في رحيل ناظم مهنا: انحاز طيلة الوقت للقصة القصيرة
راسم المدهون 14 فبراير 2023
هنا/الآن
ناظم مهنا
شارك هذا المقال
حجم الخط
تجربة الكاتب السوري ناظم مهنا الذي رحل قبل أيام في دمشق، تنوعت في انتقالاتها بين الأجناس الأدبية ولكنها ظلت طيلة الوقت منحازة بشغف العاشق إلى القصة القصيرة. هو صاحب الرؤية الحداثية التي تؤكد على أهمية الشكل وفنيات السرد باعتبارها صلة التواصل بين القارئ وحدث القصة التي كان ناظم مهنا يؤمن أنها لا بد أن تحمل المتعة وأن تشرك قارئها في التفاعل مع سردها الأنيق وجاذبيته العالية.
ناظم مهنا ولد في مدينة "جبلة" عام 1960 ونال إجازة جامعية في الأدب العربي من جامعة دمشق وواظب منذ تخرجه على الكتابة والنشر في الصحف والمجلات السورية والعربية حتى تسلم عام 2016 رئاسة تحرير مجلة "المعرفة"، أعرق المجلات الأدبية في سورية، والتي تصدرها وزارة الثقافة السورية منذ عام 1960 وظل رئيسًا لتحريرها حتى وفاته قبل أيام.
بين زملائه ومجايليه عاش الراحل مسكونًا بالكتابة وبما تمتلكه من قدرة على التغيير الاجتماعي، وبعيدًا عن الشعارات المباشرة مارس الكتابة من نبعين هامين أولهما الإيمان العميق بدور الكاتب في مجتمعه وأهمية الانتماء لقضايا هذا المجتمع وحياته اليومية، وثانيهما طموحه المستمر لتحقيق أسلوبه الخاص بين كتاب القصة السورية التي عرفت قبله تجارب وأسماء كبيرة منذ سعيد حورانية وزكريا تامر في مطلع خمسينيات القرن الفائت.
نتحدث عن تجربة ناظم مهنا القصصية فتحضر موضوعات قصصه التي كثيرًا ما استقت نبعها ومسارها من أزمنة قديمة وكأنه كان يواصل اقتناعه بالخيط الذي ينتظم التاريخ وأزمنته ومراحله المختلفة فتذهب قصصه لتلك الأزمنة باعتبارها هي أيضًا تمتلك حيويتها بل لعلها تمتلك الموضوعات ذاتها خصوصًا حين يتعلق الأمر بقضايا الإنسان وهمومه وما يحمل في روحه من آمال وطموحات.
عرفت الراحل ناظم مهنا في مطلع التسعينيات هادئًا لكنه يحضر بتفاعل في السهرات ومجالس الأصدقاء ويقدم آراءه بتواضع وبساطة ولكن أيضًا بعمق ويحرص على احترام آراء الآخرين ويناقشهم فيها بهدوء كان يتميز به بين زملائه ومجايليه. صدرت له مجموعات قصصية منها "الأرض القديمة"، "منازل صفراء ضاحكة"، وكتابان عن الشاعرين السوريين محمد الماغوط وممدوح عدوان ورواية وحيدة.
حضور إنتاجه القصصي كما حضور اسمه في الساحة الثقافية جاء في زمن ازدهرت فيه الكتابة القصصية بشكل لافت في سورية، حيث شهدت العقود الأخيرة إقبال أعداد كبيرة من الكتاب الشباب ومن الجنسين على القصة وظهرت في الساحة عشرات المجموعات القصصية سنويا وكان الراحل بين كل هؤلاء الأكثر حرصا على الانحياز للقيمة الفنية والجمالية والأقل بينهم في عدد المجموعات التي أصدرها بسبب من إصراره على انتقاء الأفضل بين كل ما يكتبه وهي ملاحظة تعيدنا إلى سعيه الذي لم ينقطع لتحقيق مشروعه الأدبي الذي يستند إلى رؤية فنية وإلى أفكار متجددة تنقب في الواقع الاجتماعي وتبحث لقضاياه عن حضورها الفني في قصصه.
ناظم مهنا رحل عن 63 عامًا عاشها في قلب الحياة الثقافية وكان خلالها شغوفًا بالقراءات الواسعة والتي تتصف بالتأمل العميق في كل ما يقرأ ما أكسبه معرفة غزيرة بالأدب العالمي.
هو واحد من نجوم الكتابة الأدبية الواعية وهو الصديق الذي ظل حاضرًا في حياة أصدقائه وكل من عرفوه خلال حياته التي حملت الوعد مثلما حملت الصدق في زمن تباعد فيه الأصدقاء وتباعدت أماكن عيشهم وهم سيتذكرون دائما وبالحب كله صديقهم الموهوب وصاحب البسمة الدائمة، فيما ستظل في مخيلتي ذكرى آخر غداء دعاني إليه ناظم في بيته البسيط ولكن المفعم بالألفة...
راسم المدهون 14 فبراير 2023
هنا/الآن
ناظم مهنا
شارك هذا المقال
حجم الخط
تجربة الكاتب السوري ناظم مهنا الذي رحل قبل أيام في دمشق، تنوعت في انتقالاتها بين الأجناس الأدبية ولكنها ظلت طيلة الوقت منحازة بشغف العاشق إلى القصة القصيرة. هو صاحب الرؤية الحداثية التي تؤكد على أهمية الشكل وفنيات السرد باعتبارها صلة التواصل بين القارئ وحدث القصة التي كان ناظم مهنا يؤمن أنها لا بد أن تحمل المتعة وأن تشرك قارئها في التفاعل مع سردها الأنيق وجاذبيته العالية.
ناظم مهنا ولد في مدينة "جبلة" عام 1960 ونال إجازة جامعية في الأدب العربي من جامعة دمشق وواظب منذ تخرجه على الكتابة والنشر في الصحف والمجلات السورية والعربية حتى تسلم عام 2016 رئاسة تحرير مجلة "المعرفة"، أعرق المجلات الأدبية في سورية، والتي تصدرها وزارة الثقافة السورية منذ عام 1960 وظل رئيسًا لتحريرها حتى وفاته قبل أيام.
بين زملائه ومجايليه عاش الراحل مسكونًا بالكتابة وبما تمتلكه من قدرة على التغيير الاجتماعي، وبعيدًا عن الشعارات المباشرة مارس الكتابة من نبعين هامين أولهما الإيمان العميق بدور الكاتب في مجتمعه وأهمية الانتماء لقضايا هذا المجتمع وحياته اليومية، وثانيهما طموحه المستمر لتحقيق أسلوبه الخاص بين كتاب القصة السورية التي عرفت قبله تجارب وأسماء كبيرة منذ سعيد حورانية وزكريا تامر في مطلع خمسينيات القرن الفائت.
نتحدث عن تجربة ناظم مهنا القصصية فتحضر موضوعات قصصه التي كثيرًا ما استقت نبعها ومسارها من أزمنة قديمة وكأنه كان يواصل اقتناعه بالخيط الذي ينتظم التاريخ وأزمنته ومراحله المختلفة فتذهب قصصه لتلك الأزمنة باعتبارها هي أيضًا تمتلك حيويتها بل لعلها تمتلك الموضوعات ذاتها خصوصًا حين يتعلق الأمر بقضايا الإنسان وهمومه وما يحمل في روحه من آمال وطموحات.
بعيدًا عن الشعارات المباشرة مارس الكتابة من نبعين هامين أولهما الإيمان العميق بدور الكاتب في مجتمعه وأهمية الانتماء لقضايا هذا المجتمع وحياته اليومية، وثانيهما طموحه المستمر لتحقيق أسلوبه الخاص بين كتاب القصة السورية |
حضور إنتاجه القصصي كما حضور اسمه في الساحة الثقافية جاء في زمن ازدهرت فيه الكتابة القصصية بشكل لافت في سورية، حيث شهدت العقود الأخيرة إقبال أعداد كبيرة من الكتاب الشباب ومن الجنسين على القصة وظهرت في الساحة عشرات المجموعات القصصية سنويا وكان الراحل بين كل هؤلاء الأكثر حرصا على الانحياز للقيمة الفنية والجمالية والأقل بينهم في عدد المجموعات التي أصدرها بسبب من إصراره على انتقاء الأفضل بين كل ما يكتبه وهي ملاحظة تعيدنا إلى سعيه الذي لم ينقطع لتحقيق مشروعه الأدبي الذي يستند إلى رؤية فنية وإلى أفكار متجددة تنقب في الواقع الاجتماعي وتبحث لقضاياه عن حضورها الفني في قصصه.
ناظم مهنا رحل عن 63 عامًا عاشها في قلب الحياة الثقافية وكان خلالها شغوفًا بالقراءات الواسعة والتي تتصف بالتأمل العميق في كل ما يقرأ ما أكسبه معرفة غزيرة بالأدب العالمي.
هو واحد من نجوم الكتابة الأدبية الواعية وهو الصديق الذي ظل حاضرًا في حياة أصدقائه وكل من عرفوه خلال حياته التي حملت الوعد مثلما حملت الصدق في زمن تباعد فيه الأصدقاء وتباعدت أماكن عيشهم وهم سيتذكرون دائما وبالحب كله صديقهم الموهوب وصاحب البسمة الدائمة، فيما ستظل في مخيلتي ذكرى آخر غداء دعاني إليه ناظم في بيته البسيط ولكن المفعم بالألفة...