بدأت آنا أخماتوفا تقرض الشعر طفلة لم تتجاوز الحادية عشرة من عمرها، وتعززت مكانتها حين ألقت أشعاراً من نظمها في ندوة أقيمت تكريماً للشاعر الرمزي فياتشيسلاف إيفانوف[ر] Ivanov ومنذ شتاء 1911 بدأت أخماتوفا تشارك في «مُحترف الشعراء» Tsikl Poetov الذي ضم شعراء الحركة «الأوجية» Acmeisme، التي تزعمت تياراً أدبياً في الشعر الروسي ظهر سنة 1910 يناهض الرمزية ويدعو إلى الموضوعية وتحري الدقة في انتقاء معاني الكلمات والاهتمام بالعالم المحسوس، وكانت هذه الحركة تضم إضافة إلى منظرَيها الرئيسين نيقولاي غوميليف وسيرغي غروديتسكي S.Gorodetski عدداً من الشعراء الشباب منهم: أوسيب ماندلشتام O. Mandelstam وميخائيل كوزمين M. Kouzmin وبوريس سادوفسكي B. Sadovski وغيرهم.
صدرت لأخماتوفا أول مجموعة شعرية سنة 1912 بعنوان «المساء» Vecher وتبعتها مجموعة أخرى بعنوان «السبحة» Chetki (1914) و«السرب الأبيض» Belaya Staya (1917) ثم «عابر السبيل» Podorozhnik (1921) و«آنّو دوميني - 1921» Anno Domini MCMXXI (1922)، وتعكس المجموعتان الأخيرتان موقف أخماتوفا من الثورة البلشفية والحرب الأهلية. وبعد إعدام زوجها السابق غوميليف سنة 1921 بتهمة الاشتراك في مؤامرة معادية للسوفييت غدا وضع آنا أخماتوفا حرجاً للغاية، ودخلت منذ العام 1923 في صمت مطبق عن قول الشعر، ولم ينشر لها أي كتاب في العهد السوفييتي حتى العام 1940، حين بدأت مجلة «النجم» Zvezda الشهرية تنشر لها قصائد مختارة، ثم صدر لها مجلد ضم مختارات من شعرها القديم عنوانه «مختارات من ستة كتب» Iz sheti King ولكنه سحب من المكتبات قبل انصرام بضعة أشهر على صدوره.
ومع بداية الحرب الوطنية العظمى والغزو الألماني للاتحاد السوفييتي سمح لأخماتوفا ببث رسائل مشجعة في الإذاعة إلى نساء ليننغراد وقراءة مختارات من قصائدها على الجرحى من نزلاء المستشفيات، كما سمح لها بنشر عدد من القصائد الوطنية والحماسية في مجموعة صدرت سنة 1943 في طشقند، وبعد عودتها إلى ليننغراد بدأت تستعد لإصدار ديوان ضخم يضم أشعارها، إلا أنها تعرضت للتشهير في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفييتي في العام 1946 وجرى طردها من اتحاد الكتاب السوفييت، وأتلف ديوانها الجديد وهو قيد الطبع. وفي عام 1950 نشرت لأخماتوفا قصائد في مدح ستالين والشيوعية السوفييتية وأعيد نشرها أكثر من مرة تملقاً من أجل إطلاق سراح ابنها ليف غوميليوف الذي اعتقل سنة 1937 ونفي إلى سيبيرية سنة 1949. وبعد موت ستالين وحدوث الانفراج الثقافي بدأت أخماتوفا تسترد مكانتها في عالم الأدب تدريجياً، ونشرت لها مجموعات شعرية وترجمات لأشعارها، ومقالات أدبية رائعة لعل أشهرها دراسة أدبية عن بوشكين[ر]. أما أطول قصائدها وأشهرها فهي «قصيدة من غير بطل» Poema Bez Geroya (1940-1960) لم تنشر في الاتحاد السوفييتي (سابقاً) إلا في العام 1976، وهي تشتمل على فلسفة أخماتوفا وآرائها في الحياة والشعر، وتعد من أعظم القصائد التي تم نظمها في القرن العشرين وتجمع بين الرمزية والمجاز والسيرة الذاتية.
تميزت أشعار أخماتوفا بالواقعية والبعد عن الشكل والتجريد، وبالجرأة في اختيار بعض الجزئيات التي تبدو ثانوية في ظاهرها، وكانت تستوحي نظمها من الجماليات الاتباعية التي يعد بوشكين وباتيوشكوف خير نموذجين لها. وتظهر هذه الاتباعية عند أخماتوفا مغايرة لما هي عليه عند ماياكوفسكي وباسترناك. ويتصف شعرها عموماً بالبساطة والوضوح ودقة التعبير وكمال النظم. وهي لا تسعى وراء القوافي المميزة والاستعارات المتعمدة خلا الصور المطروحة في الشعر التقليدي، وفي شعرها صور من الشعر الشعبي وقبسات من اللغة المحكية ممزوجة بالمفردات التي تحمل طابع القدم، وهذا ما جعلها تسهم مع أكثر معاصريها في تجديد الإيقاع الشعري الروسي ومقاطعه ونبره مع استخدام الوقف Pause الذي يزيد من القوة التعبيرية للإيقاع.
ترعرعت أخماتوفا على تربة الحياة الحقيقية ترضع من حوافزها حب الأرض والوطن، ومع ما لحقها من اضطهاد ومعاناة فقد رفضت مغادرة موطنها، وأدانت بشدة الهجرة والانفصال عن الوطن: «لست مع من يهجر وطنه». أما موضوعها الرئيسي فهو الحب المأساوي الأنثوي الذي يمزج العاطفة بالأسى والحزن بالبهجة والأمل، واشتمل نظمها على بعض التناقض في سنوات المعاناة، وتعززت عندها أصداء حب الوطن ووحدة الأرض في الثلاثينات وفي سنوات الحرب، ولم يمنع ذلك نقادها في العهد الستاليني من نعتها بالأرستقراطية البرجوازية وبأنها صوفية وراهبة بغي، وأنها من المنشقين سياسياً، وشعرها «منفر للشعب السوفييتي».
أشرفت أخماتوفا على ترجمة أعمال شعراء أجانب مثل فكتور هوغو وطاغور وليوباردي وبعض الشعراء الأرمن والكوريين، وأعدت دراسة عن ألكسندر بلوك كما تُرجمت أعمالها إلى لغات كثيرة، ومنحت عام 1964 جائزة إتنا تورمينا العالمية لمسابقات الشعر التي تنظمها إيطالية، وكرمتها جامعة اكسفورد بمنحها لقب الدكتوراه الفخرية عام 1965. توفيت آنا أخماتوفا ودفنت بالقرب من موسكو.