عام جديد، قرارات جديدة، هل ستكون مثل كل مرة؟
أظهر استطلاع حديث أن 58٪ من سكان المملكة المتحدة؛ نحو 30 مليون بالغ تقريبًا، يعتزمون اتخاذ قرارات جديدة للعام 2023، وإن أكثر من ربع هذه القرارات تتعلق بكسب مزيد من المال وتحسين الشخصية وفقدان الوزن.
لكن هل ننجح؟
للأسف، توقع استطلاع أجراه تطبيق Strava الخاص بتتبع التمارين البدنية لأكثر من 800 مليون نشاط، أن معظم هذه القرارات ستُهمل بحلول 19 يناير 2023.
تفشل الكثير من هذه الوعود بسبب غموضها؛ إذ يركز الناس في طموحهم على الصفات التي لا تُقاس، مثل أن تكون أكثر صحة وسعادة (دون تحديد ما يعنيه ذلك بالضبط)، أو كسب مزيد من المال (دون الخروج بمبلغ أو خطة).
الأهداف الضبابية لا توجّه العمل كفايةً. إذا لم يعرف الإنسان أين سيذهب بالضبط، فمن الصعب تحديد المسار الذي سيسلكه، والعوائق التي يجب التغلب عليها وكيفية الاستعداد لها.
الأهداف غير القابلة للتحقيق تنبع من رغبة تحدي الذات. المفارقة المعروفة باسم مفارقة الجهد تنطوي على مدى حب الدماغ لفكرة الجهد والإرهاق، وفي الوقت ذاته يجده أمرًا غير مريح البتّة.
يظن الشخص أنه سيحظى بمزيد من الرضا، إذا تحدى نفسه بقرارات صعبة التحقيق.
علاوةً على ذلك، فإن للإنسان شعورًا بالانفصال عن المستقبل والانحياز نحو الحاضر، ما يخلق صعوبة في تخيل نوع التحديات التي قد تُواجَه وقتها.
يفكر الشخص في نقطة النهاية المُبتغاة، لا في الرحلة نحوها ومشقة الوصول إليها. هذا التركيز الضيق، يصوّر نقطة النهاية أقرب مما هي عليه حقيقة.
الدماغ الكسول
يحب الدماغ ابتكار اختصارات عقلية، وخلق عادات تجعل السلوك اليومي أسهل، وتوفّر بذل كثير من الجهد أو التحكم الواعي.
كلما طالت استمرارية هذه العادات، زاد عمق الاختصارات المعرفية الكامنة وراءها.
مثلًا، يوقظنا المنبه صباحًا فنضغط زر الغفوة دون تفكير، أو نمرّ بالقرب من علبة البسكويت ليلًا فنلتقط منها ونأكل دون الإحساس بأنفسنا، يصبح الأمر روتينيًا مع مرور الوقت.
يميلُ الدماغ عمومًا إلى تقليل العبء المعرفي، ويفضل تكرار ما يجده ممتعًا بدلًا من التفكير في قرارات جديدة غير مألوفة، إذ يسهلُ عليه اتباع الاختصارات والعادات المريحة.
يعتمد بعض الأشخاص على العادات أكثر من غيرها، وقد يجدون صعوبة كبيرة في كسرها.
على أية حال، تحقيق القرارات والالتزام بها مبنيٌّ على تغيير هذه العادات العميقة ومساراتها العصبية المسؤولة، ولأن الدماغ سيقاوم هذا التغيير المُرهِق، سيعود بسرعة إلى المستوى المريح السابق. هذا ما يُسمّى بانحياز الوضع الراهن؛ أي سيفضل الدماغ الوضعَ الحالي الآمن على الخوض في تغيير مُجهد لهذه العادات.
التركيز على الهدف بدل الخطوات الإضافية، يُصعِّب تغيير طريقة التفكير وخلق العادات اللازمة لتحقيق القرارات، وعندها يبدأ الشعور بالتوتر والخوف من الفشل
تنتجُ حلقة مفرغة عن هذا الإشكال؛ أي بزيادة التوتر يرتفع احتمال عودة الدماغ إلى المستوى المريح، مع الاختصارات المعرفية السابقة.
عند الانخراط في سلوك معتاد، تدخل باحات الجزء الخلفي من الدماغ المتعلقة بالسلوك التلقائي في هذا الاعتياد.
لتغيير هذه المسارات العصبية المُشكَّلة سابقًا، يحتاج الدماغ إلى إشراك مناطق أخرى، أهمها قشرة الفص الجبهي المسؤولة عن مهام معرفية معقدة.
كشفت دراسة بالتصوير العصبي أن تغيير السلوك الروتيني يتضمن تواصلًا متقاطعًا منسقًا بدقة بين عدة مناطق من الدماغ، بما في ذلك الاتصال السريع بين منطقتين محددتين داخل قشرة الفص الجبهي، وبنية أخرى قريبة تسمى مجال العين الأمامي (منطقة تشارك في التحكم في حركات العين و الوعي البصري). العملية مرهقة جدًا، لذا يفضّل الدماغ تجنبها.
مقاربات أفضل
يتطلب تغيير العادات إدراك الشخص لأنماط السلوك التي اكتُسبت على مر السنين ومدى صعوبة تغييرها، ويستحيل ذلك في حال تشتيت تفكيره الدائم بنسخته الجديدة المثالية المرغوبة؛ أي عليه معرفة نفسه جيدًا قبل قرار التغيير.
من المفيد أيضًا تحديد أهداف واضحة وقرارات قابلة للتحقيق، مثل تخصيص ساعة إضافية أسبوعيًا للهواية المفضلة، وحظر البسكويت في المساء فقط واستبدالها بشاي عشبي لطيف مثلًا، وعلى هذا النحو من القرارات المنطقية الواضحة المحددة.
إضافة إلى ذلك، من المهم تقدير عملية تحقيق الأهداف والاحتفال بها، إذ يميل كثير من الناس إلى التركيز على الجوانب السلبية للتجربة، ليخلق ذلك لديهم التوتر والقلق.
كلما زاد التركيز على الجوانب السلبية، تعاظم شعور بالإحباط عند فقد الأشياء الإيجابية، وكلما توجّه التركيز إلى الجوانب الإيجابية، زادت القدرة على تغيير طريقة التفكير.
نهايةً، إذا كان الشخص يرغب بالتغيير، فيجب تقبّل ذاته كما هي أولًا، وفهم سبب رغبته للتغيير.
قد يكون الشخص فعل ذلك حقًا، لذلك يجد نفسه يفضّل الشعار التالي: عامٌ جديد وأنا الشخص ذاته، لا عيبَ في ذلك أبدًا.
أظهر استطلاع حديث أن 58٪ من سكان المملكة المتحدة؛ نحو 30 مليون بالغ تقريبًا، يعتزمون اتخاذ قرارات جديدة للعام 2023، وإن أكثر من ربع هذه القرارات تتعلق بكسب مزيد من المال وتحسين الشخصية وفقدان الوزن.
لكن هل ننجح؟
للأسف، توقع استطلاع أجراه تطبيق Strava الخاص بتتبع التمارين البدنية لأكثر من 800 مليون نشاط، أن معظم هذه القرارات ستُهمل بحلول 19 يناير 2023.
تفشل الكثير من هذه الوعود بسبب غموضها؛ إذ يركز الناس في طموحهم على الصفات التي لا تُقاس، مثل أن تكون أكثر صحة وسعادة (دون تحديد ما يعنيه ذلك بالضبط)، أو كسب مزيد من المال (دون الخروج بمبلغ أو خطة).
الأهداف الضبابية لا توجّه العمل كفايةً. إذا لم يعرف الإنسان أين سيذهب بالضبط، فمن الصعب تحديد المسار الذي سيسلكه، والعوائق التي يجب التغلب عليها وكيفية الاستعداد لها.
الأهداف غير القابلة للتحقيق تنبع من رغبة تحدي الذات. المفارقة المعروفة باسم مفارقة الجهد تنطوي على مدى حب الدماغ لفكرة الجهد والإرهاق، وفي الوقت ذاته يجده أمرًا غير مريح البتّة.
يظن الشخص أنه سيحظى بمزيد من الرضا، إذا تحدى نفسه بقرارات صعبة التحقيق.
علاوةً على ذلك، فإن للإنسان شعورًا بالانفصال عن المستقبل والانحياز نحو الحاضر، ما يخلق صعوبة في تخيل نوع التحديات التي قد تُواجَه وقتها.
يفكر الشخص في نقطة النهاية المُبتغاة، لا في الرحلة نحوها ومشقة الوصول إليها. هذا التركيز الضيق، يصوّر نقطة النهاية أقرب مما هي عليه حقيقة.
الدماغ الكسول
يحب الدماغ ابتكار اختصارات عقلية، وخلق عادات تجعل السلوك اليومي أسهل، وتوفّر بذل كثير من الجهد أو التحكم الواعي.
كلما طالت استمرارية هذه العادات، زاد عمق الاختصارات المعرفية الكامنة وراءها.
مثلًا، يوقظنا المنبه صباحًا فنضغط زر الغفوة دون تفكير، أو نمرّ بالقرب من علبة البسكويت ليلًا فنلتقط منها ونأكل دون الإحساس بأنفسنا، يصبح الأمر روتينيًا مع مرور الوقت.
يميلُ الدماغ عمومًا إلى تقليل العبء المعرفي، ويفضل تكرار ما يجده ممتعًا بدلًا من التفكير في قرارات جديدة غير مألوفة، إذ يسهلُ عليه اتباع الاختصارات والعادات المريحة.
يعتمد بعض الأشخاص على العادات أكثر من غيرها، وقد يجدون صعوبة كبيرة في كسرها.
على أية حال، تحقيق القرارات والالتزام بها مبنيٌّ على تغيير هذه العادات العميقة ومساراتها العصبية المسؤولة، ولأن الدماغ سيقاوم هذا التغيير المُرهِق، سيعود بسرعة إلى المستوى المريح السابق. هذا ما يُسمّى بانحياز الوضع الراهن؛ أي سيفضل الدماغ الوضعَ الحالي الآمن على الخوض في تغيير مُجهد لهذه العادات.
التركيز على الهدف بدل الخطوات الإضافية، يُصعِّب تغيير طريقة التفكير وخلق العادات اللازمة لتحقيق القرارات، وعندها يبدأ الشعور بالتوتر والخوف من الفشل
تنتجُ حلقة مفرغة عن هذا الإشكال؛ أي بزيادة التوتر يرتفع احتمال عودة الدماغ إلى المستوى المريح، مع الاختصارات المعرفية السابقة.
عند الانخراط في سلوك معتاد، تدخل باحات الجزء الخلفي من الدماغ المتعلقة بالسلوك التلقائي في هذا الاعتياد.
لتغيير هذه المسارات العصبية المُشكَّلة سابقًا، يحتاج الدماغ إلى إشراك مناطق أخرى، أهمها قشرة الفص الجبهي المسؤولة عن مهام معرفية معقدة.
كشفت دراسة بالتصوير العصبي أن تغيير السلوك الروتيني يتضمن تواصلًا متقاطعًا منسقًا بدقة بين عدة مناطق من الدماغ، بما في ذلك الاتصال السريع بين منطقتين محددتين داخل قشرة الفص الجبهي، وبنية أخرى قريبة تسمى مجال العين الأمامي (منطقة تشارك في التحكم في حركات العين و الوعي البصري). العملية مرهقة جدًا، لذا يفضّل الدماغ تجنبها.
مقاربات أفضل
يتطلب تغيير العادات إدراك الشخص لأنماط السلوك التي اكتُسبت على مر السنين ومدى صعوبة تغييرها، ويستحيل ذلك في حال تشتيت تفكيره الدائم بنسخته الجديدة المثالية المرغوبة؛ أي عليه معرفة نفسه جيدًا قبل قرار التغيير.
من المفيد أيضًا تحديد أهداف واضحة وقرارات قابلة للتحقيق، مثل تخصيص ساعة إضافية أسبوعيًا للهواية المفضلة، وحظر البسكويت في المساء فقط واستبدالها بشاي عشبي لطيف مثلًا، وعلى هذا النحو من القرارات المنطقية الواضحة المحددة.
إضافة إلى ذلك، من المهم تقدير عملية تحقيق الأهداف والاحتفال بها، إذ يميل كثير من الناس إلى التركيز على الجوانب السلبية للتجربة، ليخلق ذلك لديهم التوتر والقلق.
كلما زاد التركيز على الجوانب السلبية، تعاظم شعور بالإحباط عند فقد الأشياء الإيجابية، وكلما توجّه التركيز إلى الجوانب الإيجابية، زادت القدرة على تغيير طريقة التفكير.
نهايةً، إذا كان الشخص يرغب بالتغيير، فيجب تقبّل ذاته كما هي أولًا، وفهم سبب رغبته للتغيير.
قد يكون الشخص فعل ذلك حقًا، لذلك يجد نفسه يفضّل الشعار التالي: عامٌ جديد وأنا الشخص ذاته، لا عيبَ في ذلك أبدًا.