سبارطاكوس
سبارطاكوس Spartacus هو قائد أشهر ثورات العبيد وأشدها خطراً في العصور القديمة. أصله من إقليم تراقية، ولعله كان سليل أحد البيوت الملكية التراقية المعروفة باسم سبارتي Sparti التي كانت تحكم مملكة بوسبورانوم على البحر الأسود. ويروي المؤرخ أبيانوس أن سبارطاكوس حارب الرومان ووقع في أسرهم، ويبدو أن ذلك قد حدث في أثناء الحروب الميثريداتية (89ـ82ق.م) التي ثار فيها التراقيون لنيل حريتهم. بيع سبارطاكوس في أسواق النخاسة واقتيد إلى إيطاليا حيث أدخل مدرسة المجالدين الشهيرة في مدينة كابوه (على خليج نابولي) بسبب قوته الجسدية الخارقة، وفيها تعلم فنون المبارزة والقتال للترفيه عن الطبقة الارستقراطية الرومانية في حلبات السيرك الدموية.
تمكن سبارطاكوس في صيف عام 74ق.م مع 70تقريباً من رفاقه المجالدين، من الفرار من كابوه والالتجاء إلى جبل فيزوف القريب وتحصنوا فيه، وبدأوا يغيرون على المناطق المجاورة، وانضم إليهم عدد كبير من العبيد الفارين.
تزعم سبارطاكوس أولئك الثائرين، واختير اثنان من العبيد الكلتيين هما كريكسوس Krixus وأوينوماوس Oinomaosلمعاونته في القيادة، وتمكنوا من دحر أول جيش روماني أرسل للتصدى لهم، ثم هزموا جيشاً ثانياً بقيادة البرايتور فارينيوس واستولوا على أسلحته.
وبدأت حركته تتسع وتأخذ أبعاداً خطيرة وسقطت مناطق واسعة في جنوبي إيطاليا في أيدي الثائرين الذين انضمت إليهم أعداد كبيرة من الأحرار البروليتاريين والذين تم تدريبهم وتسليحهم. وهكذا تشكل تحت قيادة سبارطاكوس جيش كبير ضم عشرات الألوف من الثائرين المتعطشين للحرية والانتقام من أسيادهم الذين كانوا يسومونهم شتى أنواع العذاب والظلم والاستغلال. وبعد أن تفاقم الوضع كثيراً ودب الذعر والهلع في قلوب أثرياء الرومان، قرر مجلس الشيوخ الروماني إرسال قوات كبيرة بقيادة القنصلين للقضاء على التمرد. وفي الوقت ذاته نشب خلاف في معسكر الثائرين، وانفصل كريكسوس مع أتباعه الغاليين، ولكنه لقي هزيمة كاسحة على أيدي القوات الرومانية، وقتل في موقع غرغانوس في منطقة أبوليا.
أما سبارطاكوس، الذي أراد أن يقود الثائرين إلى أوطانهم الأصلية، فقد شق طريقه إلى شمالي إيطاليا عبر جبال الأبنين وتمكن من الانتصار على القنصلين الواحد تلو الآخر، ثم هزمهما في معركة ثالثة، وأقام احتفالاً جنائزياً لرفاقه الذين سقطوا في المعارك ضحى فيه بـ300 أسير روماني تصارعوا فيما بينهم حتى الموت. وجهز سبارطاكوس قوات لعبور جبال الألب وهزم آخر جيش روماني اعترض طريقه عند مدينة موتينا Mutina،ولكن أتباعه رفضوا مغادرة إيطاليا وطلبوا إليه التوجه ثانية إلى الجنوب والزحف على روما، غير أن سبارطاكوس كان يدرك استحالة مهاجمة روما وسار إلى منطقة لوكانيا. وحيال هذا الوضع قرر مجلس الشيوخ تكليف ماركوس كراسوس M.Licinius Crassus بالقضاء على ثورة المجالدين، ووضع تحت أمرته كل القوات والإمكانات المتاحة. كان كراسوس أحد أشهر الأرستقراطيين الرومان وأغنى أغنياء روما في ذلك الحين، جمع ثروة طائلة نتيجة استغلاله ظروف الحرب الأهلية الرومانية،وكان بذلك الرجل المؤهل للقضاء على ثورة اجتماعية تسعى إلى انتزاع الملكية والثروات من الأسياد الرومان.
وسار كراسوس على رأس ست فرق رومانية، إضافة إلى بقايا القوات المهزومة، كما انضم كثير من أثرياء الرومان وأتباعهم الذين كانوا يخشون على ممتلكاتهم وثرواتهم وحياتهم. واستعمل كراسوس منتهى الشدة والقسوة مع جنوده لإعدادهم للمعركة المقبلة مع المجالدين الثائرين الذين بثوا الرعب في قلوبهم، ولما تم له ذلك سار على رأس هذا الجيش الهائل المدرب على فنون القتال والمسلح بأمضى الأسلحة زاحفاً ضد سبارطاكوس وقواته وتمكن من تطويقهم في أقصى جنوبي إيطاليا بالتحصينات والخنادق.
وحاول سبارطاكوس المحاصر الاتفاق مع القراصنة ليقوموا بنقل قواته إلى جزيرة صقلية موطن ثورات العبيد السابقة التي تعج بأعداد كبيرة منهم، ولكن الرومان قاموا برشوة القراصنة الذين خذلوه وتخلوا عنه. ونجح سبارطاكوس أخيراً في اختراق الحصار المفروض عليه وسار باتجاه ميناء برونديزيوم بهدف الإبحار منه إلى بلاد اليونان، ولكنه لم ينجح في الاستيلاء عليه بسبب وصول قوات رومانية من مقدونية. وجرت معركة مع قوات كراسوس خرج منها سبارطاكوس منتصراً، ولكن جيشه انقسم مرة أخرى ولقي العبيد الكلتيون والجرمان الذين انفصلوا عنه هزيمة منكرة وتم القضاء عليهم. وطلب كراسوس إلى مجلس الشيوخ إرسال المزيد من القوات التي جاءت من إسبانيا بقيادة بومبيوس.
وهكذا تم تطويق الثائرين وأيقن سبارطاكوس أن لا أمل له في الانتصار على هذه الجيوش الجرارة، وجرت معركة رهيبة قاتل فيها سبارطاكوس قتال الأبطال حتى سقط هو ومعظم أتباعه صرعى في ساحة القتال، ولم يتمكن الرومان من العثور على جثته للتمثيل بها. وانفرط عقد الثائرين وتفرقوا مجموعات تناثرت هنا وهناك، وحاولت الالتجاء إلى المناطق الجبلية ولكن تم القضاء عليها الواحدة تلو الأخرى. وقام القائد المنتصر كراسوس بتعليق ستة آلاف من العبيد الثائرين على الصلبان التي نصبت على طول الطريق الممتد من روما إلى كابوه، ليكونوا عبرة لكل من يفكر بخلع نير العبودية والثورة على أسياده الرومان. وتمكن بومبيوس العائد من إسبانيا من القضاء على آخر فلول الثائرين وأعلن نهاية ثورة سبارطاكوس وعاد إلى روما عام 70ق.م ليتقلد مع كراسوس القنصلية، مكافأة لهما على تخليصها من ذلك الكابوس الرهيب.
وانتهت بذلك أخطر ثورات العبيد الكبرى وآخرها في التاريخ الروماني بعد ثلاث سنوات(74-71ق.م) من صراع مرير سقط فيه عشرات الألوف من القتلى. ولقد سبقتها ثورات أخرى كان أشهرها تلك التي جرت في صقلية (139-131ق.م) بقيادة أحد السوريين المدعو أوينوس Eunus الذي تزعم العبيد الثائرين، وأعلن نفسه ملكاً عليهم وقاوم الجيوش الرومانية سنوات عديدة حتى تم القضاء عليه.
كان سبارطاكوس بلاشك من أشهر الشخصيات في التاريخ القديم، تصفه المصادر التاريخية بصفات نبيلة، فهو شهم وشجاع ويملك قوة بدنية خارقة ومواهب عسكرية وتنظيمية فذة. تمكن مع جيشه الهش التسليح والقليل التدريب والمؤلف من عناصر متباينة متنافرة من إلحاق الهزيمة بالجيوش الرومانية في سبع معارك مختلفة. كان هدفه الأساسي تحرير العبيد وعودتهم إلى بلادهم الأصلية، ولكن انتصاراته شجعت أتباعه على البقاء في إيطاليا، كما أن انقسامهم واختلاف أهدافهم أضعف شوكتهم وسهل أخيراً القضاء عليهم.
بقي سبارطاكوس حياً في ذاكرة الأجيال التالية بوصفه رمزاً للثورة على الظلم ومحرراً للأرقاء من نير العبودية، وكانت شخصيته موضوعاً لعدد كبير من الأعمال الأدبية والفنية في العصر الحديث. وتَسمّى باسمه عدد من الحركات الاشتراكية في القرن العشرين،كما عرفت الثورة التي اندلعت في برلين عام 1919 في أعقاب الحرب العالمية الأولى بزعامة ليبكنختLiebknecht وروزا لوكسمبورغ R.Luxumburgباسم انتفاضة سبارطاكوس.
محمد الزين
سبارطاكوس Spartacus هو قائد أشهر ثورات العبيد وأشدها خطراً في العصور القديمة. أصله من إقليم تراقية، ولعله كان سليل أحد البيوت الملكية التراقية المعروفة باسم سبارتي Sparti التي كانت تحكم مملكة بوسبورانوم على البحر الأسود. ويروي المؤرخ أبيانوس أن سبارطاكوس حارب الرومان ووقع في أسرهم، ويبدو أن ذلك قد حدث في أثناء الحروب الميثريداتية (89ـ82ق.م) التي ثار فيها التراقيون لنيل حريتهم. بيع سبارطاكوس في أسواق النخاسة واقتيد إلى إيطاليا حيث أدخل مدرسة المجالدين الشهيرة في مدينة كابوه (على خليج نابولي) بسبب قوته الجسدية الخارقة، وفيها تعلم فنون المبارزة والقتال للترفيه عن الطبقة الارستقراطية الرومانية في حلبات السيرك الدموية.
تمكن سبارطاكوس في صيف عام 74ق.م مع 70تقريباً من رفاقه المجالدين، من الفرار من كابوه والالتجاء إلى جبل فيزوف القريب وتحصنوا فيه، وبدأوا يغيرون على المناطق المجاورة، وانضم إليهم عدد كبير من العبيد الفارين.
تزعم سبارطاكوس أولئك الثائرين، واختير اثنان من العبيد الكلتيين هما كريكسوس Krixus وأوينوماوس Oinomaosلمعاونته في القيادة، وتمكنوا من دحر أول جيش روماني أرسل للتصدى لهم، ثم هزموا جيشاً ثانياً بقيادة البرايتور فارينيوس واستولوا على أسلحته.
وبدأت حركته تتسع وتأخذ أبعاداً خطيرة وسقطت مناطق واسعة في جنوبي إيطاليا في أيدي الثائرين الذين انضمت إليهم أعداد كبيرة من الأحرار البروليتاريين والذين تم تدريبهم وتسليحهم. وهكذا تشكل تحت قيادة سبارطاكوس جيش كبير ضم عشرات الألوف من الثائرين المتعطشين للحرية والانتقام من أسيادهم الذين كانوا يسومونهم شتى أنواع العذاب والظلم والاستغلال. وبعد أن تفاقم الوضع كثيراً ودب الذعر والهلع في قلوب أثرياء الرومان، قرر مجلس الشيوخ الروماني إرسال قوات كبيرة بقيادة القنصلين للقضاء على التمرد. وفي الوقت ذاته نشب خلاف في معسكر الثائرين، وانفصل كريكسوس مع أتباعه الغاليين، ولكنه لقي هزيمة كاسحة على أيدي القوات الرومانية، وقتل في موقع غرغانوس في منطقة أبوليا.
أما سبارطاكوس، الذي أراد أن يقود الثائرين إلى أوطانهم الأصلية، فقد شق طريقه إلى شمالي إيطاليا عبر جبال الأبنين وتمكن من الانتصار على القنصلين الواحد تلو الآخر، ثم هزمهما في معركة ثالثة، وأقام احتفالاً جنائزياً لرفاقه الذين سقطوا في المعارك ضحى فيه بـ300 أسير روماني تصارعوا فيما بينهم حتى الموت. وجهز سبارطاكوس قوات لعبور جبال الألب وهزم آخر جيش روماني اعترض طريقه عند مدينة موتينا Mutina،ولكن أتباعه رفضوا مغادرة إيطاليا وطلبوا إليه التوجه ثانية إلى الجنوب والزحف على روما، غير أن سبارطاكوس كان يدرك استحالة مهاجمة روما وسار إلى منطقة لوكانيا. وحيال هذا الوضع قرر مجلس الشيوخ تكليف ماركوس كراسوس M.Licinius Crassus بالقضاء على ثورة المجالدين، ووضع تحت أمرته كل القوات والإمكانات المتاحة. كان كراسوس أحد أشهر الأرستقراطيين الرومان وأغنى أغنياء روما في ذلك الحين، جمع ثروة طائلة نتيجة استغلاله ظروف الحرب الأهلية الرومانية،وكان بذلك الرجل المؤهل للقضاء على ثورة اجتماعية تسعى إلى انتزاع الملكية والثروات من الأسياد الرومان.
وسار كراسوس على رأس ست فرق رومانية، إضافة إلى بقايا القوات المهزومة، كما انضم كثير من أثرياء الرومان وأتباعهم الذين كانوا يخشون على ممتلكاتهم وثرواتهم وحياتهم. واستعمل كراسوس منتهى الشدة والقسوة مع جنوده لإعدادهم للمعركة المقبلة مع المجالدين الثائرين الذين بثوا الرعب في قلوبهم، ولما تم له ذلك سار على رأس هذا الجيش الهائل المدرب على فنون القتال والمسلح بأمضى الأسلحة زاحفاً ضد سبارطاكوس وقواته وتمكن من تطويقهم في أقصى جنوبي إيطاليا بالتحصينات والخنادق.
وحاول سبارطاكوس المحاصر الاتفاق مع القراصنة ليقوموا بنقل قواته إلى جزيرة صقلية موطن ثورات العبيد السابقة التي تعج بأعداد كبيرة منهم، ولكن الرومان قاموا برشوة القراصنة الذين خذلوه وتخلوا عنه. ونجح سبارطاكوس أخيراً في اختراق الحصار المفروض عليه وسار باتجاه ميناء برونديزيوم بهدف الإبحار منه إلى بلاد اليونان، ولكنه لم ينجح في الاستيلاء عليه بسبب وصول قوات رومانية من مقدونية. وجرت معركة مع قوات كراسوس خرج منها سبارطاكوس منتصراً، ولكن جيشه انقسم مرة أخرى ولقي العبيد الكلتيون والجرمان الذين انفصلوا عنه هزيمة منكرة وتم القضاء عليهم. وطلب كراسوس إلى مجلس الشيوخ إرسال المزيد من القوات التي جاءت من إسبانيا بقيادة بومبيوس.
وهكذا تم تطويق الثائرين وأيقن سبارطاكوس أن لا أمل له في الانتصار على هذه الجيوش الجرارة، وجرت معركة رهيبة قاتل فيها سبارطاكوس قتال الأبطال حتى سقط هو ومعظم أتباعه صرعى في ساحة القتال، ولم يتمكن الرومان من العثور على جثته للتمثيل بها. وانفرط عقد الثائرين وتفرقوا مجموعات تناثرت هنا وهناك، وحاولت الالتجاء إلى المناطق الجبلية ولكن تم القضاء عليها الواحدة تلو الأخرى. وقام القائد المنتصر كراسوس بتعليق ستة آلاف من العبيد الثائرين على الصلبان التي نصبت على طول الطريق الممتد من روما إلى كابوه، ليكونوا عبرة لكل من يفكر بخلع نير العبودية والثورة على أسياده الرومان. وتمكن بومبيوس العائد من إسبانيا من القضاء على آخر فلول الثائرين وأعلن نهاية ثورة سبارطاكوس وعاد إلى روما عام 70ق.م ليتقلد مع كراسوس القنصلية، مكافأة لهما على تخليصها من ذلك الكابوس الرهيب.
وانتهت بذلك أخطر ثورات العبيد الكبرى وآخرها في التاريخ الروماني بعد ثلاث سنوات(74-71ق.م) من صراع مرير سقط فيه عشرات الألوف من القتلى. ولقد سبقتها ثورات أخرى كان أشهرها تلك التي جرت في صقلية (139-131ق.م) بقيادة أحد السوريين المدعو أوينوس Eunus الذي تزعم العبيد الثائرين، وأعلن نفسه ملكاً عليهم وقاوم الجيوش الرومانية سنوات عديدة حتى تم القضاء عليه.
كان سبارطاكوس بلاشك من أشهر الشخصيات في التاريخ القديم، تصفه المصادر التاريخية بصفات نبيلة، فهو شهم وشجاع ويملك قوة بدنية خارقة ومواهب عسكرية وتنظيمية فذة. تمكن مع جيشه الهش التسليح والقليل التدريب والمؤلف من عناصر متباينة متنافرة من إلحاق الهزيمة بالجيوش الرومانية في سبع معارك مختلفة. كان هدفه الأساسي تحرير العبيد وعودتهم إلى بلادهم الأصلية، ولكن انتصاراته شجعت أتباعه على البقاء في إيطاليا، كما أن انقسامهم واختلاف أهدافهم أضعف شوكتهم وسهل أخيراً القضاء عليهم.
بقي سبارطاكوس حياً في ذاكرة الأجيال التالية بوصفه رمزاً للثورة على الظلم ومحرراً للأرقاء من نير العبودية، وكانت شخصيته موضوعاً لعدد كبير من الأعمال الأدبية والفنية في العصر الحديث. وتَسمّى باسمه عدد من الحركات الاشتراكية في القرن العشرين،كما عرفت الثورة التي اندلعت في برلين عام 1919 في أعقاب الحرب العالمية الأولى بزعامة ليبكنختLiebknecht وروزا لوكسمبورغ R.Luxumburgباسم انتفاضة سبارطاكوس.
محمد الزين