الإمام أحمد بن حنبل
[ ١٦٤ ٥ / ٧٨١ م - ٢٤١ ٥ / ٨٥٥ م ] Лос
في تاريخ الاسلام بدأت فتوحات العراق على يد المثنى بن حارثة الشيباني وبمبادرة منه ، فالمثنى هو موجد شخصية العراق العربية الاسلامية ، وبعد فتح العراق تابعت شيبان نشاطها فأسهم أفراد منها في صنع أحداث كثيرة ، إلى أن جاء القرن الثالث للهجرة، الذي قام فيه الامام أحمد ابن حنبل الشيباني . فكان ، ثم أتباعه ، المسهم الأكبر في صنع تاريخ العراق، حتى سقوط بغداد في القرن السابع ولد أحمد بن حنبل في بغداد ، المدينة التي أقيمت مع ارساء أركان الدولة العباسية ، وأرادها العباسيون أن تتزعم العالم الاسلامي سياسياً واقتصادياً وتجارياً وعقائدياً وفكرياً. وبذلوا في هذا السبيل جهد ، حتى حققوا أكبر النجاحات فاحتكرت بغداد مقاليد الحضارة الاسلامية . فمن الملاحظ أن مذهب أبي حنيفة نشأ في الكوفة إنما انتشر من بغداد ، والاعتزال كان في البصرة أولاً ، لكن شهرته طارت من بغداد و دوره قام فيها ، والشافعي نشر مذهبه أولاً ايضاً في بغداد . وفي بغداد حدثت الصراعات الفكرية الاسلامية العظمى، خاصة قضية خلق القرآن الكريم، وعلى أرض بغداد حسمت المعركة بعد طول أمد لصالح السنة الإسلامية ، وهذا مانراه في سيرة الامام احمد بن حنبل . طاقتهم .
عن علماء بغداد ثم قام اهتم ابن حنبل بالحديث حفظاً وتدويناً ، فأخذ بعدة رحلات علمية إلى البصرة والكوفة ، والحجاز واليمن . ففي بغداد أخذ أبي يوسف صاحب أبي حنيفة ، وفي مكة التقي للمرة الأولى بالإمام الشافعي . وفي صنعاء أخذ عن عبد الرزاق بن همام صاحب المصنف . وقام الامام أحمد بتدوين الأحاديث والروايات التي سمعها ، فعصره التدوين ، وقد مكنه جمعه للسنة النبوية من نيل معارف واسعة حول الشريعة وبعدما اتصل بالشافعي تأثر بمنهجه فاستخدمه وطبقه على ما تكون لديه ، وهكذا اتجه الى الفقه ، وكان ابن حنبل قد التقى بالشافعي مجدداً في العراق فلازم حلقته . عن كان عصر
فقد ابن حنبل والده بعد ولادته بفترة وجيزة ، فقامت أمه على تربيته وقد وجهته الى العلم ، فحفظ القرآن الكريم ودرس العربية ، ثم اهتم بدراسة الحديث وتراث الصحابة والتابعين ، كما عرف سيرة النبي وتاريخ الاسلام ومنذ نعومة أظفاره ظهرت علامات النبوغ عليه ، كما اتسم بالجد والجلد والعصامية .
وكان كما سلفت الاشارة قد قام المأمون باتخاذ الاعتزال مذهباً للدولة ، وكانت مسألة خلق القرآن الكريم أهم شعارات الاعتزال، وجرى جدل كبير حول هذه القضية ، تحول إلى معارك كلامية ، وعندما استشرت هذه المعارك شعرت السلطات العباسية بالخطر والخوف من قوى المعارضة ، فعمدت الى البطش والتنكيل والإكراه بدل الاقناع العقلي ، وتورط المأمون في هذه المسألة شخصياً ، وأولاها كل اهتمامه، ولم يشغله عنها مشاغل السياسة والحرب ، ففي سنة ٢١٧ ه كان بالرقة متوجهاً نحو الأراضي البيزنطية، فكتب إلى نائبه على بغداد ليرسل سبعة من علماء بغداد ، فأشخصهم اليه ، فامتحنهم بخلق القرآن الكريم، فأجابوه بعد توقف ، فردهم الى بغداد ، وقام نائب
بغداد فجمع من كان فيها من العلماء والمحدثين فأخبرهم بما قال السبعة ، فأجاب بعض العلماء إلى ما أراد ، ورفض أحمد بن حنبل ومحمد بن نوح بإصرار ، فوجه بها الى المأمون الذي كان في طرسوس . وفي الطريق توفي ابن نوح ويقي الامام ابن حنبل وحده يسلم العذاب بلا رحمة ، فصمد صمود المؤمنين، وتوفي المأمون قبل وصول ابن حنبل اليه ، لكن سياسته لم تمت بعده أيام المعتصم ، لذلك طرح ابن حنبل في السجن ، وضرب بالسياط ، ولمدة ثمانية وعشرين شهرا لم تلن للامام ابن حنبل قناة ولم يتزحزح عن موقفه ، حتى أشرف على الهلاك ، لذا أطلق سراحه فالتحق ببيته ولازمه حتى عوفي . وعندها أخذ مجدداً يحدث ويفتي ، واقبل عليه الناس إقبالاً منقطع النظير ، وهم في غاية الاعجاب به والتقدير لشجاعته وإيمانه . ورأت الخلافة الخطر مازال قائماً ، ورأت ان اعتقال الامام ثانية سيؤدي الى ما لا يحمد عقباه. لذلك لجأ الخليفة الواثق الذي خلف المعتصم الى حظر النشاط على الامام ، كما طلب منه ترك بغداد ، واضعار الامام الى التخفي ، هكذا وبقي . حتى توفي الواثق وجاء المتوكل فانتصرت السنة بعد محنة استمرت أربع عشرة سنة . لم تكن محنة القول بخلق القرآن الكريم هي المحنة الوحيدة في حياة الامام أحمد ، ذلك انه عاش محنة الفقر والكفاف طوال حياته ، فهو كان يرفض أعطيات الحكام وصلات الخلفاء تعففاً وتديناً وزهداً ، ذلك أن الزهد كان من صفاته ، وكان زهده مشفوعاً بالاخلاص ، واخلاصه هو الذي مع
دفعه ليس فقط للصمود في أوقات المحن ، بل هو الذي تميز به أثناء عمله تلميذاً ثم إماماً من بعد . وفي مجال العمل العلمي ملك ابن حنبل حافظة قوية واعية ، وقد شهد معاصروه له بذلك ، وشهدوا له أيضاً بالهيئة وحسن العشرة ، وشدة الحياء
[ ١٦٤ ٥ / ٧٨١ م - ٢٤١ ٥ / ٨٥٥ م ] Лос
في تاريخ الاسلام بدأت فتوحات العراق على يد المثنى بن حارثة الشيباني وبمبادرة منه ، فالمثنى هو موجد شخصية العراق العربية الاسلامية ، وبعد فتح العراق تابعت شيبان نشاطها فأسهم أفراد منها في صنع أحداث كثيرة ، إلى أن جاء القرن الثالث للهجرة، الذي قام فيه الامام أحمد ابن حنبل الشيباني . فكان ، ثم أتباعه ، المسهم الأكبر في صنع تاريخ العراق، حتى سقوط بغداد في القرن السابع ولد أحمد بن حنبل في بغداد ، المدينة التي أقيمت مع ارساء أركان الدولة العباسية ، وأرادها العباسيون أن تتزعم العالم الاسلامي سياسياً واقتصادياً وتجارياً وعقائدياً وفكرياً. وبذلوا في هذا السبيل جهد ، حتى حققوا أكبر النجاحات فاحتكرت بغداد مقاليد الحضارة الاسلامية . فمن الملاحظ أن مذهب أبي حنيفة نشأ في الكوفة إنما انتشر من بغداد ، والاعتزال كان في البصرة أولاً ، لكن شهرته طارت من بغداد و دوره قام فيها ، والشافعي نشر مذهبه أولاً ايضاً في بغداد . وفي بغداد حدثت الصراعات الفكرية الاسلامية العظمى، خاصة قضية خلق القرآن الكريم، وعلى أرض بغداد حسمت المعركة بعد طول أمد لصالح السنة الإسلامية ، وهذا مانراه في سيرة الامام احمد بن حنبل . طاقتهم .
عن علماء بغداد ثم قام اهتم ابن حنبل بالحديث حفظاً وتدويناً ، فأخذ بعدة رحلات علمية إلى البصرة والكوفة ، والحجاز واليمن . ففي بغداد أخذ أبي يوسف صاحب أبي حنيفة ، وفي مكة التقي للمرة الأولى بالإمام الشافعي . وفي صنعاء أخذ عن عبد الرزاق بن همام صاحب المصنف . وقام الامام أحمد بتدوين الأحاديث والروايات التي سمعها ، فعصره التدوين ، وقد مكنه جمعه للسنة النبوية من نيل معارف واسعة حول الشريعة وبعدما اتصل بالشافعي تأثر بمنهجه فاستخدمه وطبقه على ما تكون لديه ، وهكذا اتجه الى الفقه ، وكان ابن حنبل قد التقى بالشافعي مجدداً في العراق فلازم حلقته . عن كان عصر
فقد ابن حنبل والده بعد ولادته بفترة وجيزة ، فقامت أمه على تربيته وقد وجهته الى العلم ، فحفظ القرآن الكريم ودرس العربية ، ثم اهتم بدراسة الحديث وتراث الصحابة والتابعين ، كما عرف سيرة النبي وتاريخ الاسلام ومنذ نعومة أظفاره ظهرت علامات النبوغ عليه ، كما اتسم بالجد والجلد والعصامية .
وكان كما سلفت الاشارة قد قام المأمون باتخاذ الاعتزال مذهباً للدولة ، وكانت مسألة خلق القرآن الكريم أهم شعارات الاعتزال، وجرى جدل كبير حول هذه القضية ، تحول إلى معارك كلامية ، وعندما استشرت هذه المعارك شعرت السلطات العباسية بالخطر والخوف من قوى المعارضة ، فعمدت الى البطش والتنكيل والإكراه بدل الاقناع العقلي ، وتورط المأمون في هذه المسألة شخصياً ، وأولاها كل اهتمامه، ولم يشغله عنها مشاغل السياسة والحرب ، ففي سنة ٢١٧ ه كان بالرقة متوجهاً نحو الأراضي البيزنطية، فكتب إلى نائبه على بغداد ليرسل سبعة من علماء بغداد ، فأشخصهم اليه ، فامتحنهم بخلق القرآن الكريم، فأجابوه بعد توقف ، فردهم الى بغداد ، وقام نائب
بغداد فجمع من كان فيها من العلماء والمحدثين فأخبرهم بما قال السبعة ، فأجاب بعض العلماء إلى ما أراد ، ورفض أحمد بن حنبل ومحمد بن نوح بإصرار ، فوجه بها الى المأمون الذي كان في طرسوس . وفي الطريق توفي ابن نوح ويقي الامام ابن حنبل وحده يسلم العذاب بلا رحمة ، فصمد صمود المؤمنين، وتوفي المأمون قبل وصول ابن حنبل اليه ، لكن سياسته لم تمت بعده أيام المعتصم ، لذلك طرح ابن حنبل في السجن ، وضرب بالسياط ، ولمدة ثمانية وعشرين شهرا لم تلن للامام ابن حنبل قناة ولم يتزحزح عن موقفه ، حتى أشرف على الهلاك ، لذا أطلق سراحه فالتحق ببيته ولازمه حتى عوفي . وعندها أخذ مجدداً يحدث ويفتي ، واقبل عليه الناس إقبالاً منقطع النظير ، وهم في غاية الاعجاب به والتقدير لشجاعته وإيمانه . ورأت الخلافة الخطر مازال قائماً ، ورأت ان اعتقال الامام ثانية سيؤدي الى ما لا يحمد عقباه. لذلك لجأ الخليفة الواثق الذي خلف المعتصم الى حظر النشاط على الامام ، كما طلب منه ترك بغداد ، واضعار الامام الى التخفي ، هكذا وبقي . حتى توفي الواثق وجاء المتوكل فانتصرت السنة بعد محنة استمرت أربع عشرة سنة . لم تكن محنة القول بخلق القرآن الكريم هي المحنة الوحيدة في حياة الامام أحمد ، ذلك انه عاش محنة الفقر والكفاف طوال حياته ، فهو كان يرفض أعطيات الحكام وصلات الخلفاء تعففاً وتديناً وزهداً ، ذلك أن الزهد كان من صفاته ، وكان زهده مشفوعاً بالاخلاص ، واخلاصه هو الذي مع
دفعه ليس فقط للصمود في أوقات المحن ، بل هو الذي تميز به أثناء عمله تلميذاً ثم إماماً من بعد . وفي مجال العمل العلمي ملك ابن حنبل حافظة قوية واعية ، وقد شهد معاصروه له بذلك ، وشهدوا له أيضاً بالهيئة وحسن العشرة ، وشدة الحياء
تعليق