حج
Pilgrimage - Pèlerinage
الحج
الحج pilgrimage لغة هو القصد إلى معظَّم، واصطلاحاً هو زيارة الأماكن المقدسة، وفي الشرع الإسلامي زيارة البيت الحرام بمكة المكرمة، والمفروضة مرة واحدة في العمر لمن استطاع إليه سبيلاً [ر. الحج والعمرة].
الحج في الأديان الشرقية القديمة
الحج عادة قديمة جداً بين الأمم، عرفه الهنود في الأزمنة الأسطورية والفيداوية. وهو عندهم قصد الأماكن والأنهر والينابيع المقدسة، ويتم في زمن الأعياد، وتستمر طقوسه بضعة أيام، حيث يتوجه بعضهم إلى تلك الأماكن سعياً لإنهاء حياته اعتقاداً بالخلاص من عذاب المستقبل والتقمص. وتعد الهند كلها، خاصة منطقة كوروكشترا Kurukshetra شمال غربي الهند، مكاناً مقدساً للحج. ويبلغ عدد الأماكن المقدسة فيها عدة مئات، لكن بعضها حاز أهمية دينية عظمى لقرون من الزمن، (مثل: ماثورة، هاردور، بنارس)، بسبب وقوعها على ضفة النهر المقدس، وخاصة الغانج Ganges، وارتباطها برموز أسطورية، وما يقال من أساطير ظهور الآلهة فيها (مقاطعة ماثورة مثلاً احتوت على معابد كثيرة ارتبطت بأسطورة كريشنا Krishna).
وتختلف الآمال المرجوة من الحج باختلاف الأماكن المقدسة، ومعظمها ينشد الصحة والغنى والأطفال والتحرر من الخطيئة والولادة الثانية في الجنة والتقمص الأفضل وغيرها، فالهدف من زيارة معبد ساريا Suria (الشمس) على سبيل المثال هو الشفاء من الجذام ، أما التوجه إلى معبد براهمان المقدس فهو الخوف من الموت، وثمة أماكن أخرى لتجنب التنبؤات الفلكية السيئة.
وأشهر أماكن العبادة عند الهنود الهيكل القديم تحت الأرض في جزيرة أليفانتا على ساحل مَلَبار، وهيكل جاغرنات، الذي يجتمع فيه سنوياً أكثر من مليون ونصف حاج، والمعبد الأول الذي أقيم إكراماً للبقرة المقدسة في برووطام. وجزيرة المعبودات (غرب سيلان) المشهورة بهيكل بوذا، وكذلك مدينة رأس كوماري Cape Comarin التي تحوي المعبد القديم للإله الهندوسي «شيفا» Shiva المعروف بالمدمّر، إضافة إلى الينابيع والبحيرات والأنهار المقدسة كنهر الغانج وبراهمابوترا، وينابيع كرشنا.
والحج عند الشعوب البوذية من أعظم الطقوس الدينية، حيث يلتمس البوذي فيه رجاء الشفاء من الأمراض والمتعة الروحية. وهناك أربعة مراكز كبرى للحج: قابيلافستو (نيبال) مسقط رأس بوذا، وغابة بوذاكيا (أورويلا) Bodhgaya، مكان استنارته- الإشراقة عند شجرة البو المقدسة (شجرة الاستنارة أو العلم)، ومدينة بنارس Varanasiحيث كانت موعظته التبشيرية الأولى، وقرية كوسي نارا Kusinara، حيث تمت له النيرفانا nirvana. وقد احتلت غابة بوذاكيا القداسة العظمى والمكانة الأسمى، وهي اليوم المركز الرئيس للحج، الذي يؤمه البوذيون من شتى أنحاء العالم. وقد زرع الناس في كل إقليم بوذي شجرة واحدة من نوع الشجرة المقدسة يحجون إليها في مناسبات مختلفة، كتلك التي في معبد بروبودور بالقرب من جوكجاكرتا بإندونيسيا. كذلك أنشؤوا معابد عدة، تعرض رمزاً مقدساً كتذكار سن بوذا في كاندي Kandy في سري لانكا، والأديرة والمعابد الجبلية في الصين (أومي - واتي - بتو - شيوها) المخصصة لنظراء بوذا (البوذي مستقبلاً Bodhisattva)، ومعابد شيكوكو Shikoku في اليابان (88 معبداً) التي تتوزع على طريق امتداده أكثر من ألف كيلو متر.
ويحج أهل الصين إلى مكان واحد، هو هيكل المعبود تيان الأعظم. أما اليابانيون من قبيلة شنتو Shinto فهم ملزمون بالحج إلى هيكل شهير في ولاية اسجى مرة واحدة في الحياة، يؤمونه صيفاً مشياً على الأقدام، ويلبسون ثياباً بيضاء خاصة، كما يتوجب على البوذيين واليابانيين الحج إلى بركان فوجي ياما قرب طوكيو (إيدو) مرة واحدة سنوياً.
الحج عند اليهود
فرضت الشريعة الموسوية على اليهود الحج إلى مكان وجود تابوت العهد Ark of the Covenant ، وأمرتهم بالذهاب إلى الهيكل المزعوم في القدس (أورشليم) ثلاث مرات في السنة في أثناء أعياد الفصح والحصاد والمظال، لتقديم الذبائح التي لاتقبل إلا هناك (سفر الخروج:23). وتقتصر هذه الفريضة على الذكور دون الإناث (سفرالتثنية:13)[ر. التوراة].
واستمرت عادة الحج إلى بيت المقدس مع قدوم السيد المسيح، يرسلون إلى صهيون كل سنة تقدمات وقرابين ثمينة من سورية وبابل ومصر وإيطاليا وسواها، فعظم غنى الهيكل وصارت أورشليم من أغنى المدن، إلى أن خربها الامبراطور الروماني «تيتوس» عام 70م، وأجلا عنها اليهود، وبعد ذلك منعهم الامبراطور هادريان (132م) من دخول القدس. بيد أنه سمح لهم بالوقوف مرة واحدة في السنة على جبل الزيتون، يبكون فيه يوماً بدلاً من ثلاثة أيام (التاسع من آب)، واستمرت الحال هكذا حتى الفتح الإسلامي. وتمكن اليهود فيما بعد من معاودة احتفالاتهم بفضل التسامح الإسلامي، فقد أجاز لهم المسلمون دخول القدس والإقامة فيها، لكن الصليبين حاصروهم في الكنيس وأحرقوهم فيه.
ولما حرر صلاح الدين الأيوبي القدس سمح لليهود بالإقامة فيها، وصاروا ، مع مرور الزمن، يزورون جزءاً من الحائط الغربي Western Wall للحرم القدسي الشريف اعتقاداً منهم بأن حجارته السفلى هي من بقايا هيكلهم، وهو مايسميه اليهود «حائط المبكى»، ويسميه المسلمون بحائط البراق نسبة إلى حادثة الإسراء والمعراج.
وسمح العرب لليهود والقادمين منهم إلى فلسطين بزيارة «حائط البراق» وإقامة الشعائر الدينية عنده، من دون أن يدّعي اليهود بأحقيتهم في الحائط. لكن عندما احتلت «إسرائيل» القدس القديمة عام 1967 هيمنوا عليه كلياً.
الحج في المسيحية
يطلق لفظ الحج عند المسيحيين على زيارة الأماكن المقدسة في فلسطين، تلك الأماكن التي شرفها السيد المسيح بولادته، موته وقيامته، في القدس والناصرة وبيت لحم وغيرها.
وتشير الروايات التاريخية إلى أن أول حج للقدس كان في أوائل القرن الثاني الميلادي، ثم تكررت هذه الزيارات وتتابعت منذ القرن الرابع الميلادي، حينما اعتنق الامبراطور قسطنطين المسيحية عام 337م وجعلها من الديانات الرسمية للدولة الرومانية. وبدأ الكشف عن معالم القبر ومكان المهد والجلجلة. وقامت هيلانة أم قسطنطين بزيارة فلسطين والإشراف على ذلك بنفسها، ثم أنشأت ثلاث كنائس، كان أشهرها كنيسة القبر المقدس، ولكن لم يبق منها سوى كنيسة المهد التي شيدت فوق مغارة بيت لحم. ثم تواصل بعد ذلك البناء بجهود الأباطرة ورجال الدين والأثرياء، فأنشئت الكنائس والأديرة والمستشفيات وفنادق الحجيج، ورافق ذلك حركة حج عظيمة، فتوافد الحجاج المسيحيون إلى فلسطين من كل مكان.
واستمرت حركة الحج إلى فلسطين بعد الفتح الإسلامي، وشهدت تطوراً كبيراً حتى احتلال الصليبيين القدس سنة 1099م وما بعدها. ولم تتوقف بعد استعادة المسلمين الأراضي المقدسة، وتواصل قدوم الحجاج والكهنة المسيحيين إلى فلسطين طوال القرنين الرابع عشر والخامس عشر الميلاديين لخدمة الأماكن المقدسة وزيارتها.
وبعد دخول السلطان العثماني سليم الأول القدس عام 1517م، وسيادة فكرة سياسة المحاور بين الشرق والغرب، حصلت فرنسا على حق رعاية الحجاج الغربيين (معاهدة امتيازات 1536)، ثم عقدت دول أوربية أخرى، مثل النمسا وروسيا وإيطاليا وألمانيا معاهدات مماثلة، اعترفت بها الكنيسة في روما وعززتها، مما أدى إلى تدفق مختلف الرهبانيات الغربية إلى الأماكن المقدسة وإنشاء الكثير من الأديرة والمؤسسات المسيحية، وازدياد عدد الحجاج الوافدين إلى فلسطين على اختلاف أقطارهم ومذاهبهم.
ومع قيام الكيان الصهيوني عام 1948، ومن ثم احتلالهم لمعظم الأراضي الفلسطينية عام 1967، تراجعت حركة الحج إلى فلسطين، وبدأت تنحسر بسبب الإرهاب والقمع والتشويه لتلك الأماكن المقدسة.
وتبدأ رحلة الحج لدى المسيحي عند وصوله إلى المدينة المقدسة بالصوم والصلاة ثم زيارة القبر، حيث يطرح عليه ملحفة يحتفظ بها لتكون كفناً له عند موته. ثم يزور جبل صهيون وجبل الزيتون ووادي يهوشافاط وبيت لحم وجبل تابور وغيرها من الأماكن المقدسة التي تتعلق بمعجزات السيد المسيح. وبعد أن يستحم في نهر الأردن يأخذ من أريحا غصناً من النخل ليقدمه عند رجوعه إلى الخوري لوضعه على المذبح علامة لتكميل زيارته، ولذلك سمي زوار فلسطين بالنخليين، ويسمى الحاج عند المسيحيين بالمقدسي نسبة إلى بيت المقدس.
ولم يقتصر المسيحيون في حجهم على زيارة الأماكن المقدسة في فلسطين، بل يذهب بعضهم إلى مصر (مَنُف وطيوة) لزيارة الصوامع التي أقام فيها القديس أنطونيوس الكبير والقديس بولس الطيوي أول ناسك هناك؛ وكذلك مدينة روما ثاني الأراضي المقدسة يقصد المسيحيون فيها ضريحي القديس بطرس والقديس بولس، وكذلك حضور اليوبيل المبارك الذي كان يقام سابقاً آخر سنة من كل قرن، ثم جعله البابا اكليمنس السادس في آخر كل 33 سنة والبابا بولس الثاني في آخر كل 25سنة. ومن الأماكن المقدسة التي يؤمها المسيحيون في ألمانيا: كنيسة القديس بطرس والقديس بولس في ترير، التي تفتخر منذ عام 1190 باحتوائها القميص الذي كان يلبسه السيد المسيح.
وكان لزيارة الأماكن المقدسة في إسبانيا، مثل آثار القديس يعقوب الرسول في كمبوستل، وآثار السيدة العذراء في مونسرَات أهمية تعادل زيارة روما، وتكاد تكون أعظم من زيارة القدس. ولدى الكنيسة الروسية الأرثوذكسية أيضاً ، أماكن مقدسة أخرى، غيرالقدس وجبل آثوس في اليونان، مثل دير الثالوث الأقدس على بعد نحو 45 كيلو متراً تقريباً من موسكو والقديس الكسندر فغسكوي قرب بطرسبرغ. والمسيحيون الروس من أكثر المسيحيين اعتباراً للحج وتردداً إلى الأماكن المقدسة.
وتعد كنيسة مار بولس على السور (باب كيسان) في دمشق من الأماكن المقدسة التي يجب زيارتها تبركاً بمعاناة القديس بولس الرسول[ر]، وهذا ما قام به البابا يوحنا بولس الثاني في زيارته دمـشق عـام2000.
سوسن بيطار
Pilgrimage - Pèlerinage
الحج
الحج pilgrimage لغة هو القصد إلى معظَّم، واصطلاحاً هو زيارة الأماكن المقدسة، وفي الشرع الإسلامي زيارة البيت الحرام بمكة المكرمة، والمفروضة مرة واحدة في العمر لمن استطاع إليه سبيلاً [ر. الحج والعمرة].
الحج في الأديان الشرقية القديمة
الحج عادة قديمة جداً بين الأمم، عرفه الهنود في الأزمنة الأسطورية والفيداوية. وهو عندهم قصد الأماكن والأنهر والينابيع المقدسة، ويتم في زمن الأعياد، وتستمر طقوسه بضعة أيام، حيث يتوجه بعضهم إلى تلك الأماكن سعياً لإنهاء حياته اعتقاداً بالخلاص من عذاب المستقبل والتقمص. وتعد الهند كلها، خاصة منطقة كوروكشترا Kurukshetra شمال غربي الهند، مكاناً مقدساً للحج. ويبلغ عدد الأماكن المقدسة فيها عدة مئات، لكن بعضها حاز أهمية دينية عظمى لقرون من الزمن، (مثل: ماثورة، هاردور، بنارس)، بسبب وقوعها على ضفة النهر المقدس، وخاصة الغانج Ganges، وارتباطها برموز أسطورية، وما يقال من أساطير ظهور الآلهة فيها (مقاطعة ماثورة مثلاً احتوت على معابد كثيرة ارتبطت بأسطورة كريشنا Krishna).
وتختلف الآمال المرجوة من الحج باختلاف الأماكن المقدسة، ومعظمها ينشد الصحة والغنى والأطفال والتحرر من الخطيئة والولادة الثانية في الجنة والتقمص الأفضل وغيرها، فالهدف من زيارة معبد ساريا Suria (الشمس) على سبيل المثال هو الشفاء من الجذام ، أما التوجه إلى معبد براهمان المقدس فهو الخوف من الموت، وثمة أماكن أخرى لتجنب التنبؤات الفلكية السيئة.
وأشهر أماكن العبادة عند الهنود الهيكل القديم تحت الأرض في جزيرة أليفانتا على ساحل مَلَبار، وهيكل جاغرنات، الذي يجتمع فيه سنوياً أكثر من مليون ونصف حاج، والمعبد الأول الذي أقيم إكراماً للبقرة المقدسة في برووطام. وجزيرة المعبودات (غرب سيلان) المشهورة بهيكل بوذا، وكذلك مدينة رأس كوماري Cape Comarin التي تحوي المعبد القديم للإله الهندوسي «شيفا» Shiva المعروف بالمدمّر، إضافة إلى الينابيع والبحيرات والأنهار المقدسة كنهر الغانج وبراهمابوترا، وينابيع كرشنا.
والحج عند الشعوب البوذية من أعظم الطقوس الدينية، حيث يلتمس البوذي فيه رجاء الشفاء من الأمراض والمتعة الروحية. وهناك أربعة مراكز كبرى للحج: قابيلافستو (نيبال) مسقط رأس بوذا، وغابة بوذاكيا (أورويلا) Bodhgaya، مكان استنارته- الإشراقة عند شجرة البو المقدسة (شجرة الاستنارة أو العلم)، ومدينة بنارس Varanasiحيث كانت موعظته التبشيرية الأولى، وقرية كوسي نارا Kusinara، حيث تمت له النيرفانا nirvana. وقد احتلت غابة بوذاكيا القداسة العظمى والمكانة الأسمى، وهي اليوم المركز الرئيس للحج، الذي يؤمه البوذيون من شتى أنحاء العالم. وقد زرع الناس في كل إقليم بوذي شجرة واحدة من نوع الشجرة المقدسة يحجون إليها في مناسبات مختلفة، كتلك التي في معبد بروبودور بالقرب من جوكجاكرتا بإندونيسيا. كذلك أنشؤوا معابد عدة، تعرض رمزاً مقدساً كتذكار سن بوذا في كاندي Kandy في سري لانكا، والأديرة والمعابد الجبلية في الصين (أومي - واتي - بتو - شيوها) المخصصة لنظراء بوذا (البوذي مستقبلاً Bodhisattva)، ومعابد شيكوكو Shikoku في اليابان (88 معبداً) التي تتوزع على طريق امتداده أكثر من ألف كيلو متر.
ويحج أهل الصين إلى مكان واحد، هو هيكل المعبود تيان الأعظم. أما اليابانيون من قبيلة شنتو Shinto فهم ملزمون بالحج إلى هيكل شهير في ولاية اسجى مرة واحدة في الحياة، يؤمونه صيفاً مشياً على الأقدام، ويلبسون ثياباً بيضاء خاصة، كما يتوجب على البوذيين واليابانيين الحج إلى بركان فوجي ياما قرب طوكيو (إيدو) مرة واحدة سنوياً.
الحج عند اليهود
فرضت الشريعة الموسوية على اليهود الحج إلى مكان وجود تابوت العهد Ark of the Covenant ، وأمرتهم بالذهاب إلى الهيكل المزعوم في القدس (أورشليم) ثلاث مرات في السنة في أثناء أعياد الفصح والحصاد والمظال، لتقديم الذبائح التي لاتقبل إلا هناك (سفر الخروج:23). وتقتصر هذه الفريضة على الذكور دون الإناث (سفرالتثنية:13)[ر. التوراة].
واستمرت عادة الحج إلى بيت المقدس مع قدوم السيد المسيح، يرسلون إلى صهيون كل سنة تقدمات وقرابين ثمينة من سورية وبابل ومصر وإيطاليا وسواها، فعظم غنى الهيكل وصارت أورشليم من أغنى المدن، إلى أن خربها الامبراطور الروماني «تيتوس» عام 70م، وأجلا عنها اليهود، وبعد ذلك منعهم الامبراطور هادريان (132م) من دخول القدس. بيد أنه سمح لهم بالوقوف مرة واحدة في السنة على جبل الزيتون، يبكون فيه يوماً بدلاً من ثلاثة أيام (التاسع من آب)، واستمرت الحال هكذا حتى الفتح الإسلامي. وتمكن اليهود فيما بعد من معاودة احتفالاتهم بفضل التسامح الإسلامي، فقد أجاز لهم المسلمون دخول القدس والإقامة فيها، لكن الصليبين حاصروهم في الكنيس وأحرقوهم فيه.
ولما حرر صلاح الدين الأيوبي القدس سمح لليهود بالإقامة فيها، وصاروا ، مع مرور الزمن، يزورون جزءاً من الحائط الغربي Western Wall للحرم القدسي الشريف اعتقاداً منهم بأن حجارته السفلى هي من بقايا هيكلهم، وهو مايسميه اليهود «حائط المبكى»، ويسميه المسلمون بحائط البراق نسبة إلى حادثة الإسراء والمعراج.
وسمح العرب لليهود والقادمين منهم إلى فلسطين بزيارة «حائط البراق» وإقامة الشعائر الدينية عنده، من دون أن يدّعي اليهود بأحقيتهم في الحائط. لكن عندما احتلت «إسرائيل» القدس القديمة عام 1967 هيمنوا عليه كلياً.
الحج في المسيحية
يطلق لفظ الحج عند المسيحيين على زيارة الأماكن المقدسة في فلسطين، تلك الأماكن التي شرفها السيد المسيح بولادته، موته وقيامته، في القدس والناصرة وبيت لحم وغيرها.
وتشير الروايات التاريخية إلى أن أول حج للقدس كان في أوائل القرن الثاني الميلادي، ثم تكررت هذه الزيارات وتتابعت منذ القرن الرابع الميلادي، حينما اعتنق الامبراطور قسطنطين المسيحية عام 337م وجعلها من الديانات الرسمية للدولة الرومانية. وبدأ الكشف عن معالم القبر ومكان المهد والجلجلة. وقامت هيلانة أم قسطنطين بزيارة فلسطين والإشراف على ذلك بنفسها، ثم أنشأت ثلاث كنائس، كان أشهرها كنيسة القبر المقدس، ولكن لم يبق منها سوى كنيسة المهد التي شيدت فوق مغارة بيت لحم. ثم تواصل بعد ذلك البناء بجهود الأباطرة ورجال الدين والأثرياء، فأنشئت الكنائس والأديرة والمستشفيات وفنادق الحجيج، ورافق ذلك حركة حج عظيمة، فتوافد الحجاج المسيحيون إلى فلسطين من كل مكان.
واستمرت حركة الحج إلى فلسطين بعد الفتح الإسلامي، وشهدت تطوراً كبيراً حتى احتلال الصليبيين القدس سنة 1099م وما بعدها. ولم تتوقف بعد استعادة المسلمين الأراضي المقدسة، وتواصل قدوم الحجاج والكهنة المسيحيين إلى فلسطين طوال القرنين الرابع عشر والخامس عشر الميلاديين لخدمة الأماكن المقدسة وزيارتها.
وبعد دخول السلطان العثماني سليم الأول القدس عام 1517م، وسيادة فكرة سياسة المحاور بين الشرق والغرب، حصلت فرنسا على حق رعاية الحجاج الغربيين (معاهدة امتيازات 1536)، ثم عقدت دول أوربية أخرى، مثل النمسا وروسيا وإيطاليا وألمانيا معاهدات مماثلة، اعترفت بها الكنيسة في روما وعززتها، مما أدى إلى تدفق مختلف الرهبانيات الغربية إلى الأماكن المقدسة وإنشاء الكثير من الأديرة والمؤسسات المسيحية، وازدياد عدد الحجاج الوافدين إلى فلسطين على اختلاف أقطارهم ومذاهبهم.
ومع قيام الكيان الصهيوني عام 1948، ومن ثم احتلالهم لمعظم الأراضي الفلسطينية عام 1967، تراجعت حركة الحج إلى فلسطين، وبدأت تنحسر بسبب الإرهاب والقمع والتشويه لتلك الأماكن المقدسة.
وتبدأ رحلة الحج لدى المسيحي عند وصوله إلى المدينة المقدسة بالصوم والصلاة ثم زيارة القبر، حيث يطرح عليه ملحفة يحتفظ بها لتكون كفناً له عند موته. ثم يزور جبل صهيون وجبل الزيتون ووادي يهوشافاط وبيت لحم وجبل تابور وغيرها من الأماكن المقدسة التي تتعلق بمعجزات السيد المسيح. وبعد أن يستحم في نهر الأردن يأخذ من أريحا غصناً من النخل ليقدمه عند رجوعه إلى الخوري لوضعه على المذبح علامة لتكميل زيارته، ولذلك سمي زوار فلسطين بالنخليين، ويسمى الحاج عند المسيحيين بالمقدسي نسبة إلى بيت المقدس.
ولم يقتصر المسيحيون في حجهم على زيارة الأماكن المقدسة في فلسطين، بل يذهب بعضهم إلى مصر (مَنُف وطيوة) لزيارة الصوامع التي أقام فيها القديس أنطونيوس الكبير والقديس بولس الطيوي أول ناسك هناك؛ وكذلك مدينة روما ثاني الأراضي المقدسة يقصد المسيحيون فيها ضريحي القديس بطرس والقديس بولس، وكذلك حضور اليوبيل المبارك الذي كان يقام سابقاً آخر سنة من كل قرن، ثم جعله البابا اكليمنس السادس في آخر كل 33 سنة والبابا بولس الثاني في آخر كل 25سنة. ومن الأماكن المقدسة التي يؤمها المسيحيون في ألمانيا: كنيسة القديس بطرس والقديس بولس في ترير، التي تفتخر منذ عام 1190 باحتوائها القميص الذي كان يلبسه السيد المسيح.
وكان لزيارة الأماكن المقدسة في إسبانيا، مثل آثار القديس يعقوب الرسول في كمبوستل، وآثار السيدة العذراء في مونسرَات أهمية تعادل زيارة روما، وتكاد تكون أعظم من زيارة القدس. ولدى الكنيسة الروسية الأرثوذكسية أيضاً ، أماكن مقدسة أخرى، غيرالقدس وجبل آثوس في اليونان، مثل دير الثالوث الأقدس على بعد نحو 45 كيلو متراً تقريباً من موسكو والقديس الكسندر فغسكوي قرب بطرسبرغ. والمسيحيون الروس من أكثر المسيحيين اعتباراً للحج وتردداً إلى الأماكن المقدسة.
وتعد كنيسة مار بولس على السور (باب كيسان) في دمشق من الأماكن المقدسة التي يجب زيارتها تبركاً بمعاناة القديس بولس الرسول[ر]، وهذا ما قام به البابا يوحنا بولس الثاني في زيارته دمـشق عـام2000.
سوسن بيطار