عبدالمؤمن بن علي
إذا كان المهدي بن تومرت المؤسس العقائدي لحركة الموحدين في المغرب فإن عبد المؤمن بن علي هو الذي بني دولة الموحدين وأقام صرحها السياسي وغير السياسي. وقد ولد عبد المؤمن في أواخــــــر القرن الخامس للهجرة في قرية (تاجرا) من إقليم تلمسان في الجزائر حالياً ، ويبدو أنه فقد أباه في طفولته ، فعني به عمه وقرر حمله إلى المشرق لطلب العلم ، وفي طريق الرحلة ، لقي عبد المؤمن المهدي ابن تومرت ، فالتحق به وصار أول أعوانه وأعلاهم مكانة لديه ، وقد أحبه المهدي ووثق به وكان يقول : ( لا يقوم الأمر الذي فيه حياة الدين إلا بعبد المؤمن بن علي سراج الموحدين ) . ولما توفي المهدي سنة أربع وعشرين وخمسمائة ، قدمه أصحاب المهدي وبايعوه إماماً، ومنحوه لقب خليفة ونادوه بأمير المؤمنين ، أنه رغم لم يكن قرشي النسب ، لكن بسبب خلافته للمهدي . ولما ولي عبد المؤمن الأمر استطاع أن يدخل دولة مراكش ويزيل دولة المرابطين من الوجود ، وبعد ذلك استولى على مدن المغرب الأقصى واحدة تلو الأخرى ، ثم احتل بلدان المغرب الأوسط وقصد مدينة المهدية فحررها من احتلال النورمانديين لها كما احتل مدن تونس الأخرى وبذلك وحد عبد المؤمن بلدان المغرب العربي تحت راية واحدة ، ثم التفت بعدها إلى شؤون الأندلس فأمن لها الحماية الكافية والرعاية والمنعة وبعدما تحقق لعبد المؤمن من الانتصارات العسكرية والسياسية رأى أن دولته العقائدية لن يكتب لها البقاء والنجاح في تطبيق برامجها ، إذا ما أديرت من قبل زعماء القبائل من مصموده وسواهم لهذا قرر ايجاد جهاز عقائدي يتولى أمور الحكم والإدارة ، فقام يجمع نحو ثلاثة آلاف من طبقة الحفاظ وهي الطبقة الخامسة في سلم تنظيمات المهدي لأتباعه ، فأدخلهم قصره وأمر بتلقينهم كتب المهدي بن تومرت وخاصة كتابي ) الموطأ وأعز ما يطلب ( ثم صار يأخذهم ( يوما بتعليم الركوب ، ويوماً بالرمي بالقوس ، ويوماً بالحوم في بحيرة صنعها خارج بستانه ، مربعة طول تربيعها نحو ثلاثمائة باع ، ويوماً يأخذهم بأن يحذفوا على قوارب وزوارق صنعها لهم في تلك البحيرة ، فتأدبوا بهذا الأدب ، تارة بالعطاء، وتارة بالأدب ، وكانت نفقتهم وسائر مؤنتهم من عنده ، وخيلهم وعدتهم كذلك ، ولما كمل له هذا المراد فيهم عزل بهم أشياخ المصامدة عن ولاية الأعمال والرئاسة ، وقال : العلماء أولى منكم فسلموا لهم ، وأبقاهم معهم في المشورة ) .
لقد كانت تجربة عبد المؤمن هذه تجربة رائدة ، لاشك أن أثرها كان كبيراً ساعد على استمرار دولة الموحدين ، وممثل إدارتها لعبد المؤمن وآله من بعده، متذكرين أن قوام هذه الدولة كان قبائل مصموده التي سكنت ما وراء الأطلس الصحراوي ، وأن عبد المؤمن كان من أهل المغرب الأوسط
ان الانجازات التي حققها عبد المؤمن كبيرة للغاية ، وأهم ما يثير الانتباه فيها سيطرة الجانب العلمي والعقلاني على خططها وأعمال تنفيذها من رمسج داً فحين احتل عبد المومن مدينة مراكش بني فيها قصراً وجامعا بجواره ، ولما أكمل عبد المؤمن بناءه صنع فيه نفقين ، يدخل من القصر اليهما ، ومنهما الى الجامع ، لا يطلع عليه أحد ، ونقل اليه منبراً عظيما كان قد صنع في الأندلس في غاية الاتقان قطعاته عود وصندل أحمر وأصفر ، وصفاتحه من الذهب والفضة ، وصنع مقصورة من الخشب لها سنة أضلاع، تتسع لأكثر من ألف رجل ، وكان المتولي لصنعة خروجها رجل من أهل مالقه يقال له الحاج بعيش .
هذا وشهد عصر عبد المؤمن حركة معمارية كبيرة ، كما أن الجانب التقني الميكانيكي خطا خطوات رائعة ، فقد أبدع المهندسون العرب في أيامه عدداً كبيراً الآلات ذاتية الحركة .
وكيفية هذه المقصورة أنها وضعت على حركات هندسية ، ترفع بها لخروجه وتخفض لدخوله، وذلك أنه صنع على يمين المحراب باب داخله دار فيها حركات المقصورة والمنبر، وكان دخول عبد المؤمن وخروجه منها ، فكان اذا قرب وقت الرواح الى الجامع يوم الجمعة ، دارت الحركات بعد رفع البسط عن موضع المقصورة ، فتطلع زمان واحد ، لا يفوت بعضه بعضاً بدقيقة ، وكان باب المنبر مسدوداً ، فإذا قام الخطيب ليطلع عليه انفتح الباب وخرج المنبر دفعة واحدة بحركة واحدة ، ولا يسمع له حس ، ولايرى تدبيره . الأضلاع به في
وكان الجانب الاقتصادي والزراعي نامياً لدى عبد المؤمن أيضاً ، ويذكر أحد معاصريه واحداً من مشاريعه فيقول : ( وان الخليفة عبد المؤمن غرس خارج مراكش بستاناً طوله ثلاثة أميال وعرضه قريب منه فيها كل فاكهة تشتهيها الأنفس ، وجلب اليه الماء من أغمات ، واستنبط عيونا كثيرة ) .
إذا كان المهدي بن تومرت المؤسس العقائدي لحركة الموحدين في المغرب فإن عبد المؤمن بن علي هو الذي بني دولة الموحدين وأقام صرحها السياسي وغير السياسي. وقد ولد عبد المؤمن في أواخــــــر القرن الخامس للهجرة في قرية (تاجرا) من إقليم تلمسان في الجزائر حالياً ، ويبدو أنه فقد أباه في طفولته ، فعني به عمه وقرر حمله إلى المشرق لطلب العلم ، وفي طريق الرحلة ، لقي عبد المؤمن المهدي ابن تومرت ، فالتحق به وصار أول أعوانه وأعلاهم مكانة لديه ، وقد أحبه المهدي ووثق به وكان يقول : ( لا يقوم الأمر الذي فيه حياة الدين إلا بعبد المؤمن بن علي سراج الموحدين ) . ولما توفي المهدي سنة أربع وعشرين وخمسمائة ، قدمه أصحاب المهدي وبايعوه إماماً، ومنحوه لقب خليفة ونادوه بأمير المؤمنين ، أنه رغم لم يكن قرشي النسب ، لكن بسبب خلافته للمهدي . ولما ولي عبد المؤمن الأمر استطاع أن يدخل دولة مراكش ويزيل دولة المرابطين من الوجود ، وبعد ذلك استولى على مدن المغرب الأقصى واحدة تلو الأخرى ، ثم احتل بلدان المغرب الأوسط وقصد مدينة المهدية فحررها من احتلال النورمانديين لها كما احتل مدن تونس الأخرى وبذلك وحد عبد المؤمن بلدان المغرب العربي تحت راية واحدة ، ثم التفت بعدها إلى شؤون الأندلس فأمن لها الحماية الكافية والرعاية والمنعة وبعدما تحقق لعبد المؤمن من الانتصارات العسكرية والسياسية رأى أن دولته العقائدية لن يكتب لها البقاء والنجاح في تطبيق برامجها ، إذا ما أديرت من قبل زعماء القبائل من مصموده وسواهم لهذا قرر ايجاد جهاز عقائدي يتولى أمور الحكم والإدارة ، فقام يجمع نحو ثلاثة آلاف من طبقة الحفاظ وهي الطبقة الخامسة في سلم تنظيمات المهدي لأتباعه ، فأدخلهم قصره وأمر بتلقينهم كتب المهدي بن تومرت وخاصة كتابي ) الموطأ وأعز ما يطلب ( ثم صار يأخذهم ( يوما بتعليم الركوب ، ويوماً بالرمي بالقوس ، ويوماً بالحوم في بحيرة صنعها خارج بستانه ، مربعة طول تربيعها نحو ثلاثمائة باع ، ويوماً يأخذهم بأن يحذفوا على قوارب وزوارق صنعها لهم في تلك البحيرة ، فتأدبوا بهذا الأدب ، تارة بالعطاء، وتارة بالأدب ، وكانت نفقتهم وسائر مؤنتهم من عنده ، وخيلهم وعدتهم كذلك ، ولما كمل له هذا المراد فيهم عزل بهم أشياخ المصامدة عن ولاية الأعمال والرئاسة ، وقال : العلماء أولى منكم فسلموا لهم ، وأبقاهم معهم في المشورة ) .
لقد كانت تجربة عبد المؤمن هذه تجربة رائدة ، لاشك أن أثرها كان كبيراً ساعد على استمرار دولة الموحدين ، وممثل إدارتها لعبد المؤمن وآله من بعده، متذكرين أن قوام هذه الدولة كان قبائل مصموده التي سكنت ما وراء الأطلس الصحراوي ، وأن عبد المؤمن كان من أهل المغرب الأوسط
ان الانجازات التي حققها عبد المؤمن كبيرة للغاية ، وأهم ما يثير الانتباه فيها سيطرة الجانب العلمي والعقلاني على خططها وأعمال تنفيذها من رمسج داً فحين احتل عبد المومن مدينة مراكش بني فيها قصراً وجامعا بجواره ، ولما أكمل عبد المؤمن بناءه صنع فيه نفقين ، يدخل من القصر اليهما ، ومنهما الى الجامع ، لا يطلع عليه أحد ، ونقل اليه منبراً عظيما كان قد صنع في الأندلس في غاية الاتقان قطعاته عود وصندل أحمر وأصفر ، وصفاتحه من الذهب والفضة ، وصنع مقصورة من الخشب لها سنة أضلاع، تتسع لأكثر من ألف رجل ، وكان المتولي لصنعة خروجها رجل من أهل مالقه يقال له الحاج بعيش .
هذا وشهد عصر عبد المؤمن حركة معمارية كبيرة ، كما أن الجانب التقني الميكانيكي خطا خطوات رائعة ، فقد أبدع المهندسون العرب في أيامه عدداً كبيراً الآلات ذاتية الحركة .
وكيفية هذه المقصورة أنها وضعت على حركات هندسية ، ترفع بها لخروجه وتخفض لدخوله، وذلك أنه صنع على يمين المحراب باب داخله دار فيها حركات المقصورة والمنبر، وكان دخول عبد المؤمن وخروجه منها ، فكان اذا قرب وقت الرواح الى الجامع يوم الجمعة ، دارت الحركات بعد رفع البسط عن موضع المقصورة ، فتطلع زمان واحد ، لا يفوت بعضه بعضاً بدقيقة ، وكان باب المنبر مسدوداً ، فإذا قام الخطيب ليطلع عليه انفتح الباب وخرج المنبر دفعة واحدة بحركة واحدة ، ولا يسمع له حس ، ولايرى تدبيره . الأضلاع به في
وكان الجانب الاقتصادي والزراعي نامياً لدى عبد المؤمن أيضاً ، ويذكر أحد معاصريه واحداً من مشاريعه فيقول : ( وان الخليفة عبد المؤمن غرس خارج مراكش بستاناً طوله ثلاثة أميال وعرضه قريب منه فيها كل فاكهة تشتهيها الأنفس ، وجلب اليه الماء من أغمات ، واستنبط عيونا كثيرة ) .
تعليق