يوفيناليس (دسيموس يونيوس)
Iuvenalis (Decimus Iunius-) - Iuvenalis (Decimus Iunius-)
يوڤيناليس (دِسيموس يونيوس ـ)
(نحو 55 ـ نحو 127م)
يُعدُّ دِسيموس يونيوس يوڤيناليس Decimus Iunius Iuvenalis - المعروف باسم جوڤينال Juvenal في بعض اللغات الأوربية ـ أبلغ شاعر هجاءٍ في تاريخ الأدب الروماني[ر] القديم؛ وقد صارت بعض أبياته أقوالاً سائرة وأمثالاً شعبية متداولة حتى اليوم. لا يُعرف من تفاصيل حياته سوى القليل. ولم يذكره من معاصريه سوى الشاعر الهجَّاء ماركوس ڤاليريوس مارتياليس Martialis أو مارتيال (40ـ102م) الذي عدّه صديقه، ورأى فيه شاعراً فصيحاً بليغاً، يعيش حياة إنسان فقير معتمداً على أعطيات الأثرياء.
ثمة بعض السِيَر عن حياة يوڤيناليس، لكنها وُضِعت بعد وفاته بسنوات؛ ولذا فهي تتضمن أحياناً بعض الحقائق، وكثيراً من المبالغات التي يصعب تصديقها غالباً. ومع ذلك يمكن استنتاج أنه سليل أسرة موسرة، صار ضابطاً في الجيش تمهيداً لشق طريقه في السلك الإداري للامبراطور الطاغية دوميتيانوس[ر. دوميسيان] Domitianus، لكنه أخفق في جمع الترشيحات الكافية لترفيعه، فنظم أهجية كشف فيها دور حاشية البلاط في ترشيحات الضباط، مما أدى إلى نفيه إلى أسوان في مصر، وإلى مصادرة أملاكه. وعلى أثر اغتيال دوميتيانوس عاد يوڤيناليس إلى روما مجرداً من رتبته وراتبه، خاضعاً لنزوات رجال روما الأثرياء ولحظات كرمهم. ومن بعض أشعاره التي تنطوي على إشارات تتعلق بالسيرة الذاتية يمكن استنتاج أن وضعه قد تحسن بعد بضع سنوات، فاقتنى منزلاً ومزرعة في تيبور (تيڤولي Tivoli حالياً) مع قطيع مواشٍ وخدم وعبيد، لكنه بقي متشائماً تجاه جدوى الحياة. وعلى الرغم من ذلك فإن بعض أشعاره المتأخرة تحمل نسمة إنسانية متفائلة، وكأنه قد وجد في سنواته الأخيرة بعض السلوان. أما فيما يخص وفاته فإن المراجع لا تقدم أي تفاصيل.
صدرت قصائد يوڤيناليس الهجائية بعنوان «خمسة كتبِ هجائيات» Saturarum libri V بين عامي (100ـ 127م) وهي تتضمن ست عشرة قصيدة مختلفة الطول بالوزن السداسي Hexameter. وعلى الرغم من أن الشاعر قد نظم قصائده في عهد القيصر ترايانوس Traianus [ر. تراجان] والقيصر هَدْريانوس Hadrianus [ر. هادريان]، فإن موضوعاتها تتعلق بعهد الرعب والاستبداد في ظل دوميتيانوس. يمكن أن يكون هذا الإسقاط على الماضي القريب هروباً من مواجهة شخصيات عصره بصراحته الفظة اللافتة، أو أنه لم تتح له فرصة التعبير عن استيائه وغضبه إلا في العهد الجديد، مثل معاصره المؤرخ تاكيتوس[ر] Tacitus، أو لأنه لم يمتلك أسلوب معاصره الآخر مارتياليس الذي اتسم بالتورية الذكية والسخرية اللئيمة. أما أسلوب يوڤيناليس في نقد عصره فقد كان مباشراً وأخلاقياً صادماً، وفاضحاً بقسوة عند تناوله مظاهر الفساد.
تتمحور هجائيات الكتب الخمسة جميعها حول موضوعات رذائل مرحلة حكم دوميتيانوس وبذاءاته وجرائمه والفساد الذي طال الشعب بجميع طبقاته ولاسيما «الأرستقراطية» والبلاط؛ ونادراً ما عالج الشاعر فيها أموراً أخرى مثل شح ما يُدفع للمثقفين والأدباء لقاء أعمالهم (في القصيدة السابعة)، أو شيخوخة محتالي مدينة روما (في القصيدة التاسعة)، أو أكلة لحوم البشر في ولاية مصر (في القصيدة الخامسة عشرة)، أو رذائل الزوجات وعيوبهن (القصيدة السادسة الشهيرة بعنوان «هجائية النساء» التي شغلت الكتاب الثاني كاملاً وبلغ طولها 660 بيتاً)، أو الشذوذ الجنسي (في القصيدتين الثانية والتاسعة).
ثمة إيقاع عالٍ بوتيرة واحدة يسود الهجائيات كافة، سواء كان الموضوع مهماً وخطيراً أم ثانوياً وعادياً. وعلى الرغم من ذلك يرى يوڤيناليس أنه ينتمي إلى تقاليد شعر الهجاء[ر] التي تمتد إلى لوكيليوس[ر] وهوراسيوس[ر]. لكن النقد يرى أن شعره لا ينتمي إلى الطابع الفكاهي في هجاء هذين، وإنما إلى الهجاء العدائي الذي يميز شعر أرخيلوخوس Archilochos معاصر أسخيلوس[ر]، أو بعض قصائد هوراسيوس ذات الوزن اليامبي iambic، ومن ثم فهو أقرب في أسلوبه إلى كاتولّوس[ر] Catullus.
كثيراً ما تلوح في تضاعيف هجائياته سمات مستمدة من الفلسفة الرواقية[ر] ولاسيما منها موقفه العدائي تجاه النساء والشذوذ الجنسي المخالف لسنَّة الطبيعة. ويعد أسلوبه من حيث الصنعة الشعرية بارعاً وأنيقاً، واضحاً ومؤثراً في اختيار المفردات وصياغة الجمل والعبارات الفطِنة السهلة الحفظ وكأنها أمثال شعبية، مثل: «يعظ بشرب الماء ويعاقر الخمرة»، أو «والحراس من سيحرسهم؟».
بعد أن نُسي يوڤيناليس مدة من الزمن أحياه في مطلع القرن الثالث الداعية المسيحي ترتوليانوس Tertullianus ت(160ـ225م) الذي وجد في هجائياته متنفساً لسخطه على مثالب عصره. لكن من أفاد منه وروَّج له في الوقت نفسه هو الشاعر الأخلاقي المسيحي البيزنطي زيلوت Zelot ت(ق 9ـ10م)، ومنذ عصر النهضة[ر] امتد تأثيره إلى بوكاتشو[ر] وبايرون[ر] وهاينه[ر].
نبيل الحفار
Iuvenalis (Decimus Iunius-) - Iuvenalis (Decimus Iunius-)
يوڤيناليس (دِسيموس يونيوس ـ)
(نحو 55 ـ نحو 127م)
يُعدُّ دِسيموس يونيوس يوڤيناليس Decimus Iunius Iuvenalis - المعروف باسم جوڤينال Juvenal في بعض اللغات الأوربية ـ أبلغ شاعر هجاءٍ في تاريخ الأدب الروماني[ر] القديم؛ وقد صارت بعض أبياته أقوالاً سائرة وأمثالاً شعبية متداولة حتى اليوم. لا يُعرف من تفاصيل حياته سوى القليل. ولم يذكره من معاصريه سوى الشاعر الهجَّاء ماركوس ڤاليريوس مارتياليس Martialis أو مارتيال (40ـ102م) الذي عدّه صديقه، ورأى فيه شاعراً فصيحاً بليغاً، يعيش حياة إنسان فقير معتمداً على أعطيات الأثرياء.
صدرت قصائد يوڤيناليس الهجائية بعنوان «خمسة كتبِ هجائيات» Saturarum libri V بين عامي (100ـ 127م) وهي تتضمن ست عشرة قصيدة مختلفة الطول بالوزن السداسي Hexameter. وعلى الرغم من أن الشاعر قد نظم قصائده في عهد القيصر ترايانوس Traianus [ر. تراجان] والقيصر هَدْريانوس Hadrianus [ر. هادريان]، فإن موضوعاتها تتعلق بعهد الرعب والاستبداد في ظل دوميتيانوس. يمكن أن يكون هذا الإسقاط على الماضي القريب هروباً من مواجهة شخصيات عصره بصراحته الفظة اللافتة، أو أنه لم تتح له فرصة التعبير عن استيائه وغضبه إلا في العهد الجديد، مثل معاصره المؤرخ تاكيتوس[ر] Tacitus، أو لأنه لم يمتلك أسلوب معاصره الآخر مارتياليس الذي اتسم بالتورية الذكية والسخرية اللئيمة. أما أسلوب يوڤيناليس في نقد عصره فقد كان مباشراً وأخلاقياً صادماً، وفاضحاً بقسوة عند تناوله مظاهر الفساد.
تتمحور هجائيات الكتب الخمسة جميعها حول موضوعات رذائل مرحلة حكم دوميتيانوس وبذاءاته وجرائمه والفساد الذي طال الشعب بجميع طبقاته ولاسيما «الأرستقراطية» والبلاط؛ ونادراً ما عالج الشاعر فيها أموراً أخرى مثل شح ما يُدفع للمثقفين والأدباء لقاء أعمالهم (في القصيدة السابعة)، أو شيخوخة محتالي مدينة روما (في القصيدة التاسعة)، أو أكلة لحوم البشر في ولاية مصر (في القصيدة الخامسة عشرة)، أو رذائل الزوجات وعيوبهن (القصيدة السادسة الشهيرة بعنوان «هجائية النساء» التي شغلت الكتاب الثاني كاملاً وبلغ طولها 660 بيتاً)، أو الشذوذ الجنسي (في القصيدتين الثانية والتاسعة).
ثمة إيقاع عالٍ بوتيرة واحدة يسود الهجائيات كافة، سواء كان الموضوع مهماً وخطيراً أم ثانوياً وعادياً. وعلى الرغم من ذلك يرى يوڤيناليس أنه ينتمي إلى تقاليد شعر الهجاء[ر] التي تمتد إلى لوكيليوس[ر] وهوراسيوس[ر]. لكن النقد يرى أن شعره لا ينتمي إلى الطابع الفكاهي في هجاء هذين، وإنما إلى الهجاء العدائي الذي يميز شعر أرخيلوخوس Archilochos معاصر أسخيلوس[ر]، أو بعض قصائد هوراسيوس ذات الوزن اليامبي iambic، ومن ثم فهو أقرب في أسلوبه إلى كاتولّوس[ر] Catullus.
كثيراً ما تلوح في تضاعيف هجائياته سمات مستمدة من الفلسفة الرواقية[ر] ولاسيما منها موقفه العدائي تجاه النساء والشذوذ الجنسي المخالف لسنَّة الطبيعة. ويعد أسلوبه من حيث الصنعة الشعرية بارعاً وأنيقاً، واضحاً ومؤثراً في اختيار المفردات وصياغة الجمل والعبارات الفطِنة السهلة الحفظ وكأنها أمثال شعبية، مثل: «يعظ بشرب الماء ويعاقر الخمرة»، أو «والحراس من سيحرسهم؟».
بعد أن نُسي يوڤيناليس مدة من الزمن أحياه في مطلع القرن الثالث الداعية المسيحي ترتوليانوس Tertullianus ت(160ـ225م) الذي وجد في هجائياته متنفساً لسخطه على مثالب عصره. لكن من أفاد منه وروَّج له في الوقت نفسه هو الشاعر الأخلاقي المسيحي البيزنطي زيلوت Zelot ت(ق 9ـ10م)، ومنذ عصر النهضة[ر] امتد تأثيره إلى بوكاتشو[ر] وبايرون[ر] وهاينه[ر].
نبيل الحفار