهيبها، وكان يتسع إلى سبعة آلاف من المدرسين والطلاب من مختلف الجنسيات. إضافة إلى الفقهاء والقراء، وكان لكل فئة من سكان الربع حي خاص بها. وأوقف رشيد الدين أوقافاً عدة لتأمين الأموال لتصرف على طعام المقيمين فيه وكسوتهم. وآل حال الربع إلى الخراب بعد مقتل رشيد الدين، واستعاد شيئا ًمن نشاطه في عهد وزارة ابنه غياث الدين حتى مقتله أيضاً، فحلت بالربع كارثة أخرى.
مظهر شهاب
Rashid ed Din (Fadel Allah-) - Rashid ed Dine (Fadel Allah-)
رشيد الدين (فضل الله -)
(نحو 645-718هـ/1247-1318م)
فضل الله رشيد الدين أو رشيد الدولة الهمذاني طبيب ومؤرخ ومن ألمع رجال الإدارة في العصر الإيلخاني، أبوه عماد الدولة أبو الخير عالي، ويدعى جده موفق الدولة. ولد في همذان، وإليها كان يحب أن ينتسب. المعلومات عن حياته قليلة قبل أن يشتهر. فقد مارس العطارة، ثم التحق بالبلاط الإيلخاني كطبيب منذ أيام ثاني الحكام الإيلخانيين أباقا بن هولاكو (663-680 هـ/1265-1282م)، وبقي فيه إلى أيـام سابع هؤلاء الحكام غازان (694- 703هـ/1294-1303م)، والخلاف بين الباحثين لا يزال قائما إلى اليوم حول حقيقة معتقده الديني الأصلي. فمنهم من يقول إنه كان يهودياً دان بالإسلام، وهو في الثلاثين من عمره، ومنهم من يؤكد أنه ولد مسلماً من أسرة مسلمة ولكن الجميع متفقون على أنه كان يسير في حياته سيرة المسلم المخلص. وأكسبته ملازمته البلاط الإيلخاني هذه المدة الطويلة خبرة وافرة في أمور السياسة والإدارة.
لمس غازان مزايا رشيد الدين ورجاحة عقله وسعة اطلاعاته، في جلسات المناقشة التي كان يعقدها معه في البلاط حول بعض المسائل الدينية، وتفسير بعض آيات القرآن، منذ أن نبذ غازان البوذية ودان بالإسلام (694هـ/1294م) وانتقاه وزيرا له (697هـ/1297م)، وأشرك معه وزيراً آخر لمعاونته في الحكم، هو سعد الدين محمد الساوجي، وظل الوزيران يعملان متعاونين حتى وفـاة غـازان، واستبقى أولجايتو(خدا بندا) شقيق غـازان وخليفته الوزيرين في منصبيهما حتى عام 705هـ/1305م، عندما بدأت العلاقة تسوء بين الوزيرين لتعرض كليهما من قبل الحاسدين لتهمة التلاعب بأموال الدولة. ولكن التحقيق أثبت براءتهما. فزاد أولجاتيو من قدر رشيد الدين, الذي تعرض ثانية لتهمة جديدة عام 711هـ/1311م من شريكه في الوزارة (الساوجي) بأنه حاول دس السم إلى السلطان، ولكن التحقيق أثبت براءته مرة أخرى، وبدأ الساوجي يفقد مكانته. وقضى بعد ذلك ضحية مغامر جديد طامع بالمنصب هو علي شاه الذي حل بالوزارة كشريك لرشيد الدين. وكما سعى علي شـاه للتخلص من الساوجي، فقد اتبع السياسة نفسها مع رشيـد الديـن الـذي لمس أن السلطان الجديد صغير السن أبا سعيد بـن أولجايتو (716-736هـ/1316-1335م) كان يميل إلى علي شاه، ويسكت عن تجاوزاته حدود سلطته كشريك في الإدارة. لذلك آثر رشيد أن يبتعد عن جو البلاط حيث الدسائس والوشايات. في حين تابع علي شاه تلفيق التهم لرشيد الدين. حتى أصدر السلطان أمره بعزله من منصبه ( 717هـ/1317م)، فترك رشيد الدين العاصمة السلطانية، وعاد للإقامة في تبريز. ولما ساءت أحوال الإدارة في الدولة بسبب غياب رشيد الدين، عمل قائد الجيش - جوبان - لإعادته بعد ممانعة شديدة من رشيد الدين، وليحول علي شاه من دون عودة رشيد الدين. فقد ذكر للسلطان أن رشيد الدين كان قد دس السم لوالده. ولم يجد دفاع رشيد الدين عن نفسه أثناء محاكمته، فصدر الأمر بقتله. وقطعت أوصاله وطيف بها ثم دفنت في أرجاء مختلفة من البلاد. ولم يلبث السلطان أبو سعيد أن ندم على ما فعله برشيد الدين فاستدعى ابنه غياث الدين عام 727هـ/1327م لاستلام الوزارة. وجهد أبناء رشيد الدين في جمع أشلاء والدهم ودفنها في المقبرة التي كان قد أعدها رشيد الدين لنفسه بجوار تبريز.
تمتع رشيد الدين بعقلية جبارة جعلته متعدد نواحي النبوغ، فترك تراثاً متنوعاً في الإدارة والدين والطبيعة وما وراءها والتاريخ، وكان يتقن إلى جانب لغته الفارسية العربية والتركية والمغولية والصينية والعبرية، ويحسن استغلال وقته، ويسعى ليستفيد من أوقات الفراغ. تضمنت رسائله التي بعث بها إلى أولاده وأصدقائه نصائح إدارية في شؤون الحكم والإدارة واستيفاء الضرائب، وتطرق فيها إلى بعض المسائل في الطب والفلسفة والأخلاق. وكان أسلوبه متأنقاً ومرصعاً باقتباسات من القرآن والحديث النبوي الشريف والشعر. أما رسائله في الموضوعات الدينية فجاءت حول أمور عديدة منها أن أميّة الرسول محمد r شيء مقصود من الله تعالى، وبرهان حاسم على صدق رسالته. وكان يلح على إدراك المعنى الصوفي لآيات القرآن، وأحب في كتابه «مفتاح التفاسير» أن يفسر القرآن كله، ولكنه تراجع عن ذلك خوفاً من ألا يوهب من طول العمر ليتم هذا العمل. ولذلك شرح في كتابه «التوضيحات» بعض الآيات، وتحدث في كتاب دعاه «السلطانية» عن بعض المسائل الدينية: كالوحي والإلهام والمعجزة والرسالة الإلهية ومميزات خاتم النبيين. وحاول أن يعطي لهذه المصطلحات تعاريف محددة. ودعا عام 706هـ/1306م عدداً من علماء الدين لدراسة هذه الآراء فاستحسنوها وكان فيهم علماء من بلاد الشام ومصر. ولرشيد الدين مؤلفات علمية ككتاب «الآثار والأحياء» الذي تحدث فيه عن الزراعة والمناخ والتربة ووسائل الري وأنواع الطيور والحيوانات.
وأهم ما ترك رشيد الدين من تصانيف، كتابه في التاريخ «جامع التواريخ» الذي بدأ العمل فيه عام 702هـ/1302م بأمر من غازان. وأتمه في عهد أولجايتو عام 710هـ/1310م، ويقع في أربعة مجلدات. تحدث في المجلد الأول عن تاريخ غازان وعن تاريخ المغول منذ أجداد جنكيز خان, وتاريخ الخلفاء المعاصرين لهم، وتحدث في المجلد الثاني عن تاريخ أولجايتو. وتاريخ الأنبياء وملوك العالم منذ عهد آدم، وضم المجلد الثالث تاريخ الملوك حتى عهد بني العباس وتاريخ القياصرة وملوك الفرنجة، وقصر المجلد الرابع على الموضوعات الجغرافية. واستعان في كتابة هذا التاريخ بعلماء من الصين والهند وبلاد الأويغور والترك والفرنج والعرب. كما أن غازان سمح له بالاطلاع على سجلات الدولة ووثائقها.
برئ أسلوب رشيد الدين من الاهتمام باللفظ دون المعنى كما كان شائعا في عصره، وكان حيادياً قدر المستطاع عند حديثه عن تاريخ المغول، ولكن الكتاب يشكو من ضعف النقد التاريخي، وكان التداخل في تاريخ الأمم التي تحدث عنها قد دفعه إلى التكرار. وأهمية الكتاب تكمن في أن كاتبه قد دوّن أحداثاً شاهدها في حياته، وأسهم في صنع بعضها، وهو وإن لم يأت بجديد عن تاريخ أوربة فقد كانت معرفته بتاريخها أكثر بكثير مما كانت تعرفه أوربة عن الشرق. وقد ضاعت بعض أجزاء الكتاب بسبب النهاية الفاجعة لحياة المؤلف.
وقرر رشيد الدين للمحافظة على تراثه إقامة مركز ثقافي إلى جوار تبريز دعاه «الربع الرشيدي» في وقت يقع بين أواخر القرن السابع ومطلع القرن الثامن الهجريين/ بين القرنين الثالث عشر والرابع عشر الميلاديين، والربع مجمع أبنية يضم المدارس ومكتبة ومسجد ومستشفى وحمامات ومنازل لإقامة المدرسين والطلاب، وأقيم في الربع مصانع للنسيج والورق، وأمكنة لنسخ الكتب وتجليدها وتذهيبها، وكان يتسع إلى سبعة آلاف من المدرسين والطلاب من مختلف الجنسيات. إضافة إلى الفقهاء والقراء، وكان لكل فئة من سكان الربع حي خاص بها. وأوقف رشيد الدين أوقافاً عدة لتأمين الأموال لتصرف على طعام المقيمين فيه وكسوتهم. وآل حال الربع إلى الخراب بعد مقتل رشيد الدين، واستعاد شيئا ًمن نشاطه في عهد وزارة ابنه غياث الدين حتى مقتله أيضاً، فحلت بالربع كارثة أخرى.
مظهر شهاب