كتب عنه .. أيمن جادة « قناة الجزيرة الرياضية »
عدنان الذي لا تعرفونه ..
⏹كنت أتمنى أن يدور هذا الحديث قبل اثني عشر عاماً أو نحوها ، عقب رحيل الزميل الكبير عدنان بوظو ، حيث كانت الذاكرة حاضرة أكثر ، ولا أعني هنا ذاكرتي ، بل ذاكرة الناس ، فعندما نتحدث اليوم ندرك تماماً أن الكثيرين ممن يقرؤون هذا الكلام لم يسمعوا عدنان ولم يشاهدوه ، بحكم أن المعدل الوسطي لأعمار شريحة كبيرة من الجمهور الرياضي تدور حول سن العشرين وحينها كان هؤلاء أطفالاً ، فهم سمعوا به ولم يسمعوه .
لذلك سأتحدث هنا ملتزماً بالعنوان ، لكي أخبر الذين لا يعرفونه عنه وأخبر الذين يعرفونه ببعض الجوانب التي أظنهم لا يعرفونها عنه .
عدنـان بـوظـو يـرحمـه الله ، شأنه شأن الكثيرين من المبدعين في القرن العشرين ، لم يدركوا التطور التقني الهائل الذي تلاحق في السنوات القليلة الماضـيـة ، فـلـم يشـاهـده أو يسـمـعـه كـثيـر مـن الـعـرب عبر فضـائيـات السـمـاء المفـتـوحـة ، ولم يـقـرؤوا كـتـابـاتـه عبر وسائل الإعلام المنتشرة- بمسـاعـدة الإنترنت وبالتالي لم يشاهدوه حكماً في المستطيل الأخضر .
ببساطة كان الرجل مميزاً باقتدار في كل مجال عمل فيه ، فكان صاحب حضور « كاريزمي » على الشاشة ، وكان صاحب صوت وأداء فريد عبر التعليق ، وكان صاحب قلم رشيق وأسلوب جزيل في الكتابة الصحفية ، بل كان الجلوس معه شخصياً والحديث معه متعة ، لأن الفارق لم يكن كبيراً بين حديثه ميكروفون العادي وخطابه الإعلامي .
الفارق الوحيد الذي لم يكن يلحظه مستمعوه ، هو روح الفكاهة ، وحس الدعابة الساخرة الذي كان يمتلكه ولطالما وزعه يمنة ويسرة على العاملين معه أو العاملين في الحقل الرياضي أو الوسط الإعلامي .
ولذلك فإن الإعلام الرياضي السوري بشتى وسائله لم يعد بعد رحيل عدنان بوظو أبدأ كما كان في أيامه ، بل أزعم أن هذا الإعلام قد تراجع كثيراً بعد غيابه لأنه فقد فارساً لا يشق له غبار ..
أما في التحكيم ، والذي يعطه الراحل العزيز ما أعطاه شقيقه فاروق ، بحكم المشاغل الإعلامية العديدة ، فكان مميزاً فيه ، وكان يضفي عليه لمسته الشخصية الأنيقة ، وظني أنه لو تفرغ له لكان واحداً من أفضل الحكام الذين عرفتهم الملاعب الخضراء ، لكن الإعلام بالقطع كان أحوج إليه .
المفارقة الملفتة التي يجدر التوقف عندها أن الرجل رغم كل هذا الحضور الطاغي ورغم كل الخبرة والجرأة والإقدام مما يتطلبه النجاح في حقل الإعلام والرياضة المليء بالألغام ، كان خجولا والحياء شعبة من الإيمان ، لكن خجله هذا لم يكن ممكناً لمسه إلا عن قرب ، إذ يكفي أن يمتدحه أحدهم أو إحداهن ، حتى يكتسي بحمرة الإحراج ، ويغمغم بكلمات شكر تكاد لا تكون مفهومة .
أنا بالطبع لا أتحدث عن ملاك ولكن عن إنسان يصيب ويخطئ ، يحب ويكره يحبه الآخرون يكرهونه ، لكنه في النهاية كان إنساناً غير عادي ، كان حاد الذكاء ، شديد الطموح ، وذا فكر متوقد ، وبقدر ما كان يحب السفر كان يكره المناصب ، فجل ما كان يقبل به أن يكون رئيس قسم رياضي في التلفزيون العربي السوري أو رئيس تحرير صحيفة رياضية سواء كان اسمها الموقف الرياضي الملاعب أو الاتحاد .
كانت في داخله طموحات وأمنيات أخرى أعرفها تلميحاً .. دون أن يبوح بها تصريحاً .. أن يكون في قناة رياضية تخصصية راقية .. أن يكون منتشراً
ملء السمع والبصر في كل الوطن العربي ، وهو الأمر الذي تحقق جزئياً عبر إسهاماته مع اتحاد إذاعات الدول العربية في بعض المناسبات العالمية الكبرى ، وأن يتم إعداد برنامج تلفزيوني عن حياته ، يتضمن سهرة يعرض فيها آراءه في الرياضة والفن والسياسة ، وهو كان واسع الاطلاع في ذلك كله ، وكان يحب أن يقرأ لنزار قباني ومحمد حسنين هيكل وميشال أبو جودة .
تركت العمل مع عدنان في التلفزيون السوري عام ١٩٨١ ، ولم يكن هو صاحب القرار في ذلك بل كان قراري وحدي ، وغير ما يعتقد الكثيرون أو يتصورون ، وبقدر ما اتفقنا على نقاط ، اختلفنا على غيرها ، لكننا بعد سنوات من الفتور « التقينا » ، فاستضفته عام ١٩٨٨ في تلفزيون قطر للحديث عن كأس أمم آسيا آنذاك ، والتقيته غير مرة بعدها ، كانت قبل الأخيرة في كأس العالم للشباب في الدوحة ١٩٩٥ وهنأني على تعليقي على مونديال أميركا ١٩٩٤ ، وكانت آخر مرة في مكتبه في التلفزيون بدمشق صيف ١٩٩٥ ودعاني لأشارك معه يوم جمعة يأتي بعد أيام قليلة على مباراة تصفوية بين سورية والكويت ، لكنني اعتذرت لارتباطي بالسفر يوم الخميس إلى الدوحة لأعلق الجمعة على مباراة قطر وإيران في نفس الإطار .. وبعدها بأشهر سمعت الخبر الحزين الذي سينشر عنا جميعاً في وقت ما .
ومضى عدنان قبل بلوغ سن التقاعد ، وهو لم يكن يحب كلمة التقاعد أو يؤمن بها ، لأنه لم يكن موظفاً بل كان يسكنه فنان حقيقي بكل معنى الكلمة ، ولاحظوا أنه بعد كل هذه الفترة لازال من الصعب ذكر اسمه دون أن تسبقه كلمة أستاذ .. لأن عدنان بوظو كان أستاذاً بحق .. رحمه الله .
عدنان الذي لا تعرفونه ..
⏹كنت أتمنى أن يدور هذا الحديث قبل اثني عشر عاماً أو نحوها ، عقب رحيل الزميل الكبير عدنان بوظو ، حيث كانت الذاكرة حاضرة أكثر ، ولا أعني هنا ذاكرتي ، بل ذاكرة الناس ، فعندما نتحدث اليوم ندرك تماماً أن الكثيرين ممن يقرؤون هذا الكلام لم يسمعوا عدنان ولم يشاهدوه ، بحكم أن المعدل الوسطي لأعمار شريحة كبيرة من الجمهور الرياضي تدور حول سن العشرين وحينها كان هؤلاء أطفالاً ، فهم سمعوا به ولم يسمعوه .
لذلك سأتحدث هنا ملتزماً بالعنوان ، لكي أخبر الذين لا يعرفونه عنه وأخبر الذين يعرفونه ببعض الجوانب التي أظنهم لا يعرفونها عنه .
عدنـان بـوظـو يـرحمـه الله ، شأنه شأن الكثيرين من المبدعين في القرن العشرين ، لم يدركوا التطور التقني الهائل الذي تلاحق في السنوات القليلة الماضـيـة ، فـلـم يشـاهـده أو يسـمـعـه كـثيـر مـن الـعـرب عبر فضـائيـات السـمـاء المفـتـوحـة ، ولم يـقـرؤوا كـتـابـاتـه عبر وسائل الإعلام المنتشرة- بمسـاعـدة الإنترنت وبالتالي لم يشاهدوه حكماً في المستطيل الأخضر .
ببساطة كان الرجل مميزاً باقتدار في كل مجال عمل فيه ، فكان صاحب حضور « كاريزمي » على الشاشة ، وكان صاحب صوت وأداء فريد عبر التعليق ، وكان صاحب قلم رشيق وأسلوب جزيل في الكتابة الصحفية ، بل كان الجلوس معه شخصياً والحديث معه متعة ، لأن الفارق لم يكن كبيراً بين حديثه ميكروفون العادي وخطابه الإعلامي .
الفارق الوحيد الذي لم يكن يلحظه مستمعوه ، هو روح الفكاهة ، وحس الدعابة الساخرة الذي كان يمتلكه ولطالما وزعه يمنة ويسرة على العاملين معه أو العاملين في الحقل الرياضي أو الوسط الإعلامي .
ولذلك فإن الإعلام الرياضي السوري بشتى وسائله لم يعد بعد رحيل عدنان بوظو أبدأ كما كان في أيامه ، بل أزعم أن هذا الإعلام قد تراجع كثيراً بعد غيابه لأنه فقد فارساً لا يشق له غبار ..
أما في التحكيم ، والذي يعطه الراحل العزيز ما أعطاه شقيقه فاروق ، بحكم المشاغل الإعلامية العديدة ، فكان مميزاً فيه ، وكان يضفي عليه لمسته الشخصية الأنيقة ، وظني أنه لو تفرغ له لكان واحداً من أفضل الحكام الذين عرفتهم الملاعب الخضراء ، لكن الإعلام بالقطع كان أحوج إليه .
المفارقة الملفتة التي يجدر التوقف عندها أن الرجل رغم كل هذا الحضور الطاغي ورغم كل الخبرة والجرأة والإقدام مما يتطلبه النجاح في حقل الإعلام والرياضة المليء بالألغام ، كان خجولا والحياء شعبة من الإيمان ، لكن خجله هذا لم يكن ممكناً لمسه إلا عن قرب ، إذ يكفي أن يمتدحه أحدهم أو إحداهن ، حتى يكتسي بحمرة الإحراج ، ويغمغم بكلمات شكر تكاد لا تكون مفهومة .
أنا بالطبع لا أتحدث عن ملاك ولكن عن إنسان يصيب ويخطئ ، يحب ويكره يحبه الآخرون يكرهونه ، لكنه في النهاية كان إنساناً غير عادي ، كان حاد الذكاء ، شديد الطموح ، وذا فكر متوقد ، وبقدر ما كان يحب السفر كان يكره المناصب ، فجل ما كان يقبل به أن يكون رئيس قسم رياضي في التلفزيون العربي السوري أو رئيس تحرير صحيفة رياضية سواء كان اسمها الموقف الرياضي الملاعب أو الاتحاد .
كانت في داخله طموحات وأمنيات أخرى أعرفها تلميحاً .. دون أن يبوح بها تصريحاً .. أن يكون في قناة رياضية تخصصية راقية .. أن يكون منتشراً
ملء السمع والبصر في كل الوطن العربي ، وهو الأمر الذي تحقق جزئياً عبر إسهاماته مع اتحاد إذاعات الدول العربية في بعض المناسبات العالمية الكبرى ، وأن يتم إعداد برنامج تلفزيوني عن حياته ، يتضمن سهرة يعرض فيها آراءه في الرياضة والفن والسياسة ، وهو كان واسع الاطلاع في ذلك كله ، وكان يحب أن يقرأ لنزار قباني ومحمد حسنين هيكل وميشال أبو جودة .
تركت العمل مع عدنان في التلفزيون السوري عام ١٩٨١ ، ولم يكن هو صاحب القرار في ذلك بل كان قراري وحدي ، وغير ما يعتقد الكثيرون أو يتصورون ، وبقدر ما اتفقنا على نقاط ، اختلفنا على غيرها ، لكننا بعد سنوات من الفتور « التقينا » ، فاستضفته عام ١٩٨٨ في تلفزيون قطر للحديث عن كأس أمم آسيا آنذاك ، والتقيته غير مرة بعدها ، كانت قبل الأخيرة في كأس العالم للشباب في الدوحة ١٩٩٥ وهنأني على تعليقي على مونديال أميركا ١٩٩٤ ، وكانت آخر مرة في مكتبه في التلفزيون بدمشق صيف ١٩٩٥ ودعاني لأشارك معه يوم جمعة يأتي بعد أيام قليلة على مباراة تصفوية بين سورية والكويت ، لكنني اعتذرت لارتباطي بالسفر يوم الخميس إلى الدوحة لأعلق الجمعة على مباراة قطر وإيران في نفس الإطار .. وبعدها بأشهر سمعت الخبر الحزين الذي سينشر عنا جميعاً في وقت ما .
ومضى عدنان قبل بلوغ سن التقاعد ، وهو لم يكن يحب كلمة التقاعد أو يؤمن بها ، لأنه لم يكن موظفاً بل كان يسكنه فنان حقيقي بكل معنى الكلمة ، ولاحظوا أنه بعد كل هذه الفترة لازال من الصعب ذكر اسمه دون أن تسبقه كلمة أستاذ .. لأن عدنان بوظو كان أستاذاً بحق .. رحمه الله .
تعليق