حمدانيون
Hamdanid dynasty - Hamdanides
الحَمَدانيون
ينتسب الحَمَدانيون إلى الأمير حمدان بن حمدون من بني حُبَيب بن عمرو بن غَنْم بن تغلب من قبيلة ربيعة العدنانية، كان منهم أمراء الموصل والجزيرة وحلب في القرن الرابع الهجري العاشر الميلادي، وكان الحمدانيون إمامية اثنى عشرية، كما تثبت النصوص وبعض أشعار أبي فراس الحمداني.
اتصف الحمدانيون بالشجاعة والفروسية والمغامرة، إضافة إلى الكرم والفصاحة والشعر، فقد كانوا يقولون الشعر عذباً يصافح الأسماع في رفق وحنان، منهم أبو فراس[ر] الشاعر الأمير الذي كان نداً وغريماً لشاعر العربية المتنبي، ومنهم أبو العشائر ابن عم سيف الدولة وهو صاحب شعر جميل ،وأيضاً أبو تغلب بن داود بن حمدان[ر] الشاعر الرقيق وغير أولئك كثيرون.
قامت الصلات بين الأسرة الحمدانية والخلافة العباسية منذ عهد الخليفة المعتضد (279-289هـ/892-902م) ودعم أفراد هذه الأسرة الخلافة في حروبها مع الخوارج والقرامطة، وصارت الأسرة الحمدانية تشكل إحدى القوى العسكرية التي استخدمتها الخلافة في أكثر من مناسبة مما وطد مكانة الحمدانيين وجعلتهم ينجذبون أكثر فأكثر نحو السلطة ونحو بغداد.
اتخذ أوائل أفراد الأسرة الحمدانية من مدينة ميَّافارقين مركزاً لهم وتطلعوا في الوقت نفسه نحو الموصل وسعوا إلى السيطرة عليها، فكان أن تحقق ذلك سنة 293هـ/906م حين عين الخليفة المكتفي (289-295هـ/902-908م) الأمير أبا الهيجاء بن حمدان بن حمدون والياً على الموصل، فأخضع الأكراد في منطقته، ثم لم يلبث أن عزل ليتولاها ثانية سنة (302هـ/914-915م)، وثالثة سنة 313هـ وبقي والياً عليها حتى مقتله سنة 317هـ. وكان أبو الهيجاء في أواخر حياته ينيب ولده الحسن ناصر الدولة[ر] على الموصل ليبقى في بغداد مسرح النشاط والفتن يراقب الأحداث، ومع أن الحسن ولي الموصل بعد أبيه إلا أن الأمور لم تستقر له إلا سنة 323هـ /934م التي يمكن أن تعد البداية الفعلية لقيام الدولة الحمدانية في الموصل، وقد ولاه الخليفة الراضي سنة 324هـ ديار ربيعة ومضر وديار بكر إضافة إلى الموصل.
دعم الحسن الخليفة المتقي بالله الذي هرب إلى الموصل، عندما استولى أبو الحسن البريدي والي البصرة على بغداد سنة 330هـ/941م، فاصطحب الحسن الخليفة وسار على رأس جيش كبير عقد لواءه لأخيه الأصغر علي. انهزم البريديون وعاد الخليفة إلى بغداد وأنعم على الحسن بلقب ناصر الدولة وعلى أخيه علي بسيف الدولة[ر]، وتولى ناصر الدولة منصب إمرة الأمراء، وزوَّج الخليفة المتقي ولده أبا منصور ابنة ناصر الدولة. أقام ناصر الدولة ببغداد ثلاثة عشر شهراً، ثم اجتمعت الأتراك وقدموا توزون وشغب الجند عليه، فاعتزل منصبه وتوجه إلى الموصل مقر ولايته.
نظر ناصر الدولة في أثناء إشغاله منصب أمير الأمراء في بغداد في العيار، فوجده ناقصاً، فأمر بإصلاح الدنانير، فضرب دنانيراً سماها الإبريزية، عيارها خير من غيرها، فكان الدينار بعشرة دراهم فبيع بثلاثة عشر درهماً.
كان من سوء حظ ناصر الدولة ،أن بغداد سقطت سنة 334هـ/945م في يد معز الدولة البويهي، وكان مشرق الدولة قد أصبح تحت إمرته وإمرة إخوته عماد الدولة وركن الدولة، فطمع معز الدولة بولاية الموصل الغنية ولكنه أخفق في الاستيلاء عليها، وعقد صلحاً مع ناصر الدولة سنة 335هـ/946م وآخر سنة 337هـ/948م. جعله فيه وفقاً لهذا الصلح مسؤولاً عن الموصل والجزيرة والشام على أن يؤدي كل سنة ثمانية ألف ألف درهم أي ما يقارب 800 ألف دينار،وأن يخطب له في بلاده ولأخويه عماد الدولة وركن الدولة.
بقي الاصطدام قائماً بين ناصر الدولة ومعز الدولة، ولكنه كان ينتهي دائماً بالتراضي بدفع الأموال أو بتدخل من سيف الدولة كما حدث سنة 347هـ/958م.
لم يزل ناصر الدولة مالكاً للموصل إلى أن اعتقله ولده الغضنفر فضل الله أبو تغلب[ر] سنة 356هـ/966م، وكان أبو تغلب قد مارس شؤون الحكم والإدارة في حياة أبيه، فلما اعتقل أباه استأثر بالسلطة مما أدى إلى نشوب نزاع بين الأخوة أضعف قوة الأسرة الحمدانية، واستغل عضد الدولة البويهي هذا الخلاف واستولى سنة 367هـ على الموصل وآمد ونصبيين وسائر بلاد بني حمدان إلا ما كان في يد سعد الدولة بن سيف الدولة،حاول الحمدانيون سنة 379هـ/981م استعادة الموصل وحققوا في هذا السبيل نجاحاً مؤقتاً، ولكن بني عقيل الذين كانوا قبلاً حلفاء للحمدانيين، انبروا هم أنفسهم لإقامة سلطة عقيلية في الموصل وغيرها وسط الصراع الذي شهدته المنطقة في تلك الحقبة.
لم يحكم الحمدانيون الموصل والجزيرة فقط، وإنما بسطوا سلطانهم على حلب وشمالي الشام ففي سنة 333هـ/942م دخل سيف الدولة حلب دون مقاومة تذكر، ولكنه اشتبك مع الإخشيد والي الشام ومصر حينما توجه إلى حمص للاستيلاء عليها، وفي سنة 334هـ عقد الإخشيد صلحاً مع سيف الدولة تخلى له بموجبه عن حلب وحمص وأنطاكية، وبعد وفاة الإخشيد اتفق سيف الدولة سنة 336هـ/947م مع أنوجور وكافور على أن يكون له ما اعترف له به الإخشيد، وكان الخليفة قد أرسل إلى سيف الدولة سنة 335هـ الاعتراف الشرعي بحكمه.
بعد سيطرة سيف الدولة على حلب واعتراف الإخشيد وابنه من بعده بضم حمص وأنطاكية إليه، أصبحت حلب مركزاً لإمارة ضمت جند قنسرين وحمص ومناطق الثغور الجزرية والشامية وديار مضر وديار بكر.
يُعد سيف الدولة أشهر شخصيات الأسرة الحمدانية، بل يمكن القول إن شهرة الحمدانيين قامت على الشهرة التي نالها سيف الدولة، نتيجة لغزواته وحروبه المتواصلة مع البيزنطيين في وقت كانت فيه الخلافة العباسية عاجزة عن حماية الثغور الشامية والجزيرة، ووقع عبء حمايتها على كاهل إمارة حلب وأميرها سيف الدولة الذي كان عليه أن يواجه البيزنطيين بأعداد من المقاتلة محدودة، إذا ما قيست بأعداد جيوش البيزنطيين التي كانت تربو في الوقعة الواحدة أحياناً على مئة ألف محارب من أجناس مختلفة من روس وبلغار وروم وصقلب وأرمن وخزر، وقاد هذه الجيوش قواد من أشهر وأعظم قادة الإمبراطورية البيزنطية، فوقف سيف الدولة بعمله سداً وحاجزاً دون محاولات استيلائهم على الشام التي كانوا يطمعون فيها ويذكرون من تاريخها أنهم حكموها طويلاً، فخدم سيف الدولة بذلك الإسلام والعرب، وكان كما يقول ابن ظافر الأزدي «ردءاً للمسلمين بما رزقه الله من الهيبة عند العدو إلى أن مرض وضعف»، ولما توفي سنة 356هـ اشتد استيلاء العدو على سائر البلاد والثغور.
أما العامل الثاني لشهرة سيف الدولة، فيعود إلى أن سيف الدولة أقام لنفسه بلاطاً ضاهى به بلاط بغداد وغيرها من مراكز دور الإسلام، واستقطب بلاطه عدداً كبيراً من الشعراء والأدباء والعلماء من كل فن، كان من أشهرهم الشاعر المتنبي والفيلسوف الفارابي. وكان اجتماع الشعراء والأدباء في بلاط سيف الدولة عائداً إلى أن سيف الدولة كان أديباً بفطرته وذا ملكة مميزة ونقادة تفرق بين الغث والسمين، كما أنه كان يقدر الشعراء والأدباء، وقد لمع تحت رعاية سيف الدولة مهندسون ورياضيون وفلكيون من أشهرهم ديونيسيوس بطريرك اليعاقبة، والمجتبي الأنطاكي وقيس الماروني وكبير أطبائه عيسى الرّقي.
كان سيف الدولة كريماً، ولم يكن كرمه وقفاً على الشعراء والأدباء والعلماء ورجال دولته، وإنما شمل الأفراد العاديين أيضا،ً وليس أدل على ذلك أنه حين أسر أبو فراس الحمداني أقام في الأسر خمس سنين يكاتب سيف الدولة أن يفتديه بقوم كانوا عنده من عظماء الروم، فأبى سيف الدولة ذلك مع وجده عليه ومكانه في قلبه ويقول: «لا أفدي ابن عمنا خصوصاً وأدع باقي المسلمين ولا يكون الفداء إلا عاماً»، فلما كانت سنة 355هـ سار سيف الدولة للفداء بالبطارقة الذين في أسره، ففداهم ولما لم يبق من أسرى الروم أحد، لزمه في الفداء خمسمئة ألف درهم في فداء أسرى المسلمين، فأخرج ذلك من ماله وأبدى اهتماماً كبيراً بهم فور إطلاق سراحهم بصرف الطعام واللباس والتطبيب والترفيه عنهم.
توفي سيف الدولة سنة 356هـ فخلفه ابنه أبو المعالي شريف، وخلع عليه الخليفة في بغداد لقب سعد الدولة، وعندما حدث خلاف بين سعد الدولة وقرعويه حاجب أبيه، غلب قرعويه على أمور الدولة وأخرج سعد الدولة من حلب وبقيت حلب تحت حكم غلمان سيف الدولة إلى ما بعد سنة 366هـ/976م إذ استطاع سعد الدولة العودة إليها، وإذا كان سعد الدولة قد خاض بعض المعارك مع بيزنطة، فإنه استنجد بها أكثر من مرة لحمايته من الأخطار التي كانت تحيط بدولته ولاسيما الخطر الفاطمي.
توفي سعد الدولة سنة 389هـ/991م فخلفه ابنه أبو الفضائل سعيد الذي أصبح أميراً بالاسم فقط إذ إن مقاليد الأمور آلت إلى يد أحد غلمان جده واسمه لؤلؤ، فلما توفي سعيد الدولة سنة 392هـ حكم لؤلؤ مدة وجيزة باسم طفلي سعيد الدولة (أبو الحسن علي، أبو المعالي شريف) ثم قام بنفيهما إلى مصر، وأعلن نفسه حاكماً منفرداً لحلب، وساعده في حكمها ابنه منصور، ويعد حكم لؤلؤ مع ابنه فترة انتقال ما بين زوال الدولة الحمدانية وقيام دولة جديدة في حلب هي الدولة المرداسية.
نجدة خماش
Hamdanid dynasty - Hamdanides
الحَمَدانيون
ينتسب الحَمَدانيون إلى الأمير حمدان بن حمدون من بني حُبَيب بن عمرو بن غَنْم بن تغلب من قبيلة ربيعة العدنانية، كان منهم أمراء الموصل والجزيرة وحلب في القرن الرابع الهجري العاشر الميلادي، وكان الحمدانيون إمامية اثنى عشرية، كما تثبت النصوص وبعض أشعار أبي فراس الحمداني.
اتصف الحمدانيون بالشجاعة والفروسية والمغامرة، إضافة إلى الكرم والفصاحة والشعر، فقد كانوا يقولون الشعر عذباً يصافح الأسماع في رفق وحنان، منهم أبو فراس[ر] الشاعر الأمير الذي كان نداً وغريماً لشاعر العربية المتنبي، ومنهم أبو العشائر ابن عم سيف الدولة وهو صاحب شعر جميل ،وأيضاً أبو تغلب بن داود بن حمدان[ر] الشاعر الرقيق وغير أولئك كثيرون.
قامت الصلات بين الأسرة الحمدانية والخلافة العباسية منذ عهد الخليفة المعتضد (279-289هـ/892-902م) ودعم أفراد هذه الأسرة الخلافة في حروبها مع الخوارج والقرامطة، وصارت الأسرة الحمدانية تشكل إحدى القوى العسكرية التي استخدمتها الخلافة في أكثر من مناسبة مما وطد مكانة الحمدانيين وجعلتهم ينجذبون أكثر فأكثر نحو السلطة ونحو بغداد.
اتخذ أوائل أفراد الأسرة الحمدانية من مدينة ميَّافارقين مركزاً لهم وتطلعوا في الوقت نفسه نحو الموصل وسعوا إلى السيطرة عليها، فكان أن تحقق ذلك سنة 293هـ/906م حين عين الخليفة المكتفي (289-295هـ/902-908م) الأمير أبا الهيجاء بن حمدان بن حمدون والياً على الموصل، فأخضع الأكراد في منطقته، ثم لم يلبث أن عزل ليتولاها ثانية سنة (302هـ/914-915م)، وثالثة سنة 313هـ وبقي والياً عليها حتى مقتله سنة 317هـ. وكان أبو الهيجاء في أواخر حياته ينيب ولده الحسن ناصر الدولة[ر] على الموصل ليبقى في بغداد مسرح النشاط والفتن يراقب الأحداث، ومع أن الحسن ولي الموصل بعد أبيه إلا أن الأمور لم تستقر له إلا سنة 323هـ /934م التي يمكن أن تعد البداية الفعلية لقيام الدولة الحمدانية في الموصل، وقد ولاه الخليفة الراضي سنة 324هـ ديار ربيعة ومضر وديار بكر إضافة إلى الموصل.
دعم الحسن الخليفة المتقي بالله الذي هرب إلى الموصل، عندما استولى أبو الحسن البريدي والي البصرة على بغداد سنة 330هـ/941م، فاصطحب الحسن الخليفة وسار على رأس جيش كبير عقد لواءه لأخيه الأصغر علي. انهزم البريديون وعاد الخليفة إلى بغداد وأنعم على الحسن بلقب ناصر الدولة وعلى أخيه علي بسيف الدولة[ر]، وتولى ناصر الدولة منصب إمرة الأمراء، وزوَّج الخليفة المتقي ولده أبا منصور ابنة ناصر الدولة. أقام ناصر الدولة ببغداد ثلاثة عشر شهراً، ثم اجتمعت الأتراك وقدموا توزون وشغب الجند عليه، فاعتزل منصبه وتوجه إلى الموصل مقر ولايته.
نظر ناصر الدولة في أثناء إشغاله منصب أمير الأمراء في بغداد في العيار، فوجده ناقصاً، فأمر بإصلاح الدنانير، فضرب دنانيراً سماها الإبريزية، عيارها خير من غيرها، فكان الدينار بعشرة دراهم فبيع بثلاثة عشر درهماً.
كان من سوء حظ ناصر الدولة ،أن بغداد سقطت سنة 334هـ/945م في يد معز الدولة البويهي، وكان مشرق الدولة قد أصبح تحت إمرته وإمرة إخوته عماد الدولة وركن الدولة، فطمع معز الدولة بولاية الموصل الغنية ولكنه أخفق في الاستيلاء عليها، وعقد صلحاً مع ناصر الدولة سنة 335هـ/946م وآخر سنة 337هـ/948م. جعله فيه وفقاً لهذا الصلح مسؤولاً عن الموصل والجزيرة والشام على أن يؤدي كل سنة ثمانية ألف ألف درهم أي ما يقارب 800 ألف دينار،وأن يخطب له في بلاده ولأخويه عماد الدولة وركن الدولة.
بقي الاصطدام قائماً بين ناصر الدولة ومعز الدولة، ولكنه كان ينتهي دائماً بالتراضي بدفع الأموال أو بتدخل من سيف الدولة كما حدث سنة 347هـ/958م.
لم يزل ناصر الدولة مالكاً للموصل إلى أن اعتقله ولده الغضنفر فضل الله أبو تغلب[ر] سنة 356هـ/966م، وكان أبو تغلب قد مارس شؤون الحكم والإدارة في حياة أبيه، فلما اعتقل أباه استأثر بالسلطة مما أدى إلى نشوب نزاع بين الأخوة أضعف قوة الأسرة الحمدانية، واستغل عضد الدولة البويهي هذا الخلاف واستولى سنة 367هـ على الموصل وآمد ونصبيين وسائر بلاد بني حمدان إلا ما كان في يد سعد الدولة بن سيف الدولة،حاول الحمدانيون سنة 379هـ/981م استعادة الموصل وحققوا في هذا السبيل نجاحاً مؤقتاً، ولكن بني عقيل الذين كانوا قبلاً حلفاء للحمدانيين، انبروا هم أنفسهم لإقامة سلطة عقيلية في الموصل وغيرها وسط الصراع الذي شهدته المنطقة في تلك الحقبة.
لم يحكم الحمدانيون الموصل والجزيرة فقط، وإنما بسطوا سلطانهم على حلب وشمالي الشام ففي سنة 333هـ/942م دخل سيف الدولة حلب دون مقاومة تذكر، ولكنه اشتبك مع الإخشيد والي الشام ومصر حينما توجه إلى حمص للاستيلاء عليها، وفي سنة 334هـ عقد الإخشيد صلحاً مع سيف الدولة تخلى له بموجبه عن حلب وحمص وأنطاكية، وبعد وفاة الإخشيد اتفق سيف الدولة سنة 336هـ/947م مع أنوجور وكافور على أن يكون له ما اعترف له به الإخشيد، وكان الخليفة قد أرسل إلى سيف الدولة سنة 335هـ الاعتراف الشرعي بحكمه.
بعد سيطرة سيف الدولة على حلب واعتراف الإخشيد وابنه من بعده بضم حمص وأنطاكية إليه، أصبحت حلب مركزاً لإمارة ضمت جند قنسرين وحمص ومناطق الثغور الجزرية والشامية وديار مضر وديار بكر.
يُعد سيف الدولة أشهر شخصيات الأسرة الحمدانية، بل يمكن القول إن شهرة الحمدانيين قامت على الشهرة التي نالها سيف الدولة، نتيجة لغزواته وحروبه المتواصلة مع البيزنطيين في وقت كانت فيه الخلافة العباسية عاجزة عن حماية الثغور الشامية والجزيرة، ووقع عبء حمايتها على كاهل إمارة حلب وأميرها سيف الدولة الذي كان عليه أن يواجه البيزنطيين بأعداد من المقاتلة محدودة، إذا ما قيست بأعداد جيوش البيزنطيين التي كانت تربو في الوقعة الواحدة أحياناً على مئة ألف محارب من أجناس مختلفة من روس وبلغار وروم وصقلب وأرمن وخزر، وقاد هذه الجيوش قواد من أشهر وأعظم قادة الإمبراطورية البيزنطية، فوقف سيف الدولة بعمله سداً وحاجزاً دون محاولات استيلائهم على الشام التي كانوا يطمعون فيها ويذكرون من تاريخها أنهم حكموها طويلاً، فخدم سيف الدولة بذلك الإسلام والعرب، وكان كما يقول ابن ظافر الأزدي «ردءاً للمسلمين بما رزقه الله من الهيبة عند العدو إلى أن مرض وضعف»، ولما توفي سنة 356هـ اشتد استيلاء العدو على سائر البلاد والثغور.
أما العامل الثاني لشهرة سيف الدولة، فيعود إلى أن سيف الدولة أقام لنفسه بلاطاً ضاهى به بلاط بغداد وغيرها من مراكز دور الإسلام، واستقطب بلاطه عدداً كبيراً من الشعراء والأدباء والعلماء من كل فن، كان من أشهرهم الشاعر المتنبي والفيلسوف الفارابي. وكان اجتماع الشعراء والأدباء في بلاط سيف الدولة عائداً إلى أن سيف الدولة كان أديباً بفطرته وذا ملكة مميزة ونقادة تفرق بين الغث والسمين، كما أنه كان يقدر الشعراء والأدباء، وقد لمع تحت رعاية سيف الدولة مهندسون ورياضيون وفلكيون من أشهرهم ديونيسيوس بطريرك اليعاقبة، والمجتبي الأنطاكي وقيس الماروني وكبير أطبائه عيسى الرّقي.
كان سيف الدولة كريماً، ولم يكن كرمه وقفاً على الشعراء والأدباء والعلماء ورجال دولته، وإنما شمل الأفراد العاديين أيضا،ً وليس أدل على ذلك أنه حين أسر أبو فراس الحمداني أقام في الأسر خمس سنين يكاتب سيف الدولة أن يفتديه بقوم كانوا عنده من عظماء الروم، فأبى سيف الدولة ذلك مع وجده عليه ومكانه في قلبه ويقول: «لا أفدي ابن عمنا خصوصاً وأدع باقي المسلمين ولا يكون الفداء إلا عاماً»، فلما كانت سنة 355هـ سار سيف الدولة للفداء بالبطارقة الذين في أسره، ففداهم ولما لم يبق من أسرى الروم أحد، لزمه في الفداء خمسمئة ألف درهم في فداء أسرى المسلمين، فأخرج ذلك من ماله وأبدى اهتماماً كبيراً بهم فور إطلاق سراحهم بصرف الطعام واللباس والتطبيب والترفيه عنهم.
توفي سيف الدولة سنة 356هـ فخلفه ابنه أبو المعالي شريف، وخلع عليه الخليفة في بغداد لقب سعد الدولة، وعندما حدث خلاف بين سعد الدولة وقرعويه حاجب أبيه، غلب قرعويه على أمور الدولة وأخرج سعد الدولة من حلب وبقيت حلب تحت حكم غلمان سيف الدولة إلى ما بعد سنة 366هـ/976م إذ استطاع سعد الدولة العودة إليها، وإذا كان سعد الدولة قد خاض بعض المعارك مع بيزنطة، فإنه استنجد بها أكثر من مرة لحمايته من الأخطار التي كانت تحيط بدولته ولاسيما الخطر الفاطمي.
توفي سعد الدولة سنة 389هـ/991م فخلفه ابنه أبو الفضائل سعيد الذي أصبح أميراً بالاسم فقط إذ إن مقاليد الأمور آلت إلى يد أحد غلمان جده واسمه لؤلؤ، فلما توفي سعيد الدولة سنة 392هـ حكم لؤلؤ مدة وجيزة باسم طفلي سعيد الدولة (أبو الحسن علي، أبو المعالي شريف) ثم قام بنفيهما إلى مصر، وأعلن نفسه حاكماً منفرداً لحلب، وساعده في حكمها ابنه منصور، ويعد حكم لؤلؤ مع ابنه فترة انتقال ما بين زوال الدولة الحمدانية وقيام دولة جديدة في حلب هي الدولة المرداسية.
نجدة خماش