جيمس (وليم)
James (William-) - James (William-)
جيمس (وليم ـ)
(1842ـ1910)
وليم جيمس William James عالم نفسي وفيلسوف مثالي أمريكي من أصل أيرلندي، وشقيق الروائي الكبير هنري جيمس، وهو من الدعاة البارزين للذرائعية[ر] (البراغماتية) Pragmatism. تلقى العلم والفلسفة في معاهد وجامعات أمريكية وإنكليزية وفرنسية وسويسرية وألمانية حتى حصل على الدكتوراه في الطب من جامعة هارفرد (1869)، وعيّن فيها أستاذاً للتشريح والفيزيولوجية (1873)، ثم أستاذاً لعلم النفس (1875)، فأسس أول معمل لعلم النفس في أمريكة، ثم أستاذاً للفلسفة (1879) حتى استقالته عام 1907.
ومن أشهر آثاره: «مبادئ علم النفس» (1890)، و«إرادة الاعتقاد» (1897)، و«الفلسفة العملية» (1907)، و«معنى الحقيقة» (1909)، و«مقالات في التجريبية المتطرفة» (1912).
مرَّ تطور جيمس الفكري بمراحل ثلاث، في الأولى اهتم بعلم النفس، وفي الثانية ركز على شرح فلسفته العملية، وفي الأخيرة شُغل بنوع من الواقعية عُرفت باسم «الواحدية المحايدة» Neutral Monism.
عارض جيمس النظرة العامة المادية للعالم، وكان على وعي بعيوب المنهج الميتافيزيقي، ورفض الجدل أيضاً وأقر اللاعقلانية، وقد أكد تحليله للعقل الذي وصفه بأنه «تيار الوعي»، أهمية العناصر الإرادية والانفعالية، وأدى به ذلك إلى علم النفس، فاستطاع أن يقيم من السيكولوجية علماً على أساس من مقتضيات التجريبية الصارمة (المتطرفة)، وهي مذهب جديد في تفسير العلاقة بين الذات والموضوع، أو بين الشعور من جهة والعالم الموضوعي من جهة أخرى، كما أنها في الحقيقة ردّ ذاتي للواقع إلى «خبرة خالصة»، إلى الوعي.
ويرجع فضله في علم النفس أيضاً إلى اتباعه المنهج الأدائي في تناول الظواهر العقلية، وتأكيده على الاستبطان وسيلة لمعرفة وظائف العقل معرفة تجريبية لا يمكن أن تتحصل إلا بالنظر إلى الباطن. والفصول التي كتبها في تيار الفكر ووعي الذات لا يبزها شيء مما كتب في علم النفس الاستبطاني.
وهو يسلم بأن الظواهر الوجدانية تجري في تيار متصل، ولا يمكن ردّها إلى ظواهر فيزيولوجية. وأشهر ما طرحه جيمس هو «نظرية جيمس ـ لانغ في الانفعالات»، إذ يعد الانفعال النفسي كالخوف والغضب مجرد الإحساس بالحالة الفيزيولوجية المترتبة على إدراك الموضوع، ومعنى ذلك «أنني إذ أرى الذئب أهرب فأخاف، بدلاً من القول إننا إذ نرى الذئب نخاف فنهرب»، فالانفعال يأتي نتيجة للحالة الجسدية وليس العكس، ومع ذلك فالحالة الانفعالية ظاهرة مستقلة بذاتها.
ويدخل جيمس في التجريبية المتطرفة بمقالة «هل الشعور موجود» (1904)، ويرى أنه لا وجود لشيء اسمه الشعور وإنما توجد الخبرة الخالصة، وأن العارف وموضوع المعرفة جزءان من أجزائها التي هي مادة وتفكير لاحق، وهذه المادة إذاً ليست هي العقل وليست هي المادة بالمعنى المقابل في الثنائية القديمة (العقل والمادة) ولكنها شيء خاص به، شيء واحد محايد، وهذا معنى نظريته «الواحدية المحايدة»، التي تعرّف المادي والروحي بأنهما جانبان مختلفان «لخبرة» واحدة، وليس الاختلاف بين العقل والمادة إلا اختلافاً في التنظيم.
وقد استعاض جيمس بمبدأ المنفعة الذرائعي (العملي) عن الفهم الموضوعي للحقيقة، ومهد الطريق للمذهب الإيماني، ودافع عن حق إرادة الاعتقاد بما لا يمكن إثباته أو التدليل عليه. وقد كشف في محاضرته عن البراغماتية (1898) «المفاهيم الفلسفية والنتائج العملية» عن أهمية الفلسفة العملية التي تجعل من العمل مبدأً مطلقاً، وأكد بذلك أهمية مقال تشارلز ساندرز بيرس (1878) «كيف نوضح أفكارنا؟» الذي يعد بداية لحركة البراغماتية.
ويتلخص مذهبه البراغماتي في قوله «إن تصورنا لموضوع هو تصورنا لما قد ينتج عن هذا الموضوع من آثار عملية لا أكثر». فالفلسفة العملية تدرس الواقع لا المجرد، والفيلسوف العملي يهتم بالمدرك Percept وليس المتصور Concept، والمنهج العملي هو المنهج الذي يفسر أي معنى بتعقب نتائجه العملية، والمذهب العملي هو مذهب في البحث، ومن ثم يصلح لعدة فلسفات، وهو ضد فكرة وجود حقيقة واضحة أو عقل مطلق، والفكرة الصادقة ليست الفكرة المطابقة للواقع، ولكنها التي تؤدي بنا مباشرة أمام الموضوع المراد معرفته، وتصبح الفكرة حقيقة عندما تثبت التجربة بأنها صالحة ومفيدة، ويصير الحق هو الملائم في مجال التفكير، والخير هو الملائم في مجال السلوك. وليست المنفعة الفردية هي معيار صدق الفكرة، لكن الفكرة الصادقة هي التي تتلاءم مع غيرها من الأفكار التي ثبتت صحتها عملياً، ويتم الحكم على الأفكار أحياناً باللجوء إلى إرادة الاعتقاد، حيث يكون الاعتقاد في أمانة شخص مثلاً باعثاً له على السلوك بأمانة.
أفاد جيمس من المنهج البراغماتي في نظريته في الأخلاق والدين، فاعتبر الدين تجربة فردية، وجوهرها العاطفة الدينية لا الطقوس، وأن الشعور الديني شعور باطني بالمشاركة في موجود أعظم، وهو شعور بالانسجام والسلام، وأن التجربة الدينية أكثر واقعية من التجربة العلمية لأنها تبدأ بالمجسم أي العاطفة والإحساس والفكر، والتجربة العلمية تبدأ بالمجرد، والعلم تجربة ولكن الدين واقعة حية نعيشها، والله موجود لأن فرض وجوده نافع، والله في التجربة الدينية هو أنت، فهو متناه ولا يحيط بكل شيء، والله هو باطن الأشياء، فهو المثال، وهو ليس مسؤولاً عن الشر، بل على العكس هو شريكنا الأعظم في محاربة الشر، ولذلك يتدخل الله لتغيير مجرى الأحداث، فتحدث المعجزات في العالم.
وبهذا دافع جيمس عن الدين، فقد كان عضواً نشيطاً في منظمة خاصة أسسها في نيويورك لبحث «الخبرة» الصوفية، ودافع عن حق الإنسان في الاعتقاد بما يراه مفيداً له في حياته وسلوكه، وحقه في الإيمان ببعض الفروض في الدين والأخلاق، إذا كانت هذه الفروض نافعة، والمعيار هنا هو أساس نفسي وحضاري.
عصام عبود
James (William-) - James (William-)
جيمس (وليم ـ)
(1842ـ1910)
ومن أشهر آثاره: «مبادئ علم النفس» (1890)، و«إرادة الاعتقاد» (1897)، و«الفلسفة العملية» (1907)، و«معنى الحقيقة» (1909)، و«مقالات في التجريبية المتطرفة» (1912).
مرَّ تطور جيمس الفكري بمراحل ثلاث، في الأولى اهتم بعلم النفس، وفي الثانية ركز على شرح فلسفته العملية، وفي الأخيرة شُغل بنوع من الواقعية عُرفت باسم «الواحدية المحايدة» Neutral Monism.
عارض جيمس النظرة العامة المادية للعالم، وكان على وعي بعيوب المنهج الميتافيزيقي، ورفض الجدل أيضاً وأقر اللاعقلانية، وقد أكد تحليله للعقل الذي وصفه بأنه «تيار الوعي»، أهمية العناصر الإرادية والانفعالية، وأدى به ذلك إلى علم النفس، فاستطاع أن يقيم من السيكولوجية علماً على أساس من مقتضيات التجريبية الصارمة (المتطرفة)، وهي مذهب جديد في تفسير العلاقة بين الذات والموضوع، أو بين الشعور من جهة والعالم الموضوعي من جهة أخرى، كما أنها في الحقيقة ردّ ذاتي للواقع إلى «خبرة خالصة»، إلى الوعي.
ويرجع فضله في علم النفس أيضاً إلى اتباعه المنهج الأدائي في تناول الظواهر العقلية، وتأكيده على الاستبطان وسيلة لمعرفة وظائف العقل معرفة تجريبية لا يمكن أن تتحصل إلا بالنظر إلى الباطن. والفصول التي كتبها في تيار الفكر ووعي الذات لا يبزها شيء مما كتب في علم النفس الاستبطاني.
وهو يسلم بأن الظواهر الوجدانية تجري في تيار متصل، ولا يمكن ردّها إلى ظواهر فيزيولوجية. وأشهر ما طرحه جيمس هو «نظرية جيمس ـ لانغ في الانفعالات»، إذ يعد الانفعال النفسي كالخوف والغضب مجرد الإحساس بالحالة الفيزيولوجية المترتبة على إدراك الموضوع، ومعنى ذلك «أنني إذ أرى الذئب أهرب فأخاف، بدلاً من القول إننا إذ نرى الذئب نخاف فنهرب»، فالانفعال يأتي نتيجة للحالة الجسدية وليس العكس، ومع ذلك فالحالة الانفعالية ظاهرة مستقلة بذاتها.
ويدخل جيمس في التجريبية المتطرفة بمقالة «هل الشعور موجود» (1904)، ويرى أنه لا وجود لشيء اسمه الشعور وإنما توجد الخبرة الخالصة، وأن العارف وموضوع المعرفة جزءان من أجزائها التي هي مادة وتفكير لاحق، وهذه المادة إذاً ليست هي العقل وليست هي المادة بالمعنى المقابل في الثنائية القديمة (العقل والمادة) ولكنها شيء خاص به، شيء واحد محايد، وهذا معنى نظريته «الواحدية المحايدة»، التي تعرّف المادي والروحي بأنهما جانبان مختلفان «لخبرة» واحدة، وليس الاختلاف بين العقل والمادة إلا اختلافاً في التنظيم.
وقد استعاض جيمس بمبدأ المنفعة الذرائعي (العملي) عن الفهم الموضوعي للحقيقة، ومهد الطريق للمذهب الإيماني، ودافع عن حق إرادة الاعتقاد بما لا يمكن إثباته أو التدليل عليه. وقد كشف في محاضرته عن البراغماتية (1898) «المفاهيم الفلسفية والنتائج العملية» عن أهمية الفلسفة العملية التي تجعل من العمل مبدأً مطلقاً، وأكد بذلك أهمية مقال تشارلز ساندرز بيرس (1878) «كيف نوضح أفكارنا؟» الذي يعد بداية لحركة البراغماتية.
ويتلخص مذهبه البراغماتي في قوله «إن تصورنا لموضوع هو تصورنا لما قد ينتج عن هذا الموضوع من آثار عملية لا أكثر». فالفلسفة العملية تدرس الواقع لا المجرد، والفيلسوف العملي يهتم بالمدرك Percept وليس المتصور Concept، والمنهج العملي هو المنهج الذي يفسر أي معنى بتعقب نتائجه العملية، والمذهب العملي هو مذهب في البحث، ومن ثم يصلح لعدة فلسفات، وهو ضد فكرة وجود حقيقة واضحة أو عقل مطلق، والفكرة الصادقة ليست الفكرة المطابقة للواقع، ولكنها التي تؤدي بنا مباشرة أمام الموضوع المراد معرفته، وتصبح الفكرة حقيقة عندما تثبت التجربة بأنها صالحة ومفيدة، ويصير الحق هو الملائم في مجال التفكير، والخير هو الملائم في مجال السلوك. وليست المنفعة الفردية هي معيار صدق الفكرة، لكن الفكرة الصادقة هي التي تتلاءم مع غيرها من الأفكار التي ثبتت صحتها عملياً، ويتم الحكم على الأفكار أحياناً باللجوء إلى إرادة الاعتقاد، حيث يكون الاعتقاد في أمانة شخص مثلاً باعثاً له على السلوك بأمانة.
أفاد جيمس من المنهج البراغماتي في نظريته في الأخلاق والدين، فاعتبر الدين تجربة فردية، وجوهرها العاطفة الدينية لا الطقوس، وأن الشعور الديني شعور باطني بالمشاركة في موجود أعظم، وهو شعور بالانسجام والسلام، وأن التجربة الدينية أكثر واقعية من التجربة العلمية لأنها تبدأ بالمجسم أي العاطفة والإحساس والفكر، والتجربة العلمية تبدأ بالمجرد، والعلم تجربة ولكن الدين واقعة حية نعيشها، والله موجود لأن فرض وجوده نافع، والله في التجربة الدينية هو أنت، فهو متناه ولا يحيط بكل شيء، والله هو باطن الأشياء، فهو المثال، وهو ليس مسؤولاً عن الشر، بل على العكس هو شريكنا الأعظم في محاربة الشر، ولذلك يتدخل الله لتغيير مجرى الأحداث، فتحدث المعجزات في العالم.
وبهذا دافع جيمس عن الدين، فقد كان عضواً نشيطاً في منظمة خاصة أسسها في نيويورك لبحث «الخبرة» الصوفية، ودافع عن حق الإنسان في الاعتقاد بما يراه مفيداً له في حياته وسلوكه، وحقه في الإيمان ببعض الفروض في الدين والأخلاق، إذا كانت هذه الفروض نافعة، والمعيار هنا هو أساس نفسي وحضاري.
عصام عبود