من اوقف حرب فيتنام ! ...
في حرب القرم عام ١٨٤٨ دخلت الكاميرا الفوتوغرافية لأول مرة إلى ساحات القتال ومنذ ذلك التاريخ صارت جزء لا يتجزء من الحروب . وهذا الكتاب يعود بنا إلى الصور الأولى .
ويتابع حتى صور حرب - الفوكلاند - عام ٨٣ والحرب اللبنانية التي لم تتوقف بعد .
ونظراً لأهمية هذا الموضوع بالنسبة لمتتبعي . تاريخ التصوير " رأينا ترجمته من الألمانية ، خصوصا وأنه لم يترجم إلى أي لغة بعد .
ليكون بمتناول قرائنا بأسرع وقت ممكن .
الكتاب لرينية فابيان وهانس کریستیان آدم
ويقع في ٣٤٠ صفحة من الحجم الكبير ويحتوي على صور لم يسبق نشرها قبل الآن لأسباب عديدة والصور جميعها بـالأسـود والأبيض بلا شك وهو مقسم إلى سبع فترات تاريخية تبدا بين عامي ١٨٤٨ و ۱۸۷۰ وتنتهي بين عامي ١٩٥٠ و ۱۹۸۳ .
في باديء الأمر كان الكثير من المخبرين الصحافيين والمصورين سعداء لكونهم وضعوا جانباً ثيابهم المدنية المصنوعة من ، الفلانيل . . وفي بداية الأمر كانت الألوان المفضلة لديهم ، الكاكي ، واللون الأخضر الحربي ، وكل شيء يجعل من المدنيين رجالا مغامرين وعندما اقتربت الحرب من العاصمة سايغون ودخلها بعد ذلك ه الفيتكونغ » ، وعندما بدأت تتطاير في الجو سيارات الجيب ودور السينما ، تبدلت ايضاً الموضة وصـار الصحـافيـون والمصورون يلبسون القمصان ذات اللون الأزرق .
ارٹور سیلفستر من جهته كتب يقول : كما تعلمون ، فإن من سیاستنا ، مساندة كل صحافي ومصور في فيتنام بكل الوسائل المتاحة ، وهم احرار في مرافقة كل عملية حربية ، وفي المراقبة وان يكتبوا حسبما يريدون ، ومن ثم جاءت النهاية المنتظرة .
صور الجرحى الذين غرفت اسماؤهم قبل ان
يصار إلى إبلاغ اقاربهم ، كان عليها ان تظل في
الأدراج وكذلك صور العمليات في مستشفيات الميدان بالإضافة إلى الصور التي تثير المخيلة مثل الاجسام الممزقة والوجوه المعبرة عن الإحتضار والصدمة الشديدة والتي تشير إلى الشك في شفاء المريض .
ولم يكن يناسب وزارة الدفاع المعروفة بإسم « البنتاغون ، ، ان ينتقل المخبرون العسكريون إلى المواقع العسكرية المقابلة ، ففي كانون الأول عام 1966 ابلغ الصحافي الأميركي هاريسون سـالسبـوري . (Harrison E Salisbury ) ( مندوب مجلة نيويورك تايمس : New York )
(Times)
( Hanoi من هانوي)
بان الأميركيين يقذفون بالقنابل القرى والمدن الأمنة في فيتنام الشمالية اصبح الصحافي من المغضوب عليهم لدى الإدارة في واشنطن . وزير الخارجية انذاك دين راسك ( Dean Rusk )
سال رئاسة تحرير المجلة المذكورة عن المدة
التي يفكر سالسبوري ان يستمر فيها بهانوي . وضباط الدعاية في البنتاغون قاموا بالإعلان عن ان الصحافي هاريسون سالسبوري اصبح اسمه
من الآن وصاعداً تشي سالسبوري اوف ذو هانوي تايمس . .
من جهة أخرى لم يتـوان الرئيس جون كينيدي رئيس الولايات المتحدة في ذلك الوقت عن الطلب من رئيس تحرير مجلة سولز برغز ( Sulz berger ) بإعادة الصحافي دافيد هالبرستام David ) ( Halberstam من الجبهة ، لان الأخير انتقد بشدة تورط الولايات المتحدة في جنوب شرق آسيا وكـان جـواب رئيس التحرير بالنفي ، حتى انه اوقف ماذونيـه للصحافي المذكور مدتها خمسة عشر يوماً كان قد تقدم بها ، ووافقت عليها ا لإدارة ، لا يبدو الأمر وكـانـه خضوع لطلب البيت الأبيض !!
المراقبة الوحيدة التي ظلت تعمل حتى نهاية الستينات ، كانت المراقبة الذاتية في المجلات ومؤسسات الإذاعة والتصوير حيث إمتنع المسؤولون عن نشر كل ما من شأنه إلحاق الضرر بالنجاح
العسكري ، كذلك إمتنعوا عن نشر اي شيء يضر بمصلحة الأعمال صور الحرب ، كما هو معروف بإمكانها ان تصد القابلية وتبعد زبائن الاعلانات وفي الأخبار المسائية لمحطة التلفزيـون الأميركية المعروفة ( NBC ) كانوا يقتطعون من الاخبار صور جرحی الحرب ، لأن توقيت النشـرة يترافق مع توقيت تناول طعام العشاء في الولايات المتحدة .
وكان المصورون يمسكـون بانفسهم المقص ، وكان المصور لاري بوروز يلتقط الصور التي يعتقد بأن قارىء المجلة بإمكانه تحملها ، بدل الصور الفظيعة التي لا يتوقف عندها القارىء بل يعمل بسرعة على قلب الصفحات بمجرد رؤيتها . هورست فاس علق على جدران مكتبه في سايفون التي لا ترغب بها وكالته كي تزعج الراي العام : صور لرؤوس مقطوعة أو لرؤوس اقتلعت منها الأعين وصور لأيـادي مقطوعة ...
قبل مجزرة ماي لاي My Lai ) الشهيرة بسنة واحدة لم تكن هناك بعد آية دلائل على الإرهاق من الحرب لدى الرأي العام الأميركي .
وفي استقصاء اجرته مجلة نيوز ويك News ) ( Week الأميركية تبين ان اربعة وستين بالمئة من الأشخاص كانوا مع متابعة الحرب في فيتنام . فقط ستة وعشرون بالمئة كانوا ضد حرب النابالم .
وبعد سنتين تماماً إنعكست المعادلة ففي استقصاء جديد قام به معهـد غـالـوب ( Gallup ) إتضح أن ثلثـي الأميركيين كانوا مع العودة الفورية للقوات الأميركية إلى الولايات المتحدة ، وتقـريبـاً سبعون بالمئة كانوا يرغبون في الحصول على معلومات أكثر وأوفي عن الحرب في فيتنام .. إن صور مجزرة « ماي لاي ، كانت بمثابة دعوی مقامة ضد الحرب ، والصـور كـانت تشمـل مكـان الحادث صور القاتل وصـور ضحاياه من الأبرياء المدنيين . صور مثيرة للشفقة والاشمئزاز في نفس الوقت ، صور كانت اصدق شاهد عيان لبشاعة الجريمة !!! في السادس عشر من آذار عام 1968 دخلت الفصيلة الأولى للسرية ( C ) التابعة للواء المشاة الحادي عشر الاميركي تحت إمرة الملازم ويليام ، كاللي ( William L. Galley ) إلى قرية سونغ ماي ( Song My ) وكان الأمر الذي أص دره إلى أفراد فصيلته كما وصفه الملازم نفسه في الدعوى المقامة عليه فيما بعد . قد جاء كالتالي :
علينا ان نبيدهم ونطيرهم في الجو ! وبعد ساعات قدم المصورون الحربيون مع الفصيلة الثالثة ومنهم جاي روبرتس ( Jay Roberts ) ورونالد هيبـرل (Ronald Haeberle)
إلى بتكفيل - ( Pinkville ) ، التي كان الأميركيون يسمونها - روزا . . لأنها كانت مليئة بالفيتكـونغ وهناك كانت آخر عملية لـ هيبرل كمصور حربي في فيتنام .
الشيء الأول ، الذي شاهـده هيبرل كان خمسة عشر جندياً اميركياً يطلقون النار على بقرة وعلى امرأة عجوز إختبات منهم في احد الأدغال يقول هيبرل :
- كانوا يطلقون النار بكل بساطة على المرأة العجوز وكان بإمكان المرء أن يشاهد كيف كانت عظامها قطعة بعد قطعة تتطاير الجو .. هیبرل صور العجوز المقتولة ، كما صور إمرأة ثانية تهوي بقبضة يديها على الجنود الذين أرادوا الاعتداء على ابنتها هيبرل صور الفتاة والجنـود ينهالون عليها ضرباً باعقـاب البنادق كذلك على افراد العائلة ثم اطلقوا النار على الجميع ولم ينج من تلك المجزرة سوى طفل صغير ، كان يحملق بذعر بالجنود .
وبعد دقيقة لحق الطفل ايضاً بعائلته برصاصة أطلقها عليه احد الجنود ، هیبرل صور ايضاً الحيوانات التي قتلها الجنود في ماي لاي ، وكذلك بسكان القرية الذين قتلوا وذبحوا مثل الحيوانات ، كما صور في نفس الوقت الجنود الأميركيين وهم يتناولون وجبة طعامهم بين الضحايا ... . حذار ! ، صاح احـدهم هنا شخص ومعـه كاميرا .. ! جندي إسمه وست ( West ) حاول أن يطرد هيبرل من المكان وقال له بان ليس لديه اي حق في التقاط صور بآلته لمثل هذه الأعمال . وليس لديه أي حق في وجوده في
هذا المكان ..
هيبرل التقط الصور بصورة انعكاسية وكانه لم يكن يعلم ما يحصل ، وأحياناً كان ينظر جانباً ويشاهد فقط بطرف العين الأجسام التي تتساقط على الأرض ولكنه لم يكن ليدير وجهه ..
تبدو من على كل الصور التي اخذها هيبرل في ماي لاي ، الصدمة التي كان يعاني منها المصور تجاه تلك المجزرة الوحشية والتي مبرر لها على الإطلاق .
هيبرل أخذ حقه في التقاط صور سيئة ولم يفكر بخطة ، ولم يفكر باي شيء على الإطلاق وكان يصور بدون وعي وعندما عاد إلى قاعدته اعطى الأفلام للتظهير وكانه صور - ثمة شيء ، ولم يصور تلك المأساة الرهيبة التي حدثت في ماي لاي ... وبعد المجزرة التي ذهب ضحيتها أكثر من مائة شخص تضاءلت المعلومات حول المجزرة لكن الجريمة الجمـاعيـة ظلت حاضرة في الاحلام والكوابيس التي كانت تنتاب الجنود الذين اشتركوا فيها ، وفي إحصائيات المقتولين وفي الاشاعات ، لكن شخصاً واحداً اخذ الإشاعة على محمل الجد هو العريف الأول رونـالـد ريـدنـهـاور Ronald ) ( Ridenhour البالغ من العمر ثلاثة وعشرين سنة وقد علم بالمجزرة وهو في المستشفى في هاواي .
ریدنهـاور استطلـع واستقصى وجمع إفادات الشهود وعندما اصبح الملف كاملا ارسل ثلاثين رسالة إلى نواب الكـونـفـرس الأميركي وإلى كبار الموظفين الحكوميين في واشنطن وإلى رئيس الولايات المتحـدة ريتشارد نيكسون ، الجيش في أول الأمر ، لم يحقق بالمجزرة في حد ذاتها بل في ماضي العريف الأول ريدنهاور فيما إذا كان ذا ميول سياسية أو شارك في المظاهرات المناوئة للحرب فيتنام ، وفيما إذا كان مدمنا ، إلا ان المكلفين بهذا الأمر لم يجدوا أي شيء يدين ريدنهاور حيث انه كان نظيفاً ، من « التهم ، الموجهة له ! .
وانقضى ربع عام ، ولم يحصل ريدنهاور بعد على أي جواب مرض عندها ، قرر إرسال تقريره إلى الصحف والمـؤسسـات التلفزيونية ، ولكن هؤلاء اظهروا عدم الاكتراث بالموضوع ، تماماً كما فعل الجيش . وفي السادس من ايلول اعلنت وكالة اسوشيتد برس ، عن خبر يتعلق بإقامة الدعوى ضد الملازم كاللي ، ولكن على ما يبدو ، فإن القضية لم تكن لتستحق منها أكثر من مائة كلمة وبصورة مخجلة مماثلة كانت ردة فعل صحيفة - نيويورك تايمس التي أخفت الخبر لمدة يومين ثم
نشرته بعد ذلك على الصفحة ثمانية وثلاثين » في نسخة نهاية الأسبوع وكذلك ، فإن الصحافي سـایـمـورس هرش Seymour ) Hersh الذي اكمل أبحاث العريف الأول ريدنهاور ، قام بكثير من المخابرات الهاتفية وتقريره عن مجزرة « ماي لاي ، الذي نال بفضله جائزة بوليتزر ( Pulitzer ) عرضه على أكبر مجلتين في الولايات المتحدة . ولكن مجلة لايف . ( Life ) ومجلة . لوك ، ( Look ) رفضتا نشر التقرير ، وعندما عرض هرش اخیراً تقريره مقابل مائة دولار على خمسين صحيفة عبر وكالة انباء ، ادركت سنة وثلاثون صحيفة من اصـل الخمسين اهمية المواد المعروضة عليها .
والتحول جاء في العشرين من شهر تشرين الثاني عام 1969 عندما قامت صحيفة كليفلاند بلين ديلر Clevland Plain Dealer ) بنشر التحقيق مع صور رونالد هيبرل وكتب المحررون « هذه الصور سوف تسبب صدمة قوية للولايات المتحدة كما سببتها لنا .
المصور رونالد هيبرل كان ، في هذه الأثناء ، قد عاد منذ مدة غير وجيزة إلى الحياة المدنية وفي أوهايو القي محاضرات عن الصور الفوتوغرافية التي أخذت في الحرب الفيتنامية ، وفي الحفلات في الـ روتاري كلوب ، عرض بصورة منتظمة ايضا صوراً ملونة عن - هاي لاي ، والشيء الذي صدم هيبرل اثناء ذلك هو عدم الاكتراث الذي أظهره اعضاء نادي الروتاري » للصور لانشغالهم بالشرب وقال هيبرل حانقاً . لم يسالني اي واحد منهم على الإطلاق كيف يمكن أن يحصل مثل ...
هذا الأمر الشنيع ، ومن قتل يا ترى كل هؤلاء النسوة والأطفال بمثل تلك الوحشية ؟ إن تلك الصـور لم تسبب لهم اي اضطراب !!! . .
ايضاً المصور الحربي دافيد دانكان يعتقد بان صور هیبرل ليست إلا صوراً مزيفة . وإن زمن ء الصقور ، قد ولي ، ودانكان اخذ منذ زمن طويل جانب الجنود الأميركيين الذين عاش معهم جحیم و که سانه ، ( Khe Sanh ) ونجوا بانفسهم منه . دانكان كتب يقول : « إنني لست بداعية سلام ولا بداعية حرب فيتنام ، إنني لست بهيبي ولا بصقر ولا بحمامة ، أريد فقط شيئا واحداً : الاحتجاج ضد التكتيك ، الاحتجاج ضد التدمير الاحتجاج ضد فداحة الحرب .
وفي الليلة التي سبقت نشر التقرير والصور في صحيفة - كليفلاند بلين ديلر ، كان دانكان كليفلاند وقام أحدهم بدس نسخة من الصحيفة في يده دانكان أسرع إلى أول هاتف وطلب من المحرر المسائي إيقاف الطبع لـ د مصلحة البلاد العليا ، وطبعاً رفض المحرر الطلب ...
وفي اليوم التالي ثارت الولايات المتحدة كلها . وزير الدفاع ليرد ( Laird ) تـاثـر كثيراً وابـدى إشمئزازه والرئيس نيكسون طلب ان يذاع عن لسانه بأنه متكدر للغاية بما حصل ، وفي عرض صور المجزرة على « السلاید ، امام وزیر الجيش ستانلي ريسور Stanley ) ( Resor في جلسة خاصة للجنة الدفاع في الكونغرس الأميركي ، غادر بعض السياسيين الحساسين القاعة ، وشعر النائب ليسلي ارندز ( Seslie Arends ) بالغثيان ، في حين ان السناتور إينوي Senator) Inouye ) الذي في الحرب العالمية الثانية
ذراعاً ، صاح قائلا : لقد إعتقدت بانني اصبحت صلباً وقاسيا ، ولكنني لم اشاهد قط مثل هذه الأشياء الرهيبة !! . .
مجزرة ، ماي لاي ، اظهـرت للولايات المتحدة بان الثمن المعنوي للحرب كان باهظاً للغاية . وقالت والدة الجندي بول مبدلو Paul Meadlo الذي اعترف أمام عدسات التلفزيون بأنه قتل في ماي لاي دزينة من الرجال والنساء والأطفال : لقد اعطيت الجيش فتى طيباً فجعلوا منه قاتلا دنيئا .
وتهـافتت صحافة العالم في هذه الاثناء على صور ، ماي لاي . . وعرضت مجلة « لايف » الأميركية مائة ألف دولار من اجل الحصول على الحقوق العالمية لنشر الصور ، وفي النهاية إشترتها بنصف الثمن مجلة - نيويورك تايمس ، كانت تود ، في أول الأمر ، الحصول على الصور ولكنها سرعان ما خرجت من الصفقة لأنها لم تعد تريد شراء صور المجزرة الوحشية . الصحف اليابانية عرضت خمسمائة دولار ولكنها عادت ونقلتهـا بالـزنكو غراف عن الصحف الاميركية وحجتها هيبرل كان مصوراً حربياً رسمياً ، وبذا ، فإن صوره والحالة هذه هي ملك للجمهور ومن ثم فإنه في حال تخطى حقوق الطبع فإن دعوى مقامة بهذا الخصوص قد يستغرق البت بها ما يقارب الثلاثين سنة او اكثر من ذلك !!
غريفيث رأى في الجنـود الأميركيين دعاة للموت ومسببين للدمار والخراب واختصاصيين في الاستنطاق ، ومن جهة اخرى رای فيهم الفتيان الناعمين والرجـال اليائسين ، شاهدهم كخاسرين ولم يشـاهـدهـم قط كمنتصرين . وبالنسبة له لم تكن الحرب إطلاقاً حرب آلات بل علاقة ما بين البشر . غريفيث صور ما كان البشر يفعلـونـه لبعضهم بعضاً في الحرب ...
وكل مصور في فيتنام صمم صـورة مختلفة عن الجنـدي الأميركي .. فبالنسبة لدانكان كان الجندي الأميركي رجلا غامضاً يشارك في قتل الرجال وضمن صور لاري بوروز يغرق الرجال في وحـل الأرض الغريبة ، وكان الأدغال والأراضي والأنهر تريد ان تلتهم الغرباء ... وما من مصور مثل لاري بوروز اظهر في صوره الكثير من اللحم البشري الممزق والمقطع .. أمـا المصور دون ماك كولين فإن صوره اصبحت كالايقونات ... ودفعة واحدة ، فإن كل مصور حربي عاش ماي لاي خاصة به وقد علمت الولايات المتحدة منهم أن بعض الوحدات تركت بطاقاتها لدى الفيكونغ الصرعي وان الجنرال باتون ( Patton ) إبن جنرال الحـرب العالمية الثانية الشهير ، كان يرسل جنوده إلى الحرب مع هذه الكلمات « اريد أن أرى الأذرع والايادي تتطاير في الهواء . وهكذا فإن الكثير من الفيتناميين المدنيين دفع بهم كادوات حية باحثة عن الألغام ، من قبل الجنود الأميركيين ، أما قائد طائرة الهليكوبتر الكابتن كارلسون ( Carlsson ) فكـان يرمي فوق الأدغال بطاقات بريدية طبعها
بنفسه وقد كتب عليها :
نحن على استعداد للرد على إتصالاتكم ليلا نهاراً كي ناتي لكم بالمـوت والدمار .
وعلى بطاقة اخرى كانت تُرمى فوق جثث القتلى كتب « الله قد أوجده ومدفع العشرين ميلليمتر قد اخذه !! والأقطع في الأمر ضمن هذا السياق ، كان عدم اكتراث اصحاب الصحف لكل ما يجري ، حتى الهجوم على المستشفيات والذي كان محرماً بموجب إتفاقيـة جنيف ، لم يشر اعتراض أي واحد من الصحافيين الحربيين كما لم تتردد الأوساط من الاعلان في المؤتمرات الصحافية اليومية عن تدمير - مستشفيات العدو ، هذا ما كتبـه نـایـل شیهان Neil ) ( Sheehan في صحيفة الـ ه نيويورك تايمس » . إن إتفاقية جنيف تحظر ما يسمى بالعقوبات الجماعية ، مثل حرق القرى التي لا يوجد من يدافع عنها ، ولكن في سايغون لم يظهر شخص واحد يحتج على خبر محو مستوطنات باكملها !! .
و « ماي لاي ، مماثلة عاشها المصور فيليب جونس غريفيث وذلك عندما رافق في ايلول عام 1967 وحدة قتالية القرية العسكرية الفيتنامية الشمالية Red Mountain ) اي - الجبـل الأحمر ، . الجنود دفعوا بخمس عشرة إمرأة وطفل إلى ساحة القرية وامسكوا بنـادقـهم واطلقـوا الرصاص عليهم فاردوهم كلهم قتلى . وعندما بدأ الجنود بإطلاق النار باشر غريفيث باخذ الصور وقال « لو ذهبت مع الصور التي التقطتها إلى وكالة للتصوير وقلت لأصحابها أنني صورت كيف كان الأميركيون يقتلون المدنيين لكانوا أجابوني بكل برود : حسناً وما هو المثير في الأمر . هذا شيء يحصل كل يوم !! .
المصور فيليب جونس غريفيث اراد مرة أن يحمل إلى طائرة الهليكوبتر المرأة الوحيدة التي عادت من عملية كوماندو وقد اصيبت بجرح بليغ في عمودها الفقري وظلت اليوم بطوله تزحف عبر حقول الازر .. وكان على عجلة من أمره لكن أحد الضباط ساله لماذا العجلة ؟ إفترض ان الجنود الشبان وجدوها هذا يعني أنها تكون قد شوهت وقتلت من قبلهم . .
وكتب مايكل هر يقول . المئات من هذه الألبومات التي أخذت في فييتنام كانت متوفرة دائماً وفي تاريخ التصوير فإن صور الرعب هذه ليست بجديدة ، لقد الثقطت تقريباً في كل الحروب
وبعد كل الحروب تجاهلها الجمهور .
واثناء تمرد الـ بوكسر في الصين وكتعبير من الضباط البريطانيين عن رضاهم حول نتائج حملتهم التأديبية فانهم بعد تنفيذ الإعدامات قاموا بالتقاط صور تذكـاريـة وهم ممسكين بالرؤوس المقطوعة بايديهم وهذا الموضوع الإجرامي في مطلع القرن الحالي كان محبوباً لدرجة بيعت معه اعداد هائلة من البوست كارت لهذه الصور ، كان ذلك عام 1901.وبعد عشر سنوات أفادت مجلة « برليز ايللوستيرته ( Berliner Illustrierte ) تحت عنوان - الفظائع المقدونية ، عن مشهد مماثل : وضع الجنـود الأتراك الـرؤوس المقطوعة لضحاياهم في اكياس وحملوها إلى اقرب مصور حيث التقط لهم صوراً وهم ممسكين بالرؤوس المقطوعة الدامية كبرهان لوحشيتهم .
وبعد خمسين سنة وجد المؤرخون في ارشيف مجـرمي الحرب في بولونيا ، البوم صور
عائد للنقيب شميدث في الجستابو الألماني وقد قام الأخير بتنظيم البومه بدقة وعناية فائقتين وكان عنوان الألبوم - ذكريات عن الأوقات العظيمة . . والصـور كانت ملصقة بعناية وقد دون تحت كل واحدة منها بالحبر الأبيض التاريخ المكان والاسم وضمن النقيب شمیدث ، الألبوم صورة لسيارته الفخمة وكلبه ، وكذلك صوراً للحفلات الصاخبة وصور الثوار البولونيين المعلقين على اعواد المشائق !
ولم تكن هناك ذيول سيئة لوثائق شميـدث في الشرق . وبإمكانه أن يتحدث عن حسن حظه لأن النازيين ما كانوا يحبون إطلاع الناس عما يجري في الجبهات .
ولكن هتلر الزعيم النازي الذي كان يشغل منصب وزير الداخلية والقائد الأعلى لقوات الصاعقة المعرفة باسم الـ ( SS ) كتب يقول في السابع عشر من حزيران عام ١٩٤٤ : « الاعدامات هي مع الأسف ضرورية في الحرب ولكن تصويرها يعتبر خارجاً عن اللياقة والذوق ، كما انها شديدة الضرر بمصالح امتنا ...
في حرب القرم عام ١٨٤٨ دخلت الكاميرا الفوتوغرافية لأول مرة إلى ساحات القتال ومنذ ذلك التاريخ صارت جزء لا يتجزء من الحروب . وهذا الكتاب يعود بنا إلى الصور الأولى .
ويتابع حتى صور حرب - الفوكلاند - عام ٨٣ والحرب اللبنانية التي لم تتوقف بعد .
ونظراً لأهمية هذا الموضوع بالنسبة لمتتبعي . تاريخ التصوير " رأينا ترجمته من الألمانية ، خصوصا وأنه لم يترجم إلى أي لغة بعد .
ليكون بمتناول قرائنا بأسرع وقت ممكن .
الكتاب لرينية فابيان وهانس کریستیان آدم
ويقع في ٣٤٠ صفحة من الحجم الكبير ويحتوي على صور لم يسبق نشرها قبل الآن لأسباب عديدة والصور جميعها بـالأسـود والأبيض بلا شك وهو مقسم إلى سبع فترات تاريخية تبدا بين عامي ١٨٤٨ و ۱۸۷۰ وتنتهي بين عامي ١٩٥٠ و ۱۹۸۳ .
في باديء الأمر كان الكثير من المخبرين الصحافيين والمصورين سعداء لكونهم وضعوا جانباً ثيابهم المدنية المصنوعة من ، الفلانيل . . وفي بداية الأمر كانت الألوان المفضلة لديهم ، الكاكي ، واللون الأخضر الحربي ، وكل شيء يجعل من المدنيين رجالا مغامرين وعندما اقتربت الحرب من العاصمة سايغون ودخلها بعد ذلك ه الفيتكونغ » ، وعندما بدأت تتطاير في الجو سيارات الجيب ودور السينما ، تبدلت ايضاً الموضة وصـار الصحـافيـون والمصورون يلبسون القمصان ذات اللون الأزرق .
ارٹور سیلفستر من جهته كتب يقول : كما تعلمون ، فإن من سیاستنا ، مساندة كل صحافي ومصور في فيتنام بكل الوسائل المتاحة ، وهم احرار في مرافقة كل عملية حربية ، وفي المراقبة وان يكتبوا حسبما يريدون ، ومن ثم جاءت النهاية المنتظرة .
صور الجرحى الذين غرفت اسماؤهم قبل ان
يصار إلى إبلاغ اقاربهم ، كان عليها ان تظل في
الأدراج وكذلك صور العمليات في مستشفيات الميدان بالإضافة إلى الصور التي تثير المخيلة مثل الاجسام الممزقة والوجوه المعبرة عن الإحتضار والصدمة الشديدة والتي تشير إلى الشك في شفاء المريض .
ولم يكن يناسب وزارة الدفاع المعروفة بإسم « البنتاغون ، ، ان ينتقل المخبرون العسكريون إلى المواقع العسكرية المقابلة ، ففي كانون الأول عام 1966 ابلغ الصحافي الأميركي هاريسون سـالسبـوري . (Harrison E Salisbury ) ( مندوب مجلة نيويورك تايمس : New York )
(Times)
( Hanoi من هانوي)
بان الأميركيين يقذفون بالقنابل القرى والمدن الأمنة في فيتنام الشمالية اصبح الصحافي من المغضوب عليهم لدى الإدارة في واشنطن . وزير الخارجية انذاك دين راسك ( Dean Rusk )
سال رئاسة تحرير المجلة المذكورة عن المدة
التي يفكر سالسبوري ان يستمر فيها بهانوي . وضباط الدعاية في البنتاغون قاموا بالإعلان عن ان الصحافي هاريسون سالسبوري اصبح اسمه
من الآن وصاعداً تشي سالسبوري اوف ذو هانوي تايمس . .
من جهة أخرى لم يتـوان الرئيس جون كينيدي رئيس الولايات المتحدة في ذلك الوقت عن الطلب من رئيس تحرير مجلة سولز برغز ( Sulz berger ) بإعادة الصحافي دافيد هالبرستام David ) ( Halberstam من الجبهة ، لان الأخير انتقد بشدة تورط الولايات المتحدة في جنوب شرق آسيا وكـان جـواب رئيس التحرير بالنفي ، حتى انه اوقف ماذونيـه للصحافي المذكور مدتها خمسة عشر يوماً كان قد تقدم بها ، ووافقت عليها ا لإدارة ، لا يبدو الأمر وكـانـه خضوع لطلب البيت الأبيض !!
المراقبة الوحيدة التي ظلت تعمل حتى نهاية الستينات ، كانت المراقبة الذاتية في المجلات ومؤسسات الإذاعة والتصوير حيث إمتنع المسؤولون عن نشر كل ما من شأنه إلحاق الضرر بالنجاح
العسكري ، كذلك إمتنعوا عن نشر اي شيء يضر بمصلحة الأعمال صور الحرب ، كما هو معروف بإمكانها ان تصد القابلية وتبعد زبائن الاعلانات وفي الأخبار المسائية لمحطة التلفزيـون الأميركية المعروفة ( NBC ) كانوا يقتطعون من الاخبار صور جرحی الحرب ، لأن توقيت النشـرة يترافق مع توقيت تناول طعام العشاء في الولايات المتحدة .
وكان المصورون يمسكـون بانفسهم المقص ، وكان المصور لاري بوروز يلتقط الصور التي يعتقد بأن قارىء المجلة بإمكانه تحملها ، بدل الصور الفظيعة التي لا يتوقف عندها القارىء بل يعمل بسرعة على قلب الصفحات بمجرد رؤيتها . هورست فاس علق على جدران مكتبه في سايفون التي لا ترغب بها وكالته كي تزعج الراي العام : صور لرؤوس مقطوعة أو لرؤوس اقتلعت منها الأعين وصور لأيـادي مقطوعة ...
قبل مجزرة ماي لاي My Lai ) الشهيرة بسنة واحدة لم تكن هناك بعد آية دلائل على الإرهاق من الحرب لدى الرأي العام الأميركي .
وفي استقصاء اجرته مجلة نيوز ويك News ) ( Week الأميركية تبين ان اربعة وستين بالمئة من الأشخاص كانوا مع متابعة الحرب في فيتنام . فقط ستة وعشرون بالمئة كانوا ضد حرب النابالم .
وبعد سنتين تماماً إنعكست المعادلة ففي استقصاء جديد قام به معهـد غـالـوب ( Gallup ) إتضح أن ثلثـي الأميركيين كانوا مع العودة الفورية للقوات الأميركية إلى الولايات المتحدة ، وتقـريبـاً سبعون بالمئة كانوا يرغبون في الحصول على معلومات أكثر وأوفي عن الحرب في فيتنام .. إن صور مجزرة « ماي لاي ، كانت بمثابة دعوی مقامة ضد الحرب ، والصـور كـانت تشمـل مكـان الحادث صور القاتل وصـور ضحاياه من الأبرياء المدنيين . صور مثيرة للشفقة والاشمئزاز في نفس الوقت ، صور كانت اصدق شاهد عيان لبشاعة الجريمة !!! في السادس عشر من آذار عام 1968 دخلت الفصيلة الأولى للسرية ( C ) التابعة للواء المشاة الحادي عشر الاميركي تحت إمرة الملازم ويليام ، كاللي ( William L. Galley ) إلى قرية سونغ ماي ( Song My ) وكان الأمر الذي أص دره إلى أفراد فصيلته كما وصفه الملازم نفسه في الدعوى المقامة عليه فيما بعد . قد جاء كالتالي :
علينا ان نبيدهم ونطيرهم في الجو ! وبعد ساعات قدم المصورون الحربيون مع الفصيلة الثالثة ومنهم جاي روبرتس ( Jay Roberts ) ورونالد هيبـرل (Ronald Haeberle)
إلى بتكفيل - ( Pinkville ) ، التي كان الأميركيون يسمونها - روزا . . لأنها كانت مليئة بالفيتكـونغ وهناك كانت آخر عملية لـ هيبرل كمصور حربي في فيتنام .
الشيء الأول ، الذي شاهـده هيبرل كان خمسة عشر جندياً اميركياً يطلقون النار على بقرة وعلى امرأة عجوز إختبات منهم في احد الأدغال يقول هيبرل :
- كانوا يطلقون النار بكل بساطة على المرأة العجوز وكان بإمكان المرء أن يشاهد كيف كانت عظامها قطعة بعد قطعة تتطاير الجو .. هیبرل صور العجوز المقتولة ، كما صور إمرأة ثانية تهوي بقبضة يديها على الجنود الذين أرادوا الاعتداء على ابنتها هيبرل صور الفتاة والجنـود ينهالون عليها ضرباً باعقـاب البنادق كذلك على افراد العائلة ثم اطلقوا النار على الجميع ولم ينج من تلك المجزرة سوى طفل صغير ، كان يحملق بذعر بالجنود .
وبعد دقيقة لحق الطفل ايضاً بعائلته برصاصة أطلقها عليه احد الجنود ، هیبرل صور ايضاً الحيوانات التي قتلها الجنود في ماي لاي ، وكذلك بسكان القرية الذين قتلوا وذبحوا مثل الحيوانات ، كما صور في نفس الوقت الجنود الأميركيين وهم يتناولون وجبة طعامهم بين الضحايا ... . حذار ! ، صاح احـدهم هنا شخص ومعـه كاميرا .. ! جندي إسمه وست ( West ) حاول أن يطرد هيبرل من المكان وقال له بان ليس لديه اي حق في التقاط صور بآلته لمثل هذه الأعمال . وليس لديه أي حق في وجوده في
هذا المكان ..
هيبرل التقط الصور بصورة انعكاسية وكانه لم يكن يعلم ما يحصل ، وأحياناً كان ينظر جانباً ويشاهد فقط بطرف العين الأجسام التي تتساقط على الأرض ولكنه لم يكن ليدير وجهه ..
تبدو من على كل الصور التي اخذها هيبرل في ماي لاي ، الصدمة التي كان يعاني منها المصور تجاه تلك المجزرة الوحشية والتي مبرر لها على الإطلاق .
هيبرل أخذ حقه في التقاط صور سيئة ولم يفكر بخطة ، ولم يفكر باي شيء على الإطلاق وكان يصور بدون وعي وعندما عاد إلى قاعدته اعطى الأفلام للتظهير وكانه صور - ثمة شيء ، ولم يصور تلك المأساة الرهيبة التي حدثت في ماي لاي ... وبعد المجزرة التي ذهب ضحيتها أكثر من مائة شخص تضاءلت المعلومات حول المجزرة لكن الجريمة الجمـاعيـة ظلت حاضرة في الاحلام والكوابيس التي كانت تنتاب الجنود الذين اشتركوا فيها ، وفي إحصائيات المقتولين وفي الاشاعات ، لكن شخصاً واحداً اخذ الإشاعة على محمل الجد هو العريف الأول رونـالـد ريـدنـهـاور Ronald ) ( Ridenhour البالغ من العمر ثلاثة وعشرين سنة وقد علم بالمجزرة وهو في المستشفى في هاواي .
ریدنهـاور استطلـع واستقصى وجمع إفادات الشهود وعندما اصبح الملف كاملا ارسل ثلاثين رسالة إلى نواب الكـونـفـرس الأميركي وإلى كبار الموظفين الحكوميين في واشنطن وإلى رئيس الولايات المتحـدة ريتشارد نيكسون ، الجيش في أول الأمر ، لم يحقق بالمجزرة في حد ذاتها بل في ماضي العريف الأول ريدنهاور فيما إذا كان ذا ميول سياسية أو شارك في المظاهرات المناوئة للحرب فيتنام ، وفيما إذا كان مدمنا ، إلا ان المكلفين بهذا الأمر لم يجدوا أي شيء يدين ريدنهاور حيث انه كان نظيفاً ، من « التهم ، الموجهة له ! .
وانقضى ربع عام ، ولم يحصل ريدنهاور بعد على أي جواب مرض عندها ، قرر إرسال تقريره إلى الصحف والمـؤسسـات التلفزيونية ، ولكن هؤلاء اظهروا عدم الاكتراث بالموضوع ، تماماً كما فعل الجيش . وفي السادس من ايلول اعلنت وكالة اسوشيتد برس ، عن خبر يتعلق بإقامة الدعوى ضد الملازم كاللي ، ولكن على ما يبدو ، فإن القضية لم تكن لتستحق منها أكثر من مائة كلمة وبصورة مخجلة مماثلة كانت ردة فعل صحيفة - نيويورك تايمس التي أخفت الخبر لمدة يومين ثم
نشرته بعد ذلك على الصفحة ثمانية وثلاثين » في نسخة نهاية الأسبوع وكذلك ، فإن الصحافي سـایـمـورس هرش Seymour ) Hersh الذي اكمل أبحاث العريف الأول ريدنهاور ، قام بكثير من المخابرات الهاتفية وتقريره عن مجزرة « ماي لاي ، الذي نال بفضله جائزة بوليتزر ( Pulitzer ) عرضه على أكبر مجلتين في الولايات المتحدة . ولكن مجلة لايف . ( Life ) ومجلة . لوك ، ( Look ) رفضتا نشر التقرير ، وعندما عرض هرش اخیراً تقريره مقابل مائة دولار على خمسين صحيفة عبر وكالة انباء ، ادركت سنة وثلاثون صحيفة من اصـل الخمسين اهمية المواد المعروضة عليها .
والتحول جاء في العشرين من شهر تشرين الثاني عام 1969 عندما قامت صحيفة كليفلاند بلين ديلر Clevland Plain Dealer ) بنشر التحقيق مع صور رونالد هيبرل وكتب المحررون « هذه الصور سوف تسبب صدمة قوية للولايات المتحدة كما سببتها لنا .
المصور رونالد هيبرل كان ، في هذه الأثناء ، قد عاد منذ مدة غير وجيزة إلى الحياة المدنية وفي أوهايو القي محاضرات عن الصور الفوتوغرافية التي أخذت في الحرب الفيتنامية ، وفي الحفلات في الـ روتاري كلوب ، عرض بصورة منتظمة ايضا صوراً ملونة عن - هاي لاي ، والشيء الذي صدم هيبرل اثناء ذلك هو عدم الاكتراث الذي أظهره اعضاء نادي الروتاري » للصور لانشغالهم بالشرب وقال هيبرل حانقاً . لم يسالني اي واحد منهم على الإطلاق كيف يمكن أن يحصل مثل ...
هذا الأمر الشنيع ، ومن قتل يا ترى كل هؤلاء النسوة والأطفال بمثل تلك الوحشية ؟ إن تلك الصـور لم تسبب لهم اي اضطراب !!! . .
ايضاً المصور الحربي دافيد دانكان يعتقد بان صور هیبرل ليست إلا صوراً مزيفة . وإن زمن ء الصقور ، قد ولي ، ودانكان اخذ منذ زمن طويل جانب الجنود الأميركيين الذين عاش معهم جحیم و که سانه ، ( Khe Sanh ) ونجوا بانفسهم منه . دانكان كتب يقول : « إنني لست بداعية سلام ولا بداعية حرب فيتنام ، إنني لست بهيبي ولا بصقر ولا بحمامة ، أريد فقط شيئا واحداً : الاحتجاج ضد التكتيك ، الاحتجاج ضد التدمير الاحتجاج ضد فداحة الحرب .
وفي الليلة التي سبقت نشر التقرير والصور في صحيفة - كليفلاند بلين ديلر ، كان دانكان كليفلاند وقام أحدهم بدس نسخة من الصحيفة في يده دانكان أسرع إلى أول هاتف وطلب من المحرر المسائي إيقاف الطبع لـ د مصلحة البلاد العليا ، وطبعاً رفض المحرر الطلب ...
وفي اليوم التالي ثارت الولايات المتحدة كلها . وزير الدفاع ليرد ( Laird ) تـاثـر كثيراً وابـدى إشمئزازه والرئيس نيكسون طلب ان يذاع عن لسانه بأنه متكدر للغاية بما حصل ، وفي عرض صور المجزرة على « السلاید ، امام وزیر الجيش ستانلي ريسور Stanley ) ( Resor في جلسة خاصة للجنة الدفاع في الكونغرس الأميركي ، غادر بعض السياسيين الحساسين القاعة ، وشعر النائب ليسلي ارندز ( Seslie Arends ) بالغثيان ، في حين ان السناتور إينوي Senator) Inouye ) الذي في الحرب العالمية الثانية
ذراعاً ، صاح قائلا : لقد إعتقدت بانني اصبحت صلباً وقاسيا ، ولكنني لم اشاهد قط مثل هذه الأشياء الرهيبة !! . .
مجزرة ، ماي لاي ، اظهـرت للولايات المتحدة بان الثمن المعنوي للحرب كان باهظاً للغاية . وقالت والدة الجندي بول مبدلو Paul Meadlo الذي اعترف أمام عدسات التلفزيون بأنه قتل في ماي لاي دزينة من الرجال والنساء والأطفال : لقد اعطيت الجيش فتى طيباً فجعلوا منه قاتلا دنيئا .
وتهـافتت صحافة العالم في هذه الاثناء على صور ، ماي لاي . . وعرضت مجلة « لايف » الأميركية مائة ألف دولار من اجل الحصول على الحقوق العالمية لنشر الصور ، وفي النهاية إشترتها بنصف الثمن مجلة - نيويورك تايمس ، كانت تود ، في أول الأمر ، الحصول على الصور ولكنها سرعان ما خرجت من الصفقة لأنها لم تعد تريد شراء صور المجزرة الوحشية . الصحف اليابانية عرضت خمسمائة دولار ولكنها عادت ونقلتهـا بالـزنكو غراف عن الصحف الاميركية وحجتها هيبرل كان مصوراً حربياً رسمياً ، وبذا ، فإن صوره والحالة هذه هي ملك للجمهور ومن ثم فإنه في حال تخطى حقوق الطبع فإن دعوى مقامة بهذا الخصوص قد يستغرق البت بها ما يقارب الثلاثين سنة او اكثر من ذلك !!
غريفيث رأى في الجنـود الأميركيين دعاة للموت ومسببين للدمار والخراب واختصاصيين في الاستنطاق ، ومن جهة اخرى رای فيهم الفتيان الناعمين والرجـال اليائسين ، شاهدهم كخاسرين ولم يشـاهـدهـم قط كمنتصرين . وبالنسبة له لم تكن الحرب إطلاقاً حرب آلات بل علاقة ما بين البشر . غريفيث صور ما كان البشر يفعلـونـه لبعضهم بعضاً في الحرب ...
وكل مصور في فيتنام صمم صـورة مختلفة عن الجنـدي الأميركي .. فبالنسبة لدانكان كان الجندي الأميركي رجلا غامضاً يشارك في قتل الرجال وضمن صور لاري بوروز يغرق الرجال في وحـل الأرض الغريبة ، وكان الأدغال والأراضي والأنهر تريد ان تلتهم الغرباء ... وما من مصور مثل لاري بوروز اظهر في صوره الكثير من اللحم البشري الممزق والمقطع .. أمـا المصور دون ماك كولين فإن صوره اصبحت كالايقونات ... ودفعة واحدة ، فإن كل مصور حربي عاش ماي لاي خاصة به وقد علمت الولايات المتحدة منهم أن بعض الوحدات تركت بطاقاتها لدى الفيكونغ الصرعي وان الجنرال باتون ( Patton ) إبن جنرال الحـرب العالمية الثانية الشهير ، كان يرسل جنوده إلى الحرب مع هذه الكلمات « اريد أن أرى الأذرع والايادي تتطاير في الهواء . وهكذا فإن الكثير من الفيتناميين المدنيين دفع بهم كادوات حية باحثة عن الألغام ، من قبل الجنود الأميركيين ، أما قائد طائرة الهليكوبتر الكابتن كارلسون ( Carlsson ) فكـان يرمي فوق الأدغال بطاقات بريدية طبعها
بنفسه وقد كتب عليها :
نحن على استعداد للرد على إتصالاتكم ليلا نهاراً كي ناتي لكم بالمـوت والدمار .
وعلى بطاقة اخرى كانت تُرمى فوق جثث القتلى كتب « الله قد أوجده ومدفع العشرين ميلليمتر قد اخذه !! والأقطع في الأمر ضمن هذا السياق ، كان عدم اكتراث اصحاب الصحف لكل ما يجري ، حتى الهجوم على المستشفيات والذي كان محرماً بموجب إتفاقيـة جنيف ، لم يشر اعتراض أي واحد من الصحافيين الحربيين كما لم تتردد الأوساط من الاعلان في المؤتمرات الصحافية اليومية عن تدمير - مستشفيات العدو ، هذا ما كتبـه نـایـل شیهان Neil ) ( Sheehan في صحيفة الـ ه نيويورك تايمس » . إن إتفاقية جنيف تحظر ما يسمى بالعقوبات الجماعية ، مثل حرق القرى التي لا يوجد من يدافع عنها ، ولكن في سايغون لم يظهر شخص واحد يحتج على خبر محو مستوطنات باكملها !! .
و « ماي لاي ، مماثلة عاشها المصور فيليب جونس غريفيث وذلك عندما رافق في ايلول عام 1967 وحدة قتالية القرية العسكرية الفيتنامية الشمالية Red Mountain ) اي - الجبـل الأحمر ، . الجنود دفعوا بخمس عشرة إمرأة وطفل إلى ساحة القرية وامسكوا بنـادقـهم واطلقـوا الرصاص عليهم فاردوهم كلهم قتلى . وعندما بدأ الجنود بإطلاق النار باشر غريفيث باخذ الصور وقال « لو ذهبت مع الصور التي التقطتها إلى وكالة للتصوير وقلت لأصحابها أنني صورت كيف كان الأميركيون يقتلون المدنيين لكانوا أجابوني بكل برود : حسناً وما هو المثير في الأمر . هذا شيء يحصل كل يوم !! .
المصور فيليب جونس غريفيث اراد مرة أن يحمل إلى طائرة الهليكوبتر المرأة الوحيدة التي عادت من عملية كوماندو وقد اصيبت بجرح بليغ في عمودها الفقري وظلت اليوم بطوله تزحف عبر حقول الازر .. وكان على عجلة من أمره لكن أحد الضباط ساله لماذا العجلة ؟ إفترض ان الجنود الشبان وجدوها هذا يعني أنها تكون قد شوهت وقتلت من قبلهم . .
وكتب مايكل هر يقول . المئات من هذه الألبومات التي أخذت في فييتنام كانت متوفرة دائماً وفي تاريخ التصوير فإن صور الرعب هذه ليست بجديدة ، لقد الثقطت تقريباً في كل الحروب
وبعد كل الحروب تجاهلها الجمهور .
واثناء تمرد الـ بوكسر في الصين وكتعبير من الضباط البريطانيين عن رضاهم حول نتائج حملتهم التأديبية فانهم بعد تنفيذ الإعدامات قاموا بالتقاط صور تذكـاريـة وهم ممسكين بالرؤوس المقطوعة بايديهم وهذا الموضوع الإجرامي في مطلع القرن الحالي كان محبوباً لدرجة بيعت معه اعداد هائلة من البوست كارت لهذه الصور ، كان ذلك عام 1901.وبعد عشر سنوات أفادت مجلة « برليز ايللوستيرته ( Berliner Illustrierte ) تحت عنوان - الفظائع المقدونية ، عن مشهد مماثل : وضع الجنـود الأتراك الـرؤوس المقطوعة لضحاياهم في اكياس وحملوها إلى اقرب مصور حيث التقط لهم صوراً وهم ممسكين بالرؤوس المقطوعة الدامية كبرهان لوحشيتهم .
وبعد خمسين سنة وجد المؤرخون في ارشيف مجـرمي الحرب في بولونيا ، البوم صور
عائد للنقيب شميدث في الجستابو الألماني وقد قام الأخير بتنظيم البومه بدقة وعناية فائقتين وكان عنوان الألبوم - ذكريات عن الأوقات العظيمة . . والصـور كانت ملصقة بعناية وقد دون تحت كل واحدة منها بالحبر الأبيض التاريخ المكان والاسم وضمن النقيب شمیدث ، الألبوم صورة لسيارته الفخمة وكلبه ، وكذلك صوراً للحفلات الصاخبة وصور الثوار البولونيين المعلقين على اعواد المشائق !
ولم تكن هناك ذيول سيئة لوثائق شميـدث في الشرق . وبإمكانه أن يتحدث عن حسن حظه لأن النازيين ما كانوا يحبون إطلاع الناس عما يجري في الجبهات .
ولكن هتلر الزعيم النازي الذي كان يشغل منصب وزير الداخلية والقائد الأعلى لقوات الصاعقة المعرفة باسم الـ ( SS ) كتب يقول في السابع عشر من حزيران عام ١٩٤٤ : « الاعدامات هي مع الأسف ضرورية في الحرب ولكن تصويرها يعتبر خارجاً عن اللياقة والذوق ، كما انها شديدة الضرر بمصالح امتنا ...
تعليق