القانون يحرس الأعراف التي تبيح تعنيف النساء وقتلهن في العراق
اضطهاد العراقيات في مجتمعهن يورث من جيل إلى آخر.
الأحد 2022/03/13
الملاذات الآمنة تعد على أصابع اليد الواحدة
اضطهاد النساء وتهميشهن حالة تكاد تكون طبيعية في المجتمعات العربية، لاسيما في دولة مثل العراق التي تفتقد إلى قوانين الحماية وتمر بفوضى عارمة على كافة المستويات، ما دفع إلى تزايد حالات العنف ضد النساء.
بغداد - لم يكن العراق بأي وقت وأي عهد سياسي بحال أفضل من ناحية العنف ضد المرأة العراقية إذ أن “المجتمع ذكوري للغاية في ما يتعلق بالعنف ضد المرأة، أما المشكلة الأكبر أنه في حالة الضرب تعتقد النساء أن هذا هو أحد حقوق الرجل ويجب أن يمارسه عليهن”، تقول هند بحز الأخصائية الاجتماعية في مركز النساء والفتيات الذي يدار من قبل منظمة باو الغير حكومية، بالتعاون مع اليونيسف في البصرة. وتضيف “تؤثر المشاكل النفسية على الأطفال لتنتقل من جيل إلى آخر، أنا أعتبر هذا النوع من العنف مشكلة مستمرة تنتقل عبر الأجيال”.
انتهاكات على كل لون وشكل
الأحزاب الإسلامية المتحكمة في البرلمان العراقي تعتبر قانون حماية النساء من العنف «مخالفا للشريعة الإسلامية»
يعد العنف المبني على النوع الاجتماعي هو أكثر انتهاكات حقوق الإنسان انتشارا وأقلها وضوحا في العالم. وهي تشمل الأذى الجسدي أو الجنسي أو العقلي أو الاقتصادي الذي يلحق بشخص ما بسبب اختلال توازن القوى بين الذكور والإناث، كما يشمل التهديد بالعنف والإكراه والحرمان من الحرية، سواء في الأماكن العامة أو الخاصة.
ويتخذ العنف المبني على النوع الاجتماعي عدة أشكال، ويعد عنف الشريك والعنف الجنسي وزواج الأطفال وتشويه الأعضاء التناسلية للإناث والاتجار بغرض الاستغلال الجنسي ووأد الإناث وجرائم “الشرف” أمرا شائعا، حيث يحدث عنف الشريك بمعدلات مذهلة. وقد تتعرض الفتيات والنساء أيضا للعنف المبني على النوع الاجتماعي عند حرمانهن من التغذية والتعليم أيضا.
وفي العراق هناك حوالي 75 في المئة من النساء واليافعات معرضات لخطر أشكال مختلفة من العنف القائم على النوع الاجتماعي.
وأفقد الخوف من وصمة العار ونبذ العائلة والمجتمع، أو التعرض للانتقام، وضعف إجراءات العدالة الجنائية وما تحتويه من ثغرات، النساء المتعرضات للعنف القدرة على الإبلاغ أو البحث عن وسائل الدعم والحماية اللازمة، وأعاق وصولهن للعدالة، ما زاد من استضعافهن وهشاشتهن وتبعيتهن للغير وقبولهن بما يتعرضن له من عنف.
ولا يزال العنف الأسري يشكل خطرا كبيرا يواجه النساء والفتيات في العراق، وتعد هذه الانتهاكات والممارسات أمرا عاديا ومسكوتا عنها في إطار المنظومة الأبوية التي تستمد تأثيرها من العادات والتقاليد، ولا يسمح للضحية بالإبلاغ ورفع الشكوى ضد معنفها، مما يجعله يتمادى في انتهاكاته، في ظل المادة 41 /أ من قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969، التي منحت حق التأديب للزوجة والأولاد، وعدم تشريع قانون العنف الأسري، بالرغم من حملات المدافعة لمنظمات المجتمع المدني بهذا الشأن.
وأظهرت الجهود الحكومية قصورا في معالجة أو الحد من جرائم العنف الأسري، بالرغم من إقرارها لاستراتيجية مناهضة العنف ضد النساء في 2018 - 2030، وتشكيل مديرية حماية الأسرة والطفل من العنف الأسري في وزارة الداخلية منذ 2009. فمازالت الخدمات الطبية والقانونية وبرامج الإرشاد النفسي والاجتماعي وخبرات مقدمي الخدمات والعاملين في هذا المجال تتسم بالضعف، بالإضافة إلى عدم توفر دور للإيواء (باستثناء إقليم كردستان)، وافتقار نظام الإحالة إلى المنهجية المؤسساتية.
وبالرغم من إقرار قانون مناهضة العنف ضد النساء في إقليم كردستان العراق رقم 8 لسنة 2011، ومثابرة حكومة الإقليم ومنظمات المجتمع المدني في الحد من العنف، إلا أن ممارسته لا تزال مستمرة فقد بينت الإحصاءات الرسمية لوزارة الداخلية 2018 قتل 91 امرأة أو “انتحرن” في إقليم كردستان، و203 نساء إما “أحرقن أنفسهن” أو أحرقن، وسُجلت 87 حالة اعتداء جنسي، و1917 امرأة اشتكت من التعرض لأعمال العنف.
الملاذات الآمنة تعد على أصابع اليد الواحدة
كما تعد الجرائم بباعث شريف من أقسى أنواع العنف ضد المرأة، الذي عادة ما يقوم به أحد الأقارب تجاه المرأة، إذا ما شاب سلوكها شيء يمس بشرف الأسرة، إذ تعتبر المرأة مقياسا لشرف الأسرة والقبيلة. وترتفع معدلات هكذا جرائم بالريف عنها في المدينة، لكن لا تتوفر إحصائيات دقيقة وموثقة، فغالبا ما تسجل هذه الجرائم ضد مجهول أو قضاء وقدر عن طريق الانتحار أو الحرق. واعتبرت المادة (128 – أ) من قانون العقوبات لسنة 1969 المعدل أن القتل لباعث شريف عذر مخفف للعقوبة.
وتعتبر المادة 409 من قانون العقوبات لسنة 1969 المعدل كذلك كل رجل قتل أو اعتدى بالضرب المفضي إلى الموت أو العاهة المستديمة على زوجته أو إحدى محارمه أو شريكها عند وجودهما في حالة تلبس بالزنا فإن عقوبته لا تزيد عن ثلاث سنوات وللقاضي سلطة تقديرية في تخفيف تلك العقوبة حيث يحكم القاضي عادة بستة أشهر أو سنة مع وقف التنفيذ، ولا يجوز أن تشدد العقوبة على القاتل، أما إذا قتلت المرأة زوجها في حالة تلبسه بالزنا فإنها تعاقب بالعقوبة المقررة قانونا دون أي تخفيف.
وفي المجتمع العراقي يشكل زواج القاصرات ظاهرة شائعة. وتقدر اليونيسيف أن حوالي ربع الفتيات يتزوجن قبل سن السابعة عشرة. كما أشارت تقارير منظمات المجتمع المدني إلى أن 80 في المئة من هذا الزواج يتم خارج المحكمة.
سبع من بين عشر نساء عراقيات يَرَونَ أن "ضرب الزوج لزوجته إذا خالفت أوامره سلوك طبيعي"، وفق دراسة لوزارة التخطيط
كما تنامت جرائم الاتجار بالبشر وخاصة الاتجار بالنساء والفتيات واستدراجهن للعمل ضمن شبكات الدعارة بشكل لافت في العراق خاصة بعد 2014، حيث انتشرت هذه الظاهرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي. وساهم الانفلات الأمني والإفلات من العقاب واستشراء الفساد في تصاعد نسب هذه الجرائم في مختلف محافظات العراق.
وعلى الرغم من تشريع قانون مكافحة الاتجار بالبشر 28 لسنة 2012، تبقى الإجراءات الحكومية غير فعالة للحد من هذه الظاهرة، لضعف خبرات العاملين على مستوى التحقيق وجمع البيانات ومتابعة وملاحقة شبكات الجريمة المنظمة، وكذلك ضعف البرامج التأهيلية والخدمات المقدمة للضحايا التي نص عليها القانون. وغالبا ما تواجه النساء والفتيات في السجون العراقية أحكاما قاسية بتهمة جريمة البغاء، التي تصل أحيانا إلى الإعدام والسجن 15 عاما.
وفي سياق العنف القائم على النوع الاجتماعي، تتعرض الفتيات في مناطق إقليم كردستان العراق إلى الختان، لكنها نادرة الحدوث في الوسط والجنوب. فقد أظهرت إحصائية وزارة الداخلية في إقليم كردستان لعام 2018 أن نسبة ختان الإناث بلغت 37 في المئة، وأن أغلب الفتيات اللواتي أجريت لهن عملية ختان تتراوح أعمارهن بين 2 و9 سنوات. وبالرغم من تجريمه وفقا لقانون الإقليم في مناهضة العنف الأسري فإن الجهود الحكومية والمجتمعية مازالت عاجزة عن منعه، لأسباب اجتماعية وعرفية سائدة تحول دون ذلك.
نساء يبررن العنف
تظهر الدراسة التي أعدتها اللجنة الوطنية للسياسات السكانية بوزارة التخطيط، اعتمادا على استبيان شاركت فيه نساء تتراوح أعمارهن بين (15 - 45 عاما)، أن نحو نصف النساء يجدن أن تزويج الأب لابنته القاصر “إذا تقدم لها عريس مناسب لا يعتبر عنفا”، وأن كل سبع من بين عشر نساء يَرَونَ أن “ضرب الزوج لزوجته إذا خالفت أوامره سلوك طبيعي”، في حين أن كل ستة رجال من أصل عشرة يجدون ذلك مبررا.
ووفق المسح الذي أجرته وزارة التخطيط، فإن النساء يربطن العنف الموجه نحوهن بالتنشئة والثقافة السائدة، فنحو 7 من كل 10 نساء يرين أن التربية والتنشئة هي العامل الأكثر تأثيرا في زيادة معدلات العنف الجندري، في حين ترى 6 من كل 10 منهن أن الثقافة السائدة والفهم الخاطئ للدين عاملان أساسيان في زيادة العنف الجندري.
العنف المبني على النوع الاجتماعي هو أكثر انتهاكات حقوق الإنسان انتشارا وأقلها وضوحا في العالم
وأظهرت نتائج المسح أن حوالي نصف النساء يعدن “ضعف الوعي” لدى المرأة سببا رئيسيا للعنف الموجه إليها.
ووفق المسح فإن لبيئة السكن (حضرية أو ريفية) دورا في مدى وعي النساء، فهناك تباين واضح بين النساء في مدى وعيهن بالعنف تبعا للمناطق المختلفة في العراق، فإثنتان من بين كل خمس نساء لا تعرفان أن هناك “عنفا يمارس ضدهن على أساس جندري”، خاصة في مناطق الريف.
ومقابل كل أربع نساء يعين مفهوم العنف ضد المرأة في المناطق الحضرية، هناك امرأتان فقط في المناطق الريفية تعيان مفهوم العنف.
كما أن هناك اختلافا واضحا بشأن وعي النساء بالعنف على أساس التوزيع المناطقي، فهناك فجوة واسعة بين السليمانية ودهوك اللتين تتميزان بوعي أعلى بالعنف في صفوف النساء عما هو عليه في محافظتي الأنبار والمثنى، فمقابل كل 6 نساء يعين بالعنف في السليمانية ودهوك هناك امرأة واحدة فقط تعي بهذا المفهوم في الأنبار والمثنى.
تطبيق وملاذ
العنف الأسري خطر متواصل تواجهه نساء العراق
تعاني النساء والفتيات الناجيات من العنف القائم على النوع الاجتماعي من عواقب وخيمة طويلة الأمد على صحتهن الجسدية والنفسية، ويتعرض بعضهن لإصابات جسدية خطيرة وقد يفقدن حياتهن.
وغالبا ما يتم إلقاء اللوم على الناجيات ونبذهن من قبل أسرهن ومجتمعاتهن. وكثيرا ما تصف الناجيات من العنف القائم على نوع الاجتماعي حياتهن بالمظلمة والقاتمة والمخزية. فيلمن أنفسهن، ويصبحن منزويات، وفي العديد من الحالات يصبحن ضحايا منقطعات عن العالم.
ويتطلب اتخاذ الخطوة الأولى لترك الشريك المسيء وطلب المساعدة الكثير من الشجاعة. ولذلك، فإن النساء اللواتي يهربن من العنف القائم على النوع الاجتماعي يحتجن إلى ملاذ ملجأ مؤقت لتأمين سلامتهن والحماية من المخاطر والتهديدات التي يواجهنها.
والملاذات الآمنة الخاصة بالنساء الناجيات من العنف القائم على النوع الاجتماعي محدودة للغاية في العراق. ولا توجد في البلاد سوى 5 “ملاذات آمنة” للنساء المعنفات، 3 منها في إقليم كردستان وآخران في بغداد والأنبار.
على الرغم من تشريع قانون مكافحة الاتجار بالبشر 28 لسنة 2012، تبقى الإجراءات الحكومية غير فعالة للحد من هذه الظاهرة
وتم إنشاء ملاذ وهو الأول من نوعه في المنطقة الوسطى والجنوب في بغداد عام 2018، ويتكون من 10 غرف نوم في كل منها ثمانية أسرّة. وتوجد غرفة لتقديم المشورة وغرفة للدعم النفسي الاجتماعي، ويمكن أن يحضن ما يصل إلى 80 ناجية.
وتقول براميلا باتن الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة المعنية بالعنف الجنسي في حالات النزاع “إنه من المهم جدا أن يتم إنشاء ملاجئ أخرى للناجيات من العنف القائم على النوع الاجتماعي، وخاصة في المناطق التي يقطنها النازحون والعائدون، وذلك لتوفير أكثر من مجرد مكان آمن للنساء والفتيات المعرضات للخطر بل لتمكينهن من إعادة بناء الذات واتخاذ خطوات لاستعادة الحياة المستقلة”.
وفي إطار محاولات التخفيف عن النساء وإيجاد وسيلة كحماية لهن من العنف الأسري والقبلي وحتى المجتمعي، كشفت الأمانة العامة لمجلس الوزراء عن مشروع يتعلق بإطلاق منصة خاصة باسم ”أنت آمنة” تعنى بالنساء المعنفات.
وكشفت الأمانة العامة لمجلس الوزراء قبل أسابيع قليلة عن تفاصيل تطبيق (أنتِ آمنة) الخاص بالنساء، مؤكدة متابعتها مع مجلس القضاء الأعلى لإعادة المحاكم المعنية بقضايا الأسرة.
وقالت رئيس دائرة تمكين المرأة التابعة للأمانة العامة لمجلس الوزراء يسرى كريم إن “دائرة تمكين المرأة أطلقت الخطة الوطنية الثانية لقرار مجلس الأمن الدولي 1325 الذي ناقش قضايا حماية المرأة ومشاركتها ووقايتها، وبدأت الأمانة العامة بالتنسيق مع الوزارات والمحافظات لتطبيق الأنشطة”.
وأشارت إلى أن الأمانة العامة أصدرت تقريرها السنوي حول الخطة الوطنية ولديها متابعات مع مجلس القضاء الأعلى وخصوصا مع قرار المجلس بإعادة المحاكم المعنية بقضايا الأسرة وفتح محاكم مختصة لهذا الجانب لمراعاة قضايا المرأة والأسرة.
الأمان هاجس كل نساء العراق
وبيّنت كريم أن الدائرة بادرت بالتعاون مع وزارة الداخلية لإعادة كتابة قواعد سلوك قوى الأمن الداخلي وإضافة مادة المرأة والعدالة الجنائية لمراعاة وضع المرأة خصوصا في مراحل إلقاء القبض والتفتيش والتحقيق.
وختمت بالقول “يجري العمل حاليا مع ‘صندوق الأمم المتحدة للسكان’ (UNFP) على إنشاء تطبيق اسمه (أنت آمنة) والذي يوفر الكثير من المستلزمات الخاصة بالنساء وخاصة ممن يعانين من العنف المنزلي أو الخارجي”.
ويعتقد خبراء أنه “لا يمكن البت بأن مثل هكذا محاولات أن تكون نافعة أو لا” لأن “الأمر معقد نوعا ما بالنسبة إلى البيئة العراقية التي تحكمها أعراف عشائرية، بالإضافة لافتقادها إلى قوانين صارمة”.
وتعتبر ناشطات عراقيات إصدار قانون الحماية من العنف الأسري في العراق أفضل خطوة لحماية النساء من العنف. ورغم تصويت مجلس الوزراء العراقي في الرابع من أغسطس 2020 على مسودة مشروع قانون الحماية من العنف الأسري، إلا أن القانون ما يزال ينتظر التصويت عليه في مجلس النواب بسبب رفض الأحزاب الدينية التي تعده “مخالفا للشريعة الإسلامية”.
وفي الوقت الذي تحمل بيانات العنف المنزلي في العراق الكثير من المعاناة والمخاوف والتحديات، فإنها تحمل أيضا قدرا من الأمل، فالأرقام تظهر أن الأجيال الجديدة تبدو أكثر ميلا لتقبل حقوق النساء في التعليم والعمل واختيار شريك الحياة، ما يعني ميلا أكبر إلى رفع العنف التسلطي الموجه ضد النساء وتمكينهن للخلاص من العنف بصوره المختلفة.