عودة المحقق مارلوي إلى الشاشة من جديد
سمير رمان 9 مارس 2023
سينما
لم يعتمد سيناريو الفيلم على نصوص الروائي الأميركي تشاندلر
شارك هذا المقال
حجم الخط
بدأت دور السينما في أوروبا عرض فيلم "مارلوي" Marlowe للمخرج الإيرلندي نيل جوردان. والفيلم هو المئة في مسيرة الفنان البريطاني ليام نيسون، الذي ظهر هذه المرّة ببزةً مجعّدة وقبّعةً ناعمة الحواف كتلك التي كان يرتديها المحقق الخاص الذي ابتكره الكاتب الأميركي ريموند تشاندلر/Raymond Chandler، مؤلّف القصص والروايات البوليسية الشهير.
أول ظهور للمحقق فيليب مارلوي كان في رواية "النوم العميق" عام 1939، تبعته سلسلة من سبع رواياتٍ. وبحسب تشاندلر، فإنّ شخصية مارلوي لم تكن مستوحاةً من شخصيّةٍ حقيقية، كما لم تستوحَ من شخصيات المحققين الذين اشتهروا في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي، ممن ابتكرهم خيال غيره من الكتاب. ولكن مارلوي، حاله حال جميع المحققين: يحتسي كثيرًا من الكحول، ويدخّن بشراهة من دون توقف، كما يلتقي، بحكم عمله، نساءً حسناوات خطيرات يحاول مقاومة إغراءهنّ، ليركّز على عمله، ويحلّ ألغاز الجرائم. تميّز مارلوي عن كثيرٍ من المحققين بكاريزما قوية، وبقدرة فريدة على السخرية، ليصبح شخصيّةً مميزة لسنواتٍ طويلة، حتى في ذروة أفلام السينما الواقعية المتشائمة.
في طبيعة الحال، ساهمت سيرة الممثل ليام نيسون السينمائية الطويلة في تكريس دوره، مقارنة مع الممثلين السابقين الذين أدوا دور مارلوي: مارلوي ظهر في عشرات الأفلام، أشهرها: "النوم العميق" للمخرج هوارد هوكس (1946)، والممثل همفري بوغارت، وفيلم "إنّها جريمة قتلٍ يا حبيبتي" (1944) مع ديك باول، وفيلم "سيدة في البحيرة" لروبرت مونتغمري (1945)، وفيلم "وداعًا يا جميلتي" لديك ريتشارد (1975) مع الممثل روبرت ميتشيم. وفي عام 1978، عاد ميتشيم إلى لعب دور مارلوي في نسخةٍ جديدة من فيلم "النوم العميق" من إخراج مايكل أوينير، حيث نقلت أحداث الفيلم لتدور في زمن معاصر، أي في لندن سبعينيات القرن العشرين، وهو آخر ظهورٍ للمحقق على الشاشة الكبيرة، حتى العام الماضي، عندما قرر نيل غوردان، وكاتب السيناريو الحائز على الأوسكار، ويليام موناهان، إعادته إلى الشاشة من جديد.
ومع ذلك، لم يعتمد سيناريو الفيلم الجديد على نصوص الروائي الأميركي تشاندلر، مبتكر الشخصية، بل على رواية الكاتب الإيرلندي جون بانفيل "الشقراء ذات العيون السوداء"، التي صدرت عام 2014. ويمكن القول إن الفيلم تضمن جميع العناصر التي تتميّز بها أفلام السينما السوداء (النوار/ Noir film): رجلٌ متوارٍ تبحث عنه أطرافٌ عديدة، ومخطط إجراميّ معقّد يقود إلى أشخاص متنفذين، وفيه أيضًا الخطايا التي ترتكب خلف أبواب منازل الأثرياء، وفي أرجاء الأندية التي ترتادها النخبة. هنالك فتاتان شقراوان قاتلتان في الفيلم: إحداهما وريثةٌ ثرية تدعى كلير كافانديش (الممثلة دايان كروغر)، تأتي إلى المحقق الخاصّ مارلوي (ليام نيسون) ترجوه البحث عن عشيقها المختفي (الممثل فرانسوا آرنو)، والشقراء الثانية، أمّها نجمة السينما السابقة دوروثي كافانديش (الممثلة جيسيكا لينغ)، التي تُظهر اهتمامًا بالعشيق، وبالمحقق أيضًا.
أما بالنسبة لمارلوي نفسه، فعلى الرغم من القبّعة والبذلة المكونة من ثلاث قطعٍ، وعلبة السجائر، فهو مجرد رجلٍ صعبٍ آخر على أبواب التقاعد. يجب الاعتراف أنّ المؤلفين أخذوا في عين الاعتبار أنّ بطلهم يبلغ من العمر ضعفي عمر بطل الرواية الأصلي، حتى أنّه قال ذات مرّة إنّه كبيرٌ جدًا على القيام بهذا الهراء. ومع ذلك، كان يطرح الفتية الأشرار أرضًا بهمةٍ وحماسةٍ يحسده عليها البطل الأصلي.
يبدو كلّ شيءٍ في الفيلم، بما في ذلك بطل الرواية الرئيس، وكأنّهم تماثيل من الشمع في قاعة متحفٍ قديم أُهمل منذ وقتٍ بعيد، الأمر الذي يكمله اختيار اللون الأصفر المغبرّ من قبل جوردان وفنّان التصميم. على ما يبدو، كان من المفترض أن يولّد هذا الاختيار إحساسًا رجعيًا، وكذلك إثارة أوهام، كما فعل المخرج رومان بولانسكي في فيلمه "الحيّ الصيني" (1974).
سمير رمان 9 مارس 2023
سينما
لم يعتمد سيناريو الفيلم على نصوص الروائي الأميركي تشاندلر
شارك هذا المقال
حجم الخط
بدأت دور السينما في أوروبا عرض فيلم "مارلوي" Marlowe للمخرج الإيرلندي نيل جوردان. والفيلم هو المئة في مسيرة الفنان البريطاني ليام نيسون، الذي ظهر هذه المرّة ببزةً مجعّدة وقبّعةً ناعمة الحواف كتلك التي كان يرتديها المحقق الخاص الذي ابتكره الكاتب الأميركي ريموند تشاندلر/Raymond Chandler، مؤلّف القصص والروايات البوليسية الشهير.
أول ظهور للمحقق فيليب مارلوي كان في رواية "النوم العميق" عام 1939، تبعته سلسلة من سبع رواياتٍ. وبحسب تشاندلر، فإنّ شخصية مارلوي لم تكن مستوحاةً من شخصيّةٍ حقيقية، كما لم تستوحَ من شخصيات المحققين الذين اشتهروا في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي، ممن ابتكرهم خيال غيره من الكتاب. ولكن مارلوي، حاله حال جميع المحققين: يحتسي كثيرًا من الكحول، ويدخّن بشراهة من دون توقف، كما يلتقي، بحكم عمله، نساءً حسناوات خطيرات يحاول مقاومة إغراءهنّ، ليركّز على عمله، ويحلّ ألغاز الجرائم. تميّز مارلوي عن كثيرٍ من المحققين بكاريزما قوية، وبقدرة فريدة على السخرية، ليصبح شخصيّةً مميزة لسنواتٍ طويلة، حتى في ذروة أفلام السينما الواقعية المتشائمة.
"أول ظهور للمحقق فيليب مارلوي كان في رواية "النوم العميق" عام 1939، تبعته سلسلة من سبع رواياتٍ" |
في طبيعة الحال، ساهمت سيرة الممثل ليام نيسون السينمائية الطويلة في تكريس دوره، مقارنة مع الممثلين السابقين الذين أدوا دور مارلوي: مارلوي ظهر في عشرات الأفلام، أشهرها: "النوم العميق" للمخرج هوارد هوكس (1946)، والممثل همفري بوغارت، وفيلم "إنّها جريمة قتلٍ يا حبيبتي" (1944) مع ديك باول، وفيلم "سيدة في البحيرة" لروبرت مونتغمري (1945)، وفيلم "وداعًا يا جميلتي" لديك ريتشارد (1975) مع الممثل روبرت ميتشيم. وفي عام 1978، عاد ميتشيم إلى لعب دور مارلوي في نسخةٍ جديدة من فيلم "النوم العميق" من إخراج مايكل أوينير، حيث نقلت أحداث الفيلم لتدور في زمن معاصر، أي في لندن سبعينيات القرن العشرين، وهو آخر ظهورٍ للمحقق على الشاشة الكبيرة، حتى العام الماضي، عندما قرر نيل غوردان، وكاتب السيناريو الحائز على الأوسكار، ويليام موناهان، إعادته إلى الشاشة من جديد.
ومع ذلك، لم يعتمد سيناريو الفيلم الجديد على نصوص الروائي الأميركي تشاندلر، مبتكر الشخصية، بل على رواية الكاتب الإيرلندي جون بانفيل "الشقراء ذات العيون السوداء"، التي صدرت عام 2014. ويمكن القول إن الفيلم تضمن جميع العناصر التي تتميّز بها أفلام السينما السوداء (النوار/ Noir film): رجلٌ متوارٍ تبحث عنه أطرافٌ عديدة، ومخطط إجراميّ معقّد يقود إلى أشخاص متنفذين، وفيه أيضًا الخطايا التي ترتكب خلف أبواب منازل الأثرياء، وفي أرجاء الأندية التي ترتادها النخبة. هنالك فتاتان شقراوان قاتلتان في الفيلم: إحداهما وريثةٌ ثرية تدعى كلير كافانديش (الممثلة دايان كروغر)، تأتي إلى المحقق الخاصّ مارلوي (ليام نيسون) ترجوه البحث عن عشيقها المختفي (الممثل فرانسوا آرنو)، والشقراء الثانية، أمّها نجمة السينما السابقة دوروثي كافانديش (الممثلة جيسيكا لينغ)، التي تُظهر اهتمامًا بالعشيق، وبالمحقق أيضًا.
أما بالنسبة لمارلوي نفسه، فعلى الرغم من القبّعة والبذلة المكونة من ثلاث قطعٍ، وعلبة السجائر، فهو مجرد رجلٍ صعبٍ آخر على أبواب التقاعد. يجب الاعتراف أنّ المؤلفين أخذوا في عين الاعتبار أنّ بطلهم يبلغ من العمر ضعفي عمر بطل الرواية الأصلي، حتى أنّه قال ذات مرّة إنّه كبيرٌ جدًا على القيام بهذا الهراء. ومع ذلك، كان يطرح الفتية الأشرار أرضًا بهمةٍ وحماسةٍ يحسده عليها البطل الأصلي.
يبدو كلّ شيءٍ في الفيلم، بما في ذلك بطل الرواية الرئيس، وكأنّهم تماثيل من الشمع في قاعة متحفٍ قديم أُهمل منذ وقتٍ بعيد، الأمر الذي يكمله اختيار اللون الأصفر المغبرّ من قبل جوردان وفنّان التصميم. على ما يبدو، كان من المفترض أن يولّد هذا الاختيار إحساسًا رجعيًا، وكذلك إثارة أوهام، كما فعل المخرج رومان بولانسكي في فيلمه "الحيّ الصيني" (1974).