تبريزي (يحيي علي)
Al-Tabrizi (Yahya ibn Ali-) - Al-Tabrizi (Yahya ibn Ali-)
التبريزي (يحيى بن علي ـ)
(421 -502هـ/ 1030 - 1108م)
أبو زكريّاء يحيى بن علي بن محمد الشيبانيّ، الخطيب التِّبْريزيّ، من أئمة اللغة والأدب في عصره. شُهر بنسبته إلى (تِبْريز) التي ولد فيها، وهي مدينة تقع في شمالي إيران غربي إقليم أذَرْبِيجان. ونشأ التِّبريزي في هذه المدينة، ثمّ زار في مرحلة التكوين العلمي بغداد والبصرة وجرجان، وكانت مراكز علم وتحصيل استقى منها حفظاً وتدويناً، قدراً من المعرفة عاد به إلى تبريز. ثم خرج منها قاصداً الشام ليلازم هناك أبا العلاء المعرّي (ت449هـ)، ويقرأ عليه «تهذيب اللغة» لأبي منصور الأزهري (ت370هـ) إضافة إلى مؤلّفات المعرّي الشعرية والنثرية، والكثير من الكتب الأدبية واللغوية، وتلك كانت أغنى مرحلة في حياة التبريزي استيعاباً وتحصيلاً وتأثّراً بنهج المعرّي في شروح الشعر وتحليله كما ظهر واضحاً في شروح التبريزي الشعرية الكثيرة المشابهة.
وممّا أسهم في تكوين ثقافة التِّبريزيّ أيضاً الرحلة في طلب العلم، ونفرٌ من الأساتذة الثقات، واطّلاعه على الكتب والمصنّفات في علوم الدين واللغة والنحو. فبعد أن كبر أستاذه المعرّي، وكفّ عن البذل، غادر التِّبريزي المعرّة إلى بغداد حيث لقي ابن الدهان (ت447هـ)، وفي البصرة جلس إلى أبي الجوائز الحسين بن علي بن بازي الكاتب سنة 453هـ في منزله، ثمّ إلى الشيخ أبي القاسم الفضل بن محمد القصباني النحوي سنة 454هـ. ويَحِنّ بعد ذاك إلى بلاد الشام فينتقل إلى دمشق، ومن دمشق انتقل إلى صُوْر وبها مجموعة من المحدِّثين.
ومن الشام ينتقل إلى مصر، وقد أعدَّ نَفْسَه إعداداً علميّاً أهَّله أن يجلس إليه بعض طالبي العلم كطاهر بن بابشاذ النحوي المصري (ت469هـ) ليقرأ عليه مصنَّفات الأدب واللغة.
وبعد أن يمضي التِّبريزي سنين طويلة متنقّلاً بين الشام والعراق ومصر يعود إلى بغداد ليتّخذها مقرَّ إقامة إلى الممات.
وفي بغداد يُعَيَّن أستاذاً في المدرسة النظامية، وقيِّماً لخزانة كتبها، إلى جانب اشتغاله بالتدريس والتأليف والتصنيف ممّا كانت حصيلته كتباً وشروحاً ومصنّفات يغلب عليها الطابع اللغوي.
إضافة إلى من ذكرنا من أساتذته المباشرين الذين كان لهم أثر بارز في حياته التعليمية والعلميّة نذكر أيضاً:
الفابي علي بن أحمد بن سلك (ت448هـ)، والصابي هلال بن الحسن (ت448هـ)، والجوهري أبو محمد الحسن بن علي (ت454هـ)، وابن بَرْهان العَكْبَري النحوي البصري (ت456هـ)، والخطيب البغدادي أحمد بن علي (ت463هـ)، الفقيه، المحدِّث، المؤرِّخ، وتذكر بعض الروايات أنه أخذ عن التبريزي، والجُرجاني عبد القاهر (ت471هـ)، الفقيه، النحوي، المتكلّم.
وكان للتِّبريزي تلاميذ كثيرون منهم: ابن بابشاذ النحوي المصري، وابن الهبارية (ت509هـ)، وأبو منصور الجواليقي (ت539هـ)، وهبة الله بن الشجري (ت543هـ) وغيرهم.
كانت آثار التبريزي العلمية متنوّعة تتوزّعها العلوم الدينية واللغوية، منها: «تفسير غريب القرآن»، «الملخّص في إعراب القرآن»، «تهذيب غريب الحديث»، «تهذيب إصلاح المنطق»، «تهذيب كتاب الألفاظ»، «تهذيب الغريب المصنّف»، «تهذيب مقاتل الفرسان»، «شرح اللُّمَع»، «مقدمة في النحو»، «الوافي في علم العروض والقوافي».
أمّا شروح الشعر فكانت كثيرة منها: «شرح بانت سعاد»، «شرح ديوان أبي تمّام»، «شرح ذيل المعلقات»، «شرح سقط الزند».
وقد تأثّر بهذه المؤلّفات واقتبس عنها كثير من اللغويين الخالفين كان معظمهم من تلامذته، من هؤلاء: ابن السيِّدْ البَطَلَيْوسي الأندلسي، وابن هشام النحوي المصري، وأبو البقاء العُكْبري، وعبد القادر البغدادي، وجلال الدين السيوطي وغيرهم.
وهذا الإسهام الثقافي في التحصيل والتدريس والتأليف والتأثير في الآخرين أكسب التبريزي شهرة علميّة بلغت الآفاق، وبقيت على مرّ الزمن. ويتّفق معظم من ترجموا له على أنه كان إمام عصره في علوم اللسان، وشيخ بغداد كلها في الأدب، وأنه صاحب اللغة، كما وصفوه بأنه «كان ثقة في العلم، وفيما ينقله، حجّة ثبتاً صدوقاً».
وتتّسم شروحه بالنقل من غيره بعزْوٍ أحياناً، وبغير عزوٍ في غالب الأحيان. ويرى بعض النقاد المحدَثين أن للتبريزي منهجاً متميزاً في الشروح الشعرية هو المنهج الانتخابي التهذيبي التكميلي، أو التكاملي الذي يعتمد جمع الشروح السابقة والتنسيق بين عناصرها المنتخبة ليتشكّل من مجموعها شرح يفي بالتزامات الحياة العلمية والتعليمية ويغني عن سائر الشروح. ولا يظهر في منهجه هذا مجهود عالم واحد، بل ينطق بمجهودات علماء كثيرين متعدّدي المناهج، مختلفي العصور، متنوّعي التخصّصات والاهتمامات؛ لكن يبقى له فضل التعريف بالشعراء تحقيقاً وتوثيقاً، وفضل الاهتمام بتحديد الأنساب، وإضافة الأخبار التاريخية بين ثنايا شرحه، ويلحظ جهده في توسيع القاعدة اللغوية والنحوية وتوضيح ما اختلف فيه العلماء، ويعد هذا ابتكاراً فريداً في عصره يجمع بين الاختصار والتهذيب والتوفيق والاجتهاد.
مسعود بوبو
Al-Tabrizi (Yahya ibn Ali-) - Al-Tabrizi (Yahya ibn Ali-)
التبريزي (يحيى بن علي ـ)
(421 -502هـ/ 1030 - 1108م)
أبو زكريّاء يحيى بن علي بن محمد الشيبانيّ، الخطيب التِّبْريزيّ، من أئمة اللغة والأدب في عصره. شُهر بنسبته إلى (تِبْريز) التي ولد فيها، وهي مدينة تقع في شمالي إيران غربي إقليم أذَرْبِيجان. ونشأ التِّبريزي في هذه المدينة، ثمّ زار في مرحلة التكوين العلمي بغداد والبصرة وجرجان، وكانت مراكز علم وتحصيل استقى منها حفظاً وتدويناً، قدراً من المعرفة عاد به إلى تبريز. ثم خرج منها قاصداً الشام ليلازم هناك أبا العلاء المعرّي (ت449هـ)، ويقرأ عليه «تهذيب اللغة» لأبي منصور الأزهري (ت370هـ) إضافة إلى مؤلّفات المعرّي الشعرية والنثرية، والكثير من الكتب الأدبية واللغوية، وتلك كانت أغنى مرحلة في حياة التبريزي استيعاباً وتحصيلاً وتأثّراً بنهج المعرّي في شروح الشعر وتحليله كما ظهر واضحاً في شروح التبريزي الشعرية الكثيرة المشابهة.
وممّا أسهم في تكوين ثقافة التِّبريزيّ أيضاً الرحلة في طلب العلم، ونفرٌ من الأساتذة الثقات، واطّلاعه على الكتب والمصنّفات في علوم الدين واللغة والنحو. فبعد أن كبر أستاذه المعرّي، وكفّ عن البذل، غادر التِّبريزي المعرّة إلى بغداد حيث لقي ابن الدهان (ت447هـ)، وفي البصرة جلس إلى أبي الجوائز الحسين بن علي بن بازي الكاتب سنة 453هـ في منزله، ثمّ إلى الشيخ أبي القاسم الفضل بن محمد القصباني النحوي سنة 454هـ. ويَحِنّ بعد ذاك إلى بلاد الشام فينتقل إلى دمشق، ومن دمشق انتقل إلى صُوْر وبها مجموعة من المحدِّثين.
ومن الشام ينتقل إلى مصر، وقد أعدَّ نَفْسَه إعداداً علميّاً أهَّله أن يجلس إليه بعض طالبي العلم كطاهر بن بابشاذ النحوي المصري (ت469هـ) ليقرأ عليه مصنَّفات الأدب واللغة.
وبعد أن يمضي التِّبريزي سنين طويلة متنقّلاً بين الشام والعراق ومصر يعود إلى بغداد ليتّخذها مقرَّ إقامة إلى الممات.
وفي بغداد يُعَيَّن أستاذاً في المدرسة النظامية، وقيِّماً لخزانة كتبها، إلى جانب اشتغاله بالتدريس والتأليف والتصنيف ممّا كانت حصيلته كتباً وشروحاً ومصنّفات يغلب عليها الطابع اللغوي.
إضافة إلى من ذكرنا من أساتذته المباشرين الذين كان لهم أثر بارز في حياته التعليمية والعلميّة نذكر أيضاً:
الفابي علي بن أحمد بن سلك (ت448هـ)، والصابي هلال بن الحسن (ت448هـ)، والجوهري أبو محمد الحسن بن علي (ت454هـ)، وابن بَرْهان العَكْبَري النحوي البصري (ت456هـ)، والخطيب البغدادي أحمد بن علي (ت463هـ)، الفقيه، المحدِّث، المؤرِّخ، وتذكر بعض الروايات أنه أخذ عن التبريزي، والجُرجاني عبد القاهر (ت471هـ)، الفقيه، النحوي، المتكلّم.
وكان للتِّبريزي تلاميذ كثيرون منهم: ابن بابشاذ النحوي المصري، وابن الهبارية (ت509هـ)، وأبو منصور الجواليقي (ت539هـ)، وهبة الله بن الشجري (ت543هـ) وغيرهم.
كانت آثار التبريزي العلمية متنوّعة تتوزّعها العلوم الدينية واللغوية، منها: «تفسير غريب القرآن»، «الملخّص في إعراب القرآن»، «تهذيب غريب الحديث»، «تهذيب إصلاح المنطق»، «تهذيب كتاب الألفاظ»، «تهذيب الغريب المصنّف»، «تهذيب مقاتل الفرسان»، «شرح اللُّمَع»، «مقدمة في النحو»، «الوافي في علم العروض والقوافي».
أمّا شروح الشعر فكانت كثيرة منها: «شرح بانت سعاد»، «شرح ديوان أبي تمّام»، «شرح ذيل المعلقات»، «شرح سقط الزند».
وقد تأثّر بهذه المؤلّفات واقتبس عنها كثير من اللغويين الخالفين كان معظمهم من تلامذته، من هؤلاء: ابن السيِّدْ البَطَلَيْوسي الأندلسي، وابن هشام النحوي المصري، وأبو البقاء العُكْبري، وعبد القادر البغدادي، وجلال الدين السيوطي وغيرهم.
وهذا الإسهام الثقافي في التحصيل والتدريس والتأليف والتأثير في الآخرين أكسب التبريزي شهرة علميّة بلغت الآفاق، وبقيت على مرّ الزمن. ويتّفق معظم من ترجموا له على أنه كان إمام عصره في علوم اللسان، وشيخ بغداد كلها في الأدب، وأنه صاحب اللغة، كما وصفوه بأنه «كان ثقة في العلم، وفيما ينقله، حجّة ثبتاً صدوقاً».
وتتّسم شروحه بالنقل من غيره بعزْوٍ أحياناً، وبغير عزوٍ في غالب الأحيان. ويرى بعض النقاد المحدَثين أن للتبريزي منهجاً متميزاً في الشروح الشعرية هو المنهج الانتخابي التهذيبي التكميلي، أو التكاملي الذي يعتمد جمع الشروح السابقة والتنسيق بين عناصرها المنتخبة ليتشكّل من مجموعها شرح يفي بالتزامات الحياة العلمية والتعليمية ويغني عن سائر الشروح. ولا يظهر في منهجه هذا مجهود عالم واحد، بل ينطق بمجهودات علماء كثيرين متعدّدي المناهج، مختلفي العصور، متنوّعي التخصّصات والاهتمامات؛ لكن يبقى له فضل التعريف بالشعراء تحقيقاً وتوثيقاً، وفضل الاهتمام بتحديد الأنساب، وإضافة الأخبار التاريخية بين ثنايا شرحه، ويلحظ جهده في توسيع القاعدة اللغوية والنحوية وتوضيح ما اختلف فيه العلماء، ويعد هذا ابتكاراً فريداً في عصره يجمع بين الاختصار والتهذيب والتوفيق والاجتهاد.
مسعود بوبو