المقدمة
مع حركات جمع وهذا الاهتمام الفطري تطور مع الأيام ، ورافق تطور الحضارات ، وتفاعل الأخبار وتدوينها تاريخياً ، وعندما صار التاريخ يحوي عدة فنون ، غدا من بينها فن أخبار الأول أو الأوائل ، ولعل المؤرخ الكلاسيكي بلوطر خوس المولود في منتصف القرن الأول للميلاد هو من أقدم المؤرخين الذين وصلنا نتاجهم في هذا الفن ، فقد كتب كتاباً عرف باسم ( العظماء » تحدث فيه عن عظماء اليونان والاغريق والموازنة بينهم [ ترجمه للعربية ميخائيل داود عام ۱۹۲۸ ] . ودون الوقوف طويلا أمام نتاج العصور الكلاسيكية في هذا الباب ، لننتقل الى الحديث عن هذا الفن في الأدب العربي ، على أساس أن علم
فطر الانسان على الرغبة في معرفة أوائل الأشياء وهام في التعرف الى جلائل الأعمال ، وعظيم الانجازات . فقد كان ومازال يسأل: من أول من فعل ، ومن أول من اخترع ، ومن أول من سبق ، ومن أول من نجح ومن أول ، ومن أول ..... ؟
التاريخ عند العرب نشأ نشأة مستقلة ، وتطور بشكل اسلامي أصيل ، يفعل المؤثرات العربية ومقتضيات الاحوال .
والعرب اهتموا بالحديث عن الرجال الأوائل في حياتهم ، وأبدعوا عبارات لغوية خاصة لهذا الفن، فهناك من اهتم بالاوائل من رجال الكرم أو الشجاعة ، أو الوفاء ، أو المعمرين ، أو الشعراء وسواهم ، وحين أول من الرجال بصفات عظيمة شاملة كان يوصف بأنه أمة وحده ونلاحظ مثل هذا الوصف في الحديث النبوي الشريف ، حين وصف النبي أكثر من انسان بأنه سيبعث أُمة وحده تفرد
ومن الملاحظ ان تصنيف الأوائل قد خطأ خطوات واسعة في العصر النبوي ومن بعده الراشدي ، فلقد صحب النبي عدد كبير من الرجال والنساء ، ولكن تميز بين هؤلاء عشرة فقط وهم الذين عرفوا « بالمبشرين بالجنة » .
ورقم عشرة بحد ذاته . ، فنحن عندما نقرأ أخبار السيرة النبوية نلاحظ في البداية اعتماد النظام الستيني في التصنيف مع النظام العشري ، ففي بيعة العقبة الثانية كان عدد النقباء اثني عشر نقيباً ، ومع الايام يبدو أن النظام الستيني قد أهمل شأنه وزاد الاعتماد على النظام العشري وتطور هذا الحال مع تطور الادارة الاسلامية ، وقيام حركات التدوين والتصنيف .
ومن المعتقد أن القصائد العشر الطوال ، أو ما عرف باسم المعلقات العشر واحداً من أقدم الأمثلة على جمع الأوائل وتصنيفها حسب النظام العشري ) ، هذا ومن الملاحظ في نفس الوقت أن بعض الكتاب المبكرين صنف في فن الأوائل بشكل عام دون اعتماد على أي نوع من النظام
الحسابي ، كما فعل محمد بن حبيب المتوفى عام ٢٤٠ ٥ / ٨٦٠م في كتابه المحبر ، وكذلك الحسين بن محمد بن أبي معشر ( ۲۲۰ - ۸۳۱۸ ) في كتابه الاوائل والمدائني والطبراني وسواهم ، ولكن عندما ترسخت قواعد التصنيف عند العرب نجد الكتاب قد التزموا بالتصنيف العددي ، ولعل من أشهر من كتب - ووصلنا كتابه - في هذا الفن أبو هلال العسكري ، فقد صنف في جملة ماصنف ، كتاباً دعاه باسم « الاوائل ( قال في مقدمته : ( وقد رأيت أكثر الخاصة ، وجل العاملة الهجين ، بالسؤال عن أوائل الاعمال ، ومتقدمات الاسماء والافعال ، ولم يجدوا في ذلك كتاباً يجمع فنونها ، ويحوي ضروبها بأخبارها ، وشرح وجوهها وأبوابها ، إلا نبذاً متفرقة في تضاعيف الصحف ، وابتداء الكتب ، لم تذكر أسبابها ، ولم تشرح أبوابها ، فعملت كتابي هذا مشتملا على هذا النوع من الاخبار وحاويا هذا الفن من الآثار ، مشروحاً ملخصاً ، ومهذباً مخلصاً ، لا يشوبه كدر ولا يرهق وجهه قتر ، ليكون عوناً على المذاكرة ، وقوة للمناسمة وجعلته عشرة أبواب )
وغير العسكري نجد أبا الفرج الاصفهاني قد صنف كتابه « الاغاني » ليشرح ويعالج قضية ( مائة صوت ، كان الخليفة الرشيد العباسي قد أمر في عهده باختيارها ، ثم أمر بإختيار عشرة منها ، ثم ثلاثة ، ثم صوت واحد .
وكل هذا يفيد بأن فن الاوائل فن في أدب التاريخ العربي أصيل اعتمد في الماضي ، لكن يبدو أنه اهمل في العصر الحديث ، ذلك أن أعمالنا في التاريخ وأبحاثنا فيه جاءت في البداية وما زالت الى حد كبير مقلدة للأبحاث التي قامت في مدارس الاستشراق تسير على نهجها ، لم تتخلص بعد من شراكها
وفي هذا الواقع المرفوض هناك محاولات جريئة في الوقت الحالي الإعادة النظر فيها كتب بالتاريخ العربي وللعمل على كتابة هذا التاريخ بشكل مستقل أصيل علمي وحيادي يريد الوصول الى الحقيقة وتعليلها تبعاً لمقاييس نابعة من الفكر العربي ، وقائمة على تجارب هذا الفكر الذاتية وليست مستوردة .....
فالعرب كان لهم منذ قيام الاسلام نظرتهم الخاصة الى التاريخ ، ومبادئهم الذاتية التعليل حوادثه ، ونحن عندما نقرأ القرآن الكريم يمكن أن نلاحظ فيه وجود « فلسفة تاريخية خاصة » كما يمكن أن نستخرج مما جاء في القرآن الكريم والحديث الشريف معالم أسس مدرسة عربية اسلامية التعليل التاريخ
إن هذا الموضوع من الخطوره بمكان ، تكفي الآن إثارته في هذه المقدمة على أمل العودة اليه ، والوقوف عنده بشكل مستقل ، إنما يجدر أن نذكرها هنا أن كتابنا الذي نقدم له اليوم ما هو الا محاولة للتأريخ لماضي امتنا ، تبعاً لقواعد مدرسة فلسفية للتاريخ اسلامية أصيلة .
ان الكتاب الذي نقدمه اليوم للقارىء يبحث في قضايا تاريخ أمتنا وماضيها من خلال أفراد ، وهو قد اتخذ الافراد رمزاً لقضايا هم أسهموا فيها فأثروا وتأثروا ، إنه على هذا الاساس لا يمجد دور الفرد البطل في صناعة أحداث التاريخ ، ولكن بنفس الوقت لا يلغي هذا الدور ، بل يضعه في مكانه الطبيعي .
وجاءت فكرة الكتاب منذ بضعة أشهر ، أثر صدور كتاب « المائة الأوائل ، للدكتور مايكل هارت ، فقد جاء هذا الكتاب كمذكر ، وعلى قاعدة التحدي والاستجابة قرر المؤلفان الشروع في صناعة كتاب .
مع حركات جمع وهذا الاهتمام الفطري تطور مع الأيام ، ورافق تطور الحضارات ، وتفاعل الأخبار وتدوينها تاريخياً ، وعندما صار التاريخ يحوي عدة فنون ، غدا من بينها فن أخبار الأول أو الأوائل ، ولعل المؤرخ الكلاسيكي بلوطر خوس المولود في منتصف القرن الأول للميلاد هو من أقدم المؤرخين الذين وصلنا نتاجهم في هذا الفن ، فقد كتب كتاباً عرف باسم ( العظماء » تحدث فيه عن عظماء اليونان والاغريق والموازنة بينهم [ ترجمه للعربية ميخائيل داود عام ۱۹۲۸ ] . ودون الوقوف طويلا أمام نتاج العصور الكلاسيكية في هذا الباب ، لننتقل الى الحديث عن هذا الفن في الأدب العربي ، على أساس أن علم
فطر الانسان على الرغبة في معرفة أوائل الأشياء وهام في التعرف الى جلائل الأعمال ، وعظيم الانجازات . فقد كان ومازال يسأل: من أول من فعل ، ومن أول من اخترع ، ومن أول من سبق ، ومن أول من نجح ومن أول ، ومن أول ..... ؟
التاريخ عند العرب نشأ نشأة مستقلة ، وتطور بشكل اسلامي أصيل ، يفعل المؤثرات العربية ومقتضيات الاحوال .
والعرب اهتموا بالحديث عن الرجال الأوائل في حياتهم ، وأبدعوا عبارات لغوية خاصة لهذا الفن، فهناك من اهتم بالاوائل من رجال الكرم أو الشجاعة ، أو الوفاء ، أو المعمرين ، أو الشعراء وسواهم ، وحين أول من الرجال بصفات عظيمة شاملة كان يوصف بأنه أمة وحده ونلاحظ مثل هذا الوصف في الحديث النبوي الشريف ، حين وصف النبي أكثر من انسان بأنه سيبعث أُمة وحده تفرد
ومن الملاحظ ان تصنيف الأوائل قد خطأ خطوات واسعة في العصر النبوي ومن بعده الراشدي ، فلقد صحب النبي عدد كبير من الرجال والنساء ، ولكن تميز بين هؤلاء عشرة فقط وهم الذين عرفوا « بالمبشرين بالجنة » .
ورقم عشرة بحد ذاته . ، فنحن عندما نقرأ أخبار السيرة النبوية نلاحظ في البداية اعتماد النظام الستيني في التصنيف مع النظام العشري ، ففي بيعة العقبة الثانية كان عدد النقباء اثني عشر نقيباً ، ومع الايام يبدو أن النظام الستيني قد أهمل شأنه وزاد الاعتماد على النظام العشري وتطور هذا الحال مع تطور الادارة الاسلامية ، وقيام حركات التدوين والتصنيف .
ومن المعتقد أن القصائد العشر الطوال ، أو ما عرف باسم المعلقات العشر واحداً من أقدم الأمثلة على جمع الأوائل وتصنيفها حسب النظام العشري ) ، هذا ومن الملاحظ في نفس الوقت أن بعض الكتاب المبكرين صنف في فن الأوائل بشكل عام دون اعتماد على أي نوع من النظام
الحسابي ، كما فعل محمد بن حبيب المتوفى عام ٢٤٠ ٥ / ٨٦٠م في كتابه المحبر ، وكذلك الحسين بن محمد بن أبي معشر ( ۲۲۰ - ۸۳۱۸ ) في كتابه الاوائل والمدائني والطبراني وسواهم ، ولكن عندما ترسخت قواعد التصنيف عند العرب نجد الكتاب قد التزموا بالتصنيف العددي ، ولعل من أشهر من كتب - ووصلنا كتابه - في هذا الفن أبو هلال العسكري ، فقد صنف في جملة ماصنف ، كتاباً دعاه باسم « الاوائل ( قال في مقدمته : ( وقد رأيت أكثر الخاصة ، وجل العاملة الهجين ، بالسؤال عن أوائل الاعمال ، ومتقدمات الاسماء والافعال ، ولم يجدوا في ذلك كتاباً يجمع فنونها ، ويحوي ضروبها بأخبارها ، وشرح وجوهها وأبوابها ، إلا نبذاً متفرقة في تضاعيف الصحف ، وابتداء الكتب ، لم تذكر أسبابها ، ولم تشرح أبوابها ، فعملت كتابي هذا مشتملا على هذا النوع من الاخبار وحاويا هذا الفن من الآثار ، مشروحاً ملخصاً ، ومهذباً مخلصاً ، لا يشوبه كدر ولا يرهق وجهه قتر ، ليكون عوناً على المذاكرة ، وقوة للمناسمة وجعلته عشرة أبواب )
وغير العسكري نجد أبا الفرج الاصفهاني قد صنف كتابه « الاغاني » ليشرح ويعالج قضية ( مائة صوت ، كان الخليفة الرشيد العباسي قد أمر في عهده باختيارها ، ثم أمر بإختيار عشرة منها ، ثم ثلاثة ، ثم صوت واحد .
وكل هذا يفيد بأن فن الاوائل فن في أدب التاريخ العربي أصيل اعتمد في الماضي ، لكن يبدو أنه اهمل في العصر الحديث ، ذلك أن أعمالنا في التاريخ وأبحاثنا فيه جاءت في البداية وما زالت الى حد كبير مقلدة للأبحاث التي قامت في مدارس الاستشراق تسير على نهجها ، لم تتخلص بعد من شراكها
وفي هذا الواقع المرفوض هناك محاولات جريئة في الوقت الحالي الإعادة النظر فيها كتب بالتاريخ العربي وللعمل على كتابة هذا التاريخ بشكل مستقل أصيل علمي وحيادي يريد الوصول الى الحقيقة وتعليلها تبعاً لمقاييس نابعة من الفكر العربي ، وقائمة على تجارب هذا الفكر الذاتية وليست مستوردة .....
فالعرب كان لهم منذ قيام الاسلام نظرتهم الخاصة الى التاريخ ، ومبادئهم الذاتية التعليل حوادثه ، ونحن عندما نقرأ القرآن الكريم يمكن أن نلاحظ فيه وجود « فلسفة تاريخية خاصة » كما يمكن أن نستخرج مما جاء في القرآن الكريم والحديث الشريف معالم أسس مدرسة عربية اسلامية التعليل التاريخ
إن هذا الموضوع من الخطوره بمكان ، تكفي الآن إثارته في هذه المقدمة على أمل العودة اليه ، والوقوف عنده بشكل مستقل ، إنما يجدر أن نذكرها هنا أن كتابنا الذي نقدم له اليوم ما هو الا محاولة للتأريخ لماضي امتنا ، تبعاً لقواعد مدرسة فلسفية للتاريخ اسلامية أصيلة .
ان الكتاب الذي نقدمه اليوم للقارىء يبحث في قضايا تاريخ أمتنا وماضيها من خلال أفراد ، وهو قد اتخذ الافراد رمزاً لقضايا هم أسهموا فيها فأثروا وتأثروا ، إنه على هذا الاساس لا يمجد دور الفرد البطل في صناعة أحداث التاريخ ، ولكن بنفس الوقت لا يلغي هذا الدور ، بل يضعه في مكانه الطبيعي .
وجاءت فكرة الكتاب منذ بضعة أشهر ، أثر صدور كتاب « المائة الأوائل ، للدكتور مايكل هارت ، فقد جاء هذا الكتاب كمذكر ، وعلى قاعدة التحدي والاستجابة قرر المؤلفان الشروع في صناعة كتاب .
تعليق