هايزنبرغ (فرنر كارل)
Heisenberg (Werner Karl-) - Heisenberg (Werner Karl-)
هايزِنْبِرغ (ڤِرْنَر كارل ـ)
(1901 ـ 1976)
ڤرنر كارل هايزنبرغ Werner Karl Heisenberg فيزيائي ألماني ولد بمدينة ڤورتسبورغ Würzburg. نشأ في وسط ثقافي يمجد التراث الفكري الأوربي المتمثل بالفلسفة اليونانية ويعتز بوطنه ألمانيا. فوالده ـ أستاذ اللغة اليونانية البيزنطية في جامعة مونيخ ـ كان له أثره في قرار ڤرنر فيما بعد في أن يظل في بلده ليحمل مشعل الثقافة الألمانية عندما وصلت النازية إلى السلطة.
أنهى دراسته الثانوية عام 1920. ودفعه ولعه بالفيزياء النظرية إلى الطلب من الفيزيائي الألماني زومرفِلْد Sommerfeld أن يقبله طالباً عنده، فنصحه هذا عندئذ أن يكمل دروس الفيزياء الأساسية. وهكذا حصل بعد ثلاث سنوات فقط على الدكتوراه عام 1923 وعمل بعدها مساعداً لماكس بورن في جامعة غوتينغن. ولم تمض سوى سنتين حتى نشر له عام 1925 بحث ثوري جديد في الفيزياء الكمومية كان أساس ما عرف باسم ميكانيك الكم[ر] (أو ميكانيك المصفوفات). فقد كان عنوان بحثه «حول تفسير كمومي نظري للعلاقات الحركية والميكانيكية»، وقد اقترح في مقالته تفسيراً جديداً لمفاهيم الميكانيك الأساسية.
كانت فكرة هايزنبرغ جديدة كلياً، وتقوم على فكرة فلسفية هي أن الفيزياء لا يجوز أن تتعامل إلا بأشياء يمكن رصدها، وهكذا تخلى عن محاولات بور[ر] Bohr تطعيم النظريات التقليدية بالنظريات الكمومية، كما تخلى عن مداراته وجسيماته التي كانت هي نفسها دافعه إلى البحث عن نظرة جديدة؛ لأن عالم الذرة يحتاج إلى ميكانيك كمومي جديد ينطلق من فكرة أن الطاقة غير مستمرة، وأنها تُبث على دفعات حسبما اكتشف بلانك[ر] وأينشتاين[ر]. فلم يجد هايزنبرغ وسيلة لذلك سوى أن يتخلى عن الحديث عن إلكترون يمر بنقطة معيّنة أو يسير على مدار خاص، وأصبح الإلكترون عنده مجموعة أعداد مرتبة في جدول أو هو هذا الجدول (الذي يسمى مصفوفة). وهكذا مثَّل اندفاع الجسيم بمصفوفة، ولتكن p، وكذلك فعل بما يسمى موضعه، وليكن q. وسرعان ما تبين هايزنبرغ أن الجداء pq لا يساوي الجداء qp (الجداء غير تبديلي). وقد استطاع أن يثبت أن هذه اللاتبديلية تعني أن هناك ارتياباً؛ أي لا يمكن تحديد p وq معاً بدقة، وكلما حُدد أحدهما بدقة زاد الارتياب في الثاني. وهذا ما سمي مبدأ التتامية[ر] عند هايزنبرغ، وينص على أن جداء الارتياب في موضع الجسم ∆q في الارتياب في اندفاعه ∆p لايمكن أن يكون أقل من حد معين؛ أي:
حيث h ثابت بلانك.
لم يكن هايزنبرغ على دراية كبيرة بحساب المصفوفات الجديد العهد نسبياً آنذاك، لذلك استعان ببورن وجوردان[ر]، وطور الثلاثة معاً ما يعرف بميكانيك الكم.
يُعد هايزنبرغ في طليعة الفيزيائيين النظريين، وقد منح جائزة نوبل عام 1932 لبحثه السالف الذكر. ولكن أبحاثه تناولت مجالات متعددة: جدَّد في بادئ الأمر نظرية انحفاظ التمغنط (كما في الحديد والنيكل)، واكتشف أشكال وجود الهدروجين، كانت أطروحته للدكتوراه عن اضطراب السائل في الجداول (وهذه مساهمة مهمة في هدروديناميك الاضطراب)، بحث في نواة الذرة والأشعة الكونية، وخطط لأول مفاعل نووي ألماني بعد الحرب العالمية الثانية، وعلل مبدأ الارتياب بطريقة حسية بأن الارتياب هو نتيجة لتدخل المجرب الذي يؤدي تدخله إلى اضطراب (على سبيل المثال في وضع الجسيم المراقَب أو اندفاعه). واكتشف عدة ثنائيات (غير الموضع والاندفاع) تدخل في علاقة ارتياب ،مثل الطاقة والزمن. وقد عزي إلى هذه العلاقات اقتناع العلماء فيما بعد بأفكار بورن وشرودنغر[ر] عن ضرورة التسليم بإحلال القوانين الاحتمالية في المجالات تحت الذرية محل القوانين الحتمية التي عرفت في العالَم الماكروي. وفي السنوات التي تلت الحرب اهتم هايزنبرغ باستخدام طريقة فائقة التجريد لتمثيل حالات الجسيمات المادية المختلفة.
تأثر هايزنبرغ فلسفياً بنيلز بو[ر]، ومما أخذه عنه الطبيعة الحوارية والاجتماعية للإبداع العلمي، وفكرة التكاملية في الكون (الإنسان ـ الطبيعة، موجة ـ جسيم). وأخذ عن أينشتاين فكرة البساطة معياراً للنظام الكامن في الطبيعة، والواقعية العلمية التي تقول: إن العلم يصف الطبيعة ذاتها. وقد عارض - في كتاباته عن ميكانيك الكم - مدرسة ماخ[ر] النمساوية التي نادت بالوضعية المنطقية. والأهم من الوجهة النظرية هي أن هايزنبرغ وضع أسس ميكانيك جديد أصبح معه مجال تطبيق ميكانيك نيوتن[ر] محصوراً في العالم الماكروي؛ كما أنه فسر لماذا أُوحي لبور بفكرة مدارات مستقرة للإلكترونات حول النواة.
عمل هايزنبرغ أستاذاً في جامعة لايبزغ من عام 1927 حتى عام 1941، وفي السنوات الأربع التالية تسنّم إدارة معهد القيصر ڤيلهلم (حالياً معهد ماكس بلانك). ولم يكن هايزنبرغ مرتاحاً للسياسة النازية، ولكنه لم يكن معادياً لها. وفي أثناء الحرب عمل مع أوتو هان[ر] في تطوير مفاعل نووي، ولكنهما لم يتوصلا إلى تطوير برنامج للسلاح النووي، وربما لم يريدا ذلك، أو لم يجدا الوسائل والمواد الضرورية له. وهو يعدّ واحداً من أكبر مفكري القرن العشرين وأكثرهم خصوبة فكرية. وتُوفِّي في مدينة مونيخ.
وائل أتاسي
Heisenberg (Werner Karl-) - Heisenberg (Werner Karl-)
هايزِنْبِرغ (ڤِرْنَر كارل ـ)
(1901 ـ 1976)
ڤرنر كارل هايزنبرغ Werner Karl Heisenberg فيزيائي ألماني ولد بمدينة ڤورتسبورغ Würzburg. نشأ في وسط ثقافي يمجد التراث الفكري الأوربي المتمثل بالفلسفة اليونانية ويعتز بوطنه ألمانيا. فوالده ـ أستاذ اللغة اليونانية البيزنطية في جامعة مونيخ ـ كان له أثره في قرار ڤرنر فيما بعد في أن يظل في بلده ليحمل مشعل الثقافة الألمانية عندما وصلت النازية إلى السلطة.
أنهى دراسته الثانوية عام 1920. ودفعه ولعه بالفيزياء النظرية إلى الطلب من الفيزيائي الألماني زومرفِلْد Sommerfeld أن يقبله طالباً عنده، فنصحه هذا عندئذ أن يكمل دروس الفيزياء الأساسية. وهكذا حصل بعد ثلاث سنوات فقط على الدكتوراه عام 1923 وعمل بعدها مساعداً لماكس بورن في جامعة غوتينغن. ولم تمض سوى سنتين حتى نشر له عام 1925 بحث ثوري جديد في الفيزياء الكمومية كان أساس ما عرف باسم ميكانيك الكم[ر] (أو ميكانيك المصفوفات). فقد كان عنوان بحثه «حول تفسير كمومي نظري للعلاقات الحركية والميكانيكية»، وقد اقترح في مقالته تفسيراً جديداً لمفاهيم الميكانيك الأساسية.
كانت فكرة هايزنبرغ جديدة كلياً، وتقوم على فكرة فلسفية هي أن الفيزياء لا يجوز أن تتعامل إلا بأشياء يمكن رصدها، وهكذا تخلى عن محاولات بور[ر] Bohr تطعيم النظريات التقليدية بالنظريات الكمومية، كما تخلى عن مداراته وجسيماته التي كانت هي نفسها دافعه إلى البحث عن نظرة جديدة؛ لأن عالم الذرة يحتاج إلى ميكانيك كمومي جديد ينطلق من فكرة أن الطاقة غير مستمرة، وأنها تُبث على دفعات حسبما اكتشف بلانك[ر] وأينشتاين[ر]. فلم يجد هايزنبرغ وسيلة لذلك سوى أن يتخلى عن الحديث عن إلكترون يمر بنقطة معيّنة أو يسير على مدار خاص، وأصبح الإلكترون عنده مجموعة أعداد مرتبة في جدول أو هو هذا الجدول (الذي يسمى مصفوفة). وهكذا مثَّل اندفاع الجسيم بمصفوفة، ولتكن p، وكذلك فعل بما يسمى موضعه، وليكن q. وسرعان ما تبين هايزنبرغ أن الجداء pq لا يساوي الجداء qp (الجداء غير تبديلي). وقد استطاع أن يثبت أن هذه اللاتبديلية تعني أن هناك ارتياباً؛ أي لا يمكن تحديد p وq معاً بدقة، وكلما حُدد أحدهما بدقة زاد الارتياب في الثاني. وهذا ما سمي مبدأ التتامية[ر] عند هايزنبرغ، وينص على أن جداء الارتياب في موضع الجسم ∆q في الارتياب في اندفاعه ∆p لايمكن أن يكون أقل من حد معين؛ أي:
حيث h ثابت بلانك.
لم يكن هايزنبرغ على دراية كبيرة بحساب المصفوفات الجديد العهد نسبياً آنذاك، لذلك استعان ببورن وجوردان[ر]، وطور الثلاثة معاً ما يعرف بميكانيك الكم.
يُعد هايزنبرغ في طليعة الفيزيائيين النظريين، وقد منح جائزة نوبل عام 1932 لبحثه السالف الذكر. ولكن أبحاثه تناولت مجالات متعددة: جدَّد في بادئ الأمر نظرية انحفاظ التمغنط (كما في الحديد والنيكل)، واكتشف أشكال وجود الهدروجين، كانت أطروحته للدكتوراه عن اضطراب السائل في الجداول (وهذه مساهمة مهمة في هدروديناميك الاضطراب)، بحث في نواة الذرة والأشعة الكونية، وخطط لأول مفاعل نووي ألماني بعد الحرب العالمية الثانية، وعلل مبدأ الارتياب بطريقة حسية بأن الارتياب هو نتيجة لتدخل المجرب الذي يؤدي تدخله إلى اضطراب (على سبيل المثال في وضع الجسيم المراقَب أو اندفاعه). واكتشف عدة ثنائيات (غير الموضع والاندفاع) تدخل في علاقة ارتياب ،مثل الطاقة والزمن. وقد عزي إلى هذه العلاقات اقتناع العلماء فيما بعد بأفكار بورن وشرودنغر[ر] عن ضرورة التسليم بإحلال القوانين الاحتمالية في المجالات تحت الذرية محل القوانين الحتمية التي عرفت في العالَم الماكروي. وفي السنوات التي تلت الحرب اهتم هايزنبرغ باستخدام طريقة فائقة التجريد لتمثيل حالات الجسيمات المادية المختلفة.
تأثر هايزنبرغ فلسفياً بنيلز بو[ر]، ومما أخذه عنه الطبيعة الحوارية والاجتماعية للإبداع العلمي، وفكرة التكاملية في الكون (الإنسان ـ الطبيعة، موجة ـ جسيم). وأخذ عن أينشتاين فكرة البساطة معياراً للنظام الكامن في الطبيعة، والواقعية العلمية التي تقول: إن العلم يصف الطبيعة ذاتها. وقد عارض - في كتاباته عن ميكانيك الكم - مدرسة ماخ[ر] النمساوية التي نادت بالوضعية المنطقية. والأهم من الوجهة النظرية هي أن هايزنبرغ وضع أسس ميكانيك جديد أصبح معه مجال تطبيق ميكانيك نيوتن[ر] محصوراً في العالم الماكروي؛ كما أنه فسر لماذا أُوحي لبور بفكرة مدارات مستقرة للإلكترونات حول النواة.
عمل هايزنبرغ أستاذاً في جامعة لايبزغ من عام 1927 حتى عام 1941، وفي السنوات الأربع التالية تسنّم إدارة معهد القيصر ڤيلهلم (حالياً معهد ماكس بلانك). ولم يكن هايزنبرغ مرتاحاً للسياسة النازية، ولكنه لم يكن معادياً لها. وفي أثناء الحرب عمل مع أوتو هان[ر] في تطوير مفاعل نووي، ولكنهما لم يتوصلا إلى تطوير برنامج للسلاح النووي، وربما لم يريدا ذلك، أو لم يجدا الوسائل والمواد الضرورية له. وهو يعدّ واحداً من أكبر مفكري القرن العشرين وأكثرهم خصوبة فكرية. وتُوفِّي في مدينة مونيخ.
وائل أتاسي