ديمقراطية ما قبل القول
الصحافي يؤثر في جمهوره عندما يبدو صادقا ومخلصا ومحيطا بما يتحدث عنه. وهذه سلعة نادرة. ولكنه يقصد في الغالب أن يؤثر في السياسي فذلك هو الملعب الأهم.
الثلاثاء 2020/11/03
انشرWhatsAppTwitterFacebook
البحث عن مدخل للنفاذ في ما قبل القول، لا بعده
يمكن للصحافي أن يكون محايدا، بينما لا يمكن للكاتب أن يفعل. الفكرة من وراء نقل الحدث والتعليق على موجباته وتوابعه تتطلب مقدارا كافيا من الحياد والدراية.
الصحافي لا يستطيع أن يمارس مهنته في غفلة. القيمة الحقيقية للمعلومة تضيع إذا ما كانت الصورة ناقصة. فإذا ما كان الصحافي قادرا بالفعل على أن يقدم الحقيقة، وهذا صعب، فإنه يستطيع على الأقل أن يبقى قريبا منها بالسعي وراء صورة أقل نقصا. هذا هو السبب الذي يجعله مقبولا من جانب الجمهور. فهو بما يوفره له من سياقات الحدث وخلفياته وتوابعه المحتملة، فإنه يؤدي للحقيقة خدمة يستطيع المتلقي أن يستوعبها حتى ولو لم تكن ترضيه. عند هذه النقطة يحقق الصحافي أكبر مكاسبه.
ليزا جيوكوندا لم تكن هي وحدها التي صنعت لوحة ليوناردو دافنشي الأكثر شهرة. خلفيتها المذهلة ربما فعلت أكثر ما يمكن في جعل تلك المرأة تقتحم على الناظر صفاء ملامحها.
ولكن القصة لا تتوقف عند هذا الحد. هناك الدور العام الذي غالبا ما يخرج عن أطر الحياد. هذا الدور يقتضي رؤية من نوع ما. فلسفة دون أخرى. وغالبا ما يعني ذلك موقفا مسبقا، يحرص على أن ينتهي إلى وجه من الحقيقة دون الآخر. ساعتها يتحول الصحافي إلى كاتب. فبينما يبدأ الصحافي من توازن افتراضي لجانبي الحقيقة، يبدأ الكاتب من جانبها الأكثر سطوعا بالنسبة له.
يؤثر الصحافي في جمهوره عندما يبدو صادقا ومخلصا ومحيطا بما يتحدث عنه. وهذه سلعة نادرة. ولكنه يقصد في الغالب أن يؤثر في السياسي. فذلك هو الملعب الأهم، حيث تتحول القدرة على تقديم الحقيقة إلى قرار ملموس. وهنا يكمن معظم الفشل.
يحتاج الصحافي إلى أن يتمتع بحاسة شم خارقة، لكي يتحاشى الفشل، أو ليترك تأثيرا معقولا. المتابعة اليومية، لما يتراكم من حقائق وأحداث، تلزمه على أن يستخرج منها نتائج محتملة، بلغة ناضجة. ومن دون أن يحاول فرضها كتنبؤات، ليبدو وكأنه يقرأ الأبراج، فإنه يستطيع أن يكون قوة دفع حقيقية لارتكاب الصواب بدلا من ارتكاب الخطأ، من جانب صانع القرار. ولكن هذا الأخير، بحكم مكانته وافتراضات دوره وتشويهات الاعتبارات الشخصية المتعالية، لا يستطيع أن يمتثل للصحافي. قد يرضخ لموجة صحافية ما، إلا أنه لن يرغب بأن يتلقى النصائح من صحافي، أيّا كان.
حاسة الشم، وهي صنعة من صنائع البحث والتقصي، توفر للصحافي مدخلا للنفاذ لما يرغب. إنما في ما قبل القول، لا بعده.
السياسي يصغي جيدا لما يسبق قوله. ذلك هاجس طبيعي بالنسبة له. بعضه خوف، وبعضه الآخر انتهازية، وبعضه الثالث رغبة مخلصة بالإحاطة والمعرفة. في هذه اللحظة، يمكن لديمقراطية القول أن تحقق أفضل نتائجها.
عندما يفشل الصحافي في هذه المهمة، يمكنه أن يُصبح كاتبا ناجحا.
انشرWhatsAppTwitterFacebook
علي الصراف
كاتب عراقي
الصحافي يؤثر في جمهوره عندما يبدو صادقا ومخلصا ومحيطا بما يتحدث عنه. وهذه سلعة نادرة. ولكنه يقصد في الغالب أن يؤثر في السياسي فذلك هو الملعب الأهم.
الثلاثاء 2020/11/03
انشرWhatsAppTwitterFacebook
البحث عن مدخل للنفاذ في ما قبل القول، لا بعده
يمكن للصحافي أن يكون محايدا، بينما لا يمكن للكاتب أن يفعل. الفكرة من وراء نقل الحدث والتعليق على موجباته وتوابعه تتطلب مقدارا كافيا من الحياد والدراية.
الصحافي لا يستطيع أن يمارس مهنته في غفلة. القيمة الحقيقية للمعلومة تضيع إذا ما كانت الصورة ناقصة. فإذا ما كان الصحافي قادرا بالفعل على أن يقدم الحقيقة، وهذا صعب، فإنه يستطيع على الأقل أن يبقى قريبا منها بالسعي وراء صورة أقل نقصا. هذا هو السبب الذي يجعله مقبولا من جانب الجمهور. فهو بما يوفره له من سياقات الحدث وخلفياته وتوابعه المحتملة، فإنه يؤدي للحقيقة خدمة يستطيع المتلقي أن يستوعبها حتى ولو لم تكن ترضيه. عند هذه النقطة يحقق الصحافي أكبر مكاسبه.
ليزا جيوكوندا لم تكن هي وحدها التي صنعت لوحة ليوناردو دافنشي الأكثر شهرة. خلفيتها المذهلة ربما فعلت أكثر ما يمكن في جعل تلك المرأة تقتحم على الناظر صفاء ملامحها.
ولكن القصة لا تتوقف عند هذا الحد. هناك الدور العام الذي غالبا ما يخرج عن أطر الحياد. هذا الدور يقتضي رؤية من نوع ما. فلسفة دون أخرى. وغالبا ما يعني ذلك موقفا مسبقا، يحرص على أن ينتهي إلى وجه من الحقيقة دون الآخر. ساعتها يتحول الصحافي إلى كاتب. فبينما يبدأ الصحافي من توازن افتراضي لجانبي الحقيقة، يبدأ الكاتب من جانبها الأكثر سطوعا بالنسبة له.
يؤثر الصحافي في جمهوره عندما يبدو صادقا ومخلصا ومحيطا بما يتحدث عنه. وهذه سلعة نادرة. ولكنه يقصد في الغالب أن يؤثر في السياسي. فذلك هو الملعب الأهم، حيث تتحول القدرة على تقديم الحقيقة إلى قرار ملموس. وهنا يكمن معظم الفشل.
يحتاج الصحافي إلى أن يتمتع بحاسة شم خارقة، لكي يتحاشى الفشل، أو ليترك تأثيرا معقولا. المتابعة اليومية، لما يتراكم من حقائق وأحداث، تلزمه على أن يستخرج منها نتائج محتملة، بلغة ناضجة. ومن دون أن يحاول فرضها كتنبؤات، ليبدو وكأنه يقرأ الأبراج، فإنه يستطيع أن يكون قوة دفع حقيقية لارتكاب الصواب بدلا من ارتكاب الخطأ، من جانب صانع القرار. ولكن هذا الأخير، بحكم مكانته وافتراضات دوره وتشويهات الاعتبارات الشخصية المتعالية، لا يستطيع أن يمتثل للصحافي. قد يرضخ لموجة صحافية ما، إلا أنه لن يرغب بأن يتلقى النصائح من صحافي، أيّا كان.
حاسة الشم، وهي صنعة من صنائع البحث والتقصي، توفر للصحافي مدخلا للنفاذ لما يرغب. إنما في ما قبل القول، لا بعده.
السياسي يصغي جيدا لما يسبق قوله. ذلك هاجس طبيعي بالنسبة له. بعضه خوف، وبعضه الآخر انتهازية، وبعضه الثالث رغبة مخلصة بالإحاطة والمعرفة. في هذه اللحظة، يمكن لديمقراطية القول أن تحقق أفضل نتائجها.
عندما يفشل الصحافي في هذه المهمة، يمكنه أن يُصبح كاتبا ناجحا.
انشرWhatsAppTwitterFacebook
علي الصراف
كاتب عراقي