هل ستستعيد اليونان آثارها المنهوبة من بريطانيا؟
سمير رمان 19 فبراير 2023
هنا/الآن
رخام بارثينون (رخام "إلغين") في المتحف البريطاني بلندن(9/1/2023/فرانس برس)
شارك هذا المقال
حجم الخط
تشهد الساحة الثقافية في بريطانيا في الأشهر الأخيرة جدلًا واسعًا حول إمكانية إعادة المتحف البريطاني إلى اليونان منحوتات أثرية كان اللورد إلغين/ Elgin، أو الكونت توماس بروس، قد أخرجاها من هناك في بداية القرن التاسع عشر.
وزيرة الثقافة البريطانية، ميشيل دونيلان، أعلنت أنّها لا تؤيد إعادة المنحوتات إلى متحف البارثينون اليوناني. وعلى الرغم من تكتم المتحف البريطاني، فقد تسربت إلى وسائل الإعلام إشاعات عن احتمال إبرام صفقة بهذا الخصوص. فلماذا تعد "مرمريات إلغين" على هذه الدرجة من الأهمية لعالم المتاحف؟
يعود الجدل حول هذا الموضوع إلى أكثر من مئتي عام، حين نقل توماس بروس (1766 ـ 1841) إلى بريطانيا قطعًا أثرية من متحف البارثينون في أثينا تعود إلى القرن الخامس قبل الميلاد. حدثت الواقعة في سبتمبر/ أيلول من عام 1802، إذ غادرت سفينة "مينيتور" ميناء بيرينيه اليوناني متجهة إلى بريطانيا وعلى متنها أكثر من 200 صندوق تضم كثيرًا من القطع الأثرية المهمة. جرى تنظيم الرحلة على عجلٍ، إذ تسارعت وتيرة التغيرات السياسية الخارجية حول اليونان، مثل الحلف العسكري الذي أبرمته تركيا مع فرنسا، عندما كانت اليونان جزءًا من الإمبراطورية العثمانية، فأوقف اللورد إلغين الشغوف بالآثار القديمة عمليات التنقيب الخيرية التي كان يقوم بها، وأمر بـ "أخذ كلّ شيءٍ بأقصى سرعة... وإلا سيضيع كلّ شيء... فلن يبقى هنا حجرٌ على حجر". لا يمكن القول إنّه لم تكن هنالك مبررات لهذه الفوضى، فالأكروبول في أثينا أصبح في تلك الفترة قلعةً تركية، ونصبت المدافع التركية في بوابات Propylon. من ناحية أُخرى، لم يأل جيران اليونان الأوروبيون جهدًا في سرقة آثار البارثينون: فمنذ عام 1797، بدأ الفرنسيون بنقل قطعٍ من البارثينون، وانتقلت أُجزاءٌ أُخرى إلى إيطاليا، والنمسا، وألمانيا. وفي الحقبة النابليونية، اكتشف جنود نابليون هذا الأمر، وأصبح نقل الآثار الفنية، باعتبارها غنائم حربية، نوعًا من الرياضة.
تكمن خصوصية ما قام به اللورد إلغين، التي جاءت مختلفة عن ما قام به اللصوص الآخرون في تلك الفترة، بحصوله على موافقة السلطات التركية على إخراج تلك الآثار، أي أنّ أعماله ربما لم تكن من الناحية القانونية عمليات سطو وسرقة.
حول هذه النقطة التاريخية بالتحديد، كان الجدل يدور منذ أكثر من قرنين. وعندما نالت اليونان استقلالها عام 1830، راحت تصرّ على ملكيتها لهذه الآثار، وعلى أنّها تعرضت للسرقة، في حين تؤكد المملكة المتحدة أنّ هذه الآثار من ممتلكاتها القانونية. ولهذا، فإنّ أي خبرٍ يتعلق بالبارثينون يؤجج المشاعر على الفور.
"قالت وزيرة الثقافة البريطانية، ميشيل دونيلان، إنّها ليست مستعدة للتنازل عن حق امتلاك هذه الاعمال الفنية، وأوضحت أنّ عودة الرخاميات إلى اليونان ستشكل سابقة خطيرة" |
تدور شائعات كثيرة حول المفاوضات المحتملة، خاصةً بسبب غموض البيانات الصحافية الصادرة عن المتحف البريطاني. ولحسن الحظ، ظهرت في الخريف الماضي أبحاث تاريخية تثبت أن اللورد إلغين قد استورد الرخاميات وأدخلها إلى بريطانيا من دون دفع رسومٍ جمركية، وبمعرفة وزير الخارجية آنذاك، الذي كان يأمل في إعادة شراء الكنز لصالح الدولة (وهو ما حصل بالفعل عام 1832)، الأمر الذي يبدو مخالفة فاضحة للقانون. وجاءت الضربة الثانية عندما قرر البابا فرانسيس في 19 ديسمبر/ كانون الأول الماضي إعادة ثلاث قطع من مقتنيات البارثينون التي كانت من ضمن مجموعة متاحف الفاتيكان منذ قرنين من الزمن. ولكن يجب الإشارة إلى أنّ بيان الفاتيكان الموجز ذكر أنّ البابا فرانسيس قد أعطاها إلى رئيس الأساقفة جيرونيم الثاني، رئيس الكنيسة الأرثوذكسية اليونانية والزعيم الروحي لليونان على شكل "تبرّع"، تعبيرًا عن "رغبته الصادقة في اتباع الطريق العالمي للحقّ".
من جانبٍ آخر، يصبّ تفاعل الرأي العام مع الحدث الزيت على النار: فقد أظهرت استطلاعات الراي التي أجراها youGov ، بتكليف من Parthenon Project (وهي مجموعة تدافع عن حقّ الاسترداد، أي إعادة دولةٍ لأخرى الممتلكات المستولى عليها من دون وجه حق أثناء الحروب)، أنّ 53% يؤيدون حق استعادة الدول آثارها المسروقة، في حين لم يحدد 20% موقفهم، بينما رفض 21% من المستطلعين إعادة الآثار. لم يعد صوت الشعب بلا قيمة: أحد أنصار إعادة المنحوتات المرمرية إلى اليونان هو الفنان المشهور والكاتب ستيفن فراي، الذي يشكل موقفه سابقة رائعة، على الرغم من أنّ دوافعه قد تكون ناجمة عن مواقف سياسية يسارية.
كان الشاعر البريطاني، اللورد جورج بايرون، أول أديب بريطاني وقف مؤيدًا لإعادة الكنوز إلى اليونان. فقد هاجم الشاعر الشهير "اللصّ إلغين"، وسخر منه في إحدى أهمّ قصائده المشهورة "حج تشايلد هارولد" عام 1812. بغض النظر عن دوافع مؤيدي الإعادة (كانت دوافع بايرون أكثر جمالية، في حين نرى اليوم أنّ جوهر موقف مؤيدي حق اليونان في استعادة الآثار مليء بالسياسة والأيديولوجيا).
في الأشهر الأخيرة، ازدادت الشائعات قوة حول إمكانية إبرام صفقة لإعادة المنحوتات. وفي ديسمبر الماضي، أكّد وزراء يونانيون أنّ المفاوضات السريّة بين المتحف البريطاني والحكومة اليونانية مستمرة منذ أكثر من عام.
جاء رد المتحف البريطاني حذرًا: "يدعو المتخف علنًا إلى إقامة شراكة جديدة مع اليونان بشأن قضية البارثينون، ونحن على استعداد للتحدث إلى أي شخص، بما في ذلك الحكومة اليونانية، حول كيفية المضي قدمًا". كما صرّح رئيس مجلس الأمناء الشهر الماضي: "نحن نتصرف في إطار القانون، ولا ننوي تفكيك مجموعتنا العظيمة، لأنها تروي القصة الفريدة لإنسانيتنا المشتركة". أمّا وزيرة الثقافة البريطانية، ميشيل دونيلان، فقالت إنّها ليست مستعدة للتنازل عن حق امتلاك هذه الأعمال الفنية، لأنّ عودة الرخاميات إلى اليونان ستشكل "سابقة خطيرة".
وكما هو معروف، بالإضافة إلى بلاد الإغريق، تشكل بلاد الرافدين، ووادي النيل، وكذلك بلاد الشام، مراكز حضارية خلفت آثارًا مذهلة، لكنها تعرضت، وما زالت تتعرض، لكلّ أشكال النهب والسرقة من قبل المستعمر الأوروبي، ومن قبل لصوص الآثار. فهل تبذل الحكومات جهودًا حقيقية في توثيق ومتابعة الآثار المنهوبة، وهل تتخذ الإجراءات القانونية لإعادتها إلى موطنها الأصلي؟