جينيه (جان)
Genet (Jean-) - Genet (Jean-)
جينيه (جان ـ)
(1910ـ1986)
جان جينيه (جُنيه) Jean Genet مسرحي وروائي وشاعر فرنسي. ولد في باريس لأب مجهول، وقبل أن ينهي عامه الأول تخلّت عنه أمه فصار يتيماً تحت رعاية الدولة، وعُهد برعايته إلى عائلة من المزارعين إلى أن حصل على شهادة الدراسة الابتدائية. أرسل إلى إصلاحية للأحداث الجانحين لضلوعه في عدد من عمليات السطو، ثم هرب منها ليلتحق متطوعاً في «الفرقة الأجنبية» التابعة للجيش الفرنسي، لكنه سرعان ما هرب من الجيش ليعيش عشر سنوات متشرداً بين موانئ البحر المتوسط والعواصم الأوربية. وقد تكرر اعتقاله أكثر من مرة لكن تدخل الشخصيات الثقافية المعجبة بكتاباته كان يساعد في إطلاق سراحه، إلى أن عُفي عنه نهائياً بمرسوم رئاسي عام 1951.
بعد سنوات السجن والتشرد عاش جينيه مدة من الاستقرار في باريس مع صديقه الجزائري الأصل، غير أن انتحار هذا الأخير عام 1964 أصابه بصدمة عاطفية ترك على أثرها فرنسا بعد أن أحرق كل مخطوطاته وقرر التوقف عن الكتابة. وقد عُرف عن الكاتب جينيه مواقفه التضامنية مع المضطهدين في العالم أجمع، فكان من مناصري الثورة الجزائرية والمقاومة الفييتنامية، ومن أشهر المدافعين الفرنسيين عن حقوق العمال المهاجرين. وفي هذا السياق قام عام 1970 برفقة الأديبة مرغريت دوراس[ر] Marguerite Duras باحتلال المقر العام لنقابة أرباب العمل الفرنسيين. وفي العام نفسه سافر إلى الولايات المتحدة لدعم حركة «الفهود السود» المطالبة بالحقوق المدنية. وقد رفضت الحكومة الأمريكية منحه سمة الدخول إلى أراضيها فدخل سراً عبر الحدود الكندية، وألقى عدة محاضرات في التجمعات الجامعية فطاردته الشرطة الأمريكية وأجبرته على العودة من حيث أتى.
مع بداية السبعينات قام جينيه بزيارات عدة للمخيمات الفلسطينية في سورية والأردن ولبنان، وأقام مدة طويلة في مخيم الحمام. وفي عام 1982 سافر إلى بيروت تضامناً مع اللبنانيين والفلسطينيين وكان أول أجنبي يدخل إلى مخيمي صبرا وشاتيلا ويكتشف حجم المجزرة التي ارتكبها الإسرائيليون وأعوانهم هناك. وقد سجل انطباعاته عن ذلك في مقالة سياسية مهمة بعنوان «أربع ساعات في شاتيلا» Quatre heures à Chatila.
بدأ حياته الأدبية شاعراً، وكانت قصيدته الطويلة «محكوم بالإعدام» Condamné à mort أولى نتاجاته وقد صاغها في السجن عام 1942. ثم أتبعها بعدد من الكتابات الشعرية مثل «أغنية حب» Un chant d’amour و«لحن جنائزي» Marche funèbre. ولم تكن الرغبة في الكلام عن تجربة أو موقف هي دافعه للكتابة وإنما سحر اللغة وحب اللعب بها. وكان يرى أن وظيفة الشعر هي تحويل مادة مبتذلة إلى مادة نبيلة بوساطة اللغة.
كانت مسرحية «رقابة مشدّدة» Haute Surveillance أولى أعماله المسرحية وقد كتبها في السجن أيضا عام 1948، أما أشهر مسرحياته فهي: «الخادمتان» Les Bonnes التي تعود نسختها الأولى لعام 1947، وقد استوحى نصها من جريمة حقيقية وقعت عام 1933 عندما قامت شقيقتان خادمتان بقتل سيدة البيت وابنتها بطريقة وحشية ثم عادتا إلى حياتهما الطبيعية، هناك أيضاً «الشرفة» (1955) Le Balcon؛ «الزنوج» (1958) Les Nègres؛ «الستائر» (1961) Les Paravents
وقد حكم على جينيه بتعديل نصوص مسرحياته هذه أكثر من مرة بدعوى الإخلال بالآداب العامة والإباحية، فهناك على سبيل المثال أربع نسخ مختلفة من مسرحية «الخادمتان». غير أن هذا لم يمنع من شهرة هذه المسرحيات عالمياً إذ عمل عليها كبار المخرجين المسرحيين في العالم أمثال بيتر بروك Peter Brook، بيسكاتور Piscator، فيكتور غارسيا Victor Garcia، ولوي جوفيه[ر] Louis Jouvet. وقد وضع جينيه نصوصاً مساعدة للمخرجين المسرحيين يوضح فيها ملاحظاته حول كيفية عرض مسرحياته هذه، وتعتبر هذه الملاحظات من أهم النصوص النظرية عن المسرح المعاصر. وقد كانت هذه النصوص المسرحية مادة أولية لعدد من الأفلام السينمائية، منها فيلم عن مسرحية «الشرفة» أخرجه جوزيف ستريك Joseph Strick ووضع موسيقاه الروسي إيغور سترافنسكي Igor Stravinsky. وكذلك استخدمت تلك النصوص مادة أولية لعدد من المؤلفات الموسيقية مثل باليه «الخادمتان» للمؤلف الفرنسي داريوس ميلو[ر] Darius Milhaud، وأوبرا «الشرفة» للمؤلف بيتر إتوس Peter Etus.
أما في مجال الرواية فقد كتب جينيه خمس روايات في الأربعينات هي على التوالي: «سيدة الورود» (1943) Notre-Dame-des-Fleurs؛ «معجزة الوردة» (1945) Miracle de la rose؛ «يوميات اللص» (1946) Journal du voleur ؛ «مواكب دفن» (1947) Pompes funèbres؛ و«كيرل من برست» Querelle de Brest (1974)، وقد أخرج السينمائي الألماني راينر فاسبندر Reiner Fassbinder فيلماً عن هذه الرواية عام 1982. أما آخر أعماله الأدبية فقد كتبها جينيه بعد انقطاع دام أكثر من ربع قرن وصدرت بعيد وفاته بعنوان «أسير عاشق» Un Captif amoureux وهي نص روائي مبني على جملة من الذكريات من إقامتين له بين الفلسطينيين، الأولى عام 1970 واستمرت سنتين والثانية عام 1984.
كتب جينيه أيضاً مجموعة من المقالات النقدية عن كبار مبدعي عصره مثل النحات الإيطالي ألبرتو جاكوميتي Alberto Giacometti والرسامة الأرجنتينية الأصل ليونور فيني Leonor Fini، كما له أيضاً مجموعة من السيناريوهات للسينما ولعروض رقص الباليه.
على الرغم من الأثر الكبير الذي تركه في الثقافة الفرنسية والعالمية، وعلى أهمية مواقفه النضالية مع كل حركات التحرر في العالم، لم يكن لديه عنوان ثابت يسكن فيه فكان يتنقل بين بيوت أصدقائه والفنادق الرخيصة. وفي غرفة في أحد هذه الفنادق وُجد جينيه ميتاً، ودُفن حسب وصيته، في المغرب.
حسـان عباس
Genet (Jean-) - Genet (Jean-)
جينيه (جان ـ)
(1910ـ1986)
بعد سنوات السجن والتشرد عاش جينيه مدة من الاستقرار في باريس مع صديقه الجزائري الأصل، غير أن انتحار هذا الأخير عام 1964 أصابه بصدمة عاطفية ترك على أثرها فرنسا بعد أن أحرق كل مخطوطاته وقرر التوقف عن الكتابة. وقد عُرف عن الكاتب جينيه مواقفه التضامنية مع المضطهدين في العالم أجمع، فكان من مناصري الثورة الجزائرية والمقاومة الفييتنامية، ومن أشهر المدافعين الفرنسيين عن حقوق العمال المهاجرين. وفي هذا السياق قام عام 1970 برفقة الأديبة مرغريت دوراس[ر] Marguerite Duras باحتلال المقر العام لنقابة أرباب العمل الفرنسيين. وفي العام نفسه سافر إلى الولايات المتحدة لدعم حركة «الفهود السود» المطالبة بالحقوق المدنية. وقد رفضت الحكومة الأمريكية منحه سمة الدخول إلى أراضيها فدخل سراً عبر الحدود الكندية، وألقى عدة محاضرات في التجمعات الجامعية فطاردته الشرطة الأمريكية وأجبرته على العودة من حيث أتى.
مع بداية السبعينات قام جينيه بزيارات عدة للمخيمات الفلسطينية في سورية والأردن ولبنان، وأقام مدة طويلة في مخيم الحمام. وفي عام 1982 سافر إلى بيروت تضامناً مع اللبنانيين والفلسطينيين وكان أول أجنبي يدخل إلى مخيمي صبرا وشاتيلا ويكتشف حجم المجزرة التي ارتكبها الإسرائيليون وأعوانهم هناك. وقد سجل انطباعاته عن ذلك في مقالة سياسية مهمة بعنوان «أربع ساعات في شاتيلا» Quatre heures à Chatila.
بدأ حياته الأدبية شاعراً، وكانت قصيدته الطويلة «محكوم بالإعدام» Condamné à mort أولى نتاجاته وقد صاغها في السجن عام 1942. ثم أتبعها بعدد من الكتابات الشعرية مثل «أغنية حب» Un chant d’amour و«لحن جنائزي» Marche funèbre. ولم تكن الرغبة في الكلام عن تجربة أو موقف هي دافعه للكتابة وإنما سحر اللغة وحب اللعب بها. وكان يرى أن وظيفة الشعر هي تحويل مادة مبتذلة إلى مادة نبيلة بوساطة اللغة.
كانت مسرحية «رقابة مشدّدة» Haute Surveillance أولى أعماله المسرحية وقد كتبها في السجن أيضا عام 1948، أما أشهر مسرحياته فهي: «الخادمتان» Les Bonnes التي تعود نسختها الأولى لعام 1947، وقد استوحى نصها من جريمة حقيقية وقعت عام 1933 عندما قامت شقيقتان خادمتان بقتل سيدة البيت وابنتها بطريقة وحشية ثم عادتا إلى حياتهما الطبيعية، هناك أيضاً «الشرفة» (1955) Le Balcon؛ «الزنوج» (1958) Les Nègres؛ «الستائر» (1961) Les Paravents
وقد حكم على جينيه بتعديل نصوص مسرحياته هذه أكثر من مرة بدعوى الإخلال بالآداب العامة والإباحية، فهناك على سبيل المثال أربع نسخ مختلفة من مسرحية «الخادمتان». غير أن هذا لم يمنع من شهرة هذه المسرحيات عالمياً إذ عمل عليها كبار المخرجين المسرحيين في العالم أمثال بيتر بروك Peter Brook، بيسكاتور Piscator، فيكتور غارسيا Victor Garcia، ولوي جوفيه[ر] Louis Jouvet. وقد وضع جينيه نصوصاً مساعدة للمخرجين المسرحيين يوضح فيها ملاحظاته حول كيفية عرض مسرحياته هذه، وتعتبر هذه الملاحظات من أهم النصوص النظرية عن المسرح المعاصر. وقد كانت هذه النصوص المسرحية مادة أولية لعدد من الأفلام السينمائية، منها فيلم عن مسرحية «الشرفة» أخرجه جوزيف ستريك Joseph Strick ووضع موسيقاه الروسي إيغور سترافنسكي Igor Stravinsky. وكذلك استخدمت تلك النصوص مادة أولية لعدد من المؤلفات الموسيقية مثل باليه «الخادمتان» للمؤلف الفرنسي داريوس ميلو[ر] Darius Milhaud، وأوبرا «الشرفة» للمؤلف بيتر إتوس Peter Etus.
أما في مجال الرواية فقد كتب جينيه خمس روايات في الأربعينات هي على التوالي: «سيدة الورود» (1943) Notre-Dame-des-Fleurs؛ «معجزة الوردة» (1945) Miracle de la rose؛ «يوميات اللص» (1946) Journal du voleur ؛ «مواكب دفن» (1947) Pompes funèbres؛ و«كيرل من برست» Querelle de Brest (1974)، وقد أخرج السينمائي الألماني راينر فاسبندر Reiner Fassbinder فيلماً عن هذه الرواية عام 1982. أما آخر أعماله الأدبية فقد كتبها جينيه بعد انقطاع دام أكثر من ربع قرن وصدرت بعيد وفاته بعنوان «أسير عاشق» Un Captif amoureux وهي نص روائي مبني على جملة من الذكريات من إقامتين له بين الفلسطينيين، الأولى عام 1970 واستمرت سنتين والثانية عام 1984.
كتب جينيه أيضاً مجموعة من المقالات النقدية عن كبار مبدعي عصره مثل النحات الإيطالي ألبرتو جاكوميتي Alberto Giacometti والرسامة الأرجنتينية الأصل ليونور فيني Leonor Fini، كما له أيضاً مجموعة من السيناريوهات للسينما ولعروض رقص الباليه.
على الرغم من الأثر الكبير الذي تركه في الثقافة الفرنسية والعالمية، وعلى أهمية مواقفه النضالية مع كل حركات التحرر في العالم، لم يكن لديه عنوان ثابت يسكن فيه فكان يتنقل بين بيوت أصدقائه والفنادق الرخيصة. وفي غرفة في أحد هذه الفنادق وُجد جينيه ميتاً، ودُفن حسب وصيته، في المغرب.
حسـان عباس