المنصور الموحدي
[ ت : ٥٩٥ ه ]
اوصيكم بتقوى الله تعالى ، وبالأيتام واليتيمه ) فقيل له : ( ومن الأيتام واليتيمه ؟ قال : اليتيمة جزيرة الأندلس ، والأيتام سكانها المسلمون وإياكم والغفلة فيما يصلح بها من تشييد أسوارها ، وحماية ثغورها وتربية أجنادها وتوفير رعايتها ، ولتعلموا أعزكم الله ، أنه ليس في نفوسنا أعظم من همها ، ولو مد الله لنا في الخلافة الحياة ، لم نتوان في جهاد كفارها حتى نعيدها دار إسلام ، ونحن الآن قد استودعناها الله تعالى ، وحسن
نظركم فيها ، فانظروا للمسلمين ، وأجروا الشرائع على منهاجها ) .
كانت هذه هي العبارة الأخيرة التي تلفظ بها يعقوب المنصور الموحدي ، وهو على فراش الموت ، وفيها دليل على عظمة الرجل ، ومدى إخلاصه وشعوره بالمسؤولية ، وفي الحقيقة يعتبر المنصور أعظم خلفاء الموحدين ، وفي أيام حكمه التي امتدت قرابة الخمسة عشر عاما ، وصلت الخلافه الموحدية إلى أوج عظمتها ، قوة واقتصاداً وحضارة ومنعة . وقد تسلم يعقوب المنصور الخلافة بعد وفاة والده يوسف بن عبد المؤمن فاهتم أولاً بأمور ولاياته في شمالي افريقية ، ثم التفت إلى الأندلس ، فاهتم بها عظيم الاهتمام ، حيث أكمل بعض المشاريع المعمارية فيها ، من ذلك مئذنة المسجد الجامع في اشبيلية ( الخير الدا ) التي ما تزال ماثلة حتى الآن ، شاهدة على عظمة بناتها ، ورقي حضارتهم . سنة ٥٨٠ه .
وتنبع شهرة المنصور الموحدي أولاً من الأعمال العسكرية التي انجزت في عصره ، خاصة في الأندلس ، فالجيش الموحدي في أيامه بلغ درجة كبيرة من القوة ، كما أن الاسطول الموحدي صار من القوة بمكان دفعت مشارقة المسلمين الذين كانوا يخوضون الحروب ضد الغزاة الصليبيين في الشام ، إلى الاستنجاد بهذا الاسطول ، لايقاف النجدات الكبيرة التي كانت تقدم الى الصليبيين بوساطة البحر.
وكما عانى مشارقة المسلمين من الغزو الصليبي في بلادهم ، كذلك عاش أهل الأندلس جحيم حروب الاسترداد الصليبية في بلادهم ، وفي أيام المنصور الموحدي خاض المسلمون آخر معاركهم الفاصلة في تاريخ الأندلس ، وهي معركة الأرك وكان ذلك في سنة ٥٩١ هـ . ففي سنة ٥٩٠ ، عزم المنصور على الجواز الى الأندلس برسم الغزو فيها ، فجيش قواته ، لكن مرضاً شديداً حل به في مدينة سلا ، وقد عاقه ذلك المرض عن العبور ، فأطمع ذلك صليبيو الأندلس ، فجائوا خلال ديار الأندلس فخربوا ودمروا ، وبلغ ذلك المنصور ، فقرر العبور وفعل ذلك سنة ٥٩١هـ ، وقاد قواته نحو مدينة قلعة رباح ما بين قرطبة وطليطلة ، وهناك في سهل واسع وراء جبال الشارات عرف بالأركو ، جاءت قواته وجها لوجه مع قوات مملكة قشتاله ومن ساندها من الصليبيين. وضع المنصور خطة محكمة للقتال مع خصومه ، فقد قدم القسم الأكبر من جيشه للالتحام بالعدو، وأمر أحد قادته بأن يكون في القلب وفوق رأسه شعار السلطنة وذلك للتغرير بالعدو ، وتأخر المنصور مع من بقي من جيشه ، وتخفى على شكل كمين ، مستغلا طبيعة الأرض . وحدث الالتحام ، واستمر القتال سحابة النهار ، وعندما ألم الإعياء لقد ربح الصلاة فيه ، وبعد ذلك رجع والتعب بالطرفين المتصارعين ، تحرك المنصور بقواته بضجة وصخب شديدين فقد كان من عادة الموحدين تجهيز جيوشهم بطبول ضخمة للغاية ، واستطاع المنصور بهذا التحرك أن يفاجىء عدوه ، ويفصل المعركة لصالح المسلمين . الموحدون المعركة ، وكسبوا غنائم كبيرة للغاية ، ودخلوا مدينة قلعة رباح فحرروها ، وأمر المنصور بتطهير مسجدها ، ثم قام بأداء المنصور إلى اشبيلية حيث ، أخذ يضع الخطط لاسترداد جميع أراضي الأندلس إلى حوزة المسلمين ، وبالفعل شرع في تنفيذ ذلك ، فخاض عدداً آخر من المعارك .
وفي ذروة نشاطه أصيب بمرض كان سببه ( اختلاف أهوية الأقاليم ، فقد كان بارزاً لهواجرها وأمطارها أزمنة متوالية ) وألزمه مرضه الفراش في عاصمته مراكش، حيث توفاه الله ليلة الجمعة الثاني عشر لربيع الأول سنة خمس وتسعين وخمسمائة للهجرة .
وحين تذكر المنصور الموحدي ، لا تربط خلوده بانجازاته الحربية والعمرانية فقط ، وإنما بالجانب الحضاري والثقافي الذي كان نامياً في شخصه وفي عصره . فمصر المنصور الموحدي هو العصر الذي عاش فيه ابن الطفيل وابن رشد وسواهما من مشاهير فلاسفة الغرب الاسلامي ، وهو عصر تدوين كتب السيرة والمغازي وغيرها من الفنون، إنه عصر وصلت فيه الحضارة العربية في الغرب الاسلامي الموحد إلى الذروة ، وحصل هذا في وقت كانت شمس الحضارة في الشرق العربي قد بدأت تميل إلى الغروب .
[ ت : ٥٩٥ ه ]
اوصيكم بتقوى الله تعالى ، وبالأيتام واليتيمه ) فقيل له : ( ومن الأيتام واليتيمه ؟ قال : اليتيمة جزيرة الأندلس ، والأيتام سكانها المسلمون وإياكم والغفلة فيما يصلح بها من تشييد أسوارها ، وحماية ثغورها وتربية أجنادها وتوفير رعايتها ، ولتعلموا أعزكم الله ، أنه ليس في نفوسنا أعظم من همها ، ولو مد الله لنا في الخلافة الحياة ، لم نتوان في جهاد كفارها حتى نعيدها دار إسلام ، ونحن الآن قد استودعناها الله تعالى ، وحسن
نظركم فيها ، فانظروا للمسلمين ، وأجروا الشرائع على منهاجها ) .
كانت هذه هي العبارة الأخيرة التي تلفظ بها يعقوب المنصور الموحدي ، وهو على فراش الموت ، وفيها دليل على عظمة الرجل ، ومدى إخلاصه وشعوره بالمسؤولية ، وفي الحقيقة يعتبر المنصور أعظم خلفاء الموحدين ، وفي أيام حكمه التي امتدت قرابة الخمسة عشر عاما ، وصلت الخلافه الموحدية إلى أوج عظمتها ، قوة واقتصاداً وحضارة ومنعة . وقد تسلم يعقوب المنصور الخلافة بعد وفاة والده يوسف بن عبد المؤمن فاهتم أولاً بأمور ولاياته في شمالي افريقية ، ثم التفت إلى الأندلس ، فاهتم بها عظيم الاهتمام ، حيث أكمل بعض المشاريع المعمارية فيها ، من ذلك مئذنة المسجد الجامع في اشبيلية ( الخير الدا ) التي ما تزال ماثلة حتى الآن ، شاهدة على عظمة بناتها ، ورقي حضارتهم . سنة ٥٨٠ه .
وتنبع شهرة المنصور الموحدي أولاً من الأعمال العسكرية التي انجزت في عصره ، خاصة في الأندلس ، فالجيش الموحدي في أيامه بلغ درجة كبيرة من القوة ، كما أن الاسطول الموحدي صار من القوة بمكان دفعت مشارقة المسلمين الذين كانوا يخوضون الحروب ضد الغزاة الصليبيين في الشام ، إلى الاستنجاد بهذا الاسطول ، لايقاف النجدات الكبيرة التي كانت تقدم الى الصليبيين بوساطة البحر.
وكما عانى مشارقة المسلمين من الغزو الصليبي في بلادهم ، كذلك عاش أهل الأندلس جحيم حروب الاسترداد الصليبية في بلادهم ، وفي أيام المنصور الموحدي خاض المسلمون آخر معاركهم الفاصلة في تاريخ الأندلس ، وهي معركة الأرك وكان ذلك في سنة ٥٩١ هـ . ففي سنة ٥٩٠ ، عزم المنصور على الجواز الى الأندلس برسم الغزو فيها ، فجيش قواته ، لكن مرضاً شديداً حل به في مدينة سلا ، وقد عاقه ذلك المرض عن العبور ، فأطمع ذلك صليبيو الأندلس ، فجائوا خلال ديار الأندلس فخربوا ودمروا ، وبلغ ذلك المنصور ، فقرر العبور وفعل ذلك سنة ٥٩١هـ ، وقاد قواته نحو مدينة قلعة رباح ما بين قرطبة وطليطلة ، وهناك في سهل واسع وراء جبال الشارات عرف بالأركو ، جاءت قواته وجها لوجه مع قوات مملكة قشتاله ومن ساندها من الصليبيين. وضع المنصور خطة محكمة للقتال مع خصومه ، فقد قدم القسم الأكبر من جيشه للالتحام بالعدو، وأمر أحد قادته بأن يكون في القلب وفوق رأسه شعار السلطنة وذلك للتغرير بالعدو ، وتأخر المنصور مع من بقي من جيشه ، وتخفى على شكل كمين ، مستغلا طبيعة الأرض . وحدث الالتحام ، واستمر القتال سحابة النهار ، وعندما ألم الإعياء لقد ربح الصلاة فيه ، وبعد ذلك رجع والتعب بالطرفين المتصارعين ، تحرك المنصور بقواته بضجة وصخب شديدين فقد كان من عادة الموحدين تجهيز جيوشهم بطبول ضخمة للغاية ، واستطاع المنصور بهذا التحرك أن يفاجىء عدوه ، ويفصل المعركة لصالح المسلمين . الموحدون المعركة ، وكسبوا غنائم كبيرة للغاية ، ودخلوا مدينة قلعة رباح فحرروها ، وأمر المنصور بتطهير مسجدها ، ثم قام بأداء المنصور إلى اشبيلية حيث ، أخذ يضع الخطط لاسترداد جميع أراضي الأندلس إلى حوزة المسلمين ، وبالفعل شرع في تنفيذ ذلك ، فخاض عدداً آخر من المعارك .
وفي ذروة نشاطه أصيب بمرض كان سببه ( اختلاف أهوية الأقاليم ، فقد كان بارزاً لهواجرها وأمطارها أزمنة متوالية ) وألزمه مرضه الفراش في عاصمته مراكش، حيث توفاه الله ليلة الجمعة الثاني عشر لربيع الأول سنة خمس وتسعين وخمسمائة للهجرة .
وحين تذكر المنصور الموحدي ، لا تربط خلوده بانجازاته الحربية والعمرانية فقط ، وإنما بالجانب الحضاري والثقافي الذي كان نامياً في شخصه وفي عصره . فمصر المنصور الموحدي هو العصر الذي عاش فيه ابن الطفيل وابن رشد وسواهما من مشاهير فلاسفة الغرب الاسلامي ، وهو عصر تدوين كتب السيرة والمغازي وغيرها من الفنون، إنه عصر وصلت فيه الحضارة العربية في الغرب الاسلامي الموحد إلى الذروة ، وحصل هذا في وقت كانت شمس الحضارة في الشرق العربي قد بدأت تميل إلى الغروب .
تعليق