نظام الملك
[ ٤٠٨ - ٤٨٥ ه ]
أحد أفراد الدنيا في سنة ٤٥١ ٥ / ١٠٥٩ ، دخل السلطان السلجوقي طغرلبك مدينة بغداد للمرة الثانية ، وبذلك تسنى له إرساء قواعد الامبراطورية السلجوقية وقد نجم عن ذلك نتائج على غاية من الخطورة ، فقد طويت الآن صفحة من تاريخ العرب والإسلام، ونشرت واحدة جديدة لها مزاياها الجديدة فكريا وحضارياً ، فقبل قيام دولة السلاجقة كان العالم الإسلامي يدين معظمه إما بإحدى عقائد الفرق ، أو كان يخضع لحكم أو نفوذ إحدى الدول الخارجة على الخلافة العباسية ، وكان دخول طغرليك إلى بغداد انحساراً للمدة المعادي للعباسين ، وبداية حاسمة للعودة إلى عقيدة مدارس الفقه الأربعة ، ثم انتصاراً لها ولا تكمن القضية في أمر انتصار هذه العقيدة على خصومها وإنما في الطرائق التي استخدمت ، ومكنت هذا الانتصار من
وأمر الصراع بين الفرق والمذاهب في التاريخ الإسلامي ليس جديداً ، وقيام الثورات المعارضة والقضاء عليها أمر مألوف في التاريخ الإسلامي ، والجديد الآن هو نوع الملاحقة المستمرة التي لقيتها الحركات المعارضة منذ الآن فحولتها من حركات ذات أهداف توسعية ، وبرامج
، هي ذات نظرة شاملة ، إلى طوائف همها المحافظة على ما لديها من مكاسب ، وغدت الأفكار والعقائد التي كانت جزئاً من برامج للنشر على الناس قاطبة ، عبارة عن أشياء محاطة بأطواق من السرية المميتة ، ولعل ما حل بالخلافة الفاطمية وعقيدتها فيما بعد كاف للتدليل على هذا ، فلقد قامت حركة جديدة بين الفاطميين ، أسسها حسن الصباح ، الذي اتخذ من قلعة الموت مركزاً له ، ولقد تبنت عقيدته الاغتيال السياسي طقوسياً بواسطة المدية ، وعملية الاغتيال السياسي هي وسيلة دفاعية لا تلجأ إليها الحركات ذات الأهداف الثورية التوسعيه ، وكل حركة ذات طابع دفاعي حركة منكمشة تزول بزوال خط الدفاع وتحطيمه وفي الماضي أنتج الصراع بين الفرق والمذاهب نتاجاً ثقافياً له قيمة حضارية كبيرة ، لكن الآن تخلى السلاجقة عن قرع الحجة بالحجة ، واتخذوا السيف ، فلقد كان السلاجقة ، بداة متعصبون للإسلام ، وكان لهم طرقهم الخاصة الدفاع عن الدين ، ولجلب الناس إلى حظيرتهم ، وقد أرفقوا العنف بإقامة المدرسة النظامية في بغداد ، وكان لهذه المدرسة فروعها في أغلب حواضر الامبراطورية السلجوقية ، وارتبطت هذه المدرسة بالدولة ووجهت من قبلها ، وقامت بتخريخ علماء بثوا أفكارها ونشروها ، وطبيعي أن هذا كان شيئاً جديداً وخطيراً بالنسبة لمدراس الفقه الإسلامي ، فلأول مرة ربطت هذه المدارس بالدولة وخضعت لسياستها العامة ، وكانت هذه الدولة أو توقراطية عسكرية ، اعتمدت نظام الإقطاع العسكري ، والآن بهذا العمل أبدعت الاقطاع الديني ، ذلك أن هذه المدارس بعد ما حققت النصر في القرن الخامس الهجري ، أغلقت باب الاجتهاد، وألقت زمامها إلى أمر اختصت بالعمل الديني إن المسؤول الأول عن إحداث هذا النظام ، هو نظام الملك ، الحسن
ابن علي الطوسي ، وقد ولد في منقطة طوس مشهد الحالية في ايران سنة ٤٠٨ هـ ، وكان والده من الدهاقين وأرباب الضياع ، وقد اعتنى أبوه به ، فنال معرفة العربية بالاضافة إلى الايرانية ، وفي مطلع حياته تأثر برجال الصوفية كثيراً ، والتحق بالادارة الغزنوية ، وبعد ما سيطر السلاجقة على خراسان ، آل به الحال إلى خدمة بعض ضباط التركمان ، تم قدم إلى الأمير ألب أرسلان فارتبط به ، وصار المدبر لأمره وبعد وفاة طغرلبك، أول سلاطنة السلاجقة، استطاع نظام الملك استحواز عرش السلطنة لألب أرسلان، و في أيام ألب أرسلان أرسيت قواعد الامبراطورية السلجوقية ، وشرع نظام الملك في وضع قواعد إدارة هذه الامبراطورية ، فقام بتطوير نظام الاقطاع العسكري وتوضيح نظمه وقواعده ، وبفضل ذلك عاش هذا النظام واستمر طويلا حتى سقوط الدولة العثمانية ، واعتمدت عليه دول المشرق الإسلامي التي قامت بعد القرن الخامس للهجرة . وأهم من الاقطاع العسكري ، سياسة نظام الملك الدينية ، فهو وإن تأثر بالصوفية ، كان صاحب عقل مخطط بارع ، فقد اقتبس التجربة الاسماعيلية في الدعوة ، فأنشأ لمدارس الفقه الأربعة داراً لتخريج العلماء على غراردار تخريخ الدعاة في القاهرة وعرفت هذه الدار بالنظامية ، وقد التحق بالتدريس فيها كبار علماء القرن الخامس للهجرة ، وكان من جملتهم الغزالي ، وكان من بين مهام هذه المدرسة ، وشواغلها الحرب على فرق أعداء الاسلام ، وفي الحقيقة كانت هذه الحرب الشغل الشاغل لنظام الملك ذاته وكانت بعض حلقات العمل في النظامية تتم تحت إشراف نظام الملك نفسه ، وفي بعض الأحيان ، كان يحاضر بنفسه ، ذلك أنه كان صاحب ثقافة إسلامية كبيرة ، وفي الأدب الفارسي ينسب إليه تصنيف كتاب .
[ ٤٠٨ - ٤٨٥ ه ]
أحد أفراد الدنيا في سنة ٤٥١ ٥ / ١٠٥٩ ، دخل السلطان السلجوقي طغرلبك مدينة بغداد للمرة الثانية ، وبذلك تسنى له إرساء قواعد الامبراطورية السلجوقية وقد نجم عن ذلك نتائج على غاية من الخطورة ، فقد طويت الآن صفحة من تاريخ العرب والإسلام، ونشرت واحدة جديدة لها مزاياها الجديدة فكريا وحضارياً ، فقبل قيام دولة السلاجقة كان العالم الإسلامي يدين معظمه إما بإحدى عقائد الفرق ، أو كان يخضع لحكم أو نفوذ إحدى الدول الخارجة على الخلافة العباسية ، وكان دخول طغرليك إلى بغداد انحساراً للمدة المعادي للعباسين ، وبداية حاسمة للعودة إلى عقيدة مدارس الفقه الأربعة ، ثم انتصاراً لها ولا تكمن القضية في أمر انتصار هذه العقيدة على خصومها وإنما في الطرائق التي استخدمت ، ومكنت هذا الانتصار من
وأمر الصراع بين الفرق والمذاهب في التاريخ الإسلامي ليس جديداً ، وقيام الثورات المعارضة والقضاء عليها أمر مألوف في التاريخ الإسلامي ، والجديد الآن هو نوع الملاحقة المستمرة التي لقيتها الحركات المعارضة منذ الآن فحولتها من حركات ذات أهداف توسعية ، وبرامج
، هي ذات نظرة شاملة ، إلى طوائف همها المحافظة على ما لديها من مكاسب ، وغدت الأفكار والعقائد التي كانت جزئاً من برامج للنشر على الناس قاطبة ، عبارة عن أشياء محاطة بأطواق من السرية المميتة ، ولعل ما حل بالخلافة الفاطمية وعقيدتها فيما بعد كاف للتدليل على هذا ، فلقد قامت حركة جديدة بين الفاطميين ، أسسها حسن الصباح ، الذي اتخذ من قلعة الموت مركزاً له ، ولقد تبنت عقيدته الاغتيال السياسي طقوسياً بواسطة المدية ، وعملية الاغتيال السياسي هي وسيلة دفاعية لا تلجأ إليها الحركات ذات الأهداف الثورية التوسعيه ، وكل حركة ذات طابع دفاعي حركة منكمشة تزول بزوال خط الدفاع وتحطيمه وفي الماضي أنتج الصراع بين الفرق والمذاهب نتاجاً ثقافياً له قيمة حضارية كبيرة ، لكن الآن تخلى السلاجقة عن قرع الحجة بالحجة ، واتخذوا السيف ، فلقد كان السلاجقة ، بداة متعصبون للإسلام ، وكان لهم طرقهم الخاصة الدفاع عن الدين ، ولجلب الناس إلى حظيرتهم ، وقد أرفقوا العنف بإقامة المدرسة النظامية في بغداد ، وكان لهذه المدرسة فروعها في أغلب حواضر الامبراطورية السلجوقية ، وارتبطت هذه المدرسة بالدولة ووجهت من قبلها ، وقامت بتخريخ علماء بثوا أفكارها ونشروها ، وطبيعي أن هذا كان شيئاً جديداً وخطيراً بالنسبة لمدراس الفقه الإسلامي ، فلأول مرة ربطت هذه المدارس بالدولة وخضعت لسياستها العامة ، وكانت هذه الدولة أو توقراطية عسكرية ، اعتمدت نظام الإقطاع العسكري ، والآن بهذا العمل أبدعت الاقطاع الديني ، ذلك أن هذه المدارس بعد ما حققت النصر في القرن الخامس الهجري ، أغلقت باب الاجتهاد، وألقت زمامها إلى أمر اختصت بالعمل الديني إن المسؤول الأول عن إحداث هذا النظام ، هو نظام الملك ، الحسن
ابن علي الطوسي ، وقد ولد في منقطة طوس مشهد الحالية في ايران سنة ٤٠٨ هـ ، وكان والده من الدهاقين وأرباب الضياع ، وقد اعتنى أبوه به ، فنال معرفة العربية بالاضافة إلى الايرانية ، وفي مطلع حياته تأثر برجال الصوفية كثيراً ، والتحق بالادارة الغزنوية ، وبعد ما سيطر السلاجقة على خراسان ، آل به الحال إلى خدمة بعض ضباط التركمان ، تم قدم إلى الأمير ألب أرسلان فارتبط به ، وصار المدبر لأمره وبعد وفاة طغرلبك، أول سلاطنة السلاجقة، استطاع نظام الملك استحواز عرش السلطنة لألب أرسلان، و في أيام ألب أرسلان أرسيت قواعد الامبراطورية السلجوقية ، وشرع نظام الملك في وضع قواعد إدارة هذه الامبراطورية ، فقام بتطوير نظام الاقطاع العسكري وتوضيح نظمه وقواعده ، وبفضل ذلك عاش هذا النظام واستمر طويلا حتى سقوط الدولة العثمانية ، واعتمدت عليه دول المشرق الإسلامي التي قامت بعد القرن الخامس للهجرة . وأهم من الاقطاع العسكري ، سياسة نظام الملك الدينية ، فهو وإن تأثر بالصوفية ، كان صاحب عقل مخطط بارع ، فقد اقتبس التجربة الاسماعيلية في الدعوة ، فأنشأ لمدارس الفقه الأربعة داراً لتخريج العلماء على غراردار تخريخ الدعاة في القاهرة وعرفت هذه الدار بالنظامية ، وقد التحق بالتدريس فيها كبار علماء القرن الخامس للهجرة ، وكان من جملتهم الغزالي ، وكان من بين مهام هذه المدرسة ، وشواغلها الحرب على فرق أعداء الاسلام ، وفي الحقيقة كانت هذه الحرب الشغل الشاغل لنظام الملك ذاته وكانت بعض حلقات العمل في النظامية تتم تحت إشراف نظام الملك نفسه ، وفي بعض الأحيان ، كان يحاضر بنفسه ، ذلك أنه كان صاحب ثقافة إسلامية كبيرة ، وفي الأدب الفارسي ينسب إليه تصنيف كتاب .
تعليق