محرقه
Holocaust - Holocauste
المحرقة
(1933ـ 1945)
أطلق المؤرخون الغربيون على السياسة التي اعتمدها النازيون الألمان ضد يهود أوربا، الذين خضعوا لحكمهم في الحرب العالمية الثانية (1939- 1945) عدداً من المصطلحات؛ أولها الإبادة الجماعية Genocide، وثانيها المحرقة أو الهولوكوست Holocaust، في حين أطلق مؤرخو اليهود عليها اسم الشواه Shoáh أو الـ هوربان Hurban بالعبرية الحديثة؛ لكن هذه تعني التدمير أو القتل المنظم لملايين اليهود وآخرين من قِبل ألمانيا النازية ومن لّف لفّها في الحرب العالمية الثانية.
كانت معظم الأقاليم الأوربية في تاريخها قد عرفت نزعة معادية لليهود بعد استيطان أعداد منهم في أوربا الشرقية والغربية على حد سواء، وخاصة في بدايات العصور الوسطى، وظهرت هذه النزعة في آداب الأوربيين وثقافتهم لدرجة أصبحت كلمة يهودي مرادفة غالباً لكل الصفات الشخصية السيئة كالجشع والبخل وقلة الوفاء وغيرها…، وتعاظمت النقمة على هؤلاء لدرجة أن بعض الأوربيين حمّلوا اليهود أسباب كثير من الكوارث التي لحقت بهم، ولهذا اتسمت معاملتهم للجاليات اليهودية المقيمة بين ظهرانيهم بكثير من الاحتقار والاستفزاز والتعدي.
على أن هذه المعاملة رغم قسوتها، كانت أرحم بكثير مما مارسه الألمان على يهود المناطق التي خضعت لهم في الحرب العالمية الثانية، فقد عانى اليهود ممارسةً قهرية منظمة ارتكزت على نظرية التفوق العرقي للزعيم النازي أدولف هتلر [ر] A.Hitler التي ضمنها كتابه الشهير «كفاحي» Mein Kampf، وفي مقدمة هذه النظرية حمَّل هتلر اليهود المسؤولية التاريخية بأنهم كانوا وراء هزيمة ألمانيا في الحرب العالمية الأولى [ر]. وقد استجاب لهذه النظرية عدد من المفكرين الألمان ومن قادة الحزب النازي وعلى رأسهم هاينريش هيملر H.Himmler وراينهارد هيدريش R.Heydrich وهاينريش مولر H.Müller وأدولف آيخمان A.Eichmann. وبدأ الجميع يخططون لتأكيد سمو العرق الآري على بقية الأعراق والتخلص من اليهود بعدّهم العرق الأدنى في الهيكل الاجتماعي البشري.
وبدأ التحضير لعملية الخلاص من اليهود في ألمانيا وفق برنامج معدّ بعد شهر واحد من تسلم أدولف هتلر السلطة 30/1/1933، عندما أصدرت الحكومة مجموعة من القرارات حرمت يهود ألمانيا حقوقهم السياسية والاقتصادية والتعليمية؛ بهدف الوصول إلى تسويغ التخلص من وجودهم قانونياً، وأتبعت ذلك بإصدار قوانين نورمبرغ Nuremberg سنة 1935 التي حرمت على الألمان المتاجرة مع اليهود أو الزواج منهم أو أي تعامل معهم. وفي حين أدرك معظم اليهود الرسالة؛ فهاجروا خارج ألمانيا (فلسطين، والقارة الأمريكية خاصة) رفض القسم المتبقي منهم المغادرة، وتحملوا كثيراً من الأذى على أمل زوال سريع للحكم النازي الذي استعدى معظم دول العالم. على أن نجاح دعاوى الحزب النازي ضد اليهود أدى إلى تسارع الحركة المعادية لهم في ألمانيا، وأقدمت السلطات كما الأفراد على تدمير معابدهم وإحراق كتبهم الدينية في معظم المدن الألمانية خاصة في برلين العاصمة، وبلغت هذه الأعمال ذروتها في «ليلة الكريستال» Kristall nacht يومي 9-10/11/1938 عندما اعتقل المتظاهرون المدعومون من قبل الدولة نحو 30000 من اليهود، وأودعوهم السجن.
وللنجاح الذي حققته سياسة معاداة اليهود في ألمانيا، والدعاية الهائلة التي روّجت لها؛ فقد اقتبست قيادة حركة الفاشيين في إيطاليا هذه السياسة، وأصدر الزعيم الفاشي بنيتو موسوليني [ر] في أيلول/سبتمبر 1938 قانون معاداة اليهود، ولحقت به كل من النمسا وتشيكوسلوفاكيا وقبلها رومانيا.
وتحت غطاء الحرب العالمية الثانية التي اندلعت 1939 قام النازيون في الأقاليم الأوربية التي احتلوها تباعاً بجمع اليهود في معسكرات (غيتوات) Ghettos، وعهدوا إلى من تجاوز الثانية عشرة من عمره بأعمال السخرة في المصانع الحربية والمناجم والجبال وشق الطرق؛ في حين فرض على الأطفال الذين تجاوزوا السادسة من العمر ارتداء نجمة داود الصفراء تمييزاً، وحوِّل القسم الآخر إلى معسكرات اعتقال تمهيداً لإيجاد حل بشأنهم. ولعجز السلطات الألمانية عن تأمين جزيرة مدغشقر وطناً بديلاً لإبعاد هؤلاء إليها، فقد أُرسل من سَلِم من المعتقلين من المرض وسوء التغذية إلى معسكرات الإعدام، أو ما أُطلق عليه معسكرات الحل النهائي Die Endlösung؛ وهي التسمية التي أطلقها الاجتماع الشهير الذي عقد في برلين بتاريخ 20/1/1942 بين عدد من قادة النازيين برئاسة مدير المخابرات النازية راينهارد هايدريش وأدولف آيخمان، وانسحب قرار الحل النهائي على كل الأقاليم التي خضعت للسيطرة النازية، أو تأثرت بدعواتها العرقية خاصة هولندا وبلجيكا وفرنسا وبولندا وهنغاريا وتشيكوسلوفاكيا واليونان وروسيا.
استخدم النازيون وعملاؤهم في الدول الأوربية التابعة عدداً من الأساليب للتخلص من اليهود، وأشهرها غرف الغاز والأفران، وهي أساليب كانت تستخدم أصلاً للتخلص من حالات المرض الوبائي في كثير من المشافي الحكومية الأوربية، ولكن الحرب العالمية الثانية عرفت تطويراً مذهلاً لاستخدام هذه الأفران وغرف الغاز.
ردَّ يهود أوربا على هذه الإجراءات القهرية بعدد من حركات التمرد؛ أهمها تمرد سنة 1943 في »غيتو« وارسو في بولندا، وتذكر المصادر اليهودية أنه عندما قامت السلطات النازية بإرسال أكثر من أربعمئة ألف يهودي من وارسو إلى معتقلات الحل النهائي، قرر نحو خمسين ألفاً منهم المقاومة التي لم تفلح بأكثر من إبعاد شبح الموت عنهم لفترة تقل عن ثلاثين يوماً، وفي حين قرر قسم من الناجين الانتحار قرر قسم آخر اللجوء إلى الريف، ونجح قسم ثالث في الوصول إلى قوات الحلفاء التي نقلتهم إلى أمريكا أو فلسطين، وقسم رابع أوصلته جمعيات دنماركية شعبية على قوارب خاصة إلى السويد.
ومع نهاية الحرب العالمية الثانية، أبدت مؤسسات ثقافية عالمية كثيرة اهتماماً بتتبع أحداث المحرقة اليهودية اعتماداً على شهادات بعض الناجين وبعض المسؤولين عنها والتي وردت في محاكمات نورمبرغ (1945- 1946)، وخلصت إلى تحميل المسؤولية كلها للنظرية العرقية النازية والمسؤولين عنها وخاصة أدولف آيخمان، وإغفال الأسباب كافة التي أدت إلى ظهور مثل هذه النظرية. وكان من الطبيعي أن تنشر المؤسسات الثقافية اليهودية الأخبار المطولة عن بشاعة المحرقة، ولكن بات من غير المنطقي المبالغة في تقدير حجم ضحايا اليهود على نحو تهويلي أوصل العدد إلى ستة ملايين ضحية، بل إعطاء هذا الرقم صفة القداسة والنيل من كل من يعترض عليه بأي حجج منطقية مهما كانت، وعلى سبيل المثال فإن مؤسسات يهودية أصدرت في كتابها السنوي رقم 5702 لشهر أيلول/سبتمبر 1941 دراسة تشير إلى أن عدد اليهود في كل أوربا الخاضعة لألمانيا بما فيها روسيا وصل إلى 3.110.722 يهودي، فكيف يباد منهم ستة ملايين؟! إضافة إلى أن النقمة النازية لم تحل على اليهود فقط؛ بل طالت الشيوعيين والإنسانيين ومعارضي النظرية العنصرية الآرية، وكذلك عدداً من المرضى بالأوبئة الذين كانوا يتعرضون للحرق، يضاف إلى ذلك أن عدداً من شهود محاكمات نورمبرغ تراجعوا عن شهاداتهم بعد فترة، مثل المؤرخ الفرنسي ميشيل بوار M.Poir الذي اعترف بمبالغته في شهادته في جريدة أويست فرانس الصادرة في 2-3/8/1986 وكذلك تراجع عددٌ آخر من الشهود في جريدة ليبراسيون Libération في عددها الصادر 5/3/1979، وقد أصبح الحديث عن المحرقة تشكيكاً وكفراً في العديد من الأوساط الثقافية الغربية، حتى بواكير القرن الواحد والعشرين بفعل الدعاية الصهيونية المضللة؛ وقد دفع كثير من أحرار الرأي الغربيين مستقبلهم الفكري والاقتصادي والاجتماعي ثمناً لجرأتهم في نقد روايات المحرقة، وعلى رأسهم المفكر الفرنسي روجيه غارودي. وكعادة الأحداث الكبرى في التاريخ، ولعقدة الذنب التي شعر بها معظم الأوربيين تجاه مواطنيهم من اليهود؛ تسابقت دول أوربا المعنية بالأمر - إضافة إلى بعض دول القارة الأمريكية - إلى إقامة المتاحف لإظهار مدى المعاناة اليهودية، وكان أبرز هذه المتاحف في ألمانيا وبولونيا إضافة إلى فلسطين المحتلة حيث أقام الكيان الصهيوني بعد اغتصاب فلسطين متاحف للتذكير بالمحرقة، ومازال اليهود في «إسرائيل» يحتفلون بذكراها في 27 نيسان/أبريل حسب التقويم العبري، وتحتفل الجاليات اليهودية في العالم بهذه الذكرى في 19-20 نيسان/أبريل من كل عام.
م.ر.ع
Holocaust - Holocauste
المحرقة
(1933ـ 1945)
أطلق المؤرخون الغربيون على السياسة التي اعتمدها النازيون الألمان ضد يهود أوربا، الذين خضعوا لحكمهم في الحرب العالمية الثانية (1939- 1945) عدداً من المصطلحات؛ أولها الإبادة الجماعية Genocide، وثانيها المحرقة أو الهولوكوست Holocaust، في حين أطلق مؤرخو اليهود عليها اسم الشواه Shoáh أو الـ هوربان Hurban بالعبرية الحديثة؛ لكن هذه تعني التدمير أو القتل المنظم لملايين اليهود وآخرين من قِبل ألمانيا النازية ومن لّف لفّها في الحرب العالمية الثانية.
كانت معظم الأقاليم الأوربية في تاريخها قد عرفت نزعة معادية لليهود بعد استيطان أعداد منهم في أوربا الشرقية والغربية على حد سواء، وخاصة في بدايات العصور الوسطى، وظهرت هذه النزعة في آداب الأوربيين وثقافتهم لدرجة أصبحت كلمة يهودي مرادفة غالباً لكل الصفات الشخصية السيئة كالجشع والبخل وقلة الوفاء وغيرها…، وتعاظمت النقمة على هؤلاء لدرجة أن بعض الأوربيين حمّلوا اليهود أسباب كثير من الكوارث التي لحقت بهم، ولهذا اتسمت معاملتهم للجاليات اليهودية المقيمة بين ظهرانيهم بكثير من الاحتقار والاستفزاز والتعدي.
على أن هذه المعاملة رغم قسوتها، كانت أرحم بكثير مما مارسه الألمان على يهود المناطق التي خضعت لهم في الحرب العالمية الثانية، فقد عانى اليهود ممارسةً قهرية منظمة ارتكزت على نظرية التفوق العرقي للزعيم النازي أدولف هتلر [ر] A.Hitler التي ضمنها كتابه الشهير «كفاحي» Mein Kampf، وفي مقدمة هذه النظرية حمَّل هتلر اليهود المسؤولية التاريخية بأنهم كانوا وراء هزيمة ألمانيا في الحرب العالمية الأولى [ر]. وقد استجاب لهذه النظرية عدد من المفكرين الألمان ومن قادة الحزب النازي وعلى رأسهم هاينريش هيملر H.Himmler وراينهارد هيدريش R.Heydrich وهاينريش مولر H.Müller وأدولف آيخمان A.Eichmann. وبدأ الجميع يخططون لتأكيد سمو العرق الآري على بقية الأعراق والتخلص من اليهود بعدّهم العرق الأدنى في الهيكل الاجتماعي البشري.
وبدأ التحضير لعملية الخلاص من اليهود في ألمانيا وفق برنامج معدّ بعد شهر واحد من تسلم أدولف هتلر السلطة 30/1/1933، عندما أصدرت الحكومة مجموعة من القرارات حرمت يهود ألمانيا حقوقهم السياسية والاقتصادية والتعليمية؛ بهدف الوصول إلى تسويغ التخلص من وجودهم قانونياً، وأتبعت ذلك بإصدار قوانين نورمبرغ Nuremberg سنة 1935 التي حرمت على الألمان المتاجرة مع اليهود أو الزواج منهم أو أي تعامل معهم. وفي حين أدرك معظم اليهود الرسالة؛ فهاجروا خارج ألمانيا (فلسطين، والقارة الأمريكية خاصة) رفض القسم المتبقي منهم المغادرة، وتحملوا كثيراً من الأذى على أمل زوال سريع للحكم النازي الذي استعدى معظم دول العالم. على أن نجاح دعاوى الحزب النازي ضد اليهود أدى إلى تسارع الحركة المعادية لهم في ألمانيا، وأقدمت السلطات كما الأفراد على تدمير معابدهم وإحراق كتبهم الدينية في معظم المدن الألمانية خاصة في برلين العاصمة، وبلغت هذه الأعمال ذروتها في «ليلة الكريستال» Kristall nacht يومي 9-10/11/1938 عندما اعتقل المتظاهرون المدعومون من قبل الدولة نحو 30000 من اليهود، وأودعوهم السجن.
وللنجاح الذي حققته سياسة معاداة اليهود في ألمانيا، والدعاية الهائلة التي روّجت لها؛ فقد اقتبست قيادة حركة الفاشيين في إيطاليا هذه السياسة، وأصدر الزعيم الفاشي بنيتو موسوليني [ر] في أيلول/سبتمبر 1938 قانون معاداة اليهود، ولحقت به كل من النمسا وتشيكوسلوفاكيا وقبلها رومانيا.
وتحت غطاء الحرب العالمية الثانية التي اندلعت 1939 قام النازيون في الأقاليم الأوربية التي احتلوها تباعاً بجمع اليهود في معسكرات (غيتوات) Ghettos، وعهدوا إلى من تجاوز الثانية عشرة من عمره بأعمال السخرة في المصانع الحربية والمناجم والجبال وشق الطرق؛ في حين فرض على الأطفال الذين تجاوزوا السادسة من العمر ارتداء نجمة داود الصفراء تمييزاً، وحوِّل القسم الآخر إلى معسكرات اعتقال تمهيداً لإيجاد حل بشأنهم. ولعجز السلطات الألمانية عن تأمين جزيرة مدغشقر وطناً بديلاً لإبعاد هؤلاء إليها، فقد أُرسل من سَلِم من المعتقلين من المرض وسوء التغذية إلى معسكرات الإعدام، أو ما أُطلق عليه معسكرات الحل النهائي Die Endlösung؛ وهي التسمية التي أطلقها الاجتماع الشهير الذي عقد في برلين بتاريخ 20/1/1942 بين عدد من قادة النازيين برئاسة مدير المخابرات النازية راينهارد هايدريش وأدولف آيخمان، وانسحب قرار الحل النهائي على كل الأقاليم التي خضعت للسيطرة النازية، أو تأثرت بدعواتها العرقية خاصة هولندا وبلجيكا وفرنسا وبولندا وهنغاريا وتشيكوسلوفاكيا واليونان وروسيا.
استخدم النازيون وعملاؤهم في الدول الأوربية التابعة عدداً من الأساليب للتخلص من اليهود، وأشهرها غرف الغاز والأفران، وهي أساليب كانت تستخدم أصلاً للتخلص من حالات المرض الوبائي في كثير من المشافي الحكومية الأوربية، ولكن الحرب العالمية الثانية عرفت تطويراً مذهلاً لاستخدام هذه الأفران وغرف الغاز.
ردَّ يهود أوربا على هذه الإجراءات القهرية بعدد من حركات التمرد؛ أهمها تمرد سنة 1943 في »غيتو« وارسو في بولندا، وتذكر المصادر اليهودية أنه عندما قامت السلطات النازية بإرسال أكثر من أربعمئة ألف يهودي من وارسو إلى معتقلات الحل النهائي، قرر نحو خمسين ألفاً منهم المقاومة التي لم تفلح بأكثر من إبعاد شبح الموت عنهم لفترة تقل عن ثلاثين يوماً، وفي حين قرر قسم من الناجين الانتحار قرر قسم آخر اللجوء إلى الريف، ونجح قسم ثالث في الوصول إلى قوات الحلفاء التي نقلتهم إلى أمريكا أو فلسطين، وقسم رابع أوصلته جمعيات دنماركية شعبية على قوارب خاصة إلى السويد.
ومع نهاية الحرب العالمية الثانية، أبدت مؤسسات ثقافية عالمية كثيرة اهتماماً بتتبع أحداث المحرقة اليهودية اعتماداً على شهادات بعض الناجين وبعض المسؤولين عنها والتي وردت في محاكمات نورمبرغ (1945- 1946)، وخلصت إلى تحميل المسؤولية كلها للنظرية العرقية النازية والمسؤولين عنها وخاصة أدولف آيخمان، وإغفال الأسباب كافة التي أدت إلى ظهور مثل هذه النظرية. وكان من الطبيعي أن تنشر المؤسسات الثقافية اليهودية الأخبار المطولة عن بشاعة المحرقة، ولكن بات من غير المنطقي المبالغة في تقدير حجم ضحايا اليهود على نحو تهويلي أوصل العدد إلى ستة ملايين ضحية، بل إعطاء هذا الرقم صفة القداسة والنيل من كل من يعترض عليه بأي حجج منطقية مهما كانت، وعلى سبيل المثال فإن مؤسسات يهودية أصدرت في كتابها السنوي رقم 5702 لشهر أيلول/سبتمبر 1941 دراسة تشير إلى أن عدد اليهود في كل أوربا الخاضعة لألمانيا بما فيها روسيا وصل إلى 3.110.722 يهودي، فكيف يباد منهم ستة ملايين؟! إضافة إلى أن النقمة النازية لم تحل على اليهود فقط؛ بل طالت الشيوعيين والإنسانيين ومعارضي النظرية العنصرية الآرية، وكذلك عدداً من المرضى بالأوبئة الذين كانوا يتعرضون للحرق، يضاف إلى ذلك أن عدداً من شهود محاكمات نورمبرغ تراجعوا عن شهاداتهم بعد فترة، مثل المؤرخ الفرنسي ميشيل بوار M.Poir الذي اعترف بمبالغته في شهادته في جريدة أويست فرانس الصادرة في 2-3/8/1986 وكذلك تراجع عددٌ آخر من الشهود في جريدة ليبراسيون Libération في عددها الصادر 5/3/1979، وقد أصبح الحديث عن المحرقة تشكيكاً وكفراً في العديد من الأوساط الثقافية الغربية، حتى بواكير القرن الواحد والعشرين بفعل الدعاية الصهيونية المضللة؛ وقد دفع كثير من أحرار الرأي الغربيين مستقبلهم الفكري والاقتصادي والاجتماعي ثمناً لجرأتهم في نقد روايات المحرقة، وعلى رأسهم المفكر الفرنسي روجيه غارودي. وكعادة الأحداث الكبرى في التاريخ، ولعقدة الذنب التي شعر بها معظم الأوربيين تجاه مواطنيهم من اليهود؛ تسابقت دول أوربا المعنية بالأمر - إضافة إلى بعض دول القارة الأمريكية - إلى إقامة المتاحف لإظهار مدى المعاناة اليهودية، وكان أبرز هذه المتاحف في ألمانيا وبولونيا إضافة إلى فلسطين المحتلة حيث أقام الكيان الصهيوني بعد اغتصاب فلسطين متاحف للتذكير بالمحرقة، ومازال اليهود في «إسرائيل» يحتفلون بذكراها في 27 نيسان/أبريل حسب التقويم العبري، وتحتفل الجاليات اليهودية في العالم بهذه الذكرى في 19-20 نيسان/أبريل من كل عام.
م.ر.ع