سيف الدولة الحمداني
[ ت ٣٥٦ ٩٦٧/٥ م ]
بنو حمدان يتظاهرون بثلاثة أشياء ، عليها مدار العالم ، وليس لهم فيها نصيب : يتظاهرون بالدين وليس لهم فيه نصيب ، ويتظاهرون بالكرم ، وليس لواحد منهم كرم في الله ، ويتظاهرون بالشجاعة وشجاعتهم للدنيا لا الآخرة .
المعز لدين الله الفاطمي
كانت قبيلة تغلب من أشهر قبائل العرب وأكبرها ، وكانت قبيل ظهور الاسلام تقطن في أعالي منطقة الجزيرة ، واستمرت في ديارها بعد الفتوحات الاسلامية ، وكانت تغلب تدين بالنصرانية ، ولقد رفضت بعد الفتح دفع الجزية ، وسبب ذلك مشكلة للخلافة ، عالجها عمر بن الخطاب ، بأن ضاعف عليها ضريبة الصدقة ، وأن لا تقوم بتعميد أولادها. وأثناء العصر الأموي ، حافظت تغلب على مكانتها ، لكن بشيء من الصعوبة ، بسبب تدفق قبائل جديدة من شبه الجزيرة ، ولهذا تأثرت تغلب بمشاكل الصراع في الجزيرة ، خاصة أواخر العصر الأموي ، وأثناء الفترة الأولى من الحكم العباسي ، وخلال هذه الحقبة كانت نشاطات الخوارج واضحة وكبيرة في الجزيرة ، وكان لتغلب دورها في الصراع .
ضد الخوارج ، وقد فرزت هذه الصراعات زعامات جديدة بين صفوف تغلب ، كان أشهرها الأسرة الحمدانية وقامت صلات بين هذه الأسرة والخلافة العباسية أصبحت تاريخية منذ أيام المعتضد ، في أثناء الصراع ضد القرامطة ، فأثناء حروب الخلافة العباسية ضد القرامطة تكونت شخصية الأسرة الحمدانية ، وغدت تشكل إحدى القوى العسكرية - لكن الصغيرة - للخلافة العباسية ، واستخدم الساسة العباسيون هذه القوة في أكثر من مناسبة وبقعه ، ووطد هذا من أركان الأسرة الحمدانية ، ورفع من مكانتها . كما ورط بعض أفرادها في مشاكل الخلافة العباسية ، وجعلهم يجذبون نحو بغداد . ويعيشون في دوامتها السياسية وقد اتخذ الحمدانيون في البداية مدينة ميافارقين مقراً لهم، لكن ضغط الأكراد عليهم من الشمال ، وجذب السياسة النابعة من بغداد ، دفع الحمدانيين نحو الموصل ، فأسسوا فيها سنة ٢٩٣ ٩٠٦/٥ م دولة ، وذلك عندما عين الخليفة المكتفي أبا الهيجاء أميراً على الموصل ، لكن أبا الهيجاء لم يهتم بإمارته ، بل شغل نفسه بما كان يجري في بغداد وأوكل شؤون الموصل لأكبر أولاده الحسن . وبعد وفاة أبي الهيجاء آلت إمارة الموصل لابنه الحسن ، الذي سار على سنة أبيه ، فتورط في مشاكل بغداد ، وعاونه في ذلك أخوه الأصغر علي ، وقد كسب الحسن أثناء عمله لقب ناصر الدولة ، وكـب أخاه علي لقب سيف الدولة
وفي الوقت الذي كان الصراع على أشده في بغداد من أجل السلطة اقتنع الحمدانيون بأن لا مستقبل لهم في العراق ، وأنه من الخير لهم التطلع نحو الشام ، ذلك أن الموصل كانت معرضة للخطر من العراق
و غير ومن أكراد الشمال ، وحدث أن قامت الدولة الاخشيدية في إدخال حلب في حوزتها سنة ۹۳۷/۵۳۲٥ م ، وعين الإخشيد أحمد بن عباس الكلابي نائباً عنه في حلب ، وفي هذه الفترة كانت جموع من البداة الجدد قد وصلت إلى شمال الشام والجزيرة ، وضمت هذه الجموع قبائل من كلاب ، وتشير ، وعقيل ، وسببت هجرة هذه القبائل فوضى سياسية كبيرة في المناطق التي طرقتها ، وهكذا لم تستقم الامور في شمال الشام الإخشيد ولا لنائبه ، وقامت الخلافة العباسية سنة ٩٣٩/٥٣٢٧ م بتفويض أمور حلب لمحمد بن رائق ، فجاء إلى حلب وانتزعها لنفسه ، لكن مالبث الاخشيذ أن استرد مدينة حلب ، وأخذ يتطلع إلى مشرقها . وفي سنة ٣٣٢ هـ/٩٤٤م قام محمد بن رائق بالالتجاء إلى الموصل لاخفاقه في الصراع من أجل منصب أمير الامراء في بغداد ، وفي الموصل قام ناصر الدولة بالتخلص من ابن رائق ، وبعد وفاة ابن رائق مد الحمدانيون أبصارهم نحو شمال الشام بين الاخشيذ وحكام الموصل ، ونجح الاخشيذ في الحفاظ على حلب ، وأتاب فيها بن سعيد الكلابي . وكانت قبيلة كلاب تعاني من التمزق والاضطراب والخلاف بين رجالاتها ، حتى غدا ذلك ميزة من مزاياها ، لهذا قام بعض أمراء كلاب بالسفر إلى الموصل ، فاتصلوا بسيف الدولة علي بن عبد الله ، أخو ناصر الدولة ، ودعوه للقدوم إلى حلب ، وتسلم مقاليد الأمور فيها ، آنذاك حاكماً لنصيبين ، فعرض الأمر على أخيه فأجابه بعد تردد ، فتحرك نحو الشام ، واستطاع دخول حلب دون مقاومة الأول سنة ١٧/٥٣٣٣ تشرين الأول ٩٤٤ م ، وهكذا ابدأ عهداً جديداً في تاريخ الشام . و سبب هذا مواجهة أحمد وكان علي في ٨ ربيع
عدد ولم يقبل الاخشيذ باستيلاء سيف الدولة على حلب ، وقام صراع بين سيف الدولة والاخشيد ، واستطاع سيف الدولة في مرحلة من هذا الصراع ليس فقط دفع الاخشيذ عن حلب ، بل الاستيلاء على دمشق ولم يستطع سيف الدولة الاستقرار في دمشق ، بسبب سياسته الضرائبية والدينية ، وحيث أن طاقاته كانت أدنى من طاقات الاخشيد ، فقد استطاع صاحب مصر إيقاع الهزيمة بسيف الدولة ، وانتزاع الشام كله منه ، وحسماً لداء الصراع اتفق الطرفان سنة ٣٣٦ ٩٤٧/٨ م على أن يترك الاخشيد لسيف الدولة حكم مدينة حلب ، ولهذا يمكن اعتبار هذه السنة البداية الفعلية لقيام الدولة الحمدانية في حلب . والتفت بعد هذا سيف الدولة إلى دولته ، فوطد أمورها ، وأقام لنفسه بلاط فخماً لعله أراد أن يضاهي به بلاط بغداد ، وغيرها من حواضر الاسلام العظمى ، وتجمع عنده في هذا البلاط كبير من العلماء في كل فن ، والشعراء ، وكان على رأس الشعراء المتنبي ، واستخدم سيف الدولة رجال بلاطه كأداة إعلامية في الدعاية له والحكمه ، والواقع ان شهرة سيف الدولة قائمة أساساً على ما صنعه رجال بلاطه من دعايه له ، وهي مرتبطة بقصائد المتنبي ، وليست تابعة من قام بها ، أو تمت في عصره . لقد شغل سيف الدولة معظم وقته في الأعمال الحربية ضد الامبراطورية البيزنطية ، وكانت هذه الامبراطورية تعيش فترة استفاقة وازدهار وقدرة عسكرية من حيث الطاقات ، كما تهيأ لها عدد من القادة والأباطرة الأكفاء ، وقد خاض سيف الدولة بطاقاته المحدودة ، وإمكاناته القليلة حروباً طويلة ضد هذه الامبراطورية ، ولم تكمن هذه الحروب حروباً هادفة بل امتازت بأنها مجرد غارات بدون هدف واضح ، سواء أكان أعمال جليلة دفاعيا أو هجومياً .
[ ت ٣٥٦ ٩٦٧/٥ م ]
بنو حمدان يتظاهرون بثلاثة أشياء ، عليها مدار العالم ، وليس لهم فيها نصيب : يتظاهرون بالدين وليس لهم فيه نصيب ، ويتظاهرون بالكرم ، وليس لواحد منهم كرم في الله ، ويتظاهرون بالشجاعة وشجاعتهم للدنيا لا الآخرة .
المعز لدين الله الفاطمي
كانت قبيلة تغلب من أشهر قبائل العرب وأكبرها ، وكانت قبيل ظهور الاسلام تقطن في أعالي منطقة الجزيرة ، واستمرت في ديارها بعد الفتوحات الاسلامية ، وكانت تغلب تدين بالنصرانية ، ولقد رفضت بعد الفتح دفع الجزية ، وسبب ذلك مشكلة للخلافة ، عالجها عمر بن الخطاب ، بأن ضاعف عليها ضريبة الصدقة ، وأن لا تقوم بتعميد أولادها. وأثناء العصر الأموي ، حافظت تغلب على مكانتها ، لكن بشيء من الصعوبة ، بسبب تدفق قبائل جديدة من شبه الجزيرة ، ولهذا تأثرت تغلب بمشاكل الصراع في الجزيرة ، خاصة أواخر العصر الأموي ، وأثناء الفترة الأولى من الحكم العباسي ، وخلال هذه الحقبة كانت نشاطات الخوارج واضحة وكبيرة في الجزيرة ، وكان لتغلب دورها في الصراع .
ضد الخوارج ، وقد فرزت هذه الصراعات زعامات جديدة بين صفوف تغلب ، كان أشهرها الأسرة الحمدانية وقامت صلات بين هذه الأسرة والخلافة العباسية أصبحت تاريخية منذ أيام المعتضد ، في أثناء الصراع ضد القرامطة ، فأثناء حروب الخلافة العباسية ضد القرامطة تكونت شخصية الأسرة الحمدانية ، وغدت تشكل إحدى القوى العسكرية - لكن الصغيرة - للخلافة العباسية ، واستخدم الساسة العباسيون هذه القوة في أكثر من مناسبة وبقعه ، ووطد هذا من أركان الأسرة الحمدانية ، ورفع من مكانتها . كما ورط بعض أفرادها في مشاكل الخلافة العباسية ، وجعلهم يجذبون نحو بغداد . ويعيشون في دوامتها السياسية وقد اتخذ الحمدانيون في البداية مدينة ميافارقين مقراً لهم، لكن ضغط الأكراد عليهم من الشمال ، وجذب السياسة النابعة من بغداد ، دفع الحمدانيين نحو الموصل ، فأسسوا فيها سنة ٢٩٣ ٩٠٦/٥ م دولة ، وذلك عندما عين الخليفة المكتفي أبا الهيجاء أميراً على الموصل ، لكن أبا الهيجاء لم يهتم بإمارته ، بل شغل نفسه بما كان يجري في بغداد وأوكل شؤون الموصل لأكبر أولاده الحسن . وبعد وفاة أبي الهيجاء آلت إمارة الموصل لابنه الحسن ، الذي سار على سنة أبيه ، فتورط في مشاكل بغداد ، وعاونه في ذلك أخوه الأصغر علي ، وقد كسب الحسن أثناء عمله لقب ناصر الدولة ، وكـب أخاه علي لقب سيف الدولة
وفي الوقت الذي كان الصراع على أشده في بغداد من أجل السلطة اقتنع الحمدانيون بأن لا مستقبل لهم في العراق ، وأنه من الخير لهم التطلع نحو الشام ، ذلك أن الموصل كانت معرضة للخطر من العراق
و غير ومن أكراد الشمال ، وحدث أن قامت الدولة الاخشيدية في إدخال حلب في حوزتها سنة ۹۳۷/۵۳۲٥ م ، وعين الإخشيد أحمد بن عباس الكلابي نائباً عنه في حلب ، وفي هذه الفترة كانت جموع من البداة الجدد قد وصلت إلى شمال الشام والجزيرة ، وضمت هذه الجموع قبائل من كلاب ، وتشير ، وعقيل ، وسببت هجرة هذه القبائل فوضى سياسية كبيرة في المناطق التي طرقتها ، وهكذا لم تستقم الامور في شمال الشام الإخشيد ولا لنائبه ، وقامت الخلافة العباسية سنة ٩٣٩/٥٣٢٧ م بتفويض أمور حلب لمحمد بن رائق ، فجاء إلى حلب وانتزعها لنفسه ، لكن مالبث الاخشيذ أن استرد مدينة حلب ، وأخذ يتطلع إلى مشرقها . وفي سنة ٣٣٢ هـ/٩٤٤م قام محمد بن رائق بالالتجاء إلى الموصل لاخفاقه في الصراع من أجل منصب أمير الامراء في بغداد ، وفي الموصل قام ناصر الدولة بالتخلص من ابن رائق ، وبعد وفاة ابن رائق مد الحمدانيون أبصارهم نحو شمال الشام بين الاخشيذ وحكام الموصل ، ونجح الاخشيذ في الحفاظ على حلب ، وأتاب فيها بن سعيد الكلابي . وكانت قبيلة كلاب تعاني من التمزق والاضطراب والخلاف بين رجالاتها ، حتى غدا ذلك ميزة من مزاياها ، لهذا قام بعض أمراء كلاب بالسفر إلى الموصل ، فاتصلوا بسيف الدولة علي بن عبد الله ، أخو ناصر الدولة ، ودعوه للقدوم إلى حلب ، وتسلم مقاليد الأمور فيها ، آنذاك حاكماً لنصيبين ، فعرض الأمر على أخيه فأجابه بعد تردد ، فتحرك نحو الشام ، واستطاع دخول حلب دون مقاومة الأول سنة ١٧/٥٣٣٣ تشرين الأول ٩٤٤ م ، وهكذا ابدأ عهداً جديداً في تاريخ الشام . و سبب هذا مواجهة أحمد وكان علي في ٨ ربيع
عدد ولم يقبل الاخشيذ باستيلاء سيف الدولة على حلب ، وقام صراع بين سيف الدولة والاخشيد ، واستطاع سيف الدولة في مرحلة من هذا الصراع ليس فقط دفع الاخشيذ عن حلب ، بل الاستيلاء على دمشق ولم يستطع سيف الدولة الاستقرار في دمشق ، بسبب سياسته الضرائبية والدينية ، وحيث أن طاقاته كانت أدنى من طاقات الاخشيد ، فقد استطاع صاحب مصر إيقاع الهزيمة بسيف الدولة ، وانتزاع الشام كله منه ، وحسماً لداء الصراع اتفق الطرفان سنة ٣٣٦ ٩٤٧/٨ م على أن يترك الاخشيد لسيف الدولة حكم مدينة حلب ، ولهذا يمكن اعتبار هذه السنة البداية الفعلية لقيام الدولة الحمدانية في حلب . والتفت بعد هذا سيف الدولة إلى دولته ، فوطد أمورها ، وأقام لنفسه بلاط فخماً لعله أراد أن يضاهي به بلاط بغداد ، وغيرها من حواضر الاسلام العظمى ، وتجمع عنده في هذا البلاط كبير من العلماء في كل فن ، والشعراء ، وكان على رأس الشعراء المتنبي ، واستخدم سيف الدولة رجال بلاطه كأداة إعلامية في الدعاية له والحكمه ، والواقع ان شهرة سيف الدولة قائمة أساساً على ما صنعه رجال بلاطه من دعايه له ، وهي مرتبطة بقصائد المتنبي ، وليست تابعة من قام بها ، أو تمت في عصره . لقد شغل سيف الدولة معظم وقته في الأعمال الحربية ضد الامبراطورية البيزنطية ، وكانت هذه الامبراطورية تعيش فترة استفاقة وازدهار وقدرة عسكرية من حيث الطاقات ، كما تهيأ لها عدد من القادة والأباطرة الأكفاء ، وقد خاض سيف الدولة بطاقاته المحدودة ، وإمكاناته القليلة حروباً طويلة ضد هذه الامبراطورية ، ولم تكمن هذه الحروب حروباً هادفة بل امتازت بأنها مجرد غارات بدون هدف واضح ، سواء أكان أعمال جليلة دفاعيا أو هجومياً .
تعليق