سامراء
سامراء مدينة تقع تقع على بعد 100كم شمال بغداد شرقي نهر دجلة، يقال إنها سميت: «سُرَّ مَن رأى» فخففها الناس وقالوا سامرّاء.
بناها الخليفة المعتصم (218ـ227هـ) حين شكا له أهالي بغداد من عَنَتِ جنده الأتراك وعسفهم،فقرر اتخاذ عاصمة جديدة له يسكن بها مع جنده وحاشيته، فاختط سنة 221هـ/836م مدينة سامراء واحضر العمال والصناع وأرباب المهن من سائر الأمصار الإسلامية لهذه المهمة، فوضع أساس قصره، وجعل للأتراك قطائع خاصة بهم، وبنى عدة قصور للقواد والكتاب سماها بأسمائهم. وحفر الأنهار في شرقي دجلة، ونُصبت الدواليب والدوالي على الأنهار، وحملت النخيل والغروس من سائر البلدان،وبنى القرى وحُمل إليها الناس من كل بلد، وأمرهم أن يعمروا عمارة بلدهم.
توفي المعتصم فيها سنة 227هـ وأقام ابنه الواثق (ت232هـ) بسامراء حتى مات بها ثم ولي المتوكل (ت247هـ) فبنى أبنية كثيرة، وبنى مسجداً جامعاً فأعظم النفقة عليه وأمر برفع المنارة لتعلوا أصوات المؤذنين فيها،وحتى تُرى من بعيد، واشتق من دجلة قناتين تدخلان الجامع وتتخللان شوارع سامراء، ولم تزل سامراء كما يقول ياقوت الحموي في صلاح وزيادة وعمران منذ أيام المعتصم والواثق والمتوكل إلى آخر أيام المنتصر بن المتوكل (ت248هـ)، فلما ولي المستعين وقويت شوكة الأتراك واستبدوا بالتولية والعزل، بدأت سامراء بالتراجع نتيجة للخلافات الواقعة بين أمراء الأتراك إلى أن كان آخر من انتقل إلى بغداد من الخلفاء وأقام بها وترك سر من رأى بالكليَّة الخليفة المعتضد (279ـ289هـ).
وتعد سامراء أقدم مدينة إسلامية ظلت آثارها واضحة حتى اليوم، تبرهن على أن تخطيطها تم طبقاً لنظم هندسية وتصميمات مدروسة تكاد لا تضارعها في ذلك مدينة أخرى من المدن القديمة، وتُبين الحفريات الأثرية والصور الجوية مدى ما وصلت إليه شوارعها من انتظام، وما فيها من قصور ومنازل وأبنية ومساجد، وثكنات الجند وخزائن المال وحدائق الحيوانات والحمامات والأسواق وغيرها .
ومن أهم مساجدها الجامعة، جامع سامراء الكبير وجامع أبي دُلَف.
جامع سامراء الكبير
بناه الخليفة المتوكل في عام 237هـ/852م، وهو مستطيل الشكل مبني بالآجر طوله 240متراً وعرضه 156متراً، وتبلغ مساحته37440متراً مربعاً، فهو أكبر مسجد في العالم، له ستة عشر باباً، ويذكر المقدسي أن مسجد سامراء نافس المسجد الأموي بدمشق، وأن جدرانه كانت مزخرفة بالمينا والتي رأى هرتزفلد Herzfeld بأن هذه الكلمة تعني الفسيفساء، وقد أكدت التنقيبات الأثرية ذلك لأنه وجد فيها بقايا كثيرة من الفسيفساء الزجاجية.
وأهم ما يميز جامع سامراء مئذنته الملوية التي تختلف عن جميع المآذن والأبراج في العالم الإسلامي أو غيره، وتمتاز المئذنة الملوية بأن لها درجاً يدور حول بدن المئذنة من الخارج وليس في داخلها كما هو الحال في جميع المآذن الأخرى (الشكل ـ1).
لهذه المئذنة قاعدة مربعة طول ضلعها (33) ثلاثة وثلاثون متراً، قليلة الارتفاع إذ لا يتجاوز ارتفاعها ثلاثة أمتار، يرتكز عليها بدن المئذنة الذي يبلغ ارتفاعه خمسين متراً .
جامع أبي دُلَف
بعد بناء مسجد سامراء بعدة أعوام، بنى المتوكل مدينة جديدة شمال سامراء، وأنهى بناءها في عام 247هـ/861م وسماها الجعفرية، وانتقل إليها، ويذكر اليعقوبي أن المتوكل عاش في قصره الذي بناه في المدينة الجديدة تسعة أشهر وثلاثة أيام فقط، وقتل فيه في 3شوال سنة 247هـ /11كانون الثاني 861م، وخلفه محمد المنتصر الذي عاد إلى سامراء، وأمر جميع السكان بالعودة إليها، فسرعان ما حل الخراب بالجعفرية وقصورها ومبانيها .
وكان الخليفة المتوكل قد مد الشارع العظيم في سامراء إلى ثلاثة فراسخ (61كم) لكي يصل إلى قصره في الجعفرية، وفيها بنى مسجد أبي دُلَف في عام 247هـ/861م . وهو مستطيل الشكل أيضاً لكنه أصغر من جامع سامراء، إذ يبلغ طوله (213) مئتين وثلاثة عشر متراً، وعرضه (135) مئة وخمسة وثلاثين مترا ً، وله خمسة عشر باباً وجميع جدرانه مبنية بالآجر، وفيه مئذنة ملوية صغيرة يبلغ ارتفاع قاعدتها (2.5) مترين ونصف المتر، ومساحتها 11.2 متراً مربعاً، ويبلغ ارتفاع المتبقي من بدنها (16) ستة عشر متراً.
وليس لمئذنتي جامع سامراء وجامع أبي دُلَف شبيه في الوقت الحاضر، ويقال إن الخليفة العباسي المكتفي الذي تولى الخلافة بين عامي 289ـ295هـ/902ـ908م، قد شيد مئذنة ملوية في بغداد كان يصعد سلمها وهو يمتطي ظهر حماره حتى يصل قمتها، ولا وجود لهذه المئذنة اليوم.
وتبين لنا بقايا القصور الضخمة التي بناها الخلفاء في سامراء مقدار الترف والأبهة التي كانت تحيط بهم، فقد كانت القصور واسعة جداً تتقدمها أبواب ضخمة عالية وأفنية واسعة، وتأتي بعدها قاعات العرش والإستقبال وأجنحة الحريم وأهل البيت والأمراء، وتحيط بها دور المال وثكنات الحرس والجنود والإسطبلات وخزائن السلاح ومنازل الحاشية وقصور الوزراء والحمامات والأسواق، مما يجعل القصر فيها كأنه مدينة قائمة بذاتها .
ومن أشهر تلك القصور قصر الجوسق الخاقاني الذي بناه المعتصم في عام 221هـ/836م، وقصر العاشق الذي بناه المعتمد بين عامي 264و269هـ/878و882م ولعله هو نفسه قصر المعشوق الذي تحدث عنه كل من الرحالة ابن جبير (1184م)، وابن بطوطة (1327م) .
نقبت في هذه المدينة بعثة أثرية ألمانية برئاسة العالمين زاره Sarre وهرتزفلد. ومما يزيد في أهمية هذه المدينة ظهور الزخارف النباتية الإسلامية المحفورة في الجص والتي عرفت فيما بعد بالأرابيسك، نسبة إلى العرب، حيث اعترف علماء الفنون بأن هذا النوع من الزخارف قد ولد في سامراء . ولهذه الزخارف مراحل ثلاث، تحتفظ في مرحلتها الأولى ببعض التأثيرات والرواسب الهلنستية والساسانية،ثم انتقلت إلى مرحلة ثانية تضاءلت فيها هذه التأثيرات، إلى أن اختفت كليّاً في المرحلة الثالثة حيث ظهرت أساليب جديدة لاتمت بصلة لما كان مستخدماً في المرحلة الأولى، وقد انتشر استعمال الطراز الثالث في حفر الزخارف على الخشب والرخام .
عبد الرزاق زقزوق
سامراء مدينة تقع تقع على بعد 100كم شمال بغداد شرقي نهر دجلة، يقال إنها سميت: «سُرَّ مَن رأى» فخففها الناس وقالوا سامرّاء.
توفي المعتصم فيها سنة 227هـ وأقام ابنه الواثق (ت232هـ) بسامراء حتى مات بها ثم ولي المتوكل (ت247هـ) فبنى أبنية كثيرة، وبنى مسجداً جامعاً فأعظم النفقة عليه وأمر برفع المنارة لتعلوا أصوات المؤذنين فيها،وحتى تُرى من بعيد، واشتق من دجلة قناتين تدخلان الجامع وتتخللان شوارع سامراء، ولم تزل سامراء كما يقول ياقوت الحموي في صلاح وزيادة وعمران منذ أيام المعتصم والواثق والمتوكل إلى آخر أيام المنتصر بن المتوكل (ت248هـ)، فلما ولي المستعين وقويت شوكة الأتراك واستبدوا بالتولية والعزل، بدأت سامراء بالتراجع نتيجة للخلافات الواقعة بين أمراء الأتراك إلى أن كان آخر من انتقل إلى بغداد من الخلفاء وأقام بها وترك سر من رأى بالكليَّة الخليفة المعتضد (279ـ289هـ).
وتعد سامراء أقدم مدينة إسلامية ظلت آثارها واضحة حتى اليوم، تبرهن على أن تخطيطها تم طبقاً لنظم هندسية وتصميمات مدروسة تكاد لا تضارعها في ذلك مدينة أخرى من المدن القديمة، وتُبين الحفريات الأثرية والصور الجوية مدى ما وصلت إليه شوارعها من انتظام، وما فيها من قصور ومنازل وأبنية ومساجد، وثكنات الجند وخزائن المال وحدائق الحيوانات والحمامات والأسواق وغيرها .
ومن أهم مساجدها الجامعة، جامع سامراء الكبير وجامع أبي دُلَف.
جامع سامراء الكبير
الشكل (1) المئذنة الملوية لجامع سامراء |
وأهم ما يميز جامع سامراء مئذنته الملوية التي تختلف عن جميع المآذن والأبراج في العالم الإسلامي أو غيره، وتمتاز المئذنة الملوية بأن لها درجاً يدور حول بدن المئذنة من الخارج وليس في داخلها كما هو الحال في جميع المآذن الأخرى (الشكل ـ1).
لهذه المئذنة قاعدة مربعة طول ضلعها (33) ثلاثة وثلاثون متراً، قليلة الارتفاع إذ لا يتجاوز ارتفاعها ثلاثة أمتار، يرتكز عليها بدن المئذنة الذي يبلغ ارتفاعه خمسين متراً .
جامع أبي دُلَف
بعد بناء مسجد سامراء بعدة أعوام، بنى المتوكل مدينة جديدة شمال سامراء، وأنهى بناءها في عام 247هـ/861م وسماها الجعفرية، وانتقل إليها، ويذكر اليعقوبي أن المتوكل عاش في قصره الذي بناه في المدينة الجديدة تسعة أشهر وثلاثة أيام فقط، وقتل فيه في 3شوال سنة 247هـ /11كانون الثاني 861م، وخلفه محمد المنتصر الذي عاد إلى سامراء، وأمر جميع السكان بالعودة إليها، فسرعان ما حل الخراب بالجعفرية وقصورها ومبانيها .
وكان الخليفة المتوكل قد مد الشارع العظيم في سامراء إلى ثلاثة فراسخ (61كم) لكي يصل إلى قصره في الجعفرية، وفيها بنى مسجد أبي دُلَف في عام 247هـ/861م . وهو مستطيل الشكل أيضاً لكنه أصغر من جامع سامراء، إذ يبلغ طوله (213) مئتين وثلاثة عشر متراً، وعرضه (135) مئة وخمسة وثلاثين مترا ً، وله خمسة عشر باباً وجميع جدرانه مبنية بالآجر، وفيه مئذنة ملوية صغيرة يبلغ ارتفاع قاعدتها (2.5) مترين ونصف المتر، ومساحتها 11.2 متراً مربعاً، ويبلغ ارتفاع المتبقي من بدنها (16) ستة عشر متراً.
وليس لمئذنتي جامع سامراء وجامع أبي دُلَف شبيه في الوقت الحاضر، ويقال إن الخليفة العباسي المكتفي الذي تولى الخلافة بين عامي 289ـ295هـ/902ـ908م، قد شيد مئذنة ملوية في بغداد كان يصعد سلمها وهو يمتطي ظهر حماره حتى يصل قمتها، ولا وجود لهذه المئذنة اليوم.
وتبين لنا بقايا القصور الضخمة التي بناها الخلفاء في سامراء مقدار الترف والأبهة التي كانت تحيط بهم، فقد كانت القصور واسعة جداً تتقدمها أبواب ضخمة عالية وأفنية واسعة، وتأتي بعدها قاعات العرش والإستقبال وأجنحة الحريم وأهل البيت والأمراء، وتحيط بها دور المال وثكنات الحرس والجنود والإسطبلات وخزائن السلاح ومنازل الحاشية وقصور الوزراء والحمامات والأسواق، مما يجعل القصر فيها كأنه مدينة قائمة بذاتها .
ومن أشهر تلك القصور قصر الجوسق الخاقاني الذي بناه المعتصم في عام 221هـ/836م، وقصر العاشق الذي بناه المعتمد بين عامي 264و269هـ/878و882م ولعله هو نفسه قصر المعشوق الذي تحدث عنه كل من الرحالة ابن جبير (1184م)، وابن بطوطة (1327م) .
نقبت في هذه المدينة بعثة أثرية ألمانية برئاسة العالمين زاره Sarre وهرتزفلد. ومما يزيد في أهمية هذه المدينة ظهور الزخارف النباتية الإسلامية المحفورة في الجص والتي عرفت فيما بعد بالأرابيسك، نسبة إلى العرب، حيث اعترف علماء الفنون بأن هذا النوع من الزخارف قد ولد في سامراء . ولهذه الزخارف مراحل ثلاث، تحتفظ في مرحلتها الأولى ببعض التأثيرات والرواسب الهلنستية والساسانية،ثم انتقلت إلى مرحلة ثانية تضاءلت فيها هذه التأثيرات، إلى أن اختفت كليّاً في المرحلة الثالثة حيث ظهرت أساليب جديدة لاتمت بصلة لما كان مستخدماً في المرحلة الأولى، وقد انتشر استعمال الطراز الثالث في حفر الزخارف على الخشب والرخام .
عبد الرزاق زقزوق