الحارث الأكبر
تتحدث كتب الأخبار العربية عن هجرة عربية كبرى ، انطلقت من شبه جزيرة العرب إثر سيل العرم ، وخراب سد مأرب ، وكان أهم عناصرها قبائل الأزه، وقد اتجهت هذه القبائل نحو بلاد الشام وبلاد الرافدين . وتروي كتب الأخبار أن قسماً من المهاجرين استقر أولاً في مكة المكرمة واستولى عليها وعرف باسم خزاعه ، لإنخزاعه عن قومه ، ثم عندما مرت جماعات المهاجرين بيثرب خلفت وراءها قبيلنا الأوس والخزرج ويقال أن جماعات من المهاجرين نزلت وهي في طريقها إلى الشام على ماء اسمه غسان ، فعرفت منذ ذلك الوقت باسم غسان ، ومضى من بقي من المهاجرين نحو العراق ، فكونوا هناك دولة الحيرة . ليس من السهل التسليم لهذه الرواية كلياً ولا رفضها بتمامها ، ذلك أن الهجرة من شبه الجزيرة الى خارجها كانت مستمرة ، لكن على شكل أفراد وجماعات صغيرة ، وكان المهاجرون يتجمعون بعد فترات طويلة من الزمن في بقعة من بقاع البادية أو سواها، ويكونون مجتمعا واحداً بفعل عامل من العوامل ، وبعد التجمع كانوا ينالون تسمية ، وبعدها نسباً جديداً أو قديما ، ومشكلة تكون القبائل ينبغي أن تعلل تبعاً لمعطيات قواعد علم الاجتماع، وليس بالاعتماد بشكل مطلق على روايات النسابين وأصحاب الأخبار العرب وعند الشعراء والنسابين الغساسنة هم آل جفنة بن عمرو ، وصلوا أطراف . اصطدموا مع مل جنوب الشام ، فنزلوا على قوم من عرب قضاعه عرفوا ببني سليح ، ثم ما لبثوا بعد فترة أن تنازعوا معهم وانتزعوا منهم ملك عرب الشام ، ثم السلطات البيزنطية الحاكمة لسورية وبعد طول نزاع استقر الأمر بالتحالف مع السلطات البيزنطية على أساس تأسيس إمارة غانية في جنوب الشام وأطراف البادية تحت نفوذ بيزنطه ، وأن تقوم هذه الإمارة بوظيفة شرطي الحدود فتردع القبائل العربية وتمنعها من الإغارة على الأراضي الداخلية، كما تعمل على مساعدة الامبراطورية البيزنطية على نفوذها الى داخل شبه الجزيرة العربية ، وهذا ما نجد صداه في العلاقات
الممتازة التي قامت بين الغساسنة وعرب يثرب من أوس وخزرج
ومن المعتقد أن الغساسنة ثبتوا أقدامهم في الشام في القرن الخامس
الميلاد ، وبعدما أسسوا أمارتهم حكم الأمارة نحو ثلاثين أميراً، كان آخرهم
جبلة بن الأيهم الذي عايش الفتح الاسلامي ، وحينما يعرض المرء لأخبار
أمراء غسان يجد أشهرهم وأبعدهم صيتاً هو الحارث بن جمله ، والذي عرف
بأبي شمر ، وبلقب الأكبر ، وبأبي مارية ذات القرطين
وترد أخبار الحارث أولاً في سير أيام العرب قبل الاسلام ، في الحروب بين الغساسنة والمناذره ، ذلك أن الأمارتان العربيتان تورطتا في الحروب البيزنطية الساسانية ، وتنازعنا السيادة على عرب البادية ، لذلك خاضتا ضد بعضهما البعض عدداً . المعارك من
سنة ٥٢٨م حارب الحارث بن جبلة المنذر أمير الحيرة ، وانتصر عليه ، ثم مد نفوذه بعد ذلك على فلسطين ، وهناك قمع سنة ٥٢٩ م ثورة للسامريين، ووطد الأمن في جنوب الشام ، فكافأته بيزنطة بأن أنعم عليه الامبراطور جستنيان بألقاب الشرف ، منها لقب «فيلار كوس) و ( بطريق ، وهذا يعني اعتباره نبيلاً عالي المكانة واعتباره ملكا على قبائل الشام ( أمير عرب الشام ، . ففي ربيع سلطات مع . وعليه صار الحارث الأكبر صاحب السلطة المتصرف بولاية بلاد العرب الشامية ، فاقتضى الحال أن يخضع له عدد من العمال والموظفين ، يعملون في البوادي على جمع الضرائب وغيرها من الأعمال ، ثم إن قيام مؤسسات للحكم لدى الغساسنة كان معناه الاتجاه نحو الاستقرار ، وقيام حياة لها سماة حضارية، لكن سلطات الأمير الغساني اصطدمت دائماً بيزنطة في بلاد الشام ، وكان على الأمير الغساني رغم ألقابه العالية أن يطيع أوامر المقيم البيزنطي في سورية وأن ينفذها ، وفي القرن السادس للميلاد كان من وظائف الحكام الرومان في الشام الحرب ضد الامبراطورية الساسانية . وفي أيام الامبراطور جستنيان برز عدد من الجنرالات في جيشه ، ساعدوه على استرداد الكثير من أملاك روما الى القسطنطينية سواء في آسية أو أفريقية ، ومن هؤلاء الجنرالات كان بليزاريوس الذي قاد في سنة ٥٣١ قواته للحرب ضد الفرس ، وقد شارك الحارث بن جبلة في الحرب وحدث اللقاء قرب قنسرين في شمال بلاد الشام ، وانتهى بهزيمه الروم ، وأسر واحد من قادة العرب اسمه عمرو ، وبعد معركة قنسرين بوقت وجيز تجدد القتال بين الحارث بن جبلة والمنذر بن ماء السماء ، وكان السبب المباشر الآن التنافس على سيادة قبائل الشام ، وأجج هذا النزاع مجدداً الحرب بين الروم والفرس . ففي سنة ٤٤١م حارب الحارث في العراق إلى جانب الروم بقيادة بليزاريوس ، وفي سنة ٥٤٤ م عادت الحرب بين الحارث الأكبر والمنذر أمير الحيرة ، وقد انتصر المنذر ، وأسر أحد أولاد الحارث ، فقدمه قرباناً للربة العزى ) أفروديت ( وجدير بالذكر أنه حينما حدثت هذه المعركة كانت الهدنة قائمة بين الدولتين البيزنطيه والساسانيه ، لكن رغم هذه الهدنه لم يتوقف الصراع بين المناذره والغساسنه لأن أسبابه ظلت
تتحدث كتب الأخبار العربية عن هجرة عربية كبرى ، انطلقت من شبه جزيرة العرب إثر سيل العرم ، وخراب سد مأرب ، وكان أهم عناصرها قبائل الأزه، وقد اتجهت هذه القبائل نحو بلاد الشام وبلاد الرافدين . وتروي كتب الأخبار أن قسماً من المهاجرين استقر أولاً في مكة المكرمة واستولى عليها وعرف باسم خزاعه ، لإنخزاعه عن قومه ، ثم عندما مرت جماعات المهاجرين بيثرب خلفت وراءها قبيلنا الأوس والخزرج ويقال أن جماعات من المهاجرين نزلت وهي في طريقها إلى الشام على ماء اسمه غسان ، فعرفت منذ ذلك الوقت باسم غسان ، ومضى من بقي من المهاجرين نحو العراق ، فكونوا هناك دولة الحيرة . ليس من السهل التسليم لهذه الرواية كلياً ولا رفضها بتمامها ، ذلك أن الهجرة من شبه الجزيرة الى خارجها كانت مستمرة ، لكن على شكل أفراد وجماعات صغيرة ، وكان المهاجرون يتجمعون بعد فترات طويلة من الزمن في بقعة من بقاع البادية أو سواها، ويكونون مجتمعا واحداً بفعل عامل من العوامل ، وبعد التجمع كانوا ينالون تسمية ، وبعدها نسباً جديداً أو قديما ، ومشكلة تكون القبائل ينبغي أن تعلل تبعاً لمعطيات قواعد علم الاجتماع، وليس بالاعتماد بشكل مطلق على روايات النسابين وأصحاب الأخبار العرب وعند الشعراء والنسابين الغساسنة هم آل جفنة بن عمرو ، وصلوا أطراف . اصطدموا مع مل جنوب الشام ، فنزلوا على قوم من عرب قضاعه عرفوا ببني سليح ، ثم ما لبثوا بعد فترة أن تنازعوا معهم وانتزعوا منهم ملك عرب الشام ، ثم السلطات البيزنطية الحاكمة لسورية وبعد طول نزاع استقر الأمر بالتحالف مع السلطات البيزنطية على أساس تأسيس إمارة غانية في جنوب الشام وأطراف البادية تحت نفوذ بيزنطه ، وأن تقوم هذه الإمارة بوظيفة شرطي الحدود فتردع القبائل العربية وتمنعها من الإغارة على الأراضي الداخلية، كما تعمل على مساعدة الامبراطورية البيزنطية على نفوذها الى داخل شبه الجزيرة العربية ، وهذا ما نجد صداه في العلاقات
الممتازة التي قامت بين الغساسنة وعرب يثرب من أوس وخزرج
ومن المعتقد أن الغساسنة ثبتوا أقدامهم في الشام في القرن الخامس
الميلاد ، وبعدما أسسوا أمارتهم حكم الأمارة نحو ثلاثين أميراً، كان آخرهم
جبلة بن الأيهم الذي عايش الفتح الاسلامي ، وحينما يعرض المرء لأخبار
أمراء غسان يجد أشهرهم وأبعدهم صيتاً هو الحارث بن جمله ، والذي عرف
بأبي شمر ، وبلقب الأكبر ، وبأبي مارية ذات القرطين
وترد أخبار الحارث أولاً في سير أيام العرب قبل الاسلام ، في الحروب بين الغساسنة والمناذره ، ذلك أن الأمارتان العربيتان تورطتا في الحروب البيزنطية الساسانية ، وتنازعنا السيادة على عرب البادية ، لذلك خاضتا ضد بعضهما البعض عدداً . المعارك من
سنة ٥٢٨م حارب الحارث بن جبلة المنذر أمير الحيرة ، وانتصر عليه ، ثم مد نفوذه بعد ذلك على فلسطين ، وهناك قمع سنة ٥٢٩ م ثورة للسامريين، ووطد الأمن في جنوب الشام ، فكافأته بيزنطة بأن أنعم عليه الامبراطور جستنيان بألقاب الشرف ، منها لقب «فيلار كوس) و ( بطريق ، وهذا يعني اعتباره نبيلاً عالي المكانة واعتباره ملكا على قبائل الشام ( أمير عرب الشام ، . ففي ربيع سلطات مع . وعليه صار الحارث الأكبر صاحب السلطة المتصرف بولاية بلاد العرب الشامية ، فاقتضى الحال أن يخضع له عدد من العمال والموظفين ، يعملون في البوادي على جمع الضرائب وغيرها من الأعمال ، ثم إن قيام مؤسسات للحكم لدى الغساسنة كان معناه الاتجاه نحو الاستقرار ، وقيام حياة لها سماة حضارية، لكن سلطات الأمير الغساني اصطدمت دائماً بيزنطة في بلاد الشام ، وكان على الأمير الغساني رغم ألقابه العالية أن يطيع أوامر المقيم البيزنطي في سورية وأن ينفذها ، وفي القرن السادس للميلاد كان من وظائف الحكام الرومان في الشام الحرب ضد الامبراطورية الساسانية . وفي أيام الامبراطور جستنيان برز عدد من الجنرالات في جيشه ، ساعدوه على استرداد الكثير من أملاك روما الى القسطنطينية سواء في آسية أو أفريقية ، ومن هؤلاء الجنرالات كان بليزاريوس الذي قاد في سنة ٥٣١ قواته للحرب ضد الفرس ، وقد شارك الحارث بن جبلة في الحرب وحدث اللقاء قرب قنسرين في شمال بلاد الشام ، وانتهى بهزيمه الروم ، وأسر واحد من قادة العرب اسمه عمرو ، وبعد معركة قنسرين بوقت وجيز تجدد القتال بين الحارث بن جبلة والمنذر بن ماء السماء ، وكان السبب المباشر الآن التنافس على سيادة قبائل الشام ، وأجج هذا النزاع مجدداً الحرب بين الروم والفرس . ففي سنة ٤٤١م حارب الحارث في العراق إلى جانب الروم بقيادة بليزاريوس ، وفي سنة ٥٤٤ م عادت الحرب بين الحارث الأكبر والمنذر أمير الحيرة ، وقد انتصر المنذر ، وأسر أحد أولاد الحارث ، فقدمه قرباناً للربة العزى ) أفروديت ( وجدير بالذكر أنه حينما حدثت هذه المعركة كانت الهدنة قائمة بين الدولتين البيزنطيه والساسانيه ، لكن رغم هذه الهدنه لم يتوقف الصراع بين المناذره والغساسنه لأن أسبابه ظلت
تعليق