هسيودوس
Hesiod - Hésiode
هسيودوس
(نحو 700ق.م)
هسيودوس Hesiodos أحد أوائل الشعراء المعروفين تاريخياً في بلاد اليونان وأبرزهم، وهو شاعر ملحمي اقترن اسمه في العصور القديمة بالشاعر الكبير هوميروس[ر] Homeros، وحظي مثله بأكبر قدر من التعظيم والإعجاب، ويُعدُّ مؤسس ملحمة الأنساب والملحمة التعليمية، وعلى يديه ازدهر الشعر الملحمي بالوزن السداسي.
إن معظم ما يُعرف عن حياة هسيودوس وبيئته مستقى من أشعاره، إذ تحدث فيها عن نفسه؛ فقد ولد في بلدة أسكْرا Askra الصغيرة الجاثمة على سفح جبل هِليكون Helikon في إقليم بويتيا Boeotia وسط بلاد اليونان. وكان أبوه قد هاجر إليها من مدينة كومي Cyme في آسيا الصغرى بعد أن حاقت به الفاقة، وعاش في موطنه الجديد مزارعاً فقيراً يقتات من العمل في أرضه. وهكذا نشأ هسيودوس في هذه البيئة المعدمة المنعزلة، ولكن الغنية بتراثها وتقاليدها، وكان لهذا تأثير كبير في فكره وطباعه وشعره.
ترك هسيودوس ملحمتين شعريتين هما:
1- «أنساب الآلهة» Theogonia وهي أول قصيدة ميثولوجية ملحمية في الشعر الإغريقي، تتألف من 1022 بيتاً، يقص فيها الأساطير المتعلقة بنشأة الكون وأصل الآلهة. يستهل هسيودوس ملحمته بأنشودة إلى ربات الشعر mousia، وقد صور له خياله أنه يكاد يراها ترقص على سفح هليكون «وتغسل جلدها الرقيق» بمياه الينبوع المقدس، وكيف تلهمه الشعر. ثم يتحدث عن نشأة العالم من العدم والفوضى Chaos فكانت الأرض Gaea أولاً ثم نشأ الليل والنهار، ثم جاء بعدئذٍ ترتاروس Tartaros إله العالم السفلي، ومن بعده إروس Eros إله الحب، ووَلدت الأرض الجبال والسماء، وولد من اقتران السماء (أورانوس) Uranus والأرض البحر الكبير Okeanos والمردة والجبابرة Titanes الذين قذف بهم أورانوس إلى العالم السفلي ولكنهم ثاروا ضده مع أمهم بزعامة كرونوس Chronos الذي قطع أوصال أبيه فنشأ من نطافه المتساقط في الماء زبد البحر وإلهة الجمال أفروديت Aphrodite، ورفع الجبابرة كرونوس على عرش أبيهم الذي تزوج أخته ريا Rhea. وعندما علم بنبوءة تقول إن أحد أبنائه سيخلفه على عرشه ابتلعهم جميعاً ما عدا زيوس[ر] Zeus الذي ولدته أمه سراً في جزيرة كريت حيث نشأ، وما إن بلغ أشدّه حتى دخل في صراع مع الجبابرة وأرغم أباه على إخراج إخوته من بطنه، وأعاد الجبابرة إلى باطن الأرض وحصل على عرش العالم لكل الأزمان. كما يروي هسيودوس أسطورة بروميثيوس Promethios وعقاب زيوس الأبدي له لأنه سرق النار وأعطاها للبشر.
إن كثيراً من هذه الأساطير نشأ من المعتقدات والقصص الشعبية الإغريقية ومن التراث الفكري والديني للشرق القديم. فقد أظهرت الأشعار والأساطير الحثية والحورية - التي أكدتها نصوص أُغاريت[ر] وكذلك قصة الخلق البابلية - أن شعوب الشرق القديم عرفت أسطورة أجيال الآلهة التي ينتزع كل منها عرش السماء من سابقه. ولاشك أن هسيودوس اعتمد على هذه الأساطير والمرويات الشرقية التي عرفها إما عن طريق الفينيقيين أو عن طريق آسيا الصغرى.
2- «الأعمال والأيام» Erga kai hemerai هي قصيدة تتألف من 828 بيتاً، وقد سماها بعضهم «حكمة هسيودوس». يستهلها الشاعر بالدعاء لزيوس رب العدالة التي وهبها لبني البشر «وهي أحسن ما يملكون على الأرض». ثم يتوجه بالنصيحة لشقيقه بِرْسيس Perses الذي سلبه حصته من أرض أبيه عبر رشوته القضاة الظالمين، ويحثه على اختيار الطريق القويم «فلا شيء أثمن من نعمة العمل الشريف»، وكأنه بذلك يخاطب أيضاً فلاحي بويتيا الكادحين المعدمين الذين تطحنهم مشكلات حاضرهم وهمومها، ولا يملكون إلا التمسك بفضيلة العمل والعدل أساساً للحياة. كما يقدم الشاعر النصائح العملية لممارسة الأعمال الزراعية، ويهيب بالفلاح أن يمتلك قبل كل شيء منزلاً وزوجة وثوراً للحراثة، وينصحه بولد واحد فقط. ويورد أخيراً قائمة بأيام السعد وأيام النحس التي ينبغي على المرء ألا يعمل فيها.
يعبر هسيودوس عن تشاؤمه النابع من التناقضات الاجتماعية في عصره في تصويره تعاقب العصور الخمسة التي تؤكد أن البشرية تسير من سيئ إلى أسوأ. ففي البداية كان العصر الذهبي، عصر السلام والأمان والوفرة في ظل الإله كرونوس، ثم أعقبه العصر الفضي وتلاه العصر البرونزي، أما العصر الرابع فهو جيل الأبطال الذين انقرضوا في الحروب حول أسوار طروادة وطيبة، وأخيراً جاء عصر الحديد الذي يعيشه والذي ليس فيه سوى الأسى والإرهاق نهاراً والهلاك ليلاً، والذي يقول عنـه «ليتني مت قبلـه أو ولدت بعده».
يرى هسيودوس أن العدل ضعيف أمام الظلم وجبروته ويتجلى ذلك في قصيدته «خرافة العندليب والصقر» Ornithomanteia. وتعد هذه القصيدة بمجملها مصدراً فريداً للأوضاع الاجتماعية في بلاد اليونان في ذلك الوقت. أما عن سماتها الفنية فيغلب عليها البناء غير المحكم، إذ لا ترتبط العناصر المكونة لها ببعضها إلا بخيوط واهية؛ فالشاعر ينتقل من الحِكَم والأمثال إلى أحداث ملحمية الطابع إلى موضوعات شخصية واستطرادات كثيرة. ومع هذا أصبحت القصيدة من أمهات الأشعار التي تركت بصماتها الواضحة على التراث الشعري التعليمي والغنائي وعلى الفكر الأخلاقي والفلسفي عند الإغريق والرومان، وخاصة ما يتعلق بأسطورة العصر الذهبي.
نُسبت إلى هسيودوس مجموعة من الأعمال الشعرية المنحولة مثل «درع هرقل» وهي قصيدة تذكر بوصف هوميروس درع أخيل في الإلياذة، وتقع في 480 بيتاً، وتظهر تدني حالة الشعر الملحمي التعليمي، و«قائمة النساء» Gunaikon Katalogos المعروفة أيضاً باسم «المثيلات» Ehoiai، وهي تتمة «أنساب الآلهة» في خمسة كتب تتضمن أنساب الأبطال الذين أنجبتهم الآلهة من نساء بني البشر.
محمد الزين، ق. ل. آ
Hesiod - Hésiode
هسيودوس
(نحو 700ق.م)
إن معظم ما يُعرف عن حياة هسيودوس وبيئته مستقى من أشعاره، إذ تحدث فيها عن نفسه؛ فقد ولد في بلدة أسكْرا Askra الصغيرة الجاثمة على سفح جبل هِليكون Helikon في إقليم بويتيا Boeotia وسط بلاد اليونان. وكان أبوه قد هاجر إليها من مدينة كومي Cyme في آسيا الصغرى بعد أن حاقت به الفاقة، وعاش في موطنه الجديد مزارعاً فقيراً يقتات من العمل في أرضه. وهكذا نشأ هسيودوس في هذه البيئة المعدمة المنعزلة، ولكن الغنية بتراثها وتقاليدها، وكان لهذا تأثير كبير في فكره وطباعه وشعره.
ترك هسيودوس ملحمتين شعريتين هما:
1- «أنساب الآلهة» Theogonia وهي أول قصيدة ميثولوجية ملحمية في الشعر الإغريقي، تتألف من 1022 بيتاً، يقص فيها الأساطير المتعلقة بنشأة الكون وأصل الآلهة. يستهل هسيودوس ملحمته بأنشودة إلى ربات الشعر mousia، وقد صور له خياله أنه يكاد يراها ترقص على سفح هليكون «وتغسل جلدها الرقيق» بمياه الينبوع المقدس، وكيف تلهمه الشعر. ثم يتحدث عن نشأة العالم من العدم والفوضى Chaos فكانت الأرض Gaea أولاً ثم نشأ الليل والنهار، ثم جاء بعدئذٍ ترتاروس Tartaros إله العالم السفلي، ومن بعده إروس Eros إله الحب، ووَلدت الأرض الجبال والسماء، وولد من اقتران السماء (أورانوس) Uranus والأرض البحر الكبير Okeanos والمردة والجبابرة Titanes الذين قذف بهم أورانوس إلى العالم السفلي ولكنهم ثاروا ضده مع أمهم بزعامة كرونوس Chronos الذي قطع أوصال أبيه فنشأ من نطافه المتساقط في الماء زبد البحر وإلهة الجمال أفروديت Aphrodite، ورفع الجبابرة كرونوس على عرش أبيهم الذي تزوج أخته ريا Rhea. وعندما علم بنبوءة تقول إن أحد أبنائه سيخلفه على عرشه ابتلعهم جميعاً ما عدا زيوس[ر] Zeus الذي ولدته أمه سراً في جزيرة كريت حيث نشأ، وما إن بلغ أشدّه حتى دخل في صراع مع الجبابرة وأرغم أباه على إخراج إخوته من بطنه، وأعاد الجبابرة إلى باطن الأرض وحصل على عرش العالم لكل الأزمان. كما يروي هسيودوس أسطورة بروميثيوس Promethios وعقاب زيوس الأبدي له لأنه سرق النار وأعطاها للبشر.
إن كثيراً من هذه الأساطير نشأ من المعتقدات والقصص الشعبية الإغريقية ومن التراث الفكري والديني للشرق القديم. فقد أظهرت الأشعار والأساطير الحثية والحورية - التي أكدتها نصوص أُغاريت[ر] وكذلك قصة الخلق البابلية - أن شعوب الشرق القديم عرفت أسطورة أجيال الآلهة التي ينتزع كل منها عرش السماء من سابقه. ولاشك أن هسيودوس اعتمد على هذه الأساطير والمرويات الشرقية التي عرفها إما عن طريق الفينيقيين أو عن طريق آسيا الصغرى.
2- «الأعمال والأيام» Erga kai hemerai هي قصيدة تتألف من 828 بيتاً، وقد سماها بعضهم «حكمة هسيودوس». يستهلها الشاعر بالدعاء لزيوس رب العدالة التي وهبها لبني البشر «وهي أحسن ما يملكون على الأرض». ثم يتوجه بالنصيحة لشقيقه بِرْسيس Perses الذي سلبه حصته من أرض أبيه عبر رشوته القضاة الظالمين، ويحثه على اختيار الطريق القويم «فلا شيء أثمن من نعمة العمل الشريف»، وكأنه بذلك يخاطب أيضاً فلاحي بويتيا الكادحين المعدمين الذين تطحنهم مشكلات حاضرهم وهمومها، ولا يملكون إلا التمسك بفضيلة العمل والعدل أساساً للحياة. كما يقدم الشاعر النصائح العملية لممارسة الأعمال الزراعية، ويهيب بالفلاح أن يمتلك قبل كل شيء منزلاً وزوجة وثوراً للحراثة، وينصحه بولد واحد فقط. ويورد أخيراً قائمة بأيام السعد وأيام النحس التي ينبغي على المرء ألا يعمل فيها.
يعبر هسيودوس عن تشاؤمه النابع من التناقضات الاجتماعية في عصره في تصويره تعاقب العصور الخمسة التي تؤكد أن البشرية تسير من سيئ إلى أسوأ. ففي البداية كان العصر الذهبي، عصر السلام والأمان والوفرة في ظل الإله كرونوس، ثم أعقبه العصر الفضي وتلاه العصر البرونزي، أما العصر الرابع فهو جيل الأبطال الذين انقرضوا في الحروب حول أسوار طروادة وطيبة، وأخيراً جاء عصر الحديد الذي يعيشه والذي ليس فيه سوى الأسى والإرهاق نهاراً والهلاك ليلاً، والذي يقول عنـه «ليتني مت قبلـه أو ولدت بعده».
يرى هسيودوس أن العدل ضعيف أمام الظلم وجبروته ويتجلى ذلك في قصيدته «خرافة العندليب والصقر» Ornithomanteia. وتعد هذه القصيدة بمجملها مصدراً فريداً للأوضاع الاجتماعية في بلاد اليونان في ذلك الوقت. أما عن سماتها الفنية فيغلب عليها البناء غير المحكم، إذ لا ترتبط العناصر المكونة لها ببعضها إلا بخيوط واهية؛ فالشاعر ينتقل من الحِكَم والأمثال إلى أحداث ملحمية الطابع إلى موضوعات شخصية واستطرادات كثيرة. ومع هذا أصبحت القصيدة من أمهات الأشعار التي تركت بصماتها الواضحة على التراث الشعري التعليمي والغنائي وعلى الفكر الأخلاقي والفلسفي عند الإغريق والرومان، وخاصة ما يتعلق بأسطورة العصر الذهبي.
نُسبت إلى هسيودوس مجموعة من الأعمال الشعرية المنحولة مثل «درع هرقل» وهي قصيدة تذكر بوصف هوميروس درع أخيل في الإلياذة، وتقع في 480 بيتاً، وتظهر تدني حالة الشعر الملحمي التعليمي، و«قائمة النساء» Gunaikon Katalogos المعروفة أيضاً باسم «المثيلات» Ehoiai، وهي تتمة «أنساب الآلهة» في خمسة كتب تتضمن أنساب الأبطال الذين أنجبتهم الآلهة من نساء بني البشر.
محمد الزين، ق. ل. آ