ميغيل دي ثربانتس (سرفانتس) سابيدرا كاتب رواية ومسرحية وشاعر إسباني

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • ميغيل دي ثربانتس (سرفانتس) سابيدرا كاتب رواية ومسرحية وشاعر إسباني

    ثربانتس (ميغيل دي)

    Cervantes (Miguel de-) - Cervantes (Miguel de-)

    ثربانتس (ميغيل دي ـ)
    (1547ـ1619)

    ميغيل دي ثربانتس (سرفانتس) سابيدرا Miguel de Cervantes Saavedra كاتب رواية ومسرحية وشاعر إسباني ولد في الكَلا دي إينارس Alcalá de Henares وتوفي في مدريد، ويُعدُّ من أشهر الكُتَّاب الإسبان، كما يُعدُّ عمله الرئيسي «دون كيخوته (أو دون كيشوت) دي لامانشا» Don Quijote de la Mancha أكثر المؤلفات باللغة الإسبانية شهرة، وتُرجم إلى أغلب اللغات، وبحث فيه نقاد من جميع أنحاء العالم، واقتبس منه مراراً إلى أجناس أدبية أخرى، واستلهم منه الكثير من الأعمال التشكيلية والراقصة والموسيقية والسينمائية.
    لا تحتوي الوثائق المحفوظة على معلومات عن طفولة ثربانتس ومراهقته سوى تاريخ العماد ومكانه عام 1547 في مدينة الكلا القريبة من العاصمة الإسبانية الحالية مدريد والتي كانت أهم منها حينئذ. ويُعرف أنه من عائلة متواضعة، إذ كان والده جراحاً وكان ميغيل أحد أولاده السبعة. كما يُعرف أن ثربانتس سكن في إشبيلية وعاد إلى مدريد حيث تصادف وجوده فيها مع وفاة الزوجة الثالثة للملك فيليب الثاني التي رثاها ثربانتس ببعض الأبيات الشعرية. وابتداء من 1570 سافر ثربانتس إلى رومة وخدم في القوات الإسبانية في مدينة نابولي التي كانت آنذاك مرتبطة مباشرة بالتاج الإسباني. وكان ثربانتس بطلاً لعدد من المعارك البحرية في المنطقة ما بين جنوبي إيطالية واليونان وتونس، ومنها معركة ليبانتو الشهيرة. وبعد نهاية تجربته العسكرية وفقدانه ذراعه الأيسر في الحرب ركب سفينة عائدة إلى بلده، ولكنَّها هوجمت وأجبرت على التوجه إلى الجزائر العاصمة، حيث بقي من عام 1575 إلى عام 1580. إلا أنه لا توجد لتلك المرحلة الجزائرية الطويلة وثائق ولا دراسات على الرغم من أنها انعكست على سبيل المثال في الفصول 39-41 في الجزء الأول من «دون كيخوته» وأيضا في روايتين أُخريين بعنوان «لاغالاتيا» La Galatea و«أعمال بيرسيلس وسيخيسموندا» Los trabajos de Persiles y Sigismunda.
    عانى المؤلف نتائج التطورات التاريخية للامبراطورية الإسبانية والأحداث الحربية والمناقشات الإيديولوجية التي امتصَّت طاقات الإسبان في ذلك العصر، الذي يعد مع ذلك العصر الإسباني الذهبي. وحين عاد ثربانتس إلى إسبانية اضطر إلى الدفاع عن سمعته التي كانت معرضة للخطر، إذ اتُّهم بالسرقة وواجه مشكلات عائلية خطيرة وحكم عليه بالسجن. ولحسن الحظ وجد ثربانتس في الأدب أفضل الميادين لتطوير عبقريته.
    نشر ثربانتس في مدينة الكلا الرواية الرعوية «لاغالاتيا» وهو في الثامنة والثلاثين من عمره بعد زواجه بقليل وبعد أن دفع إلى المطبعة ببعض الأبيات المتفرقة. وهي رواية حب بين الرعاة، فيها حضور كبير للطبيعة مع تأملات في الجمال وفي العلاقة بين الحياة والأدب، وذلك من خلال تقنية روائية مبتكرة. وأعيد طبع هذه الرواية مرتين في حياته، وكان ثربانتس دائم الرغبة في متابعتها واستكمالها. ويوجد في إطار «دون كيخوته» بعض القصص القصيرة التي تنتمي أيضاً إلى هذا النوع من الكتابة.
    في أثناء تأليفه «لاغالاتيا» وضع ثربانتس بعض الأعمال المسرحية مثل «سجون الجزائر» Los baños de Argel، و«حصار نومانثيا» El cero de Numancia. لكن ثربانتس فضل تأجيل نشر أغلبية أعماله المسرحية حتى آخر حياته، بل إنه ترك أعمالاً مسرحية أخرى غير كاملة. وأشار في فقرات مختلفة من كتبه النثرية إلى أكثر من عشرين عمل مسرحي ألَّفه في بداية مسيرته الأدبية، كما أشار إلى الإقبال الذي لاقته أعماله لدى الجمهور. ويعود تقلص الاعتراف به كاتباً مسرحياً إلى دخول الميول الجديدة إلى الكوميديا الإسبانية والنجاح الذي حقَّقه المسرحي الإسباني لوبي دي بيغا[ر]، وفيما بعد الكاتب كالديرون دي لاباركا[ر] في المرحلة الأكثر تطوراً وازدهاراً في المسرح الإسباني.
    ظهرت موهبة ثربانتس في الكتابة المسرحية في مجلده «ثماني كوميديات وثمانية فواصل» Ocho comedias y ocho entermses nuevos (أي مسرحيات قصيرة كتبت للعرض بين فصول الكوميديات الكبيرة). وهذه النصوص عبارة عن خليط من عناصر من السيرة الذاتية والإشارات إلى التقاليد الإسبانية في أيام المؤلف. أمَّا بصدد الفواصل، وهي ست قطع قصيرة من النثر إضــافة إلى قطعتين من الشعر، فإنها تتضمن بعض مؤلفات ثربانتس الأكثر عرضاً حتى هذه الأيام، ومنها على سبيل المثال «قاضي محكمة الطلاق» و«كهف سالامنقة» La cueva de Salamanca. وبرأي بعض الباحثين تحتوي هذه الفواصل على بعض الموضوعات والتقنيات المأخوذة من الرواية، وعلى عدد كبير من الشخصيات المعقدة الموصوفة بشكل ناجح من خلال دمج الجدية بالمزاح.
    يبقى حضور ثربانتس حتى اليوم جلياً في صفحات أهم المختارات الشعرية الإسبانية. وهناك أيضاً قصائد كثيرة متناثرة في صفحات «دون كيخوته»، ولكن إنجازه الأكبر في مجال الشعر كان «الرحلة إلى جبل برناس» (1614) Viaje al Parnaso، وهو محاولة من ثربانتس لاختيار أفضل شعراء عصره، وطريقة لعرض أفكاره في ميدان الشعر، في سلسلة طويلة من الأبيات، من النمط الروائي، غنيَّة بالإشارات إلى الميثولوجية، وفيه ملحق نثري.
    كان ثربانتس على أعتاب الستين من عمره عندما نشر عام 1605 الجزء الأول من «دون كيخوته» أحد أشهر الكتب في الأدب العالمي. ففي السنوات العشر الأخيرة من حياته ظهرت بعض مؤلفاته البالغة الأهمية، وبعضها سبق أن ألَّفه كاملاً أو جزئياً في مراحل سابقة من حياته مثل «الروايات المثالية» (1613) Novelas ejemplares، وهي اثنتا عشرة قصة قصيرة بعضها مشهور جداً مثل «الغجرية الصغيرة» La gitanilla أو قصّة الشابين «رينكونيته وكورتاديليو» Rinconete y Cortadillo و«الطالب الزجاجي» El licencido vidriera و«حوار الكلاب» Coloquio de los perros، التي عدّها ثربانتس نفسه والكثير من النقاد أول نماذج هذا النوع الأدبي في اللغة الإسبانية. وهذه الأعمال تطمح إلى تقديم مثل أخلاقي كما تقدم أيضاً تقنيات أدبية جديدة. ويعود الجزء الثاني من «دون كيخوته» إلى عام 1615، بينما يعود آخر كتبه، الذي نشر بعد وفاته، «أعمال بيرسيلس وسيخيسموندا» إلى عام 1617، وهو عبارة عن ملحمة نثرية حول تاريخ الإنسانية. وقد لاقى هذا الكتاب نجاحاً كبيراً لدى الجمهور منذ لحظة صدوره.
    يعد «دون كيخوته» أهم عمل أدبي لثربانتس، وقد تمتع بنجاح كبير وبإقبال شعبي منذ الطبعة الأولى للجزء الأول في مدريد عام 1695. وصدرت أيضاً الطبعات النظامية والمقرصنة من هذا الكتاب بسرعة في لشبونة وبالنثيا وبروكسل. وترجم إلى الإنكليزية في عام 1512 وبعد سنتين إلى الفرنسية، ثم إلى بعض اللغات الأخرى، أما الترجمات العربية فلم تظهر حتى بداية القرن العشرين. وقد حقق «دون كيخوته» نجاحاً كبيراً لدرجة أن كاتباً آخر غير معروف يدعى ألونسو فرناندث دي أبيليانيدا تجرأ على إصدار الجزء الثاني من «دون كيخوته» فلم يتأخر ثربانتس بوضع الجزء الثاني الأصيل من «دون كيخوته» بين أيدي القراء عام 1615.
    تقوم قصة «دون كيخوته» على مغامرات رجل في الخمسين من عمره يقيم في قرية في إقليم لامانشا، وهي منطقة جافة نسبياً قليلة السكان تقع في وسط الجزيرة الإيبيرية. ترك هذا الرجل منزله وعاداته وتقاليده محاولاً الحصول على لقب فارس بسبب تأثره بقراءة كتب الفرسان الجوالين، وأخذ يتجول عبر البلاد حتى أصبح يلقب بـ«دون كيخوته»، ووُصف بـ«فارس الظل الحزين»، وراح يساعد المظلومين بسلاحه. وبمساعدة خياله الفياض كان يحوّل كل العالم الحقيقي المحيط به، فهو يغير طريقته في الحديث ويتبنى عبارات قديمة وبليغة تناسب عصر الفرسان وكلمات أصبحت غير مستخدمة في أيامه. وتظهر الأشخاص والأماكن المعروفة والشائعة أمام عينيه ميداناً خيالياً يحتاج إليه للقيام بمغامراته. كما يقنع جاره الريفي البسيط سانشو بانثا بمرافقته ليكون حاملاً للدرع ومساعداً له. كما يحول «دون كيخوته» بمغامراته وأعماله المرأة القروية إلى «دولثينيا» السيدة النبيلة لتكون موضع إعجابه وحبه عن بعد، ويحوِّل النُزُلَ المتواضعة إلى قصور وقلاع مثالية لطقوس الفرسان. كما ينقض برمحه على طواحين الهواء إذ يراها عمالقة خطرة، ويرى في قطعان الخراف جحافل أعداء يحاربها، ويدخل في مبارزات يخرج منها خاسراً وجريحاً. وغالباً ما تتخلل هذه المغامرات قصص أخرى تكون أحياناً طويلة وبعيدة عن الموضوع الرئيسي، دون أن يؤثِّر ذلك في التماسك العام للرواية. وكتقليد أدبي شائع نسب ثربانتس جزءاً كبيراً من كتابه إلى كاتب عربي يدعى «سيدي حميد بن نخيلي»، واختار مغربياً كنيته غير مفهومة كوحي هبط من السماء صدفة ليساعده في تطوير قصته، ولا يبخل ثربانتس عليه بأحر صفات الإعجاب، فيصفه بالحكيم والفيلسوف والمؤرخ الكبير، واعترافاً منه بأهمية هذا «المؤرِّخ» والمخطوط الذي ألَّفه يقول ثربانتس إنَّه وجده صدفة في أحد أسواق طليطلة. ولمرافقة «دون كيخوته» في رحلاته، يبدع ثربانتس شخصية سانشو بانثا، وهو إنسان متواضع قليل الثقافة، مشكلاً بذلك جمهور البطل. وشخصية سانشو من أكثر الشخصيات التي تتطور عبر الرواية من بساطة رؤيته الواقعية وطموحاته الأساسية ولغته الشعبية إلى التأثر بلغة معلمه المنمَّقة الرسمية ورؤيته الهاذية.
    يقع ثربانتس في تاريخ الأدب الإسباني بين عصر النهضة، بما فيه من تقديس للطبيعة والحب العذري وقيم الفرسان، وبين عصر الباروك[ر] المليء بالتشاؤم، نتيجة الخلافات الطائفية والجدل الديني وحركة الإصلاح في الكنيسة. وتتمتع شخصياته بالاستقلالية والأصالة، وهو يبتعد عن القواعد الأدبية لعصره، فيبدو مبدعاً يطرق موضوعات وتقنيات جديدة ونموذجاً لمثقفي عصره، وفي الوقت نفسه يمجد التقاليد الأصيلة ويستخدم الكثير من الأمثال الشعبية والأغاني الفلكلورية، وكثيراً ما يمزج الأنواع الأدبية في محاولة منه الوصول إلى الحقيقة ومشابهتها من خلال أدبه.
    خوان خيمينث

يعمل...
X