واقدي (عبد الله محمد عمر)
Al-Waqidi (Abu Abdullah Mohammad ibn Umar-) - Al-Waqidi (Abou Abdallah Mohammad ibn Omar-)
الواقدي (أبو عبد الله محمد بن عمر ـ)
(130 ـ 207هـ/747 ـ 823م)
أبو عبد الله محمد بن عمر بن واقد السهمي، الأسلمي بالولاء، المدني، الواقدي، من أقدم المؤرخين في الإسلام ومن أشهرهم، أجمعت كل المصادر التي ترجمت له على أنه كان جواداً كريماً معروفاً بالسخاء مما سبب له اضطراباً مادياً، ظل يعانيه طوال حياته.
ولد في المدينة، وتلقى علوم الحديث والفقه خاصة عن مالك بن أنس، وسفيان الثوري وابن جريج، ونال الشهرة الواسعة في عصره، وكان لا يعلم عن غزاة إلا ومضى إلى الموضع ليعاينه، ويشهد لنباهة الواقدي في هذا الشأن ما ذُكر أنَّ هارون الرشيد ويحيى بن خالد البرمكي حين زارا المدينة في حجتهما طلبا من يدلهما على قبور الشهداء والمشاهد، فدلوهما على الواقدي الذي صحبهما في زيارتهما، ولم يدع موضعاً من المواضع ولا مشهداً من المشاهد إلا مرَّ بهما عليه.
في سنة 180هـ غادر الواقدي المدينة إلى العراق، لدين لحقه كما يقول ابن سعد، ولكن يبدو أن السبب الحقيقي لنزوحه إلى العراق هو رغبته أن يخرج بعلمه وآماله إلى مجال أرحب ورغبته في لقاء يحيى بن خالد الذي عرف الواقدي حين التقاه في الحج في المدينة والذي سأله أن يسير إليه، وحين وصل بغداد وجد الخليفة والبلاط قد انتقلوا إلى الرقة بالشام فلحق بهم هناك فتلقاه يحيى بن خالد بما عرف عن البرامكة من سماحة وأريحية.
وفي رحاب البرامكة أقبل الخير على الواقدي من كل وجه، فعطاياهم موصولة بعطايا الرشيد وابنه المأمون، وقد بقي الواقدي في بغداد بعد عودته من الرقة حتى عودة المأمون من خراسان سنة 202هـ، وعلى الرغم من صلة الصداقة التي كانت معقودة بين الواقدي والبرامكة فإن ذلك لم يمنع المأمون من إكرامه، ورعايته بعد نكبتهم، كما أنه عينه قاضياً لعسكر المهدي في الجانب الشرقي من بغداد، وتجمع المصادر أنه كان قد أقام مدة في الجانب الغربي قبل أن يوليه المأمون قاضياً على عسكر المهدي، ويُقال إن الواقدي لما انتقل من الجانب الغربي إلى الشرقي حمل كتبه على عشرين ومئة وقر بعير لأنه كان جمَّاعاً للكتب ويستنسخها.
للواقدي قائمة طويلة متنوعة من المؤلفات، يذكر له النديم في «الفهرست» 28 كتاباً معظمها يتركز حول العهد الإسلامي دون الجاهلية التي لم يكن يعلم عنها شيئاً كما يروي ابن حجر في «التهذيب»، ويتجلى هذا في وصف كاتبه وتلميذه ابن سعد وغيره له، يقول ابن سعد: «وكان عالماً بالمغازي والسيرة والفتوح واختلاف الناس في الحديث والأحكام واجتماعهم على ما اجتمعوا عليه».
من المؤلفات التاريخية التي دونها التدوين الحسن «أخبار مكة» و«أزواج النبي» و«وفاة النبي» و«السقيفة» و«سيرة أبي بكر» و«الردة» و«يوم الجمل» و«صفين» و«مولد الحسن والحسين» و«مقتل الحسين» وتصانيف «القبائل ومراتبها» و«ضرب الدنانير والدراهم» و«وضع عمر الدواوين» و«مراعي قريش والأنصار في القطائع» و«أمر الحبشة والفيل» و«حرب الأوس والخزرج».
ولعل أهمها كتاب «التاريخ الكبير» الذي تناول فيه الخلفاء حتى سنة 179هـ/795م، وكتاب «الطبقات» وهو في تاريخ طبقات المحدثين في الكوفة والبصرة، وتظهر أهمية هذا الكتاب بما يكشف عن علاقة الحديث بالتاريخ ونشوئه، فهو أقدم كتاب منظم على الطبقات، وعلى مثاله ألّف ابن سعد تلميذ الواقدي طبقاته المعروفة.
وكتاب «المغازي» هو الكتاب الوحيد الذي بقي من مؤلفات الواقدي. ويبدو الواقدي في هذا الكتاب مرتبطاً بأساليب مدرسة المدينة، ونهجه في العرض منظم ومنطقي، يذكر مصادره الأساسية، وتواريخ المغازي، ثم يدرسها بتسلسلها الزمني، ويدقق في تحديد التواريخ ويبحث عن نصوص الوثائق، ويستعمل الإسناد بدقة على منهج المحدثين، ويقتبس من الشعر ولكن في قصد، ويدمج بعض الأخبار في سند جمعي واحد، ليستطيع استيفاء التفاصيل، كما يهتم بتحديد المواقع الجغرافية، وعلى الرغم من ميوله العلوية، فإنه كان بعيداً عن التعصب، لدرجة أنَّ النديم اتهمه بالتقية، ولكن الشيعة لا يعدونه من رجالهم.
من الكتب التي نسبت إليه، كتاب «فتوح الشام ومصر»، وهو مخطوط بالمتحف البريطاني ونشر في ليدن بعنوان «كتاب فتوح مصر والإسكندرية المنسوب إلى الواقدي»، كما طبع في مصر سنة 1368هـ بعنوان «فتوح الشام ومصر» في جزأين، ويلاحظ على هذه الكتب أنها تحمل الطابع الأسطوري الذي لا يعرفه الواقدي، كما أنّ فيها إشارات إلى شخصيات من القرن السادس والسابع الهجريين «سيدي أبو مدين، سيدي أبو الحجاج الأقصري»؛ مما يدفع الباحث إلى الجزم بأن هذه الكتب في حالتها التي وصلت بها على الأقل ليست للواقدي، وقد دخلتها الأسطورة غالباَ بعد القرن السادس الهجري.
توفي الواقدي في بغداد وهو قاضٍ على الجانب الشرقي منها، وعلى الرغم من الصلات والأعطيات التي أغدقها هارون الرشيد ووزيره يحيى والمأمون على الواقدي؛ فقد توفي ولم يكن يملك ما يكفّن به، فأرسل المأمون بأكفانه، وكان الواقدي قد أوصى إلى المأمون، فقبل وصيته وقضى دَينه.
نجدة خماش
Al-Waqidi (Abu Abdullah Mohammad ibn Umar-) - Al-Waqidi (Abou Abdallah Mohammad ibn Omar-)
الواقدي (أبو عبد الله محمد بن عمر ـ)
(130 ـ 207هـ/747 ـ 823م)
أبو عبد الله محمد بن عمر بن واقد السهمي، الأسلمي بالولاء، المدني، الواقدي، من أقدم المؤرخين في الإسلام ومن أشهرهم، أجمعت كل المصادر التي ترجمت له على أنه كان جواداً كريماً معروفاً بالسخاء مما سبب له اضطراباً مادياً، ظل يعانيه طوال حياته.
ولد في المدينة، وتلقى علوم الحديث والفقه خاصة عن مالك بن أنس، وسفيان الثوري وابن جريج، ونال الشهرة الواسعة في عصره، وكان لا يعلم عن غزاة إلا ومضى إلى الموضع ليعاينه، ويشهد لنباهة الواقدي في هذا الشأن ما ذُكر أنَّ هارون الرشيد ويحيى بن خالد البرمكي حين زارا المدينة في حجتهما طلبا من يدلهما على قبور الشهداء والمشاهد، فدلوهما على الواقدي الذي صحبهما في زيارتهما، ولم يدع موضعاً من المواضع ولا مشهداً من المشاهد إلا مرَّ بهما عليه.
في سنة 180هـ غادر الواقدي المدينة إلى العراق، لدين لحقه كما يقول ابن سعد، ولكن يبدو أن السبب الحقيقي لنزوحه إلى العراق هو رغبته أن يخرج بعلمه وآماله إلى مجال أرحب ورغبته في لقاء يحيى بن خالد الذي عرف الواقدي حين التقاه في الحج في المدينة والذي سأله أن يسير إليه، وحين وصل بغداد وجد الخليفة والبلاط قد انتقلوا إلى الرقة بالشام فلحق بهم هناك فتلقاه يحيى بن خالد بما عرف عن البرامكة من سماحة وأريحية.
وفي رحاب البرامكة أقبل الخير على الواقدي من كل وجه، فعطاياهم موصولة بعطايا الرشيد وابنه المأمون، وقد بقي الواقدي في بغداد بعد عودته من الرقة حتى عودة المأمون من خراسان سنة 202هـ، وعلى الرغم من صلة الصداقة التي كانت معقودة بين الواقدي والبرامكة فإن ذلك لم يمنع المأمون من إكرامه، ورعايته بعد نكبتهم، كما أنه عينه قاضياً لعسكر المهدي في الجانب الشرقي من بغداد، وتجمع المصادر أنه كان قد أقام مدة في الجانب الغربي قبل أن يوليه المأمون قاضياً على عسكر المهدي، ويُقال إن الواقدي لما انتقل من الجانب الغربي إلى الشرقي حمل كتبه على عشرين ومئة وقر بعير لأنه كان جمَّاعاً للكتب ويستنسخها.
للواقدي قائمة طويلة متنوعة من المؤلفات، يذكر له النديم في «الفهرست» 28 كتاباً معظمها يتركز حول العهد الإسلامي دون الجاهلية التي لم يكن يعلم عنها شيئاً كما يروي ابن حجر في «التهذيب»، ويتجلى هذا في وصف كاتبه وتلميذه ابن سعد وغيره له، يقول ابن سعد: «وكان عالماً بالمغازي والسيرة والفتوح واختلاف الناس في الحديث والأحكام واجتماعهم على ما اجتمعوا عليه».
من المؤلفات التاريخية التي دونها التدوين الحسن «أخبار مكة» و«أزواج النبي» و«وفاة النبي» و«السقيفة» و«سيرة أبي بكر» و«الردة» و«يوم الجمل» و«صفين» و«مولد الحسن والحسين» و«مقتل الحسين» وتصانيف «القبائل ومراتبها» و«ضرب الدنانير والدراهم» و«وضع عمر الدواوين» و«مراعي قريش والأنصار في القطائع» و«أمر الحبشة والفيل» و«حرب الأوس والخزرج».
ولعل أهمها كتاب «التاريخ الكبير» الذي تناول فيه الخلفاء حتى سنة 179هـ/795م، وكتاب «الطبقات» وهو في تاريخ طبقات المحدثين في الكوفة والبصرة، وتظهر أهمية هذا الكتاب بما يكشف عن علاقة الحديث بالتاريخ ونشوئه، فهو أقدم كتاب منظم على الطبقات، وعلى مثاله ألّف ابن سعد تلميذ الواقدي طبقاته المعروفة.
وكتاب «المغازي» هو الكتاب الوحيد الذي بقي من مؤلفات الواقدي. ويبدو الواقدي في هذا الكتاب مرتبطاً بأساليب مدرسة المدينة، ونهجه في العرض منظم ومنطقي، يذكر مصادره الأساسية، وتواريخ المغازي، ثم يدرسها بتسلسلها الزمني، ويدقق في تحديد التواريخ ويبحث عن نصوص الوثائق، ويستعمل الإسناد بدقة على منهج المحدثين، ويقتبس من الشعر ولكن في قصد، ويدمج بعض الأخبار في سند جمعي واحد، ليستطيع استيفاء التفاصيل، كما يهتم بتحديد المواقع الجغرافية، وعلى الرغم من ميوله العلوية، فإنه كان بعيداً عن التعصب، لدرجة أنَّ النديم اتهمه بالتقية، ولكن الشيعة لا يعدونه من رجالهم.
من الكتب التي نسبت إليه، كتاب «فتوح الشام ومصر»، وهو مخطوط بالمتحف البريطاني ونشر في ليدن بعنوان «كتاب فتوح مصر والإسكندرية المنسوب إلى الواقدي»، كما طبع في مصر سنة 1368هـ بعنوان «فتوح الشام ومصر» في جزأين، ويلاحظ على هذه الكتب أنها تحمل الطابع الأسطوري الذي لا يعرفه الواقدي، كما أنّ فيها إشارات إلى شخصيات من القرن السادس والسابع الهجريين «سيدي أبو مدين، سيدي أبو الحجاج الأقصري»؛ مما يدفع الباحث إلى الجزم بأن هذه الكتب في حالتها التي وصلت بها على الأقل ليست للواقدي، وقد دخلتها الأسطورة غالباَ بعد القرن السادس الهجري.
توفي الواقدي في بغداد وهو قاضٍ على الجانب الشرقي منها، وعلى الرغم من الصلات والأعطيات التي أغدقها هارون الرشيد ووزيره يحيى والمأمون على الواقدي؛ فقد توفي ولم يكن يملك ما يكفّن به، فأرسل المأمون بأكفانه، وكان الواقدي قد أوصى إلى المأمون، فقبل وصيته وقضى دَينه.
نجدة خماش