نسيان
Forgetting - Oubli
النسيان
النسيان forgetting من العمليات النفسية، تتصف بفعالية توافقية مع البيئة الخارجية بحيث تميل الشخصية إلى التعديل الذاتي لمكتسباتها لتحقيق هذا التوافق. والتذكر والنسيان متشابهان، لكن التذكر يُعبِّر عن الجانب الإيجابي للوظائف العقلية التي تعمل على احتفاظ المرء بآثار خبرات الماضي، أما النسيان فيعبّر عن الجانب السلبي لتلك الوظائف، وهذا لا يعني أن النسيان هو تلاش أو امحاء للخبرات السابقة، بل هو الإخفاق في استحضار معلومة عند الحاجة إليها للانتفاع بها، أي إخفاق الإنسان في تأدية عمل سبق له أن تعلمه تحت ضغط الخبرات والمعلومات الجديدة التي تزاحم الذكريات القديمة.
يُعدّ النسيان من العوامل المهمة للذاكرة memory، وهو ضروري للإنسان، وإن جزءاً كبيراً منه قد يكون في الواقع شكلاً من أشكال التكيف أو التأقلم، فلولاه لأصبح التفكير مضطرباً وغير منظم، كما يُعدّ واقعاً حقيقياً يُصادف يومياً، وهو ـ في بعض جوانبه ـ نعمة للإنسان؛ لأنه لا يستطيع الاحتفاظ بكل الخبرات والمعارف التي يمر بها في حياته، فيحتفظ بالمهم منها والمفيد، وينسى العناصر التي لا تتوافر فيها العوامل الذاتية والموضوعية للحفظ. فأول ما ينسى المقاطع والموضوعات والخبرات التي لا علاقة لها باهتماماته، وكلما ارتبط التعلم بالفهم والإدراك؛ كان النسيان أبطأ.
ينسى الإنسان ما يكرهه، ويحتفظ بالذكريات التي تتناسب ورغباته، وهذا يساعده لكي يحيا، ويتحمل المصائب والآلام أمام قوة الزمن وسطوته. كما لا يمكنه أن يعيش بذاكرة ممتلئة كل الوقت، فتتعب قدراته الدماغية، وتنفد قوة استيعابه. وفي المقابل قد يُعوق النسيان صاحبه عن التكيف مع البيئة المحيطة، فيصاب بالتردد والارتباك. كما أن النسيان المرضي يؤدي إلى انحلال الشعور وفساد الحياة النفسية وتفكك الشخصية.
وعندما يتظاهر الإنسان بالنسيان تدعى هذه الحالة بالتناسي، مثل تناسي العالم سلوك الجاهل، وتناسي الحليم ثورة الغاضب، أو تناسي بعض المواقف السابقة غير السارة. وقد يكون النسيان لاشعورياً، أي إن الإنسان ينسى ما لا يريد أن يتذكره وما لا يهتم به.
أسباب النسيان
ـ تلاشي الذكريات والخبرات المسجلة في الدوائر الكهربائية العصبية في مخ الإنسان تدريجياً مع الزمن أو ضمورها، ولاسيما إذا لم تُستعمل مراراً.
ـ تداخل أوجه النشاط والتعلم، حيث تُعوق المعلومات الجديدة تذكر المعلومات القديمة.
ـ الذكريات المؤلمة، فيكون النسيان لتفادي الحزن والقلق الناجم عن تذكرها، وهنا يكون النسيان عملية دفاعية لاشعورية.
ـ ضعف تثبيت المعلومات في الذهن إما نتيجة السرعة في استيعابها وإما لتشابه المعلومات وإما للقلق والإجهاد المصاحب عملية الاستيعاب.
ـ الركود الذهني، إذ إن المعلومات التي تستحفظ في حالات يكون فيها الذهن راكداً كما في حال النعاس أو التعب، تكون قابلة للنسيان أكثر مما هي عليه في حالة التوقد الذهني.
ـ الحالة الانفعالية من فرح وخوف وحزن وغضب والضغط النفسي، فلها تأثير في زيادة نسبة النسيان وإضعاف التثبيت.
ـ سوء التغذية الذي يؤدي إلى نقص الفيتامينات والأملاح المعدنية التي تغذي الدماغ، وتنشط الذاكرة، وهذا النقص يؤدي إلى ضعف تغذية الدماغ ومن ثمّ ضعف الذاكرة.
ـ الأمراض التي تصيب الإنسان ولاسيما السكري وارتجاج الدماغ أو تلف مناطق الذاكرة في المخ، وكذلك الصدمات النفسية المؤثرة.
ـ التقدم في العمر (الشيخوخة) الذي يؤدي إلى زيادة صلابة شرايين الدماغ.
ـ كثرة تناول الأدوية المنبهة والمنومة والمخدرة، مثل الإدمان على الكحول والمخدرات التي تؤثر سلبياً في خلايا الذاكرة.
أهم النظريات المفسرة للنسيان
ـ نظرية الانطفاء: التي ترى أن النسيان يحدث نتيجة للإطفاء التلقائي لآثار الذاكرة، والذي يزداد مع مرور الزمن.
ـ نظرية التداخل: التي ترى أن النسيان يحدث نتيجة تداخل معلومات جديدة تحل محل القديمة.
ـ نظرية تغيّر الأثر: حيث إن الإدراك يحدد النسيان والشروط التي أحاطت بحدوثه، فالصورة الإدراكية التي تبقى لدى الفرد بعد زوال الأشياء المدركة لا تظل جامدة، وإنما تتعرض لتغيرات وتحولات وتشوهات وإعادة بناء، مما يؤدي إلى إدخال تعديلات مهمة على الشكل أو النمط الأصلي للأثر في الذاكرة.
ـ نظرية فشل الاسترجاع: التي ترى أن ما أُدخل إلى الذاكرة الطويلة المدى يظل فيها، ولكن ليس من السهل دائماً إخراجه، ولاسيما إذا تذكرنا أن المعلومات تتنافس فيما بينها مما يؤدي إلى أن يتغلب الارتباط الأقوى معيقاً بذلك الارتباط الأضعف.
أنواع النسيان
ـ نسيان المعلومات السابقة، بمعنى فقدان الذاكرة الناجم عن تلف في المخ.
ـ نسيان الحاضر بعد حدوث صدمة أو حادث مؤثر.
ـ النسيان الشامل للمعلومات.
ـ النسيان العابر الذي يحدث بعد الإصابة المباشرة للدماغ بالارتجاج أو الجروح، ثم يعود المريض إلى استذكارها تدريجياً.
ـ النسيان الثابت الذي يحدث بعد إصابات خطيرة، مثل التهاب الدماغ.
ـ النسيان المتزايد الذي يحدث بسبب الإصابة بمرض ألزهايمر Alzheimer.
ـ النسيان المصطنع النفساني نتيجة شدة تأثر الإنسان بأزمة انفعالية نفسية؛ لذا يتظاهر بعجزه عن تذكر الأحداث القريبة، أي يتناسى.
ـ النسيان اللاشعوري الناجم عن كبت repression أحداث مؤلمة حدثت للفرد في الماضي.
الآثار المترتبة على النسيان
ليس النسيان ظاهرة محو سلبية، ولكنه صيرورة فاعلة لعملية فكرية تُجري ضرباً من الفرز في الذاكرة للأحداث الأكثر نفعاً، وتستبعد تلك الأحداث التي ليس لها قيمة وفائدة. والنسيان في حدوده الطبيعية ذو طابع إيجابي للفرد، أما إذا كان دائماً ومرضياً فذلك يرتب على الفرد آثاراً سيئة على شخصيته وعلى تكيفه النفسي والاجتماعي. إذ أن النسيان يبعد المعارف والخبرات الضرورية والمهمّة عن ساحة الشعور في الوقت الذي يكون فيه الفرد بأمس الحاجة لاستدعاء تلك المعارف والخبرات.
قد يُجبر النسيان الفرد على اتخاذ قرارات خاطئة سواء أتتعلق به في اختيار بعض الفرص المتاحة للنمو والتقدم أم تتعلق بالآخرين، وأخيراً قد يؤدي النسيان وظيفة سوء تكيف الفرد مع نفسه ومع الآخرين.
كمال بلان
Forgetting - Oubli
النسيان
النسيان forgetting من العمليات النفسية، تتصف بفعالية توافقية مع البيئة الخارجية بحيث تميل الشخصية إلى التعديل الذاتي لمكتسباتها لتحقيق هذا التوافق. والتذكر والنسيان متشابهان، لكن التذكر يُعبِّر عن الجانب الإيجابي للوظائف العقلية التي تعمل على احتفاظ المرء بآثار خبرات الماضي، أما النسيان فيعبّر عن الجانب السلبي لتلك الوظائف، وهذا لا يعني أن النسيان هو تلاش أو امحاء للخبرات السابقة، بل هو الإخفاق في استحضار معلومة عند الحاجة إليها للانتفاع بها، أي إخفاق الإنسان في تأدية عمل سبق له أن تعلمه تحت ضغط الخبرات والمعلومات الجديدة التي تزاحم الذكريات القديمة.
يُعدّ النسيان من العوامل المهمة للذاكرة memory، وهو ضروري للإنسان، وإن جزءاً كبيراً منه قد يكون في الواقع شكلاً من أشكال التكيف أو التأقلم، فلولاه لأصبح التفكير مضطرباً وغير منظم، كما يُعدّ واقعاً حقيقياً يُصادف يومياً، وهو ـ في بعض جوانبه ـ نعمة للإنسان؛ لأنه لا يستطيع الاحتفاظ بكل الخبرات والمعارف التي يمر بها في حياته، فيحتفظ بالمهم منها والمفيد، وينسى العناصر التي لا تتوافر فيها العوامل الذاتية والموضوعية للحفظ. فأول ما ينسى المقاطع والموضوعات والخبرات التي لا علاقة لها باهتماماته، وكلما ارتبط التعلم بالفهم والإدراك؛ كان النسيان أبطأ.
ينسى الإنسان ما يكرهه، ويحتفظ بالذكريات التي تتناسب ورغباته، وهذا يساعده لكي يحيا، ويتحمل المصائب والآلام أمام قوة الزمن وسطوته. كما لا يمكنه أن يعيش بذاكرة ممتلئة كل الوقت، فتتعب قدراته الدماغية، وتنفد قوة استيعابه. وفي المقابل قد يُعوق النسيان صاحبه عن التكيف مع البيئة المحيطة، فيصاب بالتردد والارتباك. كما أن النسيان المرضي يؤدي إلى انحلال الشعور وفساد الحياة النفسية وتفكك الشخصية.
وعندما يتظاهر الإنسان بالنسيان تدعى هذه الحالة بالتناسي، مثل تناسي العالم سلوك الجاهل، وتناسي الحليم ثورة الغاضب، أو تناسي بعض المواقف السابقة غير السارة. وقد يكون النسيان لاشعورياً، أي إن الإنسان ينسى ما لا يريد أن يتذكره وما لا يهتم به.
أسباب النسيان
ـ تلاشي الذكريات والخبرات المسجلة في الدوائر الكهربائية العصبية في مخ الإنسان تدريجياً مع الزمن أو ضمورها، ولاسيما إذا لم تُستعمل مراراً.
ـ تداخل أوجه النشاط والتعلم، حيث تُعوق المعلومات الجديدة تذكر المعلومات القديمة.
ـ الذكريات المؤلمة، فيكون النسيان لتفادي الحزن والقلق الناجم عن تذكرها، وهنا يكون النسيان عملية دفاعية لاشعورية.
ـ ضعف تثبيت المعلومات في الذهن إما نتيجة السرعة في استيعابها وإما لتشابه المعلومات وإما للقلق والإجهاد المصاحب عملية الاستيعاب.
ـ الركود الذهني، إذ إن المعلومات التي تستحفظ في حالات يكون فيها الذهن راكداً كما في حال النعاس أو التعب، تكون قابلة للنسيان أكثر مما هي عليه في حالة التوقد الذهني.
ـ الحالة الانفعالية من فرح وخوف وحزن وغضب والضغط النفسي، فلها تأثير في زيادة نسبة النسيان وإضعاف التثبيت.
ـ سوء التغذية الذي يؤدي إلى نقص الفيتامينات والأملاح المعدنية التي تغذي الدماغ، وتنشط الذاكرة، وهذا النقص يؤدي إلى ضعف تغذية الدماغ ومن ثمّ ضعف الذاكرة.
ـ الأمراض التي تصيب الإنسان ولاسيما السكري وارتجاج الدماغ أو تلف مناطق الذاكرة في المخ، وكذلك الصدمات النفسية المؤثرة.
ـ التقدم في العمر (الشيخوخة) الذي يؤدي إلى زيادة صلابة شرايين الدماغ.
ـ كثرة تناول الأدوية المنبهة والمنومة والمخدرة، مثل الإدمان على الكحول والمخدرات التي تؤثر سلبياً في خلايا الذاكرة.
أهم النظريات المفسرة للنسيان
ـ نظرية الانطفاء: التي ترى أن النسيان يحدث نتيجة للإطفاء التلقائي لآثار الذاكرة، والذي يزداد مع مرور الزمن.
ـ نظرية التداخل: التي ترى أن النسيان يحدث نتيجة تداخل معلومات جديدة تحل محل القديمة.
ـ نظرية تغيّر الأثر: حيث إن الإدراك يحدد النسيان والشروط التي أحاطت بحدوثه، فالصورة الإدراكية التي تبقى لدى الفرد بعد زوال الأشياء المدركة لا تظل جامدة، وإنما تتعرض لتغيرات وتحولات وتشوهات وإعادة بناء، مما يؤدي إلى إدخال تعديلات مهمة على الشكل أو النمط الأصلي للأثر في الذاكرة.
ـ نظرية فشل الاسترجاع: التي ترى أن ما أُدخل إلى الذاكرة الطويلة المدى يظل فيها، ولكن ليس من السهل دائماً إخراجه، ولاسيما إذا تذكرنا أن المعلومات تتنافس فيما بينها مما يؤدي إلى أن يتغلب الارتباط الأقوى معيقاً بذلك الارتباط الأضعف.
أنواع النسيان
ـ نسيان المعلومات السابقة، بمعنى فقدان الذاكرة الناجم عن تلف في المخ.
ـ نسيان الحاضر بعد حدوث صدمة أو حادث مؤثر.
ـ النسيان الشامل للمعلومات.
ـ النسيان العابر الذي يحدث بعد الإصابة المباشرة للدماغ بالارتجاج أو الجروح، ثم يعود المريض إلى استذكارها تدريجياً.
ـ النسيان الثابت الذي يحدث بعد إصابات خطيرة، مثل التهاب الدماغ.
ـ النسيان المتزايد الذي يحدث بسبب الإصابة بمرض ألزهايمر Alzheimer.
ـ النسيان المصطنع النفساني نتيجة شدة تأثر الإنسان بأزمة انفعالية نفسية؛ لذا يتظاهر بعجزه عن تذكر الأحداث القريبة، أي يتناسى.
ـ النسيان اللاشعوري الناجم عن كبت repression أحداث مؤلمة حدثت للفرد في الماضي.
الآثار المترتبة على النسيان
ليس النسيان ظاهرة محو سلبية، ولكنه صيرورة فاعلة لعملية فكرية تُجري ضرباً من الفرز في الذاكرة للأحداث الأكثر نفعاً، وتستبعد تلك الأحداث التي ليس لها قيمة وفائدة. والنسيان في حدوده الطبيعية ذو طابع إيجابي للفرد، أما إذا كان دائماً ومرضياً فذلك يرتب على الفرد آثاراً سيئة على شخصيته وعلى تكيفه النفسي والاجتماعي. إذ أن النسيان يبعد المعارف والخبرات الضرورية والمهمّة عن ساحة الشعور في الوقت الذي يكون فيه الفرد بأمس الحاجة لاستدعاء تلك المعارف والخبرات.
قد يُجبر النسيان الفرد على اتخاذ قرارات خاطئة سواء أتتعلق به في اختيار بعض الفرص المتاحة للنمو والتقدم أم تتعلق بالآخرين، وأخيراً قد يؤدي النسيان وظيفة سوء تكيف الفرد مع نفسه ومع الآخرين.
كمال بلان