الصورة في مهرجان بيروت أصدق تعبيرا من الكلام والقلم
مهرجان في بيروت جاء بلا عنوان ليفسح المجال للمصورين للتوسع في المواضيع التي تتناولها أعمالهم، والتأكيد على دور الصورة في بناء المجتمع وتطوره في ظل عصر الإنترنت.
الثلاثاء 2019/09/10
ShareWhatsAppTwitterFacebook
بيروت تعود إلى ألقها
تحاول بيروت أن تستعيد مكانتها كمطية للثقافة الغربية كما تحاول أيضا أن تحيي ألقها السياحي فيعود إليها السياح الغربيون والأجانب، لذلك تحاول تنظيم الحفلات الفنية والفعاليات الثقافية التي كان آخرها مهرجان للصورة الفتوغرافية لتجمع حوله الزوار والإعلاميين من العالم.
بيروت- يتواجد في العاصمة اللبنانية منذ الرابع من سبتمبر الجاري ولمدّة 70 يوما، 122 مصورا نساء ورجالا ومن مختلف الأعمار أتوا من خمس وعشرين دولة عربية وأجنبية، حاملين معهم 600 صورة محمّلة بحكايات وقصص متنوّعة، توثّق التاريخ وتكشف أوجه الحياة الإنسانية المختلفة.
المناسبة، مهرجان بيروت للصورة، وهو الأول من نوعه في العاصمة اللبنانية، والثاني في العالم العربي بعد مهرجان عَمّان للصورة، وتتنوع معارض المهرجان بين ما هو تكريم لشخصيات ساهمت في تأسيس مهنة التصوير الفوتوغرافي في العالم العربي إلى معارض صور من حول العالم تظهر الغنى الحضاري والثقافي، ومن معارض التصوير الصحافي والوثائقي، إلى معارض تعالج قضايا البيئة والإنسان بمقاربات فنية.
يقول المصوّر اللبناني ومدير المهرجان رمزي حيد، “أردنا التأكيد على الدور الذي كانت تلعبه بيروت، واستعادة موقعها كملتقى للثقافة العربية وثقافات العالم، بكل تنوّعها واختلافها. كما أردنا تأكيد دور الصورة في بناء المجتمع وتطوره وتغييره والتأثير فيه، في عصر الإنترنت وإعلام الوسائط الاجتماعية الذي يفرض على كل مواطن أن يكون مراسلا صحافيّا”.
وجاء هذا المهرجان بلا عنوان ويتوزع في أكثر من منطقة من بيروت، بالإضافة إلى مناطق لبنانية أخرى مثل طرابلس وصيدا وبعلبك وصُور وحمّانا وسواها. غياب العنوان فسح المجال للمصورين للتوسع في المواضيع التي تتناولها أعمالهم الفنية، فكانت الصور طبيعية وفنية وصحافية تناولت حروب اليمن وأهوال الحرب في سوريا والعراق، وأخرى إنسانية واجتماعية سلّطت الضوء على واقع الحروب في سوريا والعراق واليمن.
122 مصورا حضروا إلى بيروت من خمس وعشرين دولة حاملين معهم ستمئة صورة محملة بحكايات وقصص إنسانية متنوعة
وسلّطت الصور أيضا الضوء على اختلاف الثقافات والهويّات والطقوس والعمران والعواصف، وتقاليد قبائل أفريقيا، وصحراء أبوظبي، وصولا إلى أعماق بحار آسيا، وأحوال أطفال فلسطين وكشمير، والقراءة في شارع الحمرا، ونمط العيش في مصر، والحياة في الأهواز، والرعيان في ريف أربيل والفسحة الضئيلة المتبقيّة للصابئة المشتتين بين العراق والسويد، وأحوال الدين في الهند وأوكرانيا، ورمضان في السعودية، والطابع الأسطوري في إسبانيا وغزّة التي لا تزال قادرة على المضيّ بحياة ملوّنة.
وثمّنت هذه التظاهرة الفوتوغرافية دور المرأة في المجتمع، بمشاركة عدد كبير من النساء، وبإقامة معرضين استثنائيّين لمصوّرتين رائدتين في العالم العربي، الأولى الفلسطينيّة كريمة عبّود لمناسبة مئة سنة على إبداعها، والتي يمكن أن تكون أول امرأة عربية تحترف التصوير الفوتوغرافي. بدأت قصّة عبود بكاميرا أهداها إياها والدها عام 1913. بورتريهات عائليّة، وأخرى لأصدقائها ولعائلات الطبقة الوسطى في فلسطين، إلى جانب صورها للأماكن والمساحات في حيفا والناصرة وطبريّا وبيت لحم وبعلبك.
يقول الفنان الفوتوغرافي عبدالرحيم العرجان، “ما تركته عبود من أرشيف فوتوغرافي ما هو إلا وثيقة تاريخية، تستحق الدراسة عن كثب من جانب أساتذة علم الاجتماع والتاريخ والآثار، لبيان حال الإنسان وأصل المكان في ذلك الوقت ببلاد الشام”.
والثانية ماري الخازن، وهي أول مصورة امرأة لبنانية نقلت عبر الصور أجواء عائلية مختلفة من بورتريهات لأطفال وصور لنساء وهن يمارسن عادات الرجال مثل التدخين والصيد وقيادة السيارة بأزياء رجالية واعتمار الطربوش وهي من نصيراتهنّ في ذلك الوقت.
ويرى أن هذه المصوّرة اللبنانية حمت الحياة اللبنانية في عشرينات القرن الماضي، حياة الأرياف، وتجمّعات العائلات في قرى زغرتا ومحيطها وكنائسها، وكانت صورها متميزة ولافته للنظر حتى قال عنها آدم شاتز الناقد الفني في صحيفة نيويورك تايمز عندما تراها من المستحيل أن تنساها، فهي تحجز مكانا في العقل مع قوة الوحي.
ولم تغب صور بيروت عن هذا المهرجان الذي يقام بين أرجائها، فقد عرضت الصور ومازالت تعرض الحياة اليومية في هذه العاصمة بتفاصيلها وأماكنها بفرحها وأحزانها من الحرب الأهلية إلى حفلاتها ومهرجاناتها.
وتابع الزوّار صورا عمرها مئة عام من أرشيف المصور الفرنسي ألبرت كان الذي أعدّه عن العالم وشعوبه المختلفة بدءاً من سنة 1909، بهدف نشر السلام، وسعيا إلى فهم ثقافي أشمل للعالم، وأرسل من أجل ذلك فريقا من المصورين إلى خمسين بلدا من العالم، منها لبنان سنة 1919، حيث التقطوا صوراً للسرايا الكبير، والأسواق القديمة ولقطات أخرى لسكان العاصمة تعرض الآن وإلى غاية 4 أكتوبر في الحمامات الرومانية.
ومن آثار الحرب على لبنان ترصد شيرين يزبك بقايا الحرب اللبنانيّة في مستشفى غزة في بيروت التي شهدت تاريخا معقّدا بين مستشفى للمرضى، ومحطة للميليشيات والمقاتلين، ثم كمبنى لإقامة اللاجئين الفلسطينيين تنعدم فيه كل شروط الحياة.
ويعرض اللبناني نبيل إسماعيل صورا في أسواق بيروت عن حياة الليل والنهار في العاصمة اللبنانية، وصورا أخرى التقطها خلال الحرب الأهلية سنة 1990، كما علق المصور مروان نعماني على كورنيش عين المريسة صور صيادي بيروت بعد أن اقتفى حياتهم ومكابدتهم اليومية على المراكب والصخور.
صور عربية بمواضيع مختلفة معلقة في بيروت
وفي معرض “سجون بيروت” وثّق المصور الصحافي هيثم الموسوي معاناة المساجين والحياة المزرية التي يعيشونها، محشورين في أماكن ضيقة لا تليق بالإنسان. وتجول عدسة الموسوي بين سجون الرجال والنساء، محوّلا الصور إلى صرخة في وجه العدالة والمسؤولين.
معرض آخر يصور الحياة في بيروت تشارك فيه السورية فرح أبوعسلي التي اقتفت حياة العمّال السوريين الذين يعملون في ترميم مبنى عمارة سكنته لفترة من الزمن، كما رصد اللبناني وائل قبيسي الحياة اليومية في العاصمة اللبنانية.
وشارك في هذه المناسبة الفوتوغرافية فنانون مصريون هم أيمن لطفي وجلال المسري، هذا الأخير قدّم صورا عن حياة النوبيين بجمالها وتراثها، فصوّر سكانها ومنازلها بالرسومات الجدارية والزخارف، أما محمد ورداني، فقد قدّم صورا تحتفي بالصناعة اليدوية التي يتميز بها المصريون. واهتمت نسرين الخطيب بقصر سعيد حليم الذي يقع وسط القاهرة لتوثق من خلال صورها الطابع المعماري النادر والتاريخ الطويل والإهمال الذي يعانيه هذا المعلن التاريخي حاليا.
صور التبوريدة من جاءت في معرض حول تقاليد المنافسة الفروسية التي تعود إلى القرن الخامس عشر بعدسات المصور البحريني علي القميش واللبناني نبيل منذر والمغربيين عبدالمجيد الناصح والمصطفى تابت.
وعن الحرف والصناعات اليدوية والتقليدية في سلطنة عمان قدّم كلّ من السوري أنس إسماعيل والعمانيين ماجد الحبسي وسعيد الشعيلي معرض “الحرف التقليدية العمانية” للسوري أنس إسماعيل والعمانيين ماجد الحبسي وسعيد الشعيلي.
الصور قادمة من مصر والسودان وإيطاليا والعراق ولبنان والسعوديّة واليمن وفلسطين والبحرين وموريتانيا والجزائر، لتشكّل خارطة فوتوغرافية تجمع الثقافات والقصص الإنسانية في مدينة واحدة هي بيروت.
وتكريسا لأهمية الذاكرة في تشكيل الحاضر والمستقبل، أطلق المهرجان من الآن دورة عام 2020 تحت عنوان “الذاكرة” داعيا المصورين والمصورات إلى تقديم أعمالهم تحت هذا المعنى الواسع لمفهوم الذاكرة الثقافية الفردية والجماعية، كمنطلق لفضاء إنساني رحب مبنيّ على قبول الآخر تحت إطار احترام التنوع.