ابن عساکر
[ ٤٩٩ ه / ١١٥٠ م - ١٢٢٣/٥٧١م ]
عقب نجاح الثورة العربيه الكبرى ، حررت سوريه من حكم الأتراك ودخل الأمير فيصل إلى مدينة دمشق ، حيث قام فيها ما يعرف عادة باسم فترة الحكم الفيصلي ، ورغم قصر مدة هذا الحكم ، فقد تم تأسيس بعض المنشآت العلمية والثقافيه في دمشق ، وكان من جملة هذه المؤسسات المجمع العلمي العربي، الذي مازال موجوداً تحت اسم « مجمع اللغـــــه العربيه ، وقد عمل هذا المجمع منذ تأسيسه وحتى الآن في سبيل بعث التراث العربي وإحيائه ، وكان من أوليات مشاريع هذا المجمع نشر کتاب « تاریخ دمشق لابن عساكر ، ومنذ ذلك الوقت وحتى الآن مضت سنون طويله ، وجيل بعد جيل من العاملين في حقل التراث يحاولون نشر كتاب ( تاريخ دمشق لابن عساكر ، ، لكن مامن شيء جدي تم حتى الآن .
والغريب في الأمر أن تاريخ ابن عساكر طرح أمر نشره في الزمن الذي طرحت فيه قضية فلسطين ، وحتى الآن لم يحقق العرب أي شيء مجد لا في نشر الكتاب ، ولا في قضية فلسطين ، وهنا لابد أن يتساءل المرء : ماهو الرابط بين إحياء كتاب ، وقضية سياسية معقده ؟ في الحقيقه هناك أكثر من رابط فقد كتب ابن عساكر كتابه في ظروف مشابهه للظروف التي نعيشها الآن حيث كانت فلسطين محتله من قبل الفرنجه ، وهي الآن كما هو معلوم ترزح تحت الاحتلال الصهيوني ، وأثناء كتابة ابن عساكر لكتابه كانت الأمة تعمل على تحرير أراضيها ، وقد تم التحضير لذلك عسكرياً وحضارياً واقتصادياً ، وأعدت الخطط لخوض معركة فاصلة مع الفرنجه ، ولم يمض وقت قصير على تصنيف ابن عساكر لكتابه العظيم ، حتى قامت معركة حطين وحررت القدس ، والآن من هو ابن عساكر ؟
110./0899 م وعن عدد هو علي بن الحسن بن هبة الله ، أبو القاسم ، ولد في دمشق سنة وكانت أسرته أسرة اشتهرت في دمشق بالعلم والتقوى لذلك أقبل ابن عساكر منذ صباه على العلم والتعلم ، فأخذ عن أهله ، كبير من شيوخ دمشق ، ولم يقتصر عمله على ذلك ، بل عمل على مراسلة علماء عصره في العراق وخراسان ، وكان الجامع الأموي أهم المراكز التي تردد إليها ابن عساكر للسماع من الشيوخ والتزام حلقات ، وبالإضافة إلى الجامع الأموي أقبل على محاضرات عدد من مدارس دمشق وزوايا التعليم فيها. كما كان يزور الشيوخ في بيوتهم تدریسم ويأخذ عنهم
وعندما بلغ ابن عساكر العشرين من عمره ، فقد والده ، فتحللت ارتباطاته الأمرويه بعض الشيء ، فقرر الرحلة في طلب العلم ، وخاصة الحديث النبوي الشريف الذي سيطر على اتجاهاته منذ البدايه ، فاتجه نحو العراق ، لأنها كانت ماتزال مركز الثقافة الأول في العالم الاسلامي وفيها كانت المدرسه النظاميه نشطة للغاية ، بحيث اعتبرت أعظم جامعات العالم الاسلامي ، وأرفعهن مكانة ، وأعمقهن تأثيراً ، ذلك أنها ضمت فأخذ عنهم وأقام ابن عساكر في بغداد مدة سنة حيث عاد إلى دمشق فأقام قليلا ، ومن هناك توجه إلى الحجاز وفي الحجاز قضى فريضته في الحج والزياره والتقى بعدد من العلماء من أهل الحجاز ومن جاء لأداء فريضة الحج ومن جديد قرر التوجه إلى العراق ، وأقام هذه المرة خمس سنوات هناك ، درس خلالها في النظاميه ، وزار مدن العراق فلقي بها العلماء وأخذ عنهم .
لمحبة الشيوخ وكبار العلماء كما أن بغداد حوت آنئذ في خزائنها جل النتاج الفكري المدون بالعربيه .
وعاد مجدداً إلى دمشق ، وقد ملك طاقات علميه كبيره ، فلم يعد تلميذاً فقط بل وصل إلى حالة يمكن بها الاعطاء وذلك بالاضافة إلى الأخذ ، وشعر ابن عساكر بحاجته الى مزيد من التحصيل ، لذلك قرر مجدداً التوجه شرقاً ، فذهب الى العراق سنة ٥٢٩ه حيث أقام قليلا ، ثم اتجه إلى خراسان ، فزار كبريات المدن هناك مثل : همذان ، والري ، وأصبهان ، ونيسابور ، وبيهق ، وتبريز ، وسرخس ، ولقي العلماء وأخذ عنهم
التردد ، وفي سنة ٥٣٣ هـ أنهى رحلته وعاد إلى بغداد ، ومضى إلى دمشق حيث قر به القرار، وبدأ يحدث في دمشق ويعلم ، وذلك بعد شيء من ويمكن أن نعتبر الفترة الواقعة ما بين سنة ٥٣٣ وسنة وفاته في ٥٥٧١ هي فترة العطاء الخصب في حياة ابن عساكر ، حيث صنف عدداً كبيراً من الكتب ، ووقف وقته كله على العلم ، فأعرض عن مغريات الدنيا ، وصرف وجهه عن المناصب والوظائف ، واحتقر المال واعتبره من توافه الحياة التي ترفع عنها ، ولهذا أخذ نفسه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فحظي بمكانة رفيعة للغايه بين أهل دمشق ، واحترمه الناس جميعاً من عوام وأصحاب السلطان
في هذه الفترة كانت الأمة تعيش مرحلة الاستفاقة وحرب التحرير والعمل في سبيل الوحدة ، خاصة وحدة شمال الشام مع جنوبه ، فمنذ قيام الحروب الصليبيه كان دور دمشق في هذه الحروب يكاد يكون سلبياً وكانت مدينة حلب أنشط مراكز المسلمين للجهاد ضد الصليبيين ، وفي حلب استقر آنئذ نور الدين محمود ، الذي تجمعت في شخصه الصفات المؤهله للزعامه .
وحدث في سنة ١١٥٤/٥٥٤٩ م أن دخل نور الدين محمود مدينة دمشق ، وذلك بناء على رغبة من أهلها ، وهكذا توحد شمال الشام وجنوبه ، وصارت دمشق الآن مقر الجهاد ، وقاعدة انطلاق أعمال التحرير والوحدة الكبرى ، ووضع نور الدين الخطط للتحرير ، وخوض معركة فاصلة مع الصليبيين ، مدركاً أن شروط التحرير هي الوحـــدة والثقافه ، والأمن الداخلي والاستقرار ، مع الاقتصاد القوي ، ومن هذه المنطلقات نمت العلاقات بين نور الدين وابن عساكر واعجب ابن عساكر بنور الدين كما أن نور الدين رفع من مكانة ابن عساكر ، وكان من نتائج العلاقة بينهما بناء دار الحديث النوريه ، أول جامعة من نوعها في التاريخ الإسلامي ، وقد أسندت أعمال التدريس بهذه الجامعه إلى ابن عساكر ، هذا من جهة ومن جهة أخرى شجع نور الدين ابن عساكر على انجاز كتابه في تاريخ دمشق ، ومعلوم أن نور الدين توفي سنة ٥٦٩ ه ، وجاءت وفاة ابن عساكر بعد وفاة نور الدين بعامين ، أيام دولة صلاح الدين الأيوبي ، وقد سار صلاح الدين الأيوبي في جنازته حامر الرأس متأسفاً على فقدانه .
[ ٤٩٩ ه / ١١٥٠ م - ١٢٢٣/٥٧١م ]
عقب نجاح الثورة العربيه الكبرى ، حررت سوريه من حكم الأتراك ودخل الأمير فيصل إلى مدينة دمشق ، حيث قام فيها ما يعرف عادة باسم فترة الحكم الفيصلي ، ورغم قصر مدة هذا الحكم ، فقد تم تأسيس بعض المنشآت العلمية والثقافيه في دمشق ، وكان من جملة هذه المؤسسات المجمع العلمي العربي، الذي مازال موجوداً تحت اسم « مجمع اللغـــــه العربيه ، وقد عمل هذا المجمع منذ تأسيسه وحتى الآن في سبيل بعث التراث العربي وإحيائه ، وكان من أوليات مشاريع هذا المجمع نشر کتاب « تاریخ دمشق لابن عساكر ، ومنذ ذلك الوقت وحتى الآن مضت سنون طويله ، وجيل بعد جيل من العاملين في حقل التراث يحاولون نشر كتاب ( تاريخ دمشق لابن عساكر ، ، لكن مامن شيء جدي تم حتى الآن .
والغريب في الأمر أن تاريخ ابن عساكر طرح أمر نشره في الزمن الذي طرحت فيه قضية فلسطين ، وحتى الآن لم يحقق العرب أي شيء مجد لا في نشر الكتاب ، ولا في قضية فلسطين ، وهنا لابد أن يتساءل المرء : ماهو الرابط بين إحياء كتاب ، وقضية سياسية معقده ؟ في الحقيقه هناك أكثر من رابط فقد كتب ابن عساكر كتابه في ظروف مشابهه للظروف التي نعيشها الآن حيث كانت فلسطين محتله من قبل الفرنجه ، وهي الآن كما هو معلوم ترزح تحت الاحتلال الصهيوني ، وأثناء كتابة ابن عساكر لكتابه كانت الأمة تعمل على تحرير أراضيها ، وقد تم التحضير لذلك عسكرياً وحضارياً واقتصادياً ، وأعدت الخطط لخوض معركة فاصلة مع الفرنجه ، ولم يمض وقت قصير على تصنيف ابن عساكر لكتابه العظيم ، حتى قامت معركة حطين وحررت القدس ، والآن من هو ابن عساكر ؟
110./0899 م وعن عدد هو علي بن الحسن بن هبة الله ، أبو القاسم ، ولد في دمشق سنة وكانت أسرته أسرة اشتهرت في دمشق بالعلم والتقوى لذلك أقبل ابن عساكر منذ صباه على العلم والتعلم ، فأخذ عن أهله ، كبير من شيوخ دمشق ، ولم يقتصر عمله على ذلك ، بل عمل على مراسلة علماء عصره في العراق وخراسان ، وكان الجامع الأموي أهم المراكز التي تردد إليها ابن عساكر للسماع من الشيوخ والتزام حلقات ، وبالإضافة إلى الجامع الأموي أقبل على محاضرات عدد من مدارس دمشق وزوايا التعليم فيها. كما كان يزور الشيوخ في بيوتهم تدریسم ويأخذ عنهم
وعندما بلغ ابن عساكر العشرين من عمره ، فقد والده ، فتحللت ارتباطاته الأمرويه بعض الشيء ، فقرر الرحلة في طلب العلم ، وخاصة الحديث النبوي الشريف الذي سيطر على اتجاهاته منذ البدايه ، فاتجه نحو العراق ، لأنها كانت ماتزال مركز الثقافة الأول في العالم الاسلامي وفيها كانت المدرسه النظاميه نشطة للغاية ، بحيث اعتبرت أعظم جامعات العالم الاسلامي ، وأرفعهن مكانة ، وأعمقهن تأثيراً ، ذلك أنها ضمت فأخذ عنهم وأقام ابن عساكر في بغداد مدة سنة حيث عاد إلى دمشق فأقام قليلا ، ومن هناك توجه إلى الحجاز وفي الحجاز قضى فريضته في الحج والزياره والتقى بعدد من العلماء من أهل الحجاز ومن جاء لأداء فريضة الحج ومن جديد قرر التوجه إلى العراق ، وأقام هذه المرة خمس سنوات هناك ، درس خلالها في النظاميه ، وزار مدن العراق فلقي بها العلماء وأخذ عنهم .
لمحبة الشيوخ وكبار العلماء كما أن بغداد حوت آنئذ في خزائنها جل النتاج الفكري المدون بالعربيه .
وعاد مجدداً إلى دمشق ، وقد ملك طاقات علميه كبيره ، فلم يعد تلميذاً فقط بل وصل إلى حالة يمكن بها الاعطاء وذلك بالاضافة إلى الأخذ ، وشعر ابن عساكر بحاجته الى مزيد من التحصيل ، لذلك قرر مجدداً التوجه شرقاً ، فذهب الى العراق سنة ٥٢٩ه حيث أقام قليلا ، ثم اتجه إلى خراسان ، فزار كبريات المدن هناك مثل : همذان ، والري ، وأصبهان ، ونيسابور ، وبيهق ، وتبريز ، وسرخس ، ولقي العلماء وأخذ عنهم
التردد ، وفي سنة ٥٣٣ هـ أنهى رحلته وعاد إلى بغداد ، ومضى إلى دمشق حيث قر به القرار، وبدأ يحدث في دمشق ويعلم ، وذلك بعد شيء من ويمكن أن نعتبر الفترة الواقعة ما بين سنة ٥٣٣ وسنة وفاته في ٥٥٧١ هي فترة العطاء الخصب في حياة ابن عساكر ، حيث صنف عدداً كبيراً من الكتب ، ووقف وقته كله على العلم ، فأعرض عن مغريات الدنيا ، وصرف وجهه عن المناصب والوظائف ، واحتقر المال واعتبره من توافه الحياة التي ترفع عنها ، ولهذا أخذ نفسه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فحظي بمكانة رفيعة للغايه بين أهل دمشق ، واحترمه الناس جميعاً من عوام وأصحاب السلطان
في هذه الفترة كانت الأمة تعيش مرحلة الاستفاقة وحرب التحرير والعمل في سبيل الوحدة ، خاصة وحدة شمال الشام مع جنوبه ، فمنذ قيام الحروب الصليبيه كان دور دمشق في هذه الحروب يكاد يكون سلبياً وكانت مدينة حلب أنشط مراكز المسلمين للجهاد ضد الصليبيين ، وفي حلب استقر آنئذ نور الدين محمود ، الذي تجمعت في شخصه الصفات المؤهله للزعامه .
وحدث في سنة ١١٥٤/٥٥٤٩ م أن دخل نور الدين محمود مدينة دمشق ، وذلك بناء على رغبة من أهلها ، وهكذا توحد شمال الشام وجنوبه ، وصارت دمشق الآن مقر الجهاد ، وقاعدة انطلاق أعمال التحرير والوحدة الكبرى ، ووضع نور الدين الخطط للتحرير ، وخوض معركة فاصلة مع الصليبيين ، مدركاً أن شروط التحرير هي الوحـــدة والثقافه ، والأمن الداخلي والاستقرار ، مع الاقتصاد القوي ، ومن هذه المنطلقات نمت العلاقات بين نور الدين وابن عساكر واعجب ابن عساكر بنور الدين كما أن نور الدين رفع من مكانة ابن عساكر ، وكان من نتائج العلاقة بينهما بناء دار الحديث النوريه ، أول جامعة من نوعها في التاريخ الإسلامي ، وقد أسندت أعمال التدريس بهذه الجامعه إلى ابن عساكر ، هذا من جهة ومن جهة أخرى شجع نور الدين ابن عساكر على انجاز كتابه في تاريخ دمشق ، ومعلوم أن نور الدين توفي سنة ٥٦٩ ه ، وجاءت وفاة ابن عساكر بعد وفاة نور الدين بعامين ، أيام دولة صلاح الدين الأيوبي ، وقد سار صلاح الدين الأيوبي في جنازته حامر الرأس متأسفاً على فقدانه .
تعليق