ابو عمران الفاسي
[ ٣٦٥ - ٤٣١ ٥ ]
يظهر البحث في تاريخ الاسلام ، ان قضايا هذا التاريخ تفاعلت وتشابكت ، فالواقعة التي حدثت مثلاً في المغرب ، قد نجد أسبابها المباشرة في بلد وغير المباشرة في بلد آخر ، ولنأخذ على سبيل المثال تاريخ قيام الخلافة الفاطمية ، حيث نحمد أنه مرتبط بالديلم ، والعراق ، والشام ، واليمن ، وافريقية ، ومصر ، ولذلك فمن العبث البحث في أي قضية دون أخذ هذا الأمر بالاعتبار .
وتنطبق هذه القاعدة على حوادث قيام حركة المرابطين في قلب الصحراء الافريقية، ثم تأسيس دولتهم في المغرب الأقصى ، فالبحث في تاريخ المرابطين ترتبط بداياته بحوادث الاستفاقة السنية في القرن الخامس - أو قبيل ذلك - فتمد قامت الاستفاقة أولاً في الشرق الاسلامي ثم نقلت إلى بلدان المغرب ، ومدهش أن نجد هذه الاستفاقة قد توافقت مع هجرة البداة التركمان وتأسيس السلطنة السلجوقية في المشرق ، وكان
من جملة نتائجها في المغرب قيام حركة المرابطين وتأسيس دولتهم . في الحقيقة ماتزال قضية تأسيس دولة المرابطين في أوائل القرن الخامس للهجرة ، حدثاً يحتاج إلى مزيد من البحث العميق ، فعلى الرغم من الدور التاريخي المشرق الذي شغله المرابطون في الغرب الاسلامي
ورغم توافر عدد من المؤرخين الذين دونوا أخبار أحداث هذا الدور ، فإن ما آلت إليه نهاية المرابطين ، بقيام دولة الموحدين ، قد أدى إلى طمس آثار المرابطين ، وأخبارهم طمساً كاد أن يكون كاملاً . ورغم هذا لا يفقد الباحث الأمل ، فبين يوم وآخر يكتشف أثر مرابطي مباشر ، أو غير مباشر ينقل عن أحد الآثار المحجوبة عنــا ، وبذلك تتضح الصورة أكثر فأكثر ، وعلى كل حال حين تتحدث المصادر عن قيام حركة المرابطين نراها تجمع على ربط بداية تاريخ هذه الحركة بعلم كبير من أعلام القرن الخامس ، وهو أبو عمران الغفجومي الشهير الفاسي ولد أبو عمران في مدينة فاس في حوالي سنة ٣٦٥هـ وفيها نشأ ، وتلقى علومه الاسلامية الأولى ، ومنها رحل إلى قرطبة ، كما رحل إلى القيروان ، ومنها مضى إلى الشرق حاجاً وطالباً لمزيد من العلم فقد وجد في بغداد سنة ٣٩٩هـ وقرأ على أبي بكر الباقلاني ، الذي اثنى على تبحره في مذهب الامام مالك ، وبعد هذا عاد إلى مسقط رأسه ، يحمل بين جنباته العلم ، وروح اليقظة الجديدة ، وفي فاس أقبل عليه التلاميذ والمريدون فذاع صيته وانتشرت شهرته ، وعم تأثيره . وكانت فاس وبلدان المغرب الأقصى تعيش آنئذ حالة من الفوضى الساسة وتستعد للانتقال إلى حال جديد ، فالعصر الذي نشأ فيه الفاسي شهد نهايات الصراع على المغرب الأقصى بين قرطبة الأموية العامرية والمهدية الفاطمية وكان هذا الصراع سياسياً ، واقتصادياً ومذهبياً عقائدياً فأهل الأندلس كانوا مالكية ، بينما قامت الدولة الفاطمية على أساس العقيدة الاسماعيلية ، وتورط في هذا الصراع بقايا الأدارسة مع عدد من القبائل والقوى البريرية وسواها ، ولاشك أن آثار هذا
سعی ثم إن انحسار هذا الصراع بزوال الحكم العامري ، في قرطبة ، وبانتقال الفاطميين إلى مصر ، قد خلف في بلدان المغرب فراغاً إلى ملئه عدد من القوى القبلية ، التي دخلت بدورها في صراعات ، سببت المزيد من الفوضى مع شلل للحياة الاقتصادية ودمار ، واستغلال وحيف واستبداد ، ولاشك أن هذا الحال أثار أهل فاس ودفع العلماء للعمل على الخلاص منه وكان أحرى أهل فاس بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، أبو عمران الفاسي ، لما اتسمت به شخصيته ، والروح التي جاء بها من المشرق ، وأخذ الفاسي يأمر بالعدل والمعروف وينهي عن الفحشاء والمنكر ، وقد حرك نشاطه هذا الناس في فاس ، وقاده إلى الصدام السلطات هناك ، فأخرج من فاس ، فاضطر إلى التوجه إلى القيروان . وكانت القيروان في ظل حكم المعز بن باديس (٤٠٦ - ٤٥٣) تعيش آنئذ صراعاً عنيفاً بين المالكية المستيقظة تدعمها الحنيفية والاسماعيلية المتراجعة ، ويبدو أن الفاسي حظي في القيروان بمنزلة عالية ، وأنه سافر منها من جديد إلى الشرق ، حيث عاش المراحل العظمى التي كانت قد قطعتها السنة في يقظتها ، كما شهد في مصر مدى ما ألم بالدعوة الاسماعيلية والخلافة الفاطمية من ضعف وانقسام وتراجع ، وجمود فكري . ومجدداً عاد الفاسي إلى القيروان ، حيث آلت إليه زعامة المالكية وأقبل عليه التلاميذ من كل حدب وصوب، ولربما التحق به بعض تلامذته مع
الصراع قد تغلغلت في مناطق المغرب الأقصى ، ووصلت إلى قلب الصحراء حيث وجدت قبائل لمتونه وغيرها .
الذين قرأوا عليه في فاس وفي القيروان أيضاً نال الفاسي المكانة السامية ، . حق أن المعز بن
[ ٣٦٥ - ٤٣١ ٥ ]
يظهر البحث في تاريخ الاسلام ، ان قضايا هذا التاريخ تفاعلت وتشابكت ، فالواقعة التي حدثت مثلاً في المغرب ، قد نجد أسبابها المباشرة في بلد وغير المباشرة في بلد آخر ، ولنأخذ على سبيل المثال تاريخ قيام الخلافة الفاطمية ، حيث نحمد أنه مرتبط بالديلم ، والعراق ، والشام ، واليمن ، وافريقية ، ومصر ، ولذلك فمن العبث البحث في أي قضية دون أخذ هذا الأمر بالاعتبار .
وتنطبق هذه القاعدة على حوادث قيام حركة المرابطين في قلب الصحراء الافريقية، ثم تأسيس دولتهم في المغرب الأقصى ، فالبحث في تاريخ المرابطين ترتبط بداياته بحوادث الاستفاقة السنية في القرن الخامس - أو قبيل ذلك - فتمد قامت الاستفاقة أولاً في الشرق الاسلامي ثم نقلت إلى بلدان المغرب ، ومدهش أن نجد هذه الاستفاقة قد توافقت مع هجرة البداة التركمان وتأسيس السلطنة السلجوقية في المشرق ، وكان
من جملة نتائجها في المغرب قيام حركة المرابطين وتأسيس دولتهم . في الحقيقة ماتزال قضية تأسيس دولة المرابطين في أوائل القرن الخامس للهجرة ، حدثاً يحتاج إلى مزيد من البحث العميق ، فعلى الرغم من الدور التاريخي المشرق الذي شغله المرابطون في الغرب الاسلامي
ورغم توافر عدد من المؤرخين الذين دونوا أخبار أحداث هذا الدور ، فإن ما آلت إليه نهاية المرابطين ، بقيام دولة الموحدين ، قد أدى إلى طمس آثار المرابطين ، وأخبارهم طمساً كاد أن يكون كاملاً . ورغم هذا لا يفقد الباحث الأمل ، فبين يوم وآخر يكتشف أثر مرابطي مباشر ، أو غير مباشر ينقل عن أحد الآثار المحجوبة عنــا ، وبذلك تتضح الصورة أكثر فأكثر ، وعلى كل حال حين تتحدث المصادر عن قيام حركة المرابطين نراها تجمع على ربط بداية تاريخ هذه الحركة بعلم كبير من أعلام القرن الخامس ، وهو أبو عمران الغفجومي الشهير الفاسي ولد أبو عمران في مدينة فاس في حوالي سنة ٣٦٥هـ وفيها نشأ ، وتلقى علومه الاسلامية الأولى ، ومنها رحل إلى قرطبة ، كما رحل إلى القيروان ، ومنها مضى إلى الشرق حاجاً وطالباً لمزيد من العلم فقد وجد في بغداد سنة ٣٩٩هـ وقرأ على أبي بكر الباقلاني ، الذي اثنى على تبحره في مذهب الامام مالك ، وبعد هذا عاد إلى مسقط رأسه ، يحمل بين جنباته العلم ، وروح اليقظة الجديدة ، وفي فاس أقبل عليه التلاميذ والمريدون فذاع صيته وانتشرت شهرته ، وعم تأثيره . وكانت فاس وبلدان المغرب الأقصى تعيش آنئذ حالة من الفوضى الساسة وتستعد للانتقال إلى حال جديد ، فالعصر الذي نشأ فيه الفاسي شهد نهايات الصراع على المغرب الأقصى بين قرطبة الأموية العامرية والمهدية الفاطمية وكان هذا الصراع سياسياً ، واقتصادياً ومذهبياً عقائدياً فأهل الأندلس كانوا مالكية ، بينما قامت الدولة الفاطمية على أساس العقيدة الاسماعيلية ، وتورط في هذا الصراع بقايا الأدارسة مع عدد من القبائل والقوى البريرية وسواها ، ولاشك أن آثار هذا
سعی ثم إن انحسار هذا الصراع بزوال الحكم العامري ، في قرطبة ، وبانتقال الفاطميين إلى مصر ، قد خلف في بلدان المغرب فراغاً إلى ملئه عدد من القوى القبلية ، التي دخلت بدورها في صراعات ، سببت المزيد من الفوضى مع شلل للحياة الاقتصادية ودمار ، واستغلال وحيف واستبداد ، ولاشك أن هذا الحال أثار أهل فاس ودفع العلماء للعمل على الخلاص منه وكان أحرى أهل فاس بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، أبو عمران الفاسي ، لما اتسمت به شخصيته ، والروح التي جاء بها من المشرق ، وأخذ الفاسي يأمر بالعدل والمعروف وينهي عن الفحشاء والمنكر ، وقد حرك نشاطه هذا الناس في فاس ، وقاده إلى الصدام السلطات هناك ، فأخرج من فاس ، فاضطر إلى التوجه إلى القيروان . وكانت القيروان في ظل حكم المعز بن باديس (٤٠٦ - ٤٥٣) تعيش آنئذ صراعاً عنيفاً بين المالكية المستيقظة تدعمها الحنيفية والاسماعيلية المتراجعة ، ويبدو أن الفاسي حظي في القيروان بمنزلة عالية ، وأنه سافر منها من جديد إلى الشرق ، حيث عاش المراحل العظمى التي كانت قد قطعتها السنة في يقظتها ، كما شهد في مصر مدى ما ألم بالدعوة الاسماعيلية والخلافة الفاطمية من ضعف وانقسام وتراجع ، وجمود فكري . ومجدداً عاد الفاسي إلى القيروان ، حيث آلت إليه زعامة المالكية وأقبل عليه التلاميذ من كل حدب وصوب، ولربما التحق به بعض تلامذته مع
الصراع قد تغلغلت في مناطق المغرب الأقصى ، ووصلت إلى قلب الصحراء حيث وجدت قبائل لمتونه وغيرها .
الذين قرأوا عليه في فاس وفي القيروان أيضاً نال الفاسي المكانة السامية ، . حق أن المعز بن
تعليق